مصر 2025

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
كثيرون هم من يدركون مغزى التحول الديموقراطى الذى يحدث فى مصر، وكثيرون هم من يتخوفون عليه أو يخشون منه أو يقلقون من تبعاته. اليقينى أن مصر تتغير، واليقينى أنها ستختلف عن حالها خلال الثلاثين عاماً السابقة، سواء فى المظهر السياسى أو فى المخبر السياسى والاقتصادى والاجتماعى.

نحن أمام حالة فريدة تعيشها مصر كل مائتى عام تقريباً، حالة مخاض يعقبها صعود سريع وتطور مؤكد، ومن لا يرى ذلك، فإنه يحتاج أن يضع على عينيه نظارة التاريخ المصرى القديم والوسيط والحديث، فهى سُنة مصرية لا تخطئ أبداً. ولا يمكن أن نهمل، ضمن هذا الزخم الملئ بالآمال والأمانى، إحداثيات القلق التى تساور كثيرين على مآل التحول الديمقراطى والتغير الاجتماعى والتطور الاقتصادى.

لكن التدافع الذى نراه فى الساحة السياسية لا يقلقنى، وإنما يُشعرنى بطمأنينة لم أشعر بها منذ عام 1981 يوم رأيت التحولات فى مصر تنقلنا من سيئ إلى أسوأ. الوضع مختلف فمصر تتأهب فى ثوب جديد، بين تحالفات سياسية وتجمعات حزبية واصطفاف فكرى ينقصه فقط أن يتخلى عن روح العدائية التى تميز بعض خطاباته، وينقصه أن يدرك كل الأطراف وكل الأطياف أن مصر لا يبنيها فريق ولا يستأثر بها طرف ولا يمكن أن يبتلعها طيف، فهى كأطياف قوس قزح، متعددة وغنية وثرية ونسيج واحد رغم هذا التعدد والثراء. فلا يمكن أن ينهض بهذا الوطن إسلاميون فقط أو ليبراليون فقط أو قوميون فقط، مهما بلغت قدراتهم الحزبية والانتخابية وثقلهم الاقتصادى أو الثقافى أو الدعوى، بل هل بلد يحتاج لأن يتوافق الجميع ويجتهد الجميع ويتنافسوا دون مخاصمة ويختلفوا دونما خلاف ويتمايزوا دون أن يُقصى أى منهم.

هذه القناعات التى ننادى بها، والتصالح بين أطياف الثورة المصرية والتى بدونهم لم تكن لتنجح ثورة ولا أن تستمر، ستترسخ، وهى بادية فى الأفق ومآلها إلى الترسخ. ونحتاج فقط أن نقف جميعاً صفاً نرقب الأفق كيف ستكون مصر بعد عشرة أعوام من الخير والبركة والإنجاز طالما اصطففنا بكل ألواننا.

وأنا شخصيا أرى مصر فى المستقبل القريب وقد حققت تحولا ديمقراطيا لا مرية فيه، وأصبح تداول السلطة بين كل الأطياف أمرا مسلما به، وأرى حكومات من كل الاتجاهات تتناوب الحكم دون أن يسعى أى منها إلى الانقلاب على الحقوق والحريات أو أن يعمل على إقصاء فريق، لكنها تتنافس فى اكتساب قلوب الشعب وعقوله بإنجازات متتالية. فيصبح لدينا سبعة أقاليم اقتصادية متنافسة فى مضمار التطوير والإبداع تقتسم النجاحات والمشروعات وتتجاذب رؤوس الأموال وتحاول أن توسع من رقعاتها الصناعية والزراعية والإبداعية. ويتحول الطريق من دمياط إلى السويس والعين السخنة إلى عاصمة اقتصادية لبلد عظيم، فتتراص فيه مشروعات صناعية وبتروكيماوية ومحطات للتخزين والتحميل والتجميع، ومركز للتشغيل والتدريب، ونموذج لنهضة مبدعة تفوق قريناتها فى الصين وغيرها. وأرى شمال سيناء وجنوبها ووسطها بغنائها وتنوع مصادر الثروة فيها وقد تحلّت بلون أخضر وشقتها الطرق شمالاً وجنوباً وانتثرت فيها المصانع والمناجم كعقد من الماس يتلألا على تاج أمنا الحنون مصر.

ولا يطيب لى أن أغمض عينى دون أن أرى أمامى ممر التنمية وقد بدأ فى التكون مرحلة بعد مرحلة وهو يغزو من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى الجنوب صحراء غالية غنية بالخير.

هذه مصر التى نتمنى أن ننجزها بالعمل والجهد والكد والصبر لكى نقف بعد عشر سنوات لنتفاخر بهذه الثورة التى ولدتنا من جديد وجددت شباب هذه الأمة.

ولن ننسى أبداً أن محاولاتنا للنهوض كان أحد أسباب فشلها غياب الديمقراطية والتداول السلمى للحكم وحماية وتكريس حقوق المواطن والتصدى للفساد والاستدانة. وهو ما سيجعلنا دائما مستيقظين لهذه الأمراض لكى لا تصيب جسدنا وحتى لا تعيدنا لما قبل 25 يناير 2011، عيد جمهوريتنا الجديدة المستمرة والمزدهرة بأيادى كل شعب مصر.
 
أعلى