لـيـل يـحـتـرق


إنضم
Oct 3, 2008
المشاركات
6,719
مستوى التفاعل
69
المطرح
دمشق باب توما
أنين مكنة الخياطة يذكرك بكل ما يقلص أنفاسك و يزعجك، خاصة و أنه يتحد مع صوت الحنفية المهملة التي تشعر و كأن عمرك يتسرب من خلالها مع كل قطرة. و الليل حالك و سميك كمادة لزجة، لا نجوم فيه سوى بعض قمر يلوح من بعيد.
ـ إسمعي، أريد أن أحتفل بعيد ميلادي هذه المرة!
كقرار رئاسي لا يأتي إلا في الأوقات غير المناسبة، تطرق هذه العبارة آذان والدتها المنكبة فوق المكنة:
ـ فقط اجمعي مالاً كافياً لإقامة حفلة، ولا تقولي للناس حقيقة عمرك.
تنهرها بقسوة تبعثر شيئاً من هيبتها، لكن تجيب بهدوء مفتعل و هي تطوي خصلة نسيت نفسها فوق الجبين.
ـ لستُ عانساً، و لا أبحث عن زوج.
تغمزني، و تنتظر في ثقة ما ستقذف به الأم من كلام، فتلوذ الأخيرة بالصمت. كل واحدة تعرف الأخرى تماماً. تفهمها، تدري مايدور في خلدها، و كأنهما شخص واحد في جسدين منفصلين. لا أعتقد أن هناك شيء أكثر إثارة من حوار يدور بينهما.
ـ لماذا تريدين حفلة ميلاد هذه المرة؟ ...أسألها و كلي يرتعد.
ـ لأنني أرغب في ذلك ـ تبتسم ـ ألا يكفي؟
تجيب الأم دون أن تلتفت: لأنها تريد أن تثبت لنفسها أنها ما زالت صغيرة.
ـ هي صغيرة فعلا، يا خالة!
حسناً، ربما تدخلت هنا بالخطأ! كانت محاولة لإستفزاز البنت لكني أجهضتها، مما دفعها على الضحك: أنتِ هنا في المكان غير المناسب، أخية.
لم أكن متأكدة ما إذا كانت عبارتها تستلزم تعقيبا، لكني عقبت:
ـ لا أعتقد ذلك.
ـ أنا أعتقد ذلك.
ينفجر صوت الأم بنبرة ساخطة:ـ إذا كنت تعتقدين ذلك، ولا ترضين بهذا المكان، فعودي إلى زوجك. لم أنتِ هنا بين أناس تكرهينهم؟
ـ أكرهكم، هذا صحيح..لكني أكرهه أكثر.
ـ لماذا؟ لأنه يخونك؟
ـ لأنه حيوان.ـ الرجل يخون، ليس لأنه سيء، بل لأنه خلق هكذا، عابث. أنظري إلى والدك المحترم، الـ..
ـ حقاً ، لستِ في حاجة إلى سرد تاريخه للمرة المليون!
ـ لستِ أفضل شأناً مني. صبرت و تحملت. أصبري و تحملي أنتِ أيضاً. في النهاية لن تجدي من يختلف عنه، فكلهم سواء، يشبهون الأحذية تماماً، أشكالهم الخارجية مختلفة لكنهم في الأصل فصيلة واحدة لنفس الغرض.
ـ حسناً ! يبدو أنني سأتخلى عن الأحذية، و أبقى حافية!
ـ سحقاً لكِ، لا تظني أن طولكِ قد يمنعني من تهشيم رأسك!
كم تمنيت لو أنني أختفي. فقط أختفي في تلك اللحظة. آخر شيء من الممكن أن أتحمله هو انفجار كهذا يزيد من توتري و شعثي. الأصوات القارحة تثير زوابع القلق في داخلي، تعصف و تحطم ما تبقى لي من مشاعر سليمة، بعبثية مطلقة.
ـ هيا، تعالي إلى الأعلى. هذه السيدة مستعدة للإستمرار حتى الصباح!
تصرخ الأم، ثانية، بصوت أعلى تتخلله نبرة وعيد:
ـ لم تجدي أحداً ليربيكِ، لذلك أنتِ عاصية و ملعونة كوالدك.
ـ أهه ـ تضحك كطفلة ـ إذن الخطأ ليس مني بل منكم! تلتفت إليّ: هيا تعالي، تعالي إلى الأعلى.
و بينما نحن نصعد إلى الأعلى، سمعت الأب يدخل: "سلام عليكم..." فأجابه صوت يتهادى بدلال أنثوي: هلا بسيد الناس، و تاج راسهم، هلا.
 

مختار

جنرال

إنضم
Jul 30, 2008
المشاركات
7,486
مستوى التفاعل
60
المطرح
بجهنم الخضـرا
رسايل :

صحيــــح بأننـــا لا نعــــــرف بعضنـــــ ـا شخصيــــــ ـا الا مــــن خـــــلال شاشــــــة صغيــــرة واسطـــــر نخطهــــــا ولكـــن الاحتــــرام لبعضنـــــا البعــــض يــــــــز داد يومــــــا بــعـــ

يسلمو حسامو مشكور
موضوع رائع:24:
 

سعد قيس

سعد الروح البيلساني قلب منتهي الصلاحية

إنضم
Jul 3, 2008
المشاركات
6,963
مستوى التفاعل
62
المطرح
الكــرســـي ..!!
يعطيك العافية حبيب حلووو :24:
 
أعلى