@*)*كان نفسى فيه @*)*


إنضم
Dec 23, 2009
المشاركات
9
مستوى التفاعل
1
في ركن منزوي من قريتنا البسيطة تسكن أم راضى ....وهى سيدة ريفية رقيقة الحال....توفى عنها زوجها والذي كان يعمل أجيرا بأراضي القرية وترك لها إرثا
من الحرمان وطفلين... راضى وهو في السادسة من عمره الآن وأخيه منصور الذي لم يتجاوز الرابعة بعد...بجانب الجد والجدة لأبيهما فقد كان أبو راضى ولدهما الوحيد....
وأخذت أم راضى على عاتقها حمل تلك الأسرة معدومة الحال...
فعاشت الثلاث سنوات الماضية منذ رحيل زوجها على الكفاف ... فبلكاد كانت
تجد الطعام الضروري لأسرتها وما يتبقى يكون من نصيبها وفى الغالب لا يتبقى شيء....

ومع ذلك كانت سعادتها بالغة عندما استطاعت هذا العام أن تلحق راضى بمدرسة القرية.... وساعدها من حولها بإعطائها ملابس المدرسة التي صغرت على أولادهم وكانت سعادة راضى وأمه بهم كبيرة جدا....
ومرت الأيام وانتهى النصف الأول من العام الدراسي ومع بداية النصف الثاني كانت سعادة راضى بملابسه قد تلاشت ... بعد أن خرج إصبع قدمه من الحذاء المتهالك ، ووضح القطع بالبنطلون البالي ... واستطاع جده بمهارة شديدة أن يستبدل يد
الحقيبة المنقطعة بحبل مجدول ... ولكنه كان يرهق كتفيه فمل الذهاب قليلا إلى المدرسة ....

ولكن هذا الصباح وعلى غير عادته استيقظ راضى نشيطا وسعيدا ، وارتدى ملابسه سريعا وحمل حقيبته المتهالكة وكاد يمضى إلى أن استوقفته أمه متسألة عن سبب لهفته للذهاب للمدرسة هكذا ....
فأخبرها والسعادة ترفرف بعينيه أن ناظر المدرسة قد أخبرهم بالطابور أمس أن الوزارة ستصرف لهم تغذية بدءا من اليوم وحتى
نهاية العام الدراسي بقليل ...وهى عبارة عن باكو بسكويت وعلبة عصير تابعة لتلك الشركة ذائعة الصيت ....
فتبتسم له أمه لعلمها كم كان يحلم بأن يطول تلك الرفاهية منذ سنوات....

ثم شاركته فرحته قائلة ....

-حظك في رجليك يا راضى بس بلاش تنس أخوك منصور في شوية عصير....
فيرد سريعا....
-هو انا اتجننت يا ما عشان أكل واشرب من غيركم ...ثم يقبلها قائلا....
-دانتى واخويا منصور غالين عندي أوى ياما ... ونفسي اجيبلكم كل حاجه تحبوها ولما هكبر هأكلك كل يوم بسكوت وعصير وكمان عيش افرنجى....

فتبتسم له أمه في ألم قائلة ...
-مين اللي يجيب للتانى يا راضى ...دنا اللي كنت بتقطع يا بنى كل ماشوفك متسمر قدام دكانة عم محمود عمال تبص على علب العصير والبسكوت المرصوصة ...
ويشعر راضى بقرب هطول دموع أمه الحانية فيداعبها قائلا...

-اهو جالى لحد عندي والنهارده هدوقه وهدوءكم معايا...

ويودعها ماضيا بنشاط زائد إلى المدرسة...فتنده عليه أمه متذكرة عدم تناوله للقمتين الفول نصيبه المفروض من الطبق الصغير المعد لإفطار الأسرة...
فيجيبها قائلا...
-خلى فطارى لمنصور ياما...

وتمر الساعات والأم كعادتها منهمكة في أعمالها التي لا تنتهي .... ويبكى الولد الصغير جوعا فتهدأه الأم واعدة إياه بقرب قدوم أخيه راضى ومعه ما لذ وطاب... وقرب الظهر خرجت أم راضى لتكنس أمام دارها وتزيل أعواد الحطب المتطايرة ...وما كادت تفعل حتى وجدت جارها يهرول إليها قائلا...

-إلحقى يا مو راضى الأسعاف قدام مدرسة ابنك وواخده عيال كتير أوى وراضى معاهم وراحت بيهم على مستشفى المركز....

فتصرخ الأم وترمى بالمقشة من يدها وتخطف الطرحة السوداء وتضعها على رأسها وهى تجرى لتلحق بالعربة التي توصلها لمستشفى المركز والتي تبعد عن قريتها بحوالى عشرة كيلو مترات...
تصل الأم إلى المستشفى وتجرى لاهثة تسأل كل من يقابلها ..ولا تجد إجابة وسط كل هذا الهرج والمرج الذي احتوى أرجاء المستشفى من عاملين وأطباء وأهالي الأطفال...
إلى أن استوقفت تمرجي بالمستشفى وسألته عن سبب وجود إبنها وباقي الأطفال هنا...فأخبرها بأن الأطباء يقومون بعمل غسيل معده لكل من تناول التغذية... فصرخت الأم قائلة...

-ليه يا خويا هي التغذية مالها ؟؟؟؟
فيتلفت حوله ثم يرد عليها بصوت منخفض...
-أصلها طلعت فاسدة يا ست..
فتضرب أم راضى بيدها على صدرها قائله ....
-فاسدة !!!! ليه مش الحكومة هي اللي صرفاها ؟؟؟
فيرد عليها قائلا ...
-إمال مين يعنى...!!!!!
فتقول له والحيرة تملأ عينيها...
-طب هي الحكومة عايزه تموت راضى ابني ليه ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فيضع التمرجي يده على فمها قائلا...
-اسكتي ... انتى هتودينا في داهية ...اجري روحي شوفي ابنك اهو طلع من الغسيل اهو...

فتجرى الأم نحو ولدها وتصرخ بجانبه منادية عليه حتى تبعدها الممرضة قائلة...
-اصبري يا ستى دلوقتى يفوق ..أصله ضعفان أوى .. ربنا يلطف بيهم كلهم...
فتنحنى أم راضى على طفلها وتضمه لصدرها قائلة...
-انا هفضل جانبه هنا لحد ما يفوق...

وتعج الحجرة بالأولاد المصابين والأهالي حتى يضطروا إلى
فرش أغطية على الأرض ويضعوا الأطفال عليها لقلة الأسرة بالمستشفى ...
وبعد دقائق مرت على الأم كسنوات يفتح راضى عينه بصعوبة شديدة
ليجد أمه أمامه فينظر إليها قائلا...

-سامحيني ياما عشان ماشيلتش شوية عصير لاخويا منصور...
فتمسح الأم بيدها عرقه الذي يكسو وجهه ورأسه قائلة....
-يقطع العصير واللي شاروا بيه يا بنى يارب ...
فيكمل راضى حديثه قائلا بأنفاس متقطعة...
-انا كنت شايل كل العصير والبسكوت عشان أكلهم معاكم ... لحد ما لقيت العيال عماله تشرب وتعيط من وجع بطنهم ...
ثم يأخذ نفسا متقطع ويستطرد بصوت متهدج يكاد يكون همسا من ضعف حاله...
-والأستاذ دخل وقالنا اللي معاه عصير ولسه ماشربهوش يرميه علطول...
وتبكى الأم بشدة قائلة...
-ومارمتوش ليه بس يا راضى ...؟
-كان نفسي فيه ياما ... صعب عليا أول ما فتحت الشنطه ومسكته إنى ارميه....رحت فاتحه وقلت هو يعنى هيكون اكتر من الفول الحامض اللي كنا بناكله لما منلاقيش اكل غيره وكان بيجلنا شوية مغص وخلاص...
وقلت اشربه وبلاش اخويا أحسن يتعب منه...وشربته بس المغص كان جامد أوى ياما أجمد من مغص الفول الحامض...

وتهوى دموع الأم كاتمة صرخة متحشرجة بحنجرتها تكاد تقتلعها وتضمه قائلة...
-معلشى يا بنى معلشى ربنا يجازى اللى كانوا السبب.... بكره تخف وهجيبهولك من عم محمود واهو أضمن برضه ...وابقي أديله بيضه في بيضه وتمنه هيعدى ... بس خف انت...

ويتألم راضى بشده وهو بحضن أمه فتضمه أكثر محدثة إياه ولكنه لا يجيبها...
فتبعده عنها قليلا وتهزه فلا يستجيب...فتصرخ على الأطباء ليأتوا لنجدتها...
فيتجمعوا من حوله محاولين إنقاذه بكافة الطرق البدائية المتاحة لهم وتسمع أم راضى همساتهم...

-ده مافيش إستجابه خالص...
-كان متوقع الولد ضعيف جدا والأنيميا الحادة مأثره على تحمله كتير...
-ربنا يستر...

ويحاولوا ...ويحاولوا...ولكن..............دون جدوى

وتدوي صرخة أم مكلومة لتهز الأرض وتخترق عنان السماء ...

:25::25::25::Albilsan (155)::Albilsan (155)::17::4:
 

روح الشام

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 4, 2008
المشاركات
13,083
مستوى التفاعل
93
المطرح
iN FaNtAsTiC wOrLd
:17::17:

ياحرام

ثانكس حبيبتي
 

دموع الاحزان

بيلساني سنة ثانية

إنضم
Aug 23, 2009
المشاركات
595
مستوى التفاعل
4
المطرح
بين السماء والارض
يسلمو يا قمر حلو الاشي كتيييييير :24::24:
 
أعلى