ماذا تعني تسوية الدين الأمريكي ؟

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
حين أعلن الرئيس باراك أوباما قادة الكونغرس أنهم اتفقوا أخيراً على رفع سقف دين الحكومة، تنفّس العالم أجمع الصعداء، بل حتى أسواق البورصة في آسيا قفزت فرحاً بهذا الخبر.
وهكذا وصلت أزمة السقوط إلى الهاوية، التي دار رحاها بين حزبي البلد السياسيين، إلى نهاية ما ولو كانت مؤقتة، و كنتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة لن تتأخر، كما يبدو، عن سداد ديونها، لكن إذا كان أهم اقتصاد في العالم غير قادر على سداد فواتيره، فإن تبعات ذلك على الاقتصاد العالمي كاد ليكون كارثياً، وحقيقة كوننا تجاوزنا هذه الأزمة بقيد أنملة إنما هو خبر جيد، وهو شيء لم يحظ به المستثمرون كثيراً مؤخراً.
لكن وكما أنه لأمريكا أثرها المفترض في اقتصاد العالم، نظراً لمكانتها المميزة، فإن تسويةً كهذه لتحويل اتجاه السياسة المالية ستكون لها كذلك أثرها العظيم على العالم أيضاً.
إن القرارات المحدثة ( أو في حالتنا هذه غير المحدثة ) من قبل واشنطن فيما يخص تسوية الدين سوف يتواتر تأثيرها حول العالم لسنوات قادمة. أولاً، على المدى القريب، دعونا ننسى جميعاً، بشكل مؤقت، استخدام السياسة المالية في الولايات المتحدة الأمريكية لتحفيزالانتعاش الاقتصادي، الضعيف أصلاً، في أكبر اقتصاد في العالم.
فتسوية رفع سقف الدين، عن طريق وضع سقف الاعتمادات السنوية وفرض 2.4 تريليون دولار في خفض الإنفاق على مدى العقد المقبل، يلغي أي أملٍ لدينا فوق الطاولة. يمكن أن نتجادل فيما إذا كانت هذه فكرة جيدة أم لا، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة سنوية تعادل 1.3% في الربع الثاني، واستمرار العطالة بمعدلات فلكية تصل إلى 9.2%، فإن بعض الاقتصاديين كانوا يتجادلون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى المزيد من الإنفاق، وليس خفض الإنفاق، إذا ما أردنا الحفاظ على الانتعاش.
إلا أن واشنطن اختارت الإصلاحات المالية بدلاً من الإصلاحات الاقتصادية،وهذا يعني الكثير للأمريكيين وخاصة الملايين منهم الباحثين عن العمل لكن ذلك أيضاً يعني الكثير بالنسبة لبقية العالم.
فالشركات و العاملون فيها من الصين الجنوبية إلى أفريقيا الجنوبية يعتمدون على اقتصاد أمريكا العملاق، لذا فإن انتعاشاً بطيئاً لاقتصادها سوف يأتي على كل آمال النمو في باقي أجزاء العالم، و حتى تلك الصاعدة بثبات منها كالصين.
ثانياً، لم تحدد تسوية الدين تماماً مسار مستقبل السياسة المالية للولايات المتحدة الأمريكية، و هذه الحقيقة المحزنة تعني أن المماحكات الدائرة في واشنطن ستستمر في نشر بلاءاتها على أسواق العالم.
ومع أن الأطراف وافقوا على المبادئ العامة فيما يخص الإنفاق وخفض الإنفاق في المستقبل، إلا أنهم أهملوا تقريباً كل التفاصيل وأجَّلوا تحديدها لوقت لاحق، وتركوا عبء ذلك على لجان يعينها الكونغرس.
ليس لدينا فكرة واضحة ما هي البرامج التي ستطبق، وإلى أي مدى، ولا عن الدور الذي سيلعبه رفع الضرائب أو تعديلها في ما يجري؟؟ وهكذا فإن المعركة بين اليمين واليسار حول الكيفية التي سننتهي منها من مسألة العجز، هي بطريقة أو بأخرى، مستمرة، ومن المرجح أن تستمر خلال الأشهر أو حتى السنوات القادمة، وهذا يعني بالتأكيد تخبطاً مقابلاً في أسواق الإقتصاد العالمي لوقت طويل.
ثالثاً، إن اتفاق خفض الميزانية سيكون له تأثير متسلسل عبر العالم أجمع، وسينبغي على العالم أن يتكيف وفقاً لما يطاله ذلك الخفض. فمثلاً يوصي الاتفاق بتطبيق خفض بمليارات الدولارات على ميزانية الدفاع خلال السنوات العشر القادمة.
وكما أشرت سابقاً، فقد ينضوي هذا الخفض على آثار عميقة في حالة الأمن العالمي، إذ لا يمكننا إنكار الوجود الأمريكي حول العالم، وهو الدور الذي ليس لأحد أن يلعبه بسبب ضخ الأموال الهائل الذي توظفه أمريكا فيما يخص سياساتها الدفاعية.
فاليابان مثلاً تعتمد على أمريكا في الحفاظ على أمنها، ولذا إن لم تعد أمريكا قادرة على الالتزام بدورها هذا تجاه العالم بعد الآن، فإن الطريقة التي يتعامل بها العالم مع مشاكل الأمن ستتغير.
رابعاً، تسوية الدين أو، بكلمات أدق، الطريقة البشعة لإتمام هذه التسوية قد تعجّل في تراجع نفوذ و أثر أمريكا في الاقتصاد العالمي.
فطريقة الإنقاذ من الحافة و الشجارات الطفولية جعلت من سياسيي أمريكا يبدون كربَّات بيوتٍ حقيقيات أكثر من كونهم قادةً للعالم الحر.
لو كنت رجل سياسة من بيجين أو طوكيو أو نيودلهي، لوددت جعل بلدي أقل اعتماداً على بلد تبدو فيه العملية السياسية غير مسؤولة وتشكل خطراً على الاقتصاد العالمي، وهذا بالضبط ما سيعطي دولاً كالصين، مثلاً، حافزاً أكبر لتلوذ بنفسها بعيداً عن الاحتفاظ بأصول مالية أمريكية، لتقلل بذلك من الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي.
على أي حال، قد يكون لدينا بصيص أمل إيجابي هنا، فإذا ما تمكنت واشنطن من التشبث بخطة ما لتدعيم الموارد المالية للبلد، حينها فقط يمكن لمكانة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي أن تتقوى.
عليك أن ترى كيف لمّ الدولار شعثه لمجرد صدور خبر التسوية، تخيل إذاً ماذا يمكن أن يحدث لو أدت هذه الاتفاقية إلى إصلاح حقيقي... خطة رأب صدع مالي حقيقي وملموس يمكن لها أن تعيد الثقة إلى الاقتصاد والدولار الأمريكي.
إذاً مازالت لدينا فرصة إمكانية مشاهد بداية إعادة إحياء للهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي. لو ..... حسناً هناك الكثير بعد لنتمناه قبل حدوث ذلك فعلا..
 
أعلى