كيف للمستخير أن يعرف خير الأمر من شره

شام

جنرال

إنضم
Jan 17, 2009
المشاركات
5,509
مستوى التفاعل
72
المطرح
بين اجمل 3 عصافير في الدنيا
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد

إخوتي وأخواتي في الله

إن صلاة الاستخارة من أعظم الخصال التي يحرص عليها العبد المؤمن، ولا يوفق الله جل وعلا لها إلا من شرح الله صدره لفضله وخيره ؛ جعلنا الله وإياكم من أهل الانشراح للفضل والخير ..

ولقد كان سيدنا محمد صلـى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه كما جاء في صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلـى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: إذا أهم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي، وإن كنت تعلم أن في هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به...قال ويسمى حاجته ).

فهذا الدعاء العظيم
إنما يدلّ على توكل على الله عز وجل، وعلى اعتماد عليه، وعلى تفويض الأمور إليه، وما خاب من صدق الله ورجاه وما خاب من استخاره جل في علاه، ولو تأملنا معنى الاستخارة لوجدنا أنه طلب الخيرة ؛ أي طلب أن يختار الله تعالى لك ..

فإذا صلاها المؤمن فكيف له أن يعرف أن هذا الأمر
الذي استخار فيه خير أم شر يقدم عليه أم لا يقدم؟


فالجواب =
*
إن ذلك يكون بأن ينظر ما شرح الله صدره له ؛
ومعنى انشراح الصدر:
أن يجد بعد الصلاة إقبالاً واستبشاراً وراحة في نفسه للإقبال على هذا الأمر الذي يريده ؛فمثلاً قد استخرتَِ الله في أمر الزواج، وشعرتَِ بأنك منشرح/ة لهذا الأمر مقبل/ة عليه، وأنك فرح/ة به مسرورة، فهذا علامة أن هذا الأمر خير لكَِ بإذن الله عز وجل، ولذلك قال العلماء عليهم جميعاً رحمة الله تعالى: " ينبغي للمستخير أن يتجرد من حظوظه النفسية الخاصة به قبل أن يصلي صلاة الاستخارة بل يفوض الأمر إلى الله ويجعل من نيته أنه يعمل بما يظهر له من انشراح الصدر في ذلك " وهذا هو الذي عليه جمهور الأئمة عليهم جميعاً رحمة الله تعالى .


والمقصود أنه إن وجدت انشراحاً في الصدر على الوصف الذي بيناه فهذا علامة أن الأمر حسن مقبول وهذا يدل على أنه لابد أن تكون الاستخارة فيما شأنه مباحاً كالزواج مثلاً وكالتجارة وكالأعمال المباحة، أما الأمور الواجبة أو المحرمة فهذه لا مجال للاستخارة فيها .


** وذهب بعضهم إلى أن الإنسان يصلي صلاة الاستخارة ثم يقدم بعد ذلك على أمره فإن تيسّر فحصل المقصود وإن لم يتيسر فقد صُرف عنه، وهذا القول فيه نظر من جهة الدليل فقد أشار النبي صلـى الله عليه وسلم إشارة لطيفة في دعاء الاستخارة بأن العبرة بالانشراح لهذا المعنى بقوله في الدعاء: (وإن كنت تعلم أن في هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري اللهم فاصرفه عني واصرفني عنه) فطلب أن يصرفه عنه، ومعنى ذلك أي أن يشعر بعدم الرغبة فيه.
[ وقفة مهمة :
هل قوله في الاستخارة: "اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر" يعني تشكيكا في علم الله؟ ]

*** وليس من شرط الاستخارة أن يتبعها رؤيا كما يظن كثير من الناس، بل هذا قد يقع وقد لا يقع فإن وجدت رؤيا صالحة بعد صلاة الاستخارة وذكرت لأهل العلم بها فهذا حسن مقبول، فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات كما خرج البخاري في صحيحه ( لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة ) وخرجا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إذا اقترب الزمان فلم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ). فإن وجدت رؤيا بعد صلاة الاستخارة وفُهم معناها عند أهل المعرفة بها فهذا أمر حسن مقبول ؛ وإلا لم يكن ذلك موقوفاً على الرؤيا، إنما على انشراح الصدر الذي بيناه ، فإن المستخير أـ عندما يصلي صلاة الاستخارة قد يحصل له أن ينشرح صدره لهذا الأمر ويجد إقبالاً عليه ظاهراً فالأمر حينئذ واضح .

ب ـ والصورة الثانية: أن يجد نفوراً منه ويجد أنه مصروف عنه من داخلة نفسه، فالأمر في ذلك واضحٌ أيضاً وهو أن يكف عنه .

ج ـ والصورة الثالثة: أن لا يظهر له شيء فيشعر شعوراً عادياً فلا هو بالمنشرح له ولا هو بالنافر عنه، ففي هذه الحالة له أن يكرر الاستخارة حتى يظهر له شيء في ذلك، فإن لم يظهر له شيء جاز له الإقدام على الأمر، وجاز له الامتناع عنه، ويرجح أحد الاحتمالين باستشارة الناصحين العقلاء من أهل الفهم والعقل والأمانة، فإن وجد من يشير عليه بذلك ممن كانت هذه صفتهم، فليقدم على أمره حينئذ، وإن وجد أنهم يحذرونه منه، ورأى أن في رأيهم صواباً فليبتعد عنه، وبهذا يجمع بين الأمرين، وقد روي عن النبي صلـى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما خاب من استخار وما ندم من استشار وما عال من اقتصد ) خرجه الطبراني في المعجم، وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الإسناد وإن كان المعنى صحيحاً مستقيماً.

**** ونشير أخي وأختي في الله إلى أن الأمور أحيانا وبعد الاستخارة ورغم انشراح الصدر قد تُعقد ويصيبها بعض العراقيل في أثناء سعيك ؛ فهذا الأمر ليس من شرطه أن يكون دالاً على عدم الخيرية ؛ بل قد يكون الأمر كذلك وقد لا يكون،

وعليه فربما يستخير الإنسان في أمر ما ويجد صعوبة في تحصيله مع أنه فيه مصلحته المحققة، فعليه ان يعتمد على الله جل وعلا ويتوكل عليه ويسأله التوفيق والسداد، ويحصل الأسباب الموصلة إلى مقصوده فبهذا يحصل المقصود والمراد بإذن الله عز وجل.
وعلى العبد أيضا أن يزن الأمور بميزان العقل والشرع كما هو الحال مثلا عند الزواج : الذي قال فيه النبي صلـى الله عليه وسلم: ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض ) أخرجه الترمذي في السنن، فإن اختل في المتقدم أحد هذين الأمرين اللذين لابد منهما فالأمر واضح وهو عدم الموافقة .
******************
اللهم خرْ لنا واختر لنا
اللهم نوّر قلوبنا بنور الاستبصار
وأخرجنا من دائرة الحيرة والتدبير والاختيار
اللهم آمين

 
أعلى