لا تكبت مشاعرك حتى لا تفقد ذاكرتك


إنضم
Jan 26, 2011
المشاركات
18,166
مستوى التفاعل
86
المطرح
الكويت
رسايل :

لو كنتُ يومًا سأسرق .. لسرقتُ أحزانك ..

لكبت المشاعر او التغاضي عنها تأثيرات سلبية عدة في صحتنا، سواء على المدى القصير او البعيد. وبالرغم من ان الطب الحديث لم يتمكن الى الآن من تفسير آلية تأثيرها، لكنه اثبت دورها الفعال في بدء الاصابة بالمرض.
قد يكون سبب اصابتك بمرض ما مرورك بصدمة عاطفية او نفسية لم تتعامل معها بشكل جيد.
ومن خلال لقاءاتي الطبية مع مختلف الاطباء، لا يمكنني انكار ان معظمهم اجزموا ان الحالة النفسية تلعب دورا رئيسيا في بدء معظم الامراض والسيطرة على اعراضها، كما أشاروا الى ان قوة الامل والتفكير الايجابي يدعمان الشفاء من معظم الامراض .
خلال حياتنا، نمر بأشخاص نصفهم بأنهم باردون وجامدون وغير متفاعلين مع الحياة، وهم في الغالب يواجهون مشكلة في انشاء علاقات اجتماعية او الاستمرار في التواصل مع افراد اسرتهم وشركائهم. وسبب ذلك بحسب ما يوضحه علماء النفس هو خلل في قدرتهم على التعبير عن انفسهم ومشاعرهم او لجوؤهم الى الكبت والكتمان والتناسي (النسيان العمد) كحل دائم. ويترتب على ذلك فقدانهم للقدرة على الشعور والتفاعل مع اي مشاعر يشعرون بها (سواء الحزن او المتعة) والقدرة على التواصل النفسي والفكري مع الاخرين.
بيد ان الحياة هي في الواقع «يوم حلو ويوم مر»، فان لم تشعر بالحزن وتتفاعل معه، فلن تتمكن من الشعور بالفرح والتفاعل معه ايضا. كما يعرف بأن من يتمتع بقدرة التعبير عن مشاعره بشكل صحيح هو الاكثر نجاحا في تكوين العلاقات الاجتماعية.
وقد ألهمني كتاب بعنوان «هدوء واعاصير» للكاتبة سحر غلوم على كتابة هذا المقال الذي استخدمت فيه مقتطفات مما ذكرت. لأورد بعض تأثيرات كبت المشاعر السلبية.

التعبير يوطد علاقة الزوجين
بينت دراسة من المعهد الاجتماعي «فييسب» في ساوباولو البرازيلية، أن تجنب الاحتفاظ بمشاعر المرارة لوقت طويل له دور اساسي في ابقاء العلاقة الزوجية وثيقة وقوية. فعدم القدرة على التعبير عن مشاعر الغضب والالم للطرف الاخر يبقى كامنا لفترة طويلة، ما يؤدي الى انفجار او مضاعفة رد فعل الاشخاص الكتومين في احد الايام عند تعرضهم لموقف ما.
من الوارد ان يظهر الشخص ردة فعل مبالغ فيها جدا بعد مروره بمشكلة او موقف بسيط نسبيا، والسبب يرجع الى كونه قد استنزف قوته وقدرته على الاستمرار في كتمان مشاعر الغضب والحزن الدفين في صدره. فهو بذلك يخرج جميع مشاعره بشكل عشوائي في الوقت غير المناسب، ومن دون ان يفهم الطرف الاخر السبب.
ما لا يعيه البعض ان هذه المشاعر لا تختفي بل تحبس في داخلنا الى ان نسمح لها بالتحرر والخروج عند التعبير عنها بطريقة ما. فالمشاعر المحتجزة تحمل الصدور اوزانا ثقيلة وتكون جدرانا تمنع تواصل الزوجين بشكل جيد. مما يعلل تأكيد عدة دراسات نفسية واجتماعية على أن التعبير عن المشاعر في اللحظة نفسها التي نشعر بها، او على الاقل بعدها بفترة قصيرة، سيقلل من المشاكل الزوجية ويقوي الشعور بالتواصل.
فحرية التعبير عن المشاعر تعد من أهم الامور التي تقوي العلاقة، وهي ايضا من الامور التي تجعل الشخص يرتبط بشخص آخر. فكم من مرة يكون سبب الحب والزواج هو شعور الطرفين بالأمان النفسي وحرية التعبير عن الذات ومكنون الصدر للشريك.

الحالة النفسية والأمراض
لا يمكن نكران ان مشاعر الحزن والغضب والمرارة تنتابنا وتسيطر على مزاجنا وان بقاءها قد يطول احيانا، ولا يمكن ان نلغيها بكل سهولة، بل يمكن ان تسبب هذه المشاعر أعراضا جسدية، حيث اثبتت عدة دراسات أن للمشاعر النفسية السلبية والصدمات العاطفية دوراً في رفع ضغط الدم وسكر الدم والتأثير في صحة القلب والقدرات الذهنية وبدء الاصابة بأمراض مستعصية وفقدان القدرة على السيطرة على اعراضها مثل امراض الروماتيزم والسكر والروماتويد والتصلب اللويحي المتعدد وامراض الجهاز الهضمي العصبية واضطراب الجهاز المناعي وحتى الاورام الخبيثة. كما اثبتت أن المرور بضغط نفسي شديد يسبب انخفاض المناعة وكثرة الاصابة بالأمراض.
وقد قامت عدة دراسات بإثبات وجود فرع طبي يسمى «السيكوفيسيلوجية» يتعامل مع الامراض والاعراض الفسيولوجية الناتجة من الاضطرابات النفسية والمشاعر السلبية. فسوء الحالة النفسية لا يسبب الاصابة بالمرض النفسي مثل الاكتئاب والفصام ومتلازمة ما بعد الصدمة فقط، بل أعراضا فسيولوجية كالألم والدوخة والتعب والضعف البدني وانخفاض القدرات الذهنية والبدنية واعراض هضمية وتنفسية.

لانخفاض الذاكرة سبب نفسي
كبت المشاعر لا يؤثر في ردود افعالنا وحالتنا النفسية فقط، بل في صحتنا وقدراتنا الذهنية على المدى البعيد ايضا، فكثيرا ما نجد اشخاصا يشتكون من تدهور او انخفاض قدرتهم على التركيز والتذكر، فقد اظهرت دراسات عدة بان كبت المشاعر وعدم التعبير عنها باي طريقة واضحة وسليمة يضعف قدرة الانسان على تذكر الاحداث والمواقف وانخفاض الذاكرة بشكل عام.
على سبيل المثال، قام الباحثون في احدى الدراسات بعرض فيلم مثير جدا لعملية جراحية على 75 متطوعا وتسجيل مشاعرهم وقدراتهم على اخفائها ودرجة تذكرهم للأحداث التي شاهدوها. وبينت نتيجتها ان الذين بذلوا جهدا اكبر في كبت ردود افعالهم واستجابتهم العاطفية لم يتمكنوا من تذكر ما شاهدوه بصورة جيدة. وفي دراسة اخرى طلب الباحثون من نصف المتطوعين السيطرة على تعابير وجوههم في محاولة لحفظ اتزان وبرود المشاعر التي يحسون بها اثناء مشاهدتهم لأشخاص يتشاجرون، بينما طلب من النصف الاخر الالتهاء عن هذه المشاهد بالتفكير في شيء آخر. ليُكتشف أن أفراد هاتين المجموعتين واجهوا الصعوبة نفسها في تذكر احداث ما رأوه، اي من شهد المشاجرة وكبت مشاعره او لم يشهدها لالتهائه بأمر آخر. وعليه يمكن القول بان اهمال المشاعر ومحاولة التغاضي عنها ونسيانها، يربك قدرات العقل الذهنية. فانت بذلك تطلب من عقلك ان يتناسى مشاعرك ويهملها ولا يتذكرها. وما يفعله دماغك هو انه يستجيب لك، ولكنه في المقابل يقوم بتقليل قدرتك على تذكر الاحداث الاخرى ايضا، ما يفسر انخفاض قدرة التذكر عند من تعودوا على تناسي كل ما يؤلمهم ويزعجهم.

حدد لقاء للتعبير عن المشاعر
هناك عدة طرق سليمة للتعبير عن الافكار والمشاعر ، من أهمها ان يطلب من يشعر باحاسيس مكبوتة تحديد لقاء مع الشخص المعني فيجتمعان للتحدث حول ما يشعر به الشخص الكتوم، لكن بعد ان يتفقا على عدة امور.
يجب عليهما اولا ان يتفقا على ان هدف هذا اللقاء هو محاولة ازالة اي احاسيس سلبية، وأن ينصت كل طرف للآخر من دون مقاطعة او تبرير. كما يجب ان يتحمل كل طرف مسؤولية شعوره بان يستخدم ضمير «انا» مثل «أنا اشعر» و«انا اعتقد»، ولا يستخدم كلمات مثل «انت جعلتني اشعر» او تلوم الاخر. ومن المهم التركيز على موقف واحد او موقف تلو الاخر وليس على العلاقة بشكل عام. وفي النهاية، يختم الحديث بالاتفاق على حل يرضي الطرفين. فهذه اللقاءات توطد العلاقة وتتجاوز مشكلة عدم القدرة على التعبير عن المشاعر كما تزيد من شعور الطرفين بالراحة والمودة والتفاهم.

اكتبها في ورقة
في دراسة لجيمس بنيبيكر وهو عالم نفسي من جامعة ساوثرن ميثوديست، طلب فيها من المتطوعين ان يكتبوا الخبرات الاكثر ازعاجا في حياتهم والتخوفات التي تشغلهم حاليا لمدة 15 الى 20 دقيقة ولمدة خمسة ايام.
واظهرت النتائج تحسنا ملحوظا في وظائف مناعة المتطوعين بشكل كبير، ما ادى الى انخفاض اصابتهم بالمرض وعدد مرات زيارتهم للطبيب وايام تغيبهم عن العمل، وهذا يدل على ان كتابة وتدوين المشاعر ومكنون الصدر يعد من الامور الفعالة في التعبير والتفريغ عنها. لذا، يمكن لمن يعاني من عدم القدرة على التعبير او يتخوف من ردود افعال الاخرين ان يلجأ الى كتابة مشاعره في ورقة. فهو بذلك يحرر نفسه من السجن الذي يخلقه كتمانه لمشاعره وافكاره.


الوقاية خير من العلاج

لا يمكن ان نعيش حياة من دون ابتلاء، فالمؤمن مبتلى. ولا يمكن ان نكون تعساء وغير سعيدين طوال الوقت، فالحياة تجلب لنا مواقف وامورا من المفترض ان تشعرنا بالسعادة. وفي ظل هذه المتغيرات يجب ان يتمتع الانسان بالقدرة على حفظ استقرار نفسيته.
وتوجد عد مناهج يمكن للشخص ان يتبعها في حياته للمحافظة على صحته النفسية، من اهمها منهج الرضا بما لديك والايمان بالقضاء والقدر، فهو المفتاح للشعور بالراحة والاستقرار النفسي والتفاعل المتزن مع مواقف الحياة.
ومن المناهج الاخرى المفيدة بحسب خبراء علم النفس هو المنهج الوقائي، الذي يهدف الى وقاية الفرد من الامراض والاضطرابات النفسية. وبشكل عام ومبسط، فيهتم هذا المنهج بوقاية الفرد من حدوث الخلل والاضطراب النفسي من خلال استخدام عدة طرق. ومنها على سبيل المثال: طريق التشجيع والتحفيز وزرع الامل والتفكير الايجابي وحرية التجربة وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والاهم من ذلك كله هو حرية التعبير عن المشاعر.
اما كبت الانسان لمشاعره وتجاهلها فغالبا ما سيزيد من فرصة اصابته بالمرض وحاجته الى المرحلة الثانية من المنهج الوقائي. وفي هذه المرحلة يكون الاعتلال في بدايته وتهدف لوقف الاضطراب النفسي والشفاء منه. اما المرحلة الثالثة من هذا المنهج فتختص في علاج الامراض وان تسيطر على اعراضها بعد ان تفاقمت وساءت اعراضها.
 
أعلى