لف وارجع تانى

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
تذكرت مقولة علاء ولى الدين، رحمه الله، فى فيلمه الناظر صلاح الدين، وهو محمول على الأكتاف فى مظاهرة سلمية ضد الاحتلال الإنجليزى، وبمجرد مواجهة قوات الاحتلال وبدء إطلاق الرصاص على المتظاهرين واشتداد الخطر، أخذ يهتف ويقول: "ايه البواخه دى" ثم اتخذ قراره بالتقهقر وتوجيه المظاهرة قائلا: "لف وارجع تانى".

تذكرت هذا الموقف الكوميدى ولكن فى إطار حزين هذه المرة عندما نواجه أنفسنا بما يحدث الآن من الاحتلال الجديد مصرى مائة فى المائة واشتداد شراسة المواجهة مع أفراد الشعب الذين ضاقت بهم السبل، ولم يعد أمامهم سوى التعبير بعفوية شديدة لأولى الأمر عن المصاعب التى يواجهونها بشكل يومى مطرد.

وقد تكون أقرب هذه المشاهد هو مشهد الكلاب التى تم استخدامها لفض المظاهرة السلمية التى حدثت أثناء زيارة السيد محافظ كفر الشيخ للبرلس فى العيد القومى للمحافظة، فلقد اشتهر السيد المحافظ إعلاميا بـ"صاحب الجلباب الأبيض"، فهو المحافظ الذى ارتدى الجلباب الأبيض أثناء جولته التفقدية لحال الرعية فى زيارته الملائكية لأحد المستشفيات، فلقد كان لهذا المظهر -الجلباب الأبيض المرحرح البسيط- دلالة للمواطنين الطيبين على تواضع وتباسط المحافظ مع المواطنين، محاولا بذلك بناء نوع من التواصل مع هؤلاء البسطاء، فما كان من المواطنين عندما رأوا المحافظ أمامهم إلا أن قام المواطنون البسطاء "الصيادين" بمحاولة عرض مشاكلهم عليه فى مظاهرة سلمية، وللأسف انقلبت البساطة إلى شراسة أشد ضراوة فى التعامل مع الصيادين البسطاء.

ولا يمكن أن ننسى أن نرصد فى هذا المشهد وجود أفراد من جماعة الإخوان المسلمين كالمعتاد ليباركوا المحافظ ويساندوه، وهو ما أدى إلى وجود مناوشات بينهم وبين الصيادين عندما حاولوا الاقتراب والوصول إلى المحافظ، الذى سارع بطلب النجدة، وبالفعل طلب مدير مكتبه من نقطة حرس الحدود التدخل، وهى مختصة بعمل تصاريح لسفن الصيد، وجاء معهم أحد الكلاب الضالة من داخل النقطة بعد أن تم نفى مشاركة الشرطة العسكرية فى هذا العمل، كما قيل بعد ذلك، وكانت نتيجة هذا المشهد حدوث ترهيب للمواطنين حيث ملئوا رعبا، فاضطروا أن يلفوا ويرجعوا تانى كما قالها علاء.

وفى إطار هذا المشهد الحزين بدأت التساؤلات تتطاير أمام أعيننا، ألم يكن من الأصوب أن يكمل السيد المحافظ المظهر المتباسط والمتواضع مع المواطنين البسطاء بأن يتعرف على مشاكل مواطنيه ترضية لضميره ومقتضيات وظيفته؟ ولكنه ترك المكان ورحل بعد وصول النجدة واستخدام الكلاب البوليسية لتفريق المتظاهرين.

ألم يكن من الأصوب للشعب الذى احتشد بالملايين لتفعيل الديمقراطية السليمة أن يتظاهر بشكل متحضر وراقٍ، وأن يتعلم كيف يعبر عن مطالبه بلا فوضى أو تدافع مدمر؟، ولكن للأسف بدلا من أن يواجهوا هذا السلاح الفتاك فى تفريق المتظاهرين ويتقدمون بشكل متحضر إلى الأمام معبرين عن طلباتهم بمصداقية ومثابرة عادوا مرة أخرى إلى الخلف خوفا من شراسة الكلاب.

ويثور تساؤل آخر متعلق بهذه الحادثة ألا وهو: هل الجلباب الأبيض الذى ظهر به المحافظ أثناء تأدية وظيفته سيكون هو الزى الرسمى المنتظر لرجال الحكومة المصرية الحديثة؟ وإلا كيف مر هذا التصرف بلا حساب من قبل الحكومة الحالية؟ أم أنه كان هناك بالفعل حساب ولكن لم يعلن عنه لاعتبارات أخرى؟ نحن ندرك أن المحافظ له كامل الحق فى أن يفعل ما يشاء أو يرتدى ما يشاء طالما أنه لا يتعارض مع النظام والآداب العامة، أما أن يرتدى الجلباب وهو بصدد تمثيل الدولة بصفته محافظا فإنه يتعين عليه أن يحافظ على مظهر رجل الدولة.

و من جانب آخر: هل أدى تأخر هيكلة الشرطة وتطهيرها بعد الثورة إلى زيادة استخدام العنف المفرط بحيث أصبح أشد ضراوة من ذى قبل فى مواجهة الموطنين؟ فإذا كان من أهم إنجازات الثورة أن نرفع رؤوسنا عاليه لأننا مصريون، فكيف الحال ونحن نعود إلى الوراء مرة أخرى، وأن تطلق علينا كلاب "السرايا" عفوا الحراسة، وأن تهان كرامة المواطن المصرى.

هذا ولا يمكن تجاهل ما أصدره مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب من وقوع حالات قتل وتعذيب فى حق المصريين فى تقريره بعد انتخاب الدكتور مرسى- الذى اأطلق عليه مائه يوم من حكم مرسى- من الاعتقالات العشوائية وفض الاعتصامات بالقوة كما حدث فى اعتصام جامعة النيل وخطف النشطاء السياسيين وتعذيبهم، كما حدث مع أنس العسال الناشط السياسى الذى خطف وتعرض للتعذيب من جهة أمنية، وتم حقنه بحقن الترامادول، وأيضا رصد التقرير العشرات من الجرائم المنسوبة لجهاز الشرطة، فهل حقا لم يتغير فى جهاز الشرطة إلا الشعار؟ نعلم أن التغيير يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين ونضال من جانب الحاكم والمحكوم فى آن واحد حتى نحصل على المجتمع الذى نحلم به، وعلى الرغم من ذلك فإننا نخشى أن يعزف الشعب عن الديمقراطية السليمة وبدلا من أن نتجه إلى الديمقراطية الحقيقية نتجه إلى مصير لا يحمد عقباه أو كما قال علاء لف وارجع تانى.
 
أعلى