ربيــــــع
بيلساني سنة رابعة





- إنضم
- Jul 29, 2010
- المشاركات
- 744
- مستوى التفاعل
- 29


وهذا ما قد قرره رسول الله في الحديث الذي رواه البخاري من
حديث أبي هريرة ومن حديث السيدة عائشة وحديث أبي سعيد الخدري
أن رسول الله قال: «لن يُدْخِلَ أحدَكم الجنةَ عملُه، قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله
برحمته». ولنلاحظ هنا دقة كلام رسول الله في التعبير عن هذا المعنى
. فهو لم يقل (لن يَدْخُلَ أحدُكم
الجنةَ بعمله) لو قال ذلك، إذن لجاء كلامه مناقضاً للقرآن الذي
يقرر أن الله يدخل الصالحين من عباده في الجنة بأعمالهم، وذلك
في مثل قوله عز وجل: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ، وإنما قال: «لن يُدْخِلَ
أحَدَكم الجنةَ عملُه» أي إن اعتمادك على العمل مستقلاً عن عفو
الله وصفحه، وعن مسامحته وكرمه، سيخيب آمالك ولن يحقق لك شيئاً
من أحلامك. ذلك لأن الله هو الذي جعل عملك البخس، طريقاً إلى
مغفرته وجنته. والباء في قوله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } إنما ساقتها
فربطتها بالعمل، رحمة الله، كرم الله، سعة عفو الله، لا
استحقاقك أنت أيها العبد أياً كنت وأياً كان شأنك
ومستواك.وانظر إلى مثال تَصَدُّقِ أحدنا بشيء من المال على
فقير، وتأمل كيف يتجلى سائق الرحمة الإلهية والمغفرة الربانية
للباء التي دخلت دخول السببية على العمل: من المعلوم أن المال
مال الله، وليس له من مالك حقيقي إلاّ هو. ألم يقل {
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل:
16/32 } ثم إنه يخاطبنا قائلاً: { .. بما كنتم تعملون } {
النحل: 16/32 } يعطيك من ماله، ثم يفترض أنك أنت المالك
الحقيقي له، ويقيم ذاته العلية مقام المقترض منك، قائلاً:
أتقرضني شيئاً من مالك هذا، إذن أعدك أنني سأعيده إليك أضعافاً
مضاعفة!..فهل تصدق يا هذا أنك أنت المالك حقاً، وأن الله ليس
إلا محتاجاً إليك ومقترضاً منك؟!.. أفيمكن أن يبلغ منك السكر
بهذا الأسلوب الرباني المتفضل الودود، أن تذهل عن الحقيقة وأن
تصدق أنك أنت المالك وأن الله هو المقترض، ثم أن تزعم بأن لك
أن تطالب الله بما أقرضته إياه، مضافاً إليه الفوائد التي
تعاقدت معه عليها؟!..إن كنت تتصور هذا، وتنسى أن باء السببية
هنا إنما ساقها اللطف الإلهي، فأنت مجنون بكل جدارة!....إذن
فقد أدركنا وتذوقنا معنى كلام سيدنا رسول الله : «لن يُدخِلَ
أحدَكم الجنةَ عملُه..» إلى آخر الحديث.ولكن فلنتساءل: هل من
تعارض بين أن يعدك الله دخول الجنة برحمته وبين أن يأمرك في
الوقت ذاته بعبادته؟لا تعارض، لأن العبادة حق لله عليك بوصف
كونك عبداً له، والجنة منحة وعطية من الله لك، بوصف كونه
رحيماً بك وغفوراً لك. وقد قضى بسابق حكمه أن يكون أولى الناس
برحمته أكثرهم أداء لحقوقه. وقد أعلن عن ذلك بقوله: {
وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُم } { النور: 24/33
} ولا يقولنَّ قائل: ما حاجتي إلى رحمة الله وصفحه إن كنت
مؤمناً متقياً؟ لأن الإيمان والتقوى ليس شيء منهما قيمة لعطاء
تناله، وإنما هو حق مترتب لله عليك. فإذا أديت الحق الذي له في
عنقك، فليس لك عنده بمقابل ذلك شيء، وكل ما ينالك منه تفضل
ورحمة وصفح.والآن، نعود إلى كلام ابن عطاء الله، لنقف على نقطة
هامة يحذرنا منها: ((من علامة الاعتماد على العمل نقصان
الرجاء عند وجود الزلل)).أي إن من أخطر نتائج اعتمادك في مثوبة
الله على العمل، نقصان رجائك بعفوه عندما تتورط في الزلل
والآثام؛ فبين الأمرين تلازم مطرد. والسبيل الوحيد إلى أن لا
يقل رجاؤك برحمة الله وصفحه عند التقصير، هو أن لا تعتمد على
عملك عندما يحالفك التوفيق. وعندئذ تكون في كلا الحالين
متطلعاً إلى جود الله وكرمه، بقدر ما تكون خائفاً من غضبه
ومقته.إذن فالخوف من غضب الله وعقابه يجب أن يكون موجوداً مع
الرجاء الدائم برحمته وفضله، لأن الإنسان أياً كان، لن ينفك عن
التقصير في أداء حقوق الربوبية عليه، في سائر التقلبات
والأحوال.ومن ثم فإن الذي يرى أنه من الضعف والتقصير بحيث لا
يستطيع أن يؤدي شيئاً من حقوق الله عليه، يتجاذبه شعوران
متساويان في كل الأحوال: أحدهما شعوره بالأمل بفضل الله وعفوه،
ثانيهما شعوره بالخجل والخوف من تقصيره في جنب الله عز وجل، لا
يعلو ويشتدّ الشعور الأول إن رأى نفسه موفقاً للطاعات، ولا
يهتاج به الشعور الثاني إن رأى نفسه مقصراً في أدائها متهاوناً
في حقوق الله عز وجل، لأنه في كل الأحوال لا يقيم لطاعاته
وزناً، ولا يعتمد عليها في الأمل برحمة الله وعفوه. فهو إذن في
كل الأحوال بين الخوف والرجاء.
بقلم د. محمد سعيد رمضان البوطي
حديث أبي هريرة ومن حديث السيدة عائشة وحديث أبي سعيد الخدري
أن رسول الله قال: «لن يُدْخِلَ أحدَكم الجنةَ عملُه، قالوا:
ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله
برحمته». ولنلاحظ هنا دقة كلام رسول الله في التعبير عن هذا المعنى
. فهو لم يقل (لن يَدْخُلَ أحدُكم
الجنةَ بعمله) لو قال ذلك، إذن لجاء كلامه مناقضاً للقرآن الذي
يقرر أن الله يدخل الصالحين من عباده في الجنة بأعمالهم، وذلك
في مثل قوله عز وجل: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } ، وإنما قال: «لن يُدْخِلَ
أحَدَكم الجنةَ عملُه» أي إن اعتمادك على العمل مستقلاً عن عفو
الله وصفحه، وعن مسامحته وكرمه، سيخيب آمالك ولن يحقق لك شيئاً
من أحلامك. ذلك لأن الله هو الذي جعل عملك البخس، طريقاً إلى
مغفرته وجنته. والباء في قوله تعالى: { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل: 16/32 } إنما ساقتها
فربطتها بالعمل، رحمة الله، كرم الله، سعة عفو الله، لا
استحقاقك أنت أيها العبد أياً كنت وأياً كان شأنك
ومستواك.وانظر إلى مثال تَصَدُّقِ أحدنا بشيء من المال على
فقير، وتأمل كيف يتجلى سائق الرحمة الإلهية والمغفرة الربانية
للباء التي دخلت دخول السببية على العمل: من المعلوم أن المال
مال الله، وليس له من مالك حقيقي إلاّ هو. ألم يقل {
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } { النحل:
16/32 } ثم إنه يخاطبنا قائلاً: { .. بما كنتم تعملون } {
النحل: 16/32 } يعطيك من ماله، ثم يفترض أنك أنت المالك
الحقيقي له، ويقيم ذاته العلية مقام المقترض منك، قائلاً:
أتقرضني شيئاً من مالك هذا، إذن أعدك أنني سأعيده إليك أضعافاً
مضاعفة!..فهل تصدق يا هذا أنك أنت المالك حقاً، وأن الله ليس
إلا محتاجاً إليك ومقترضاً منك؟!.. أفيمكن أن يبلغ منك السكر
بهذا الأسلوب الرباني المتفضل الودود، أن تذهل عن الحقيقة وأن
تصدق أنك أنت المالك وأن الله هو المقترض، ثم أن تزعم بأن لك
أن تطالب الله بما أقرضته إياه، مضافاً إليه الفوائد التي
تعاقدت معه عليها؟!..إن كنت تتصور هذا، وتنسى أن باء السببية
هنا إنما ساقها اللطف الإلهي، فأنت مجنون بكل جدارة!....إذن
فقد أدركنا وتذوقنا معنى كلام سيدنا رسول الله : «لن يُدخِلَ
أحدَكم الجنةَ عملُه..» إلى آخر الحديث.ولكن فلنتساءل: هل من
تعارض بين أن يعدك الله دخول الجنة برحمته وبين أن يأمرك في
الوقت ذاته بعبادته؟لا تعارض، لأن العبادة حق لله عليك بوصف
كونك عبداً له، والجنة منحة وعطية من الله لك، بوصف كونه
رحيماً بك وغفوراً لك. وقد قضى بسابق حكمه أن يكون أولى الناس
برحمته أكثرهم أداء لحقوقه. وقد أعلن عن ذلك بقوله: {
وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُم } { النور: 24/33
} ولا يقولنَّ قائل: ما حاجتي إلى رحمة الله وصفحه إن كنت
مؤمناً متقياً؟ لأن الإيمان والتقوى ليس شيء منهما قيمة لعطاء
تناله، وإنما هو حق مترتب لله عليك. فإذا أديت الحق الذي له في
عنقك، فليس لك عنده بمقابل ذلك شيء، وكل ما ينالك منه تفضل
ورحمة وصفح.والآن، نعود إلى كلام ابن عطاء الله، لنقف على نقطة
هامة يحذرنا منها: ((من علامة الاعتماد على العمل نقصان
الرجاء عند وجود الزلل)).أي إن من أخطر نتائج اعتمادك في مثوبة
الله على العمل، نقصان رجائك بعفوه عندما تتورط في الزلل
والآثام؛ فبين الأمرين تلازم مطرد. والسبيل الوحيد إلى أن لا
يقل رجاؤك برحمة الله وصفحه عند التقصير، هو أن لا تعتمد على
عملك عندما يحالفك التوفيق. وعندئذ تكون في كلا الحالين
متطلعاً إلى جود الله وكرمه، بقدر ما تكون خائفاً من غضبه
ومقته.إذن فالخوف من غضب الله وعقابه يجب أن يكون موجوداً مع
الرجاء الدائم برحمته وفضله، لأن الإنسان أياً كان، لن ينفك عن
التقصير في أداء حقوق الربوبية عليه، في سائر التقلبات
والأحوال.ومن ثم فإن الذي يرى أنه من الضعف والتقصير بحيث لا
يستطيع أن يؤدي شيئاً من حقوق الله عليه، يتجاذبه شعوران
متساويان في كل الأحوال: أحدهما شعوره بالأمل بفضل الله وعفوه،
ثانيهما شعوره بالخجل والخوف من تقصيره في جنب الله عز وجل، لا
يعلو ويشتدّ الشعور الأول إن رأى نفسه موفقاً للطاعات، ولا
يهتاج به الشعور الثاني إن رأى نفسه مقصراً في أدائها متهاوناً
في حقوق الله عز وجل، لأنه في كل الأحوال لا يقيم لطاعاته
وزناً، ولا يعتمد عليها في الأمل برحمة الله وعفوه. فهو إذن في
كل الأحوال بين الخوف والرجاء.
بقلم د. محمد سعيد رمضان البوطي