في رحاب آية

عبدالأعلى

بيلساني فعال

إنضم
Mar 24, 2012
المشاركات
131
مستوى التفاعل
6
بسم الله الرحمـن الرحيم
في رحاب آية

{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
بسم الله الرحمـن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد : يقول الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)
من المعلوم أنَّ الله تعالى خلق هذا الكون وبما فيه من سماوات ذات أبراج أراضين ذات فجاج وما بينهما من نجوم وأبراج ، ومن جنة ونار إلى غير ذلك من خلق الله تعالى مالا يعلمه إلا الله
{ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } وهذا كله من عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى
و من بديع صنعه إنه عليم حكيم ، وسنَّ سبحانه وتعالى في خلقه سنن كونية ، وجعلها سنن ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، سنة الله في خلقه
{ ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا } مثال ما أخبر به سبحانه وتعالى أن ما كان من قبل السنن كالطعام يشبع والماء يروي والنار تحرق والحديد يقطع لا يبدله تعالى بل يبقي كذلك لأنه مبني على أساس الحكم التشريعية ، وكذلك من سنة الله في خلقه ما جاء في قوله تعالى : (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) يقول عز وجل مبشرا لعباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ولانهزم جيش الكفر فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين ثم قال تبارك وتعالى (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا) أي هذه سنة الله وعادته في خلقه ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعددهم وكثرة عدد المشركين وعددهم وجعل الله تعالى من سننه الثابتة والتي لا تتغير ولا تتبدل ، ما جاء في قوله تعالى : { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً } (طـه 23 1 124 ) لما خلق الله الخلق خلقهم على الفطرة وهي توحيد الخالق جلَّ وعلا في علاه ، وأرسل لهم رسلاً مبشرين ومنذرين ، ووعدهم الله تعالى وسنَّ عليهم سننه ، وإنَّ من سننه سبحانه أنه من اتبع هداه وهو ما بعث به الرسل فلا يضل ولا يشقى " أي في الدنيا والآخرة " ومن أعرض عن الذكر وهي الكتب والصحف التي أنزلها الله على الرسل وتولى عنها ، فإن له معيشة ضنكا ، أي ضيقة تضيق بها نفسه فلم يشعر بالغبطة والسعادة وان اتسع رزقه ، هذا في الدنيا ، وفي الحياة البرزخية يضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة مكثه فيه ، وفي الآخرة يحشره الله تعالى أعمى والعياذ بالله .
أخي في الله اعلم وإنَّ من سنن الله تعالى التي سنها وأجراها على خلقه ، أن جعل المعاصي سبب كل عناء ، وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، وأما أهلك الله تعال أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وتاب إلا بتوبة وطاعة ، فإنَّ ما أصاب الناس من ضر وضيق في كل مجال من المجالات فردياً كان أو جماعياً ، هو بسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل ونسيانهم شريعته . وكتاب الله تعالى خير شاهد ، فقد عمَّ قوم نوح الغرق ، وأهلكت عاداً الريح العقيم ، وأخذت ثمود الصيحة ، وقُلِبَت قرى قوم نوح عليهم ، قال سبحانه وتعالى : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } (العنكبوت:40) إنَّ أضرار المعاصي ، وشؤم الذنوب عظيم وخطير ؛ فهي موجبة للذل والحرمان ، جالبة للصد عن سبيل الرحمـن ، تورث الهوان ، هكذا قضى الملك الديان ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهمبينهم )) رواه ابن ماجه واللفظ له والبزار والبيهقي وهو صحيح .
و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب و ما يدفع الله عنه أكثر )) صحيح الجامع الصغير
إذاً فالمعصية جعلها الله سبحانه وتعالى سبب كل شقاء وبلاء ، كما جعل الله تعالى الطاعة سبب كل رخاء وهناء ،
فالمعصية إذاً تزيل النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب . قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
عن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته )) صحيح السلسلة.
وعن الحسن البصري ، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبأس لك لما نرى فيك قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الآية (
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) .وقال تعالى : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً } (النساء:123)
وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11) يخبر الله تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء وصفاء ورغد وعيش بسب إيمانهم وصالح أعمالهم ، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله إياها عند ذلك ، ومقابل ذلك إذا غيَّر العباد ما بأنفسهم من المعصية فانتقلوا إلى طاعة الله غيَّر الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة . وقال أيضاً :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (لأنفال:53) إشارة إلى ما أنزل الله من عذاب على الأمم المكذبةالكافرة الظالمة ، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن يغيِّر نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء ، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا ، أو يظلموا أو يفسقوا ويفجروا ، وعندئذٍ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد هذا إذا رحمهم الله ولم يأخذهم بالإبادة الشاملة والاستئصال التام . قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أكثر وأعز ممن يعمل بها ، ثم لا يغيرونه إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب)) ( 3353 ) ( الصحيحة )
وعن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "" ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا "" . حديث حسن
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم
وقال فيه ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله رواه أبو يعلى بإسناد جيد وحسنه الألباني .
وجاء في شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني "ولا ندعوا عليهم أي الحكَّام - ولا ننزع يدا من طاعتهم . وقد ذكر الشارح في ذلك أحاديث كثيرة تراها مخرجة في كتابه ، ثم قال: "" وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل . قال تعالى:
( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) [ الشورى: 30 ] ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) [ الأنعام: 129 ] فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم فليتركوا الظلم . قلت: - أي قول الألباني - وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم "" من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا "" وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ، ويصححوا عقيدتهم ، ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح ، تحقيقا لقوله تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) [ الرعد: 11 ]
والأمثلة على ذلك كثيرة فأمثلة الأعراض عن ذكر الله نذكر منها : فعن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول : (( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث )) رواه البخاري ومسلم . ومثال الإعراض كذلك ، قوله صلى الله عليه وسلم (( إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )) رواه أبو داود عن ابن عمر ، أنظر صحيح الجامع الصغير .
وما نرى من حالة الذل التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم والهوان من تسلط أذل وأحقر أمة وجدت على وجه الأرض من اليهود إخوان القردة والخنازير ، ومن أمريكان وإنكليز صليبيين حاقدين ومن شيوعيين ملحدين ومن عباد البقر الهندوس النجسين إلا كان سبب ذلك المعاصي التي وقت بها الأمة الإسلامية ، من أكل للربى وسفك للدماء وعقوق الوالدين وقطع الأرحام والزنى وأكل مال اليتيم والسرقة وأخذ الرشوة وانتشار شهادة الزور والغيبة والنميمة والظلم للآخرين وأكل الحقوق بالباطل وترك الصلاة وعدم إيتاء الزكاة إلى غير ذلك، فبهذا كله أحلوا بأنفسهم عذاب الله تعالى وخير شاهد على الحديث الذي ذكرناه آنفاً هو واقع الأمة اليوم والذي لم ولن يتغير إلا بالتوبة إلى الله تعالى والعودة الصحيحة لهذا الدين العظيم وهذه سنة الله في خلقه { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد:11)
وأخيراً فهذا شيء يسير دندنا به حول هذه الآية { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته


ملاحظة

نقلتها من رسالة للشيخ أحمد رزوق وأختصرت منها لعدم الاطاله
عبد الأعلى

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

Queen

مشرفة

إنضم
Nov 28, 2009
المشاركات
3,344
مستوى التفاعل
34
المطرح
In my dreams
جزاك الله جنة الفردوس .. موضوع رائع
 
أعلى