قوة الجماعات المسلحة المناوئة للشيعة في باكستان

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
مع تفجيرات الأربعاء التي وقعت في أحد الأحياء ذات الغالبية الشيعية في مدينة كويتا الباكستانية مخلفة ما يقرب من مائة قتيل، تتبادر إلى الذهن مباشرة قوة المسلحين المذهبيين، ممن يظهرون أنفسهم على أنهم دعاة السلام ـ والحرب أيضا ـ في تلك الدولة.
ومنذ عام 2004 و 2005، كانت تلك القوة تنشر أجنحتها بشكل منتظم في مقاطعة بلوشستان، مستهدفة بشكل رئيسي طائفة الهزارة العرقية الشيعية التي تعيش هناك.
وأظهرت الأرقام التي نشرتها حكومة بلوشستان أن عدد من قتلوا في المقاطعة بين عامي 2008 و2012 من الشيعة قد بلغ 758، بينما يقول أعضاء من طائفة الهزارة إن الأعداد تفوق ذلك.
وتستند مشاعر الكراهية التي تحملها تلك المجموعات السنية المسلحة تجاه الشيعة إلى أصول دينية، رغم ان أصول تلك الطوائف ترجع إلى نهايات سبعينيات القرن الماضي، وذلك بالتزامن مع قيام الثورة الشيعية في الجارة إيران.
وكانت جماعة "لاشكاري جانغاوي"، التي أعلنت مسؤوليتها عن ذلك التفجير، قد خرجت من رحم جماعة أخرى تسمي نفسها جماعة "سيباهي صحابه"، (اي "جنود الصحابة")؛ لذا فإن أجندتهم المناوئة للشيعة تنبع من أصول تلك المجموعة بل ومن اسمها أيضا.
إلا أنه وخلال السنوات القليلة الماضية، كان ثمة تصعيد مفاجئ من حيث الهجمات التي تستهدف الشيعة في باكستان، حيث وصف بعض الناشطين عام 2012 على أنه أسوأ عام في تاريخ عمليات القتل التي تستهدف الشيعة.
كما أن السر وراء تزايد قوة تلك المجموعات واستهدافها للشيعة لا ينبع من حماسة عقيدية فحسب، بل ينبع أيضا من قدرتهم على إنشاء معسكرات تدريب مسلحة، إضافة إلى البيئة السياسية المعقدة لباكستان.
معسكرات تدريب بلوشستان وتعكس عملية التفجير تلك مدى تأثير لجوء السياسة الباكستانية إلى استخدام الجهاد الإسلامي كأداة للسياسة الخارجية، خلال ثلاثة عقود، على إظهار قدرتها الحقيقية لتطهير الدولة من الداخل.
فالانتشار الجغرافي لتلك الجماعات اليوم يعد أمرا غير مسبوق من حيث قدرتهم على الضرب أو على إلحاق شلل بالحياة في المناطق التي لهم تأثير عليها.
ففي ديسمبر/كانون الأول، أغلق ناشطون من جماعة لاشكاري جانغاوي، المحظورة حاليا، مدينة كاراتشي، وهي المدينة التي يقطنها أكثر من 15 مليون نسمة، لمجرد أن أحد زعماء تلك الجماعة أصيب في عملية تبادل لإطلاق النار وألقيت المسؤولية على إحدى الطوائف المتنازعة الأخرى.
وتقول بعض التقارير الموثوق بها من تلك المنطقة إن الجماعة أنشأت معسكرات عديدة لغرض السكن أو التدريب في منطقة مستونغه النائية من بلوشستان، والتي كانوا يشنون هجماتهم منها على الحافلات التي تقل الحجاج الشيعة إلى الأماكن الشيعية المقدسة في إيران.
ويشير اكتشاف الشرطة الباكستانية لمخزنين هائلين للسلاح في مدينة كويتا خلال الأشهر الأخيرة إلى امتلاك تلك الجماعات لمخزون وافر من الأسلحة والذخائر والمتفجرات، كما أن الأساليب التي يقومون بها في عملياتهم تدل على أنهم على مستويات عالية من التدريب.
كما تتمتع المجموعات المسلحة الطائفية أيضا بتأثير واسع على المنطقة القبلية الواقعة شمال غربي باكستان، حيث يعتقد بعض المحللين أنهم بمثابة العمود الفقري لحركة طالبان باكستان.
ولا يعلم الكثيرون أن بعض قيادات الحركة، مثل قائد كتيبة التدريب الانتحارية قارى حسين إضافة إلى المتحدث الرسمي باسم الحركة إحسان الله إحسان، كانوا كلهم في وقت ما أعضاء في جماعة لاشكاري جانغاوي في البنجاب، وذلك قبل أن يلتحقوا بحركة طالبان باكستان.
كما تقدم جماعة لاشكاري جانغاوي والجماعات الأخرى التابعة لها الدعم التقني والبشري لكل الجماعات الكبيرة الأخرى في تلك المنطقة القبلية، كشبكة حقاني والمجموعات الأخرى.
والسؤال الآن: هل يمكن للجماعات المسلحة مع هذا الانتشار والتأثير أن تواجه هزيمة ساحقة في يوم ما؟
يرى أغلب المحللين أن الدولة تتمتع بقوة أكبر بكثير من تلك الشبكة العسكرية الباكستانية كلها، إلا أن الدولة في الوقت الحالي لا تريد أن تسحب البساط من تحتها لأسباب عدة.
ففي مقاطعة البنجاب، معقل الجماعات المسلحة الطائفية، تتمتع جماعة لاشكاري جانغاوي والجماعة الأم لها "سيباهي صحابه باكستان" بحضور انتخابي قوي هناك، ترجع أسبابه بشكل كبير إلى حماية الدولة التي تمتعوا بها خلال الحكم العسكري تحت قيادة الجنرال برفيز مشرف.
حيث تعتمد كل الأحزاب السياسية الكبيرة في المقاطعة على تلك الكتلة التصويتية في عدد من المناطق وسط وجنوبي البنجاب للفوز بمقاعد البرلمان.
ومن ثم، فإن أي نوع من أنواع القمع تشهده تلك الجماعات سيكون له تبعاته السلبية على تلك المصالح، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات.
كما أن المؤسسة العسكرية القوية في الدولة لها سلوكيات متناقضة تجاه تلك الجماعات.
فعلى الرغم من أنه ينظر لكوادرها على أنهم أعداء لعلاقتهم بحركة طالبان، إلا أنهم يعملون على تحقيق العديد من المصالح الأخرى.
وفي بلوشستان، ساعدت جماعة لاشكاري جانغاوي والجماعات التابعة لها في تخفيف تأثير الحركات الانفصالية القومية المسلحة من خلال توجيه الاهتمام الدولي إلى قضية استهداف الشيعة.
كما أن بعض العناصر في المؤسسة العسكرية كانت تشعر بالحاجة إلى استخدام القوة التظاهرية لتلك الجماعات في الشارع، كملجأ ثانوي للدفاع في أوقات الأزمات الدولية.
ففي العام الماضي، قامت تلك الجماعات بتشكيل جزء كبير من الحركة التي جرى إطلاقها من قبل تحالف للقوى الدينية الجهادية، وهو مجلس الدفاع عن باكستان، للضغط على القيادات المدنية الباكستانية حتى لا تعيد فتح طريق الإمدادات لحلف شمال الأطلسي (الناتو) من باكستان.
كما أن تلك الجماعات قدمت الدعم السياسي والعسكري أيضا لباكستان ضد الهند في منطقة كشمير المتنازع عليها.
ومع استمرار الأوضاع كما هي، لا تزال المرحلة النهائية في قضية أفغانستان بعيدة مع حرص باكستان على أن يكون لها دور كبير فيها، كما أن الأوضاع المضطربة مستمرة على الحدود الباكستانية مع الهند في منطقة كشمير.
لذا فإن استفادة تلك الجماعات لا تزال موجودة.
وإذا ما استمرت في إثبات مناوأتها ضد الشيعة يوما بعد يوم، فإنها لن تفقد استفادتها من شيوخ السنة الوهابية في منطقة الشرق الأوسط الذين يعتبرون مصدرا كبيرا من مصادر تمويلهم.
 
أعلى