مسيحيو مصر بين المواد « 2 , 3 , 37»

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
تدور خناقة فى اللجنة التأسيسية، أطرافها غامضة بعض الشىء حول المادة الثالثة. البعض يقول إن الإخوان والكنيسة يوافقون عليها، والبعض الآخر يقول إن السلفيين معترضون عليها، لأنها «تدليع» للمسيحيين، أما الديمقراطيون (أو المدنيون كما يُقال) فيطالبون بها.
المقترح الأخير للمادة حتى الآن هو «مبادئ شرائع المصريين المسيحيين واليهود المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشؤونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية»، وهذا يعنى أنها تغيرت نحو مزيد من الإلزامية بعد أن كانت صياغتها توحى بحرية الاختيار فى «لأتباع المسيحية واليهودية الحق فى الاحتكام إلى شرائعهم الخاصة فى» وفقا لنسخة 19 مارس.​
ما المشكلة؟ ألا نؤمن بحرية العقيدة لغير المسلمين ومن الظلم تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلم؟ بالطبع، لكن هذه المادة تنتهك حرية العقيدة ولا تحميها، وتأمل حالة واحدة يجعلنا ندرك هذا. فى العام 2001 طعنت السيدة المصرية ابتسام بسخرون وولداها بنيامين ونيفين أمام المحكمة الدستورية العليا على المادة (177) من لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، فقد سافر زوجها وأبو أولادها إلى بلد عربى للعمل واختفى تماما، فتوجهت للقضاء، لكى تستصدر حكما بإثبات وفاة زوجها لتستطيع هى وأولادها أن يرثوا ويستكملوا حياتهم، ظنا منهم أن القاعدة التى تنطبق على المسلمين (وهى الانتظار أربع سنوات من تاريخ غياب الشخص فى حالة يغلب عليها الظن بهلاكه) تنطبق عليهم ليكتشفوا أن الأقباط الأرثوذكس تُطبَّق عليهم قاعدة أخرى بموجب المادة الطعينة، وهى الانتظار ثلاثين عاما من غيابه أو بلوغ الغائب تسعين عاما!! وهو ما أشعرهم بالظلم البين مقارنة بأى أسرة مسلمة مصرية فى نفس الوضع. حكمت المحكمة بعدم دستورية هذه المادة وضرورة معاملة الأسرة المسيحية مثل أى أسرة مسلمة فى وضع مشابه، لأن «القاعدة القانونية التى تقوم على تنظيم أوضاع الأسرة المصرية يجب أن تكون عامة ومطلقة فى انطباقها على كل أسرة مصرية وأنه لا يجوز أن تختلف قاعدة عن أخرى تتحد معها فى محلها إلا أن يكون مرد الاختلاف هو اتصاله بشكل جازم بأمر العقيدة، حيث يجوز فى هذه الدائرة وحدها أن تختلف القواعد القانونية، وهو اختلاف يتحد فى انبعاثه من قاعدة دستورية مقابلة هى كفالة حرية العقيدة التى نصت عليها المادة 46 من الدستور».​
ومن ثم تطبيقا لهذه القاعدة لا يصح لمواطن مسيحى -مثلا- أن يطلب الزواج من أربعة سيدات أسوة بالرجال المسلمين، وذلك لأن عقيدته تقوم على مبدأ الزوجة الواحدة، طالما أن الأحوال الشخصية للمصريين تستند إلى دياناتهم، لكن على المشرع أن ينظم الأمور الاجتماعية الدنيوية مثل سن الحضانة والنفقة وأحكام الغياب بشكل يحقق المساواة بين الأسر المصرية ويحقق التناغم فى المجتمع.​
لو كانت المادة الثالثة المقترحة موجودة فى دستور 1971 ما كانت السيدة ابتسام وأولادها سينتزعون هذا الحكم، ولبقت أمور كثيرة فى حياة الأسر المسيحية رهنا بوجهة نظر الهيئات الكنسية حتى لو كانت متعلقة بأمور دنيوية بحتة.​
بالطبع ليست كل نوايا المدافعين عن هذه المادة سيئة، فهناك مخاوف مشروعة لدى ملايين المسيحيين من صعود تيار الإسلام السياسى، ذلك التيار الذى يريد لكل مظاهر الحياة فى المجتمع أن تتسق مع ما يرونه إسلاميا حتى لو كانت تتصل بطريقة صلاة وحياة مواطنين غير مسلمين.​
لكن حرية المواطن المسيحى لا تتحقق باعتباره من رعايا الكنيسة لا الدولة، وإنما بترسيخ المواطنة فى الدستور والقوانين والممارسات. والخطورة هنا لا تنبع من المادة الثانية بالأخص وإنما من تعريف «النظام العام»، الذى استحدثت مسودة الدستور الجديد مكانة إضافية له كقيد على ممارسة الشعائر فى المادة 37 من باب الحريات. وهذا أمر مريب ومقلق، فمن المعروف فى النظام القضائى المصرى أن النظام العام يُعَّرف على أساس أن الدين الرسمى هو الإسلام، وأن معظم السكان يدينون بالإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع. فكيف إذن يمارس غير المسلم شعائره بالاتساق مع الشريعة!! وكأن المسلم المقيم فى الهند مطلوب منه مثلا أن يقبل صاغرا عدم نحر الذبائح فى عيد الأضحى احتراما للنظام العام الهندى!!!​
ما سيحمى المواطن المسيحى إذن من فرض أمور إسلامية عليه هو إطلاق حرية العقيدة وممارسة الشعائر والعبادات دون قيود، وليس حبسه داخل تصور كنيسته عن كل التفاصيل الدينية والدنيوية شاء أم لم يشأ.
 
أعلى