لــــوحتي البيــضاء

فلسطين المحبة

بيلساني سنة أولى

إنضم
Mar 17, 2010
المشاركات
427
مستوى التفاعل
17
المطرح
بلد الحرية والسلام
لوحتي البيضاء

هل تشعر بالممل ، وترغب في حكاية تملئ رأسك الأجوف ، ..فسمعني جيدا ..أنا لم أكتب لكي أرفه عنك ، فلست شخص يهمني راحته أو حتى إعجابه ..ولن أكترث إن حطمت رأسك أو صعدت إلى أعلى بناية وانتحرت ..فأنا امرأة ناهزت عقدها السادس وليّ حفنة أولاد قد يقاربوك سناً ، وإن اجتمعوا فلن يترددوا في تقطيعك أربا، إن أساءت لي بكلمة واحدة .
فلنتفق منذ البداية ..أما أن تكون قارءاًِِ جيداً ..أو تكف عن ذلك الفضول وتمضي إلى حالك البائس.
يبدو أنك قارءاً جيداَ..حسنا ..سأسرد لك عن لوحتي البيضاء

كانت لدي لوحة بيضاء معلقة على حائط مكتبي، أكتب عليها ملاحظاتي حول امتحانات الطلاب في القسم الجامعي الذي أدرس فيه ..وفي أحد الأيام، بينما كنت منهمكة في تصليح أوراق امتحان أجريته في الأمس، طرق مسمعي دق خفيف لباب مكتبي الزجاجي..اتجهت أنظاري إلى الطارق ..كانت فتاة متوسطة الطول ..نحيفة القوام..ذات ملامح مشرقة بابتسامة خفيفة..كانت إحدى طالباتي .
-"
تفضلي " ..قلتها مشيرة لها بالدخول ...فتحت الباب وفي عينيها البنيتين بريق مرح خفيف وهي تلقي تحية الصباح..بادلتها التحية، وقد أظهرتٌ أسارير وجهي علامة استفهام ! ..ماذا عساها تريد !
-"
دكتورة ..هل يمكن أن أطلب منك شيء ؟" ..قالتها بصوت يكاد يكون همسا مظهرة ابتسامة خجلة !
-"
تفضلي ! "
-"
هل يمكن أن أكتب على لوحتكِ بعض الكلمات من حين إلى أخر ؟" ..أي طلب عجيب هذا ! ..وما عساها أن تكتب ! ..ألا يكفيها اللوحات الموجودة في القاعات الدراسية حتى تفكر في استغلال مساحتي الحرة للتطفل عليها !
لكن الفضول يأبى أن يترك امرأة ناهزت عقدها السادس في حيرة مما تطلبه فتاة لم تتجاوز العشرين عاما ! .
-"
حسنا ".
-"
هل يمكنني البدء من اليوم ؟"..قالتها وقد أشرقت أسارير وجهها المليح ابتسامة عريضة .
-"
حسنا ..كما ترغبين "..توجهت إلى لوحتي ..أمسكت القلم ،وأخذت تكتب بخط أنيق ..
"
الرحمة فوق العدل ".
-" شكرا " أضافت ثم انصرفت ..تمعنت في جملتها ..كانت جميلة لكن لا تخلو من المعاني الدفينة ..هل عساها تود أن أتغاضى عن أخطاء ارتكبتها في الامتحان ! ...أمر مستحيل ما تطلبه ! ...أخذت القلم بدوري وكتبت
" من جد وجد " ..
نظرت إلى ساعتي ..أقترب وقت محاضرة لدي..وضعت أوراق الامتحان في أحد الأدراج وأحكمت قفله ..وانصرفت إلى الدرس .
في اليوم التالي وبينما أخرج أوراق الامتحان من جديد..جاءت هي بهندام أنيق ..ألقت التحية باحترام ثم أستدرات إلى اللوحة ..قرأت ما كتبته في الأمس..تظاهرتُ بتجاهل وجودها ..فتركت أنظاري تقع على الأوراق لكني لمحتها من طرفي عيني خلسة..تمسك القلم من جديد وتكتب..
"
الأیدی التی تساعد الآخرين، مقدسه أثر من الألسن التی تبتهل بالدعاء " .
"
شكرا " أضافت ثم انصرفت بهدوء .
رفعت رأسي بعد أن تأكدت ابتعادها عن مكتبي ...قرأت ما كتبته ..يبدو إنها ما زالت مصرة على طلبها ..أمسكت القلم وكتبت
" السؤال لغير الله مذلة " ..
كنت أتمنى أن تفهم ما اعنيه..لكنها في اليوم الثالث جاءت وكتبت من جديد ..
"
الیوم هو نفسه الیوم القادم الذی كانت في انتظاره"..
تركت القلم بعد أن شكرتني..نظرت إلى اللوحة ..لم أفهم ما كانت تعنيه! ..أي يوم كانت في انتظاره ! ..هل يمكن إنها لم تجد جملة تجيب جملتي فتركت العنان لمخيلتها تكتب جملة غير مفهومة المعنى ! .
أوقفتها عن المضي إلى حال سبيلها سائلة إياها
-" ما هو أسمك ! " .
-"
سالي أحمد " ..كانت مبتسمة عندما أجابتني .
-"
وهل كنت جيدة في الامتحان يا سالي ؟"
-"
همممم ..أظن هذا "..رغبت سألها عن معنى جملتها لكن كبريائي كأستاذة جامعية وشيب رأسي الفضي منعني من طرحه .
-"
أسمحي لي يا دكتورة بالانصراف "..أجبتها بالقبول ..وانصرفت ..وبخفة أخذت أبحث عن أسمها بين الأوراق حتى وجدتها..تمعنت في إجاباتها ..كانت على حافة الفشل ..لكني تغاضيت عن بعض الأخطاء حتى أتممت درجة يمكن أن تكون ناجحة فيه.
مر يوم ..وتلاه أسابيع ..لم تأتي لتكتب جملة جديدة! ..تاركة جملتها الأخيرة على لوحتي البيضاء معها الفضول يملأني ..أي يوم كانت تنتظره!.
وفي أحد الأيام ....زارني أحد الأصدقاء في مكتبي ..وما أن التفت إلى اللوحة..حتى سألني ذات السؤال ..فأجبته أنها بخط طالبة تدعى سالي أحمد..ودام الصمت لحظات فقد فهمت جملتها باستيعاب...فقد حفظت أسمها عن ظهر قلب وساعدتها دون أن تنطق بحرف.
 
أعلى