قـــصـــر لـــــم يـــكـــتـــمـــل ( قصة من الواقع الأليم )

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي

عندما سمع الصغار صوت سيارة والدهم تقترب بدأوا بالقفز والصراخ وهم ينادون والدتهم ماما لقد وصل أخيراً . . اقترب منهم وهو يضحك لرؤيتهم جالسين على حقائبهم الصغيرة في الخارج في انتظار وصوله فسألهم هيا يا أولاد هل أنتم جاهزون؟ صرخ الأولاد بفرح: نعم هل سننطلق الآن يا والدي؟ أجابهم بدهاء ومكر: سأتناول طعام الغذاء ثم أرتاح قليلاً وننطلق، فقالوا: يا الله لقد طلبت منا أن نخرج الأغراض لأنك لن تضيع الوقت في الدخول إلى المنزل، وقد جهزت لك والدتي ساندويتشات لتأكلها على الطريق! ضحك وقال: أنا أمزح معكم هيا اركبوا في السيارة، صرخوا: يعيش بابا! خرجت والدتهم على أصوات صراخهم وهي تقفل باب المنزل وكيس الطعام لزوجها في يدها .


كانت تلك العطلة بالنسبة لهم مهمة جداً، إذ إن مناقصة بناء مجمع قد رست على الشركة التي يملكها فكانت فرحته لا توصف لأنه لم يتوقع أن يفوز بها، وما أن رست عليه حتى بدأ بالعمل الشاق فهو مهندس استشاري يملك مكتب هندسة استشارية وشركة مقاولات أسسها مؤخراً، أخذت الكثير من وقته وجهده . كان يعمل بكد ليل نهار لم يكن يرى أولاده إلا في ما ندر، لأنه كان يعمل حتى أيام الجمعة كان يذهب إلى المسجد فقط ويعود إلى الشركة، وكانت زوجته متفهمة جداً تشجعه وتفعل أكثر من قدرتها لتسعده عندما يأتي إلى المنزل، فهي عاقلة وتفهم أن ما يقوم به والتعب الذي يتعبه هو في النهاية لها ولأولادهما، فقد رزقهما الله بأربعة أولاد أكبرهم يبلغ الثانية عشرة، وأصغرهم في الرابعة من العمر . كان يحبهم بشكل جنوني وكان يحزن عندما يعود في المساء متأخراً ويجدهم قد خلدوا إلى النوم فيدخل غرفهم ويقبلهم ويدثرهم ثم يجلس وهو يقول لزوجته: لقد اشتقت إليهم جداً فأنا لا أراهم إلا نياماً ما هذه الحالة؟ فكانت تصبره وتقول: لا بأس يا حبيبي فهم يعلمون أنك تتعب لكي تؤمن لهم حياة كريمة . صحيح أنهم يشتاقون إليك كثيراً لكنني دائماً أقول لهم لنفرض أنه مسافر للعمل في الخارج، لكن الصغير لا يفهم هو يريد أن يراك فقط، وإن استطعت يا يعقوب أن تتفرغ لهم ليوم واحد فقط فسيفرحون، خاصة الصغير فهو في حاجة ماسة لك وهو متعلق بك بشكل كبير، أنت تعلم كم أتعب معه كل ليلة كي ينام لأنك عودته أن تضعه في فراشه كل ليلة وتقرأ له القصص، وهو الآن عندما أحاول أن أفعل مثلك يقول لي: ألا تعرفين القراءة جيداً؟ أقول له: لماذا يا حبيبي فأنا أقرأ لك تماماً ما هو مكتوب، فيقول: لا، بابا يعرف القراءة أكثر منك، ضحك يعقوب قائلاً لها: أنت لا تجيدين المؤثرات الصوتية والحركات التي ترافق القصة متى تخفضين صوتك ومتى ترفعينه . ضحكا معاً ثم قال لها: أتعلمين شيئاً يا أم جاسم معك حق يجب أن أجد الوقت لأكون معهم، حتى أنا تعبت من العمل وأريد أن أرتاح قليلا فالحمد لله لقد رتبنا كل شيء وتعاقدنا مع مقاولين من كل الاختصاصات، إذن يجب قبل أن نبدأ بالتنفيذ والعمل أن أصحبكم إلى مكان بعيد من هنا لقضاء عدة أيام هكذا نرتاح جميعنا ونعود بنشاط أكبر، وعدها بذلك، مضيفاً: في الأسبوع المقبل بإذن الله سأحجز في أحد الفنادق على البحر ونقضي إجازة رائعة فما رأيك؟ فرحت أم جاسم وقالت: إنها فكرة ممتازة، قال لها: اسمعي لِمَ لا نقول لأخي وأختك كي يأتيا معنا مع عائلاتهما هكذا نراهم بنفس الوقت، فالعائلة لم تجتمع منذ فترة طويلة، والله إنها فكرة جيدة حسناً اتصلي بشقيقتك الآن واطلبي منها أن تكلم زوجها في الموضوع، وأنا سأكلم شقيقي ونتفق .


انطلقت السيارة والأولاد يصيحون من الفرح فهم أولاً مع والدهم الذين لم يروه منذ فترة، ثم إنهم سيمارسون هوايتهم المفضلة ألا وهي السباحة في البحر وليس في بركة السباحة التي ملوا منها وقد أخذوا معهم الكرة وملابس وأحذية الرياضة وكل شيء يريدون فعله، كما أن أولاد عمهم وأولاد خالتهم سيكونون معهم فهم سيشكلون فريقاً رياضياً ممتازاً، كانت فرحتهم لا توصف كانوا يلوحون لبعضهم من سيارة لأخرى وأصوات ضحكاتهم تملأ السيارة، أمسك يعقوب يد زوجته قائلاً: هل أنت سعيدة؟ قالت: أنتم حياتي كلها وعندما نكون سوياً تكون أجمل أيام حياتي . وصلوا بعد ساعات إلى الفندق ذي الخمس نجوم حيث حجز يعقوب ثلاثة شاليهات فاخرة أمامها حديقة كبيرة، والأولاد أول شيء يفعلونه هو القفز على الأسرة ورمي الوسائد ثم توجهوا إلى الحديقة المطلة على البحر ونادوا الباقين الذين تجمعوا خلال دقائق واتفقوا على الذهاب فوراً إلى البحر وقالوا لوالدهم: هيا بنا يا أبي ارتد ملابس السباحة لنذهب إلى البحر، أجابهم: ليس اليوم أرجوكم أنا فعلاً متعب جداً فقد استيقظت باكراً وذهبت إلى المكتب ثم إلى الموقع والآن قدت السيارة لساعتين دعونا نرتح من الرحلة قليلاً ثم نخرج إلى أي مطعم من اختياركم ونعود لننام باكراً كي نستيقظ عند الفجر ونستفيد من يومنا كاملاً، قالوا: لماذا لا نذهب مع أولاد عمي وخالتي؟ صرخ: لا، يجب أن نكون معكم فالبحر هائج اليوم وبعد قليل سيحل الظلام لذا أبعدوا هذه الفكرة من رؤوسكم الصغيرة، وافقوا على أن يخرجوا إلى مكان مسل وفيه ألعاب فقصدوا أحد المراكز حيث تزلجوا على الجليد ولعبوا بكافة الألعاب، ثم طلبوا العشاء وعادوا إلى الفندق كل إلى غرفته فاستحموا وناموا كما طلب منهم إلا الصغير يوسف الذي أصر على أن ينام قرب والده ويخبره قصة المساء فاعتذر يعقوب من الجالسين قائلاً: دعوني أضعه في الفراش فقد اشتقت إليه أكثر مما اشتاق هو لي سأخبره قصة صغيرة وأعود إليكم، لكن ما أن بدأ يخبره القصة حتى شعر بنعاس وأخذ يتثاءب فحضنه يوسف بيديه الصغيرتين وقال له: نم يا أبي أنا سأخبرك إياها فراح في سبات عميق ولم يصح إلا في اليوم التالي على صوت الأولاد، فقفز من فراشه مستغرباً كيف ومتى نام قالت له زوجته: كنت في حاجة للراحة بعد أشهر من التعب، قال: اعذريني لا أعلم كيف غفوت سأعوض عليكم الليلة هيا الآن لنتناول الفطور فالجميع في انتظارك وخاصة الصغار كي يذهبوا إلى البحر . تناولوا فطورهم بسرعة وتوجهوا إلى البحر الذي كان هادئاً مياهه صافية لدرجة أنك تستطيع أن ترى الأسماك الصغيرة تسبح، أخذوا الكرة وبدأوا في اللعب كباراً وصغاراً والنساء جالسات على مقاعد البحر والمظلات فوقهن لتقيهن من أشعة الشمس الحارقة، كانت أم جاسم تلقي نظرة بين الحين والآخر على يوسف الصغير فتجده يبني قصراً من الرمال وهو يملأ الدلو من ماء البحر ويجرف الرمال بالمجرفة الصغيرة كان يضحك من قلبه عندما تأتي موجة وتحطم قصر ابنة خالته الصغيرة التي كانت تبنيه قرب الشاطئ، أما هو فقد ابتعد قليلاً حتى لا تأتي موجة وتحطمه، قالت خالته: سبحان الله سيكون مهندساً ممتازاً في المستقبل، هل ترين طريقة بنائه للقصر وفتح الشبابيك إنه كوالده حتى شكله تقولين يعقوب على صغير، كانت تجيبها: أتمنى أن يصبح كوالده في كل شيء أتمنى أن يكون حنوناً ومحباً مثله فهو يعشق أولاده محباً وحنوناً معي لا هم له بهذه الدنيا إلا منزله وعائلته، تنهدت شقيقتها ولمست الخشب قائلة: الله يديمها نعمة عليك يا حبيبتي .


خرجت هي وشقيقتها ليسألوهم إن كانوا يريدون أن يأكلوا شيئاً فلم تجد يوسف أخذت تبحث عنه بعينيها هنا وهناك لكنها لم تره اقتربت منهم وهي تضع يديها فوق عينيها لكي تستطيع الرؤية بطريقة أوضح، فالشمس قوية والمياه تعكس نورها عليهم أخذت تروج وتجيء لكنها لم تجده معهم أو بينهم فنادت لزوجها تسأله: يعقوب أين يوسف؟ قال: ألم يكن معك أين كنت؟ أجابت: في الشاليه لدقائق مع شقيقتي لكنه لم يتبعنا، قال: أنا اعتقدت أنه تبعك إلى الداخل رمى الكرة من يده وركض على الشاطئ يبحث بين الأطفال عنه وينادي يوسف أين أنت؟ يوسف فأخذ يمسك كل ولد وينظر في وجهه ليرى إن كان ابنه وعندما لم يجده بدأ يشعر بذعر وقلبه يخفق بشدة أخذ يجري كالمجنون عائداً حيث كان ليجد الجميع يبحثون هنا وهناك والذعر باد على وجههم، بدأت والدته تنهار وتصرخ بهستيريا: يوسف ولدي أين أنت رد عليّ إن كنت مختبئاً، فقد نجحت لم يستطع أحد إيجادك هيا اخرج من حيث أنت، لكنها كانت تشعر ضمنياً بأنه ليس مختبئاً كما كان يحب أن يفعل بهم فالقصة أكبر وأخطر . كانت ساعة من الوقت قد مرت وهم يبحثون والناس تبحث معهم حتى المنقذ المراقب كان قد غطس في الماء محاولاً إيجاده لكن لا شيء، كانوا وكأنهم يبحثون عن إبرة في كومة من القش، عندها فقد الجميع أعصابهم واتصلوا بالدفاع المدني والشرطة التي طلبت فريقاً من الغطاسين وسيارة إسعاف، أصبحت الساعة الخامسة فجراً عندما سمع يعقوب نداءات تصدر من جهاز الضابط الذي ابتعد عنه فوراً، فغاص قلب يعقوب بين ضلوعه شعر أن ما يخاف أن يسمعه سيسمعه الآن، وبالفعل اقترب منه الضابط وأمسكه بيده قائلاً: تعال معي من فضلك . نظر يعقوب إلى زوجته المفترشة الرمال وقال: ما الأمر؟ أجابه الضابط: أنا آسف جداً كنت أتمنى أن أنقل لك خبراً يريحك لكنني للأسف مضطر أن أبلغك بأنهم وجدوا الصغير إنا لله وانا إليه راجعون ليكن مثواه الجنة، وقف يعقوب ينظر إلى زوجته وعيناه جاحظتان . . اقترب منها، وعندما رأته على هذه الحالة فهمت، أراد الكلام، لكنها أسكتته قائلة: لا أريد أن أسمع اصمت لا تقل شيئاً . . نظرت إلى القصر غير المكتمل وأمسكت الدلو والمجرفة وتوجهت إلى الشاليه وأخذت توضب ملابسه وألعابه في حقيبته وهي تتنشق رائحتها، ثم أمسكت بكتابه وقالت لزوجها: اخبره القصة التي يحب فهو سيسمعها بصوتك ويهدأ أينما كان سوف ينام قرير العين هيا اخبره إياها، أمسكها بكتفيها وهو يشهق بالبكاء ويقول: يوسف مات إنها إرادة الله عز وجل، إنه ملاك في السماء لا تفعلي هكذا يجب أن نكون قويين أمام أولادنا الباقين فحرقة واحدة تكفي . عادوا إلى المنزل دون يوسف الذي تبعهم بسيارة ملفوفاً بكفن صغير، حمله والده للمرة الأخيرة يهدهده كما كان يفعل عندما كان طفلاً ويقبله قبلاً كثيرة قبل أن يضعه في القبر بيديه.

انا لله وانا اليه راجعون
منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد
 

دموع الورد

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 19, 2009
المشاركات
13,384
مستوى التفاعل
139
المطرح
هنْآگ حيثّ تقيأت موُآجعيّ بألوُآنْ آلطيفّ..
رسايل :

يااارب انا في قمة ضعي وفي عز احتياجي اليك فكن معي

ان لله وان اليه راجعون

بجد قصة كتير مؤلمة وحزينة يعني طلعو رحلة لتغيير الجو ويفرحو رجعو بالحزن والالم


:17::17:
 

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي
الله يعينهم ويكون بعونهم يا رب ..

نورتي دموع ...
 

ĻàĎỷ iЙ ŖẼD

ܓܨ أشهق بأسمه ܓܨ

إنضم
Jan 23, 2009
المشاركات
5,503
مستوى التفاعل
87
المطرح
بعيونو
رسايل :

أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ورائحة أمي

:4::4::4::4::4:
ما حدا بيعرف شو مخبيلو القدر الموت اقرب من رفة الرمش عالعين

شكرا همام:25:
 
أعلى