آلبتول
أدميرال
- إنضم
- Jul 5, 2008
- المشاركات
- 10,067
- مستوى التفاعل
- 172
- المطرح
- من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
الحجرة، مع أنها ضيقة نوعا ما، إلا أنهم يشعرون فيها بسعادة لو وزعت على أهل الأرض جميعهم لاختفت التعاسة ومات الحزن.
هذه أمي، أغلى ما أملك، هذا أبي والذي من أجله سأسارع لطحن لحم من يؤذيه بأسناني، وهؤلاء إخوتي، روحي والذين أعتبرهم كأطفالي فأنا أخوهم الأكبر.
نلتف حول "الطبلية" الكبيرة والتي دهنتها أمي بنفسها ليتساقط الدهان لأبسط الأسباب وليلتصق بكل طعام نضعه عليها مباشرة بعدما تفرغ أعداد الأطباق المعدنية الرخيصة فلا نجد مكانا آخر، ونلتهم الطعام الملون بالدهان في رضا... إنها أمي ولن تؤذينا بشيء فعلته هي من أجلنا، ما لم ترغب هي في ذلك، وهي لن ترغب أبدا أبدا!
أرمق أبي في سعادة وهو يلتف معنا حول الطعام، أرمق إخوتي، وأفيق على يد أمي العطرة وهي تفتح فمي لتدس فيه شيئا من الطعام، أحاول أن أبتسم ولكنها تدير وجهها في سرعة ملتفتة إلى بقية أطفالها لتفعل المثل. أرمقهم جميعا في سعادة وفرحة سيفسرونها حتما وفقا لمعايير أخرى.
مجلسي العالي عن الأرض -حيث يجلسون هم- يفصلني عنهم نوعا ولكني -حيث أجلس- جوار أمي لا أشعر بأية مسافات تفصلنا.
إنه سيأتي الآن!! سيأتي حالا!!
أشعر بهذا ويرتجف قلبي بين ضلوعي في قسوة، ساقاي الرفيعتان تهتزان في عنف، بينما أرمق باب الحجرة المفتوحة، وخط سميك رائق اللون يسيل في فمي ليغرق صدري... يرتجف جسدي كله الآن وأنا أصدر تلك الأصوات المعتادة عديمة المعنى، ينظر الجميع إلي في شفقة بينما أريد أنا أن أصرخ وعيناي تكادا تقفزان من محجريهما: "إنه سيأتي... خذوا الحذر... خذوا..."
وأرتجف في قسوة بينما يظهر هو على عتبة باب الحجرة: لحية سوداء طويلة تغطي صدره كله، وشعره بنفس اللون ينحدر ليختفي خلفه، ملابسه قاتمة وجسده ضخم ، قوي، ونظراته... مميتة...
يسير ليدلف حجرتنا، أعوي في جنون وبصوت أستخدمه عادة عندما أضحك في عنف. يمشي ولباسه الطويل القاتم يكنس الأرض فلا أرى قدميه، يمشي ليدور حول أبي وإخوتي وأمي: "أمي، أبي، ألا ترون؟!!"
ألتفت إليه في حدة، ألتفت برأسي وحدها لأراه يرمقني في ثبات بعينيه الواسعتين. أعوي مرة أخرى، أنظر إلى ذراعي الضامرتين المتراخيتين في إهمال على جانبي جسدي، تثب قدماي الضعيفتان لتركلا الهواء هنا وهناك، أعوي وأضحك!
ويسيل الماء ليخرج من سروالي ويسقط إلى جانب أمي، تمط شفتيها في حنق صامت. إنه يذهب لأبي... ابتعد... ابتعد أيها المميت، أركل الكرسي المعدني حيث أجلس عاليا، أسقط على أمي بغتة، تتلقفني بشهقة فزعة، أرتجف بين يديها في عنف، تبسمل وتحوقل مرعوبة: "ماذا يحدث؟!" ينظر هو إلي في دهشة لا أراها عليه. يحملق فيَ... "لا تنظر إلي! فلتغادر! فلتغادر! كيف تدخل؟!"
عندما تحتضني أمي وهي تجلسني على سور شرفتنا أرمق المارة، أراك، أراك تمشي وئيدا بين الناس، تمشي وتمشي قبل أن ترفع عينيك إلي، عندها أرتجف وأنتفض فتدخلني أمي خوفا من أن أسقط منفلتا من بين يديها.
وحين أسمع الصريخ والنواح وسط الظلام ليلا، أشم رائحتك، أرى أظفارك، أسمع صفيق أجنحتك ضاربة الهواء... أصرخ في ألم ورعب: "أين أمي؟ أين أبي؟ أين إخوتي؟!" أحرك الشيء الوحيد الذي أستطيع تحريكه، ساقي...
- "كيف تدخل؟!!"
دائما كنت تمر صامتا أمام باب الحجرة حيث نجتمع، أحيانا تنظر، أحيانا تمر فقط وكأنك تسير في طريق عام... "كيف تدخل؟!"
أرفع رأسي المدفون في صدر أمي الدافىء لأراه يتوارى بعدما غادر الحجرة.
- "مالك يا كامل؟" تقولها أمي وهي تضحك في خفة بينما أموء أنا كما تفعل القطط، تضحك أكثر وأنا طالبا الأمان. سأنام... بالطبع سأنام ولكن ليس قبل أن أرى أمي وأبي وإخوتي مطمئنين وهم يتناولون طعامهم: "هذا هو الكرسي المتحرك الخاص بي... الكرسي القبيح البارد... وهذه هي أمي. وهذا هو أنا حيث نمت بين ذراعيها ببنطال منكمش على ساقين هزيلتين تتصلان بجسدي الساكن"
بقلم محمد فكري طلعت أحمد عامر
هذه أمي، أغلى ما أملك، هذا أبي والذي من أجله سأسارع لطحن لحم من يؤذيه بأسناني، وهؤلاء إخوتي، روحي والذين أعتبرهم كأطفالي فأنا أخوهم الأكبر.
نلتف حول "الطبلية" الكبيرة والتي دهنتها أمي بنفسها ليتساقط الدهان لأبسط الأسباب وليلتصق بكل طعام نضعه عليها مباشرة بعدما تفرغ أعداد الأطباق المعدنية الرخيصة فلا نجد مكانا آخر، ونلتهم الطعام الملون بالدهان في رضا... إنها أمي ولن تؤذينا بشيء فعلته هي من أجلنا، ما لم ترغب هي في ذلك، وهي لن ترغب أبدا أبدا!
أرمق أبي في سعادة وهو يلتف معنا حول الطعام، أرمق إخوتي، وأفيق على يد أمي العطرة وهي تفتح فمي لتدس فيه شيئا من الطعام، أحاول أن أبتسم ولكنها تدير وجهها في سرعة ملتفتة إلى بقية أطفالها لتفعل المثل. أرمقهم جميعا في سعادة وفرحة سيفسرونها حتما وفقا لمعايير أخرى.
مجلسي العالي عن الأرض -حيث يجلسون هم- يفصلني عنهم نوعا ولكني -حيث أجلس- جوار أمي لا أشعر بأية مسافات تفصلنا.
إنه سيأتي الآن!! سيأتي حالا!!
أشعر بهذا ويرتجف قلبي بين ضلوعي في قسوة، ساقاي الرفيعتان تهتزان في عنف، بينما أرمق باب الحجرة المفتوحة، وخط سميك رائق اللون يسيل في فمي ليغرق صدري... يرتجف جسدي كله الآن وأنا أصدر تلك الأصوات المعتادة عديمة المعنى، ينظر الجميع إلي في شفقة بينما أريد أنا أن أصرخ وعيناي تكادا تقفزان من محجريهما: "إنه سيأتي... خذوا الحذر... خذوا..."
وأرتجف في قسوة بينما يظهر هو على عتبة باب الحجرة: لحية سوداء طويلة تغطي صدره كله، وشعره بنفس اللون ينحدر ليختفي خلفه، ملابسه قاتمة وجسده ضخم ، قوي، ونظراته... مميتة...
يسير ليدلف حجرتنا، أعوي في جنون وبصوت أستخدمه عادة عندما أضحك في عنف. يمشي ولباسه الطويل القاتم يكنس الأرض فلا أرى قدميه، يمشي ليدور حول أبي وإخوتي وأمي: "أمي، أبي، ألا ترون؟!!"
ألتفت إليه في حدة، ألتفت برأسي وحدها لأراه يرمقني في ثبات بعينيه الواسعتين. أعوي مرة أخرى، أنظر إلى ذراعي الضامرتين المتراخيتين في إهمال على جانبي جسدي، تثب قدماي الضعيفتان لتركلا الهواء هنا وهناك، أعوي وأضحك!
ويسيل الماء ليخرج من سروالي ويسقط إلى جانب أمي، تمط شفتيها في حنق صامت. إنه يذهب لأبي... ابتعد... ابتعد أيها المميت، أركل الكرسي المعدني حيث أجلس عاليا، أسقط على أمي بغتة، تتلقفني بشهقة فزعة، أرتجف بين يديها في عنف، تبسمل وتحوقل مرعوبة: "ماذا يحدث؟!" ينظر هو إلي في دهشة لا أراها عليه. يحملق فيَ... "لا تنظر إلي! فلتغادر! فلتغادر! كيف تدخل؟!"
عندما تحتضني أمي وهي تجلسني على سور شرفتنا أرمق المارة، أراك، أراك تمشي وئيدا بين الناس، تمشي وتمشي قبل أن ترفع عينيك إلي، عندها أرتجف وأنتفض فتدخلني أمي خوفا من أن أسقط منفلتا من بين يديها.
وحين أسمع الصريخ والنواح وسط الظلام ليلا، أشم رائحتك، أرى أظفارك، أسمع صفيق أجنحتك ضاربة الهواء... أصرخ في ألم ورعب: "أين أمي؟ أين أبي؟ أين إخوتي؟!" أحرك الشيء الوحيد الذي أستطيع تحريكه، ساقي...
- "كيف تدخل؟!!"
دائما كنت تمر صامتا أمام باب الحجرة حيث نجتمع، أحيانا تنظر، أحيانا تمر فقط وكأنك تسير في طريق عام... "كيف تدخل؟!"
أرفع رأسي المدفون في صدر أمي الدافىء لأراه يتوارى بعدما غادر الحجرة.
- "مالك يا كامل؟" تقولها أمي وهي تضحك في خفة بينما أموء أنا كما تفعل القطط، تضحك أكثر وأنا طالبا الأمان. سأنام... بالطبع سأنام ولكن ليس قبل أن أرى أمي وأبي وإخوتي مطمئنين وهم يتناولون طعامهم: "هذا هو الكرسي المتحرك الخاص بي... الكرسي القبيح البارد... وهذه هي أمي. وهذا هو أنا حيث نمت بين ذراعيها ببنطال منكمش على ساقين هزيلتين تتصلان بجسدي الساكن"
بقلم محمد فكري طلعت أحمد عامر