سما الاكوان
بيلساني سنة ثالثة
- إنضم
- Nov 20, 2010
- المشاركات
- 600
- مستوى التفاعل
- 16
لكل شيء وقت...
هذه حكمة قديمة فاه بها سليمان الحكيم في قديم الزمان. والحياة المتوازنة تلتزم إلى حد بعيد بهذه الحكمة الأزلية. فكل ما في الكون يقوم على أساس التوازن: فنشاطات حياتنا من عمل، وتعلّم، وتسلية، وعبادة يجب أن يكون لها وقت.
وكم من الناس الذين نعرفهم لا حساب للوقت في برنامجهم، كما لا نجد في حياتهم تنظيماً أو توازناً. فهذا يقضي معظم أوقاته في العمل المجهد واصلاً نهاره بليله دون راحة، وذلك يلهو ويتسلى معظم وقته فلا نراه يعمل أو ينجز شيئاً، وثالث يندفع وراء الملذات يعبّ منها حتى يفني جسده ونفسه، ورابع لا يرى في الحياة سوى العبادة القائمة على التقاليد والطقوس التي لا تفيد شيئاً، فيحيا على النظريات الفارغة والأوهام التي لا تشبع غليلاً، ولا تملأ فراغ النفس ما لم تقترن بالعمل.
فالعمل يجب أن يعقبه لا عمل - أي الراحة - والنهار يعقبه ليل، والنشاط يعقبه استرخاء. فالقلب البشري مثلاً في حالته الطبيعية ينبض من 72 إلى 80 نبضة في الدقيقة، وهذا يتوقّف على حجم الإنسان. وقصد الخالق العظيم أن يستريح هذا القلب ضعف ما يعمل. فهو يستريح ثلثي الوقت. أما أولئك الذين يجهدون أنفسهم بالعمل المجهد دون راحة واسترخاء فإنما يتعبون أنفسهم ويعطبون قلوبهم ويحصدون بالتالي العلل والأمراض.
فالتوازن في الحياة يعني أن تكون هنالك ساعات معينة للعمل والنشاط، وساعات محددة للنوم والراحة. فالإنسان الذي يحرق الشمعة من طرفيها يجد أخيراً أنه أحرقها أيضاً من منتصفها، وبالتالي فإن شمعة قلبه تخبو وينطفئ نورها بأسرع مما كان يظن أن يتوقّع!
إن معرفتنا كيف نستريح بعد العمل وكيف نسترخي بعد التعب يتوقّف عليها سر إطالة الحياة وهناء العيش... فالله عزّ وجلّ جلاله قصد أن نحيا حياة متوازنة. فهو تعالى خلق النهار للعمل والليل للراحة وليس للعربدة وهدر القوى. خلق الصيف مقابل الشتاء وخلق الربيع مقابل الخريف، وجمّل العمل بالراحة. وكتاب الوحي يذكر أنه تعالى عمل على خلق هذا العالم ثم استراح.
إن معرفتنا كيف نوازن بين مدخولنا ومصروفنا يتوقّف عليها إلى حدّ بعيد نجاح وسعادة الحياة التي نحياها على هذه الأرض. ليس في هذه الحقيقة التي أعلنها أي جديد... إنها حكمة قديمة أطلقها الآباء والأجداد على قدّ بساطك مدّ رجليك، و القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود! ما أكثر البيوت التي تحطّمت من جراء فقدان هذا التوازن بين ما يدخل للعائلة من مال وبين ما تنفقه على نفسها على حاجات أكثر ما تكون وهمية وكمالية وغير ضرورية! فكم من عائلة تنفق أكثر مما تجني؟! لِمَ لا، وجيران تلك العائلة ينفقون بسعة، وعندهم كذا وكذا؟! وهكذا يندفعون للإنفاق عملاً بالمثل الشائع ما في أحد أحسن من أحد! ويقصد به: إن ما يعمله جارهم وما يشتريه وكيف ينفق يصبح بدافع التقليد الأعمى، مثالهم ودليلهم في الحياة. وحتى ولو كان ذلك على حساب ميزانيتهم المحدودة ووضعهم المادي الضعيف وما يترتب على ذلك من دين وشقاء ونكد.
فأن نعرف كيف نوازن بين مدخولنا ومصروفنا بشيء من الحكمة وضبط النفس، هو سر من أسرار الحياة المتوازنة!
وأخيراً وليس آخراً، يجب أن نعطي أنفسنا وقتاً فيه نختلي بأنفسنا ونحاسبها الحساب ونتأمل في القصد من حياتنا على هذه الأرض، والغرض الذي من أجله وُجدنا. كل ذلك يعني أن تكون هنالك صلة وشركة بين الإنسان وربه.
والعلم والجاه وتحصيل الثروة، هذا الفراغ يملأه الله سبحانه عندما يحلّ في قلب الإنسان فتفيض حياته إذ ذاك بالسعادة والسلام.
فلنحرص على هذه الخلوة يومياً مع الله ولنكاشفه بخفيات قلوبنا، ولنتحدّث إليه كما لو كنا نتحدّث مع صديق حميم، ولنصغِ إليه عندما يخاطبنا، ولنلقِ عليه منغِّصات حياتنا وأحمالها. وبقدر ما نجعل أنفسنا منسجمة ومتناغمة مع إرادة الله وقصده الأزلي لحياة كل منا، تكون حياتنا متوازنة في جميع نواحيها. فالحياة مع الله هي الحياة الجديرة بأن نحياها، وكل حياة بدونه هي انتحار بطيء وموت مؤكّد