لا «تغيير جذرى»!

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
يخطئ من يتصور أن نجاح الثورة يتمثل فى الإطاحة بحاكم والمجىء بآخر بديلاً عنه، وليست الثورة أن نطيح بنخبة حاكمة وتتاح الفرصة لنخبة أخرى جديدة، هذا بالضبط يحقق الانقلاب أو الاحتلال الأجنبى، كما رأيناه فى العراق سنة 2003، ولكن الثورة أوسع وأعمق من ذلك بكثير، بالتأكيد من أول خطوات الثورة إسقاط الحكم القائم، ليس ليصعد آخر وفقط، ولكن لتغيير فلسفة الدولة تماماً، بما يؤدى إلى إحداث تغيير اجتماعى وثقافى جذرى، وهذا ما لم يتحقق فى مصر إلى اليوم، وليس مطلوباً أن يحدث تغيير بهذا المستوى فى شهور، إنه يحتاج سنوات قد تطول، ما نراه الآن هو إزاحة رئيس وصعود رئيس جديد بالانتخاب، وترتب عليه إزاحة نخبة كانت مسيطرة ومتحكمة لتحل محلها نخبة جديدة، بين أفرادها من كان مقموعاً ومضطهداً من قبل وبينها من كان مشتاقا ويبحث عن نظرة رضا من الحكم السابق، ولما ولى ذلك الحكم توجه المشتاقون حيث البوصلة الجديدة، فمنهم من نال المراد أو أقل مما كان يريد، ومنهم من ينتظر ومنهم من يبذل الجهد كى يلفت أنظار السادة الجدد، ولا بأس من ذلك، هؤلاء كانوا موجودين طوال الوقت، فى كل عصر ومع كل حكم، وفى كل بلاد الدنيا، أقصد أن الظاهرة ليست مصرية خالصة، بل هى إنسانية عامة.
أعرف أن الحكام الجدد لديهم مشاعر متناقضة، هم أنفسهم عاشوا على نار الشوق ينتظرون هذه اللحظة عقوداً، وتحملوا الكثير فى سبيل الوصول إليها وارتكبوا الكثير من الأخطاء بل الجرائم فى بعض المواقف لتقربهم من العرش، عرش الحكم طبعاً، وهم الآن يريدون أن يستمتعوا بما نالوه وهذا حقهم ويريدون إرضاء رجالهم وكوادرهم وتسديد الفواتير لمن وقفوا إلى جوارهم فى لحظات الحسم، ولعل هذا ما يفسر الكثير من التضارب والتناقص حولنا، وأقول إن كل هذا وارد ويمكن أن نتفهمه، لكن أن يصبح هذا هو كل شىء، هو الهدف النهائى، فذلك يليق بانقلاب أو فى صراع النخب الحاكمة على غرار ما حدث فى 15 مايو 1971، لكنه لا يعد ولا يدل على حدوث ثورة، خاصة إذا كانت شعبية والثورة لا تكون إلا شعبية.
لا تزال فلسفة الحكم فى جانب كبير منها هى نفسها التى كانت زمن مبارك، وهذا يدفع إلى القول إن مبارك رحل عن الحكم لكن المباركية لم ترحل بعد، تأمل علاقاتنا الخارجية مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة ومع العالم العربى، هى نفسها تقريباً، حتى زيارة الصين التى قام بها الرئيس مرسى، فعلها من قبل حسنى مبارك وقيل يومها إن مبارك يكسر الحلقة الأمريكية، ولم يكسرها، تأمل كذلك فى أوضاع الفقراء والمهمشين، لم يتخذ إجراء واحد حاسم لصالحهم، سكان الدويقة وأحياء المقابر هى نفسها وعلى حالها لا يلوح حتى الآن أن هناك سياسة جديدة يجرى التفكير فيها لصالح هؤلاء.
ليس مطلوبا من الرئيس والحكم الجديد أن يعيد بناء العالم فى شهور، هذا صعب، إن لم يكن مستحيلاً، لكن فى العادة تكون هناك مؤشرات تنبئ عن تفكير جديد ورغبة فى إحداث تغيير جذرى، مثلاً أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قراره بتأميم قناة السويس فى يوليو 1956، أى بعد أربع سنوات من الإطاحة بأعمال الملك فاروق وبعد سنتين من إبعاد محمد نجيب، لكن منذ أكتوبر 1952، كانت هناك لجنة تتبع مجلس قيادة الثورة مباشرة، كانت تدرس ملف قناة السويس وماذا يمكن أن نعمل فيه وكيف نتعامل معه، وكان «حامد الغتيت»، يتولى هذا الملف ويتعامل فيه مع الرئيس محمد نجيب مباشرة، ثم مع عبدالناصر من بعده، أما شكل القرار وطريقة إصداره وطريقة اتخاذه فأمر متروك لتقدير الرئيس ودائرة صنع القرار معه وحوله والظروف السياسية المحيطة.
وفى النهاية فإننا لا نعرف أن هناك لجانا أو ملفات يتم إعدادها للرئيس بخصوص العديد من القضايا والأمور المهمة، وإذا سارت الأمور على هذا النحو، فإننا لن نكون بإزاء تغيير جذرى، لكننا سوف نكون بإزاء مشروع سلطة، نخبة بدلاً من أخرى تحكم، ورئيس ذهب إلى السجن وجاء إلينا رئيس جديد.
 
أعلى