مقتطفات من أعمال الاديب الساخر عزيز نيسين ( متجدد)

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
1- المراقب


أيامه الاخيرة فى السجن كانت جحيما لا يطاق..هجرته زوجته وهو مسجون..بعد خروجه كادت الوحدة تقتله..كان في شوارع العاصمة.. غريبا يائسا..لم يجد نفسه فيها ..حالته المادية كانت سيئة للغاية..لا تساعده على دفع ايجار شقته الضيقة الصغيره..قرر أن يتركها ويبحث عن غرفة صغيرة خارج المدينه يقدر على دفع كلفتها..

لقد كان فيما مضي ناشطا سياسيا..يطالب بالعدالة الاجتماعية..وبحقوق الفقراء والمعدمين..لقد افني حياته وزهرة شبابه ..مطالبا بحقوقهم..لكنه الآن بعد خروجه من السجن صار أكثر بؤسا منهم..


بعد بحث طويل عثر علي بغيته..منزل شعبي مؤلف من غرفة صغيرة..يبعد عن المدينة مسافة ساعتين سيرا على الاقدام ..كتب قديمة..ملابس باليه..كل ما يملك..قبالة المنزل بنيت بقالة صغيرة..من بقايا الاخشاب والتنك المهترئ..

والى يسارها كوخ لبيع الخضار..كان البائعان يشتكيان من قلة عدد الزبائن فى المنطقة..ومن فقرهم المدقع ..توطدت عري الصاقة بينه وبينهم..بعد فترة قصيرة من استقراره فى مسكنه الشعبي حضر الى الحي بائع الكعك وبائع الذرة..ثم بائع حلوى الغريبه..ثم بائع المياة الغازية واخيرا الاسكافي..واستقروا جميعا مع عائلاتهم فى الحي..تحول المكان بمرور الوقت الى سوق تجاري بسيط..بدأ عامل النظافة يكنس الشوارعوكثر الباعة المتجولون..وشيد هناك مقهى..

كان يشعر بالسعادة الغامرة لهذا الجو الرحب الباعث للفرح والبهجة..لكنه مع الاسف ما زال عاطلا عن العمل..ولم يبق امامه سوى الاستدانة من اصدقائه ..لكنهم للاسف جميعا مفلسون..عرض عليه احد معارفه العودة الى المدينة والسكن معه فى غرفة واحدة مجانا..اعجبته الفكرة كثيرا..لكن يستحيل عليه اخلاء منزله..فهو مدين للبقال وبائع الخضار وآخرين..وفي ليلة من الليالي وبينما هو يفكر فى مخرج لما هو فيه..اذا بالباب يقرع..كان الحاضرون البقال وبائع الخضار..وصاحب المقهى..اعتذر لهم انه لا يملك شئ ليقدمه لهم..فقالوا له ..لا بأس فقد احضرنا معنا الشاي والسكر..لقد كان يعتقد انهم حضروا للمطالبة بديونهم..قالوا له..لقد سمعنا انك تنوي ان تغادر..قال لهم اطمئنوا لن اغادر المنزل قبل ان ادفع لكم ديونكم..قالوا له ..عيب يا سيد.. ديون ماذا ..وهل بيننا ديون..هل طالبناك بشئ..؟

نحن نعرف ما فعلت من اجل الفقراء والمساكين ..لقد حضرنا لمنزلك لنطلب منك البقاء وعدم الانتقال..فأنت رجل بركه..ومنذ اتيت لهذا الحي..والحركة التجارية في ازدياد مستمر..ونحن من سيدفع لك ايجارك وايضا سندفع لك اجرة لكي تبقي..فانت كما قلنا لك رجل بركه وأي بركه..!

شكرهم على عرضهم..واعتذر عن قبوله..لكنهم اصروا عليه..كان على وشك ان يجهش بالبكاء..ثمة تغيير فى هذا البلد يحدث..وكأن صحوة بدأت توقظ الناس من سباتهم..فهو لم يعمل مع رفاقه كل تلك السنين لأمور تافهه..وهؤلاء الاشخاص الواقفون أمامه كانوا يشيحون بوجوههم عنه ويحتقرونه فيما مضي..!

أدامكم الله ..شكرا جزيل الشكر ..ولكن اسمحوا لي فأنا لا يمكن أن اقبل معونتكم..!..عرضوا عليه أن يستأجروا له منزلا افضل..وان يضعوا خادما يخدمه..وان يبعثوا له بالطعام كل يوم مجانا..لكنه اصر على الرفض..حينها..

نظر الثلاثة في وجوه بعضهم وقرروا انه لابد من اخباره بالحقيقة..اسمع يا استاذنا الكبير..أدامك الله لنا ذخرا وعزا..عندما حضرت الي حينا..بدأت الشرطة السرية تجوب ازقته بمظاهر متعدده(زبال ماسح احذية الخ)..لمراقبتك ووضعك باستمرار تحت انظارهم..وعلي هؤلاء الشرطة جاءت شرطة آخرون لمراقبتهم..وعلى الآخرون جاء آخرون لمراقبتهم..حتى استقر اغلبهم..فى هذا الحي..فازدهرت تجارتنا..واصبحت حالتنا المادية ممتازة..فإذا انتقلت انت من هنا..ستعود المنطقة الى حالها من الفقر والعوز لان جميع افراد الشرطه سيرحلون ليقتفوا أثرك..فلا ترحل الله يخلينياك يا سيدنا لا ترحل..وأجهشوا بالبكاء..وأجهش معهم بالبكاء..ولكن لأمر آخر


 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
آه منا نحن معشر الحمير

2- آه منا نحن معشر الحمير


يحكى أننا نحن الحمير كنا في قديم الزمان نتحدث بلغة كالتي تتحدثون بها أنتم البشر، كانت لنا لغة خاصة بنا.
ويحكى أننا لم نكن ننهق في قديم الزمان كما نحن عليه الآن، وتعلمون أننا الآن نعبر عن رغباتنا وأحاسيسنا، ومشاعرنا، وأفراحنا، وأتراحنا فيما بيننا بواسطة النهيق!
النهيق هو إصدار صوت مؤلف من حرفين بشكل متكرر :» هـ .. ا، هـ... ااا« هذا هو النهيق..
تقلصت لغتنا الغنية تلك، وتقلصت الى أن صارت كلمة واحدة مؤلفة من حرفين. يعود ربط ألسنتنا نحن الحمير الى حادثة قديمة جداً.. يحكى أن هنالك حماراً عجوزاً من الجيل القديم، في يوم من تلك الأيام كان يرعى هذا الحمار العجوز في البراري وحده، وكان يغني الاغنيات الحميرية في أثناء الرعي، في لحظة من تلك اللحظات تناهت الى أنفه رائحة..
إنها رائحة ليست طيبة، إنها رائحة ذئب.
رفع الحمار ابن الجيل القديم أنفه الى الأعلى، وبدأ يستنشق بعمق، الجو يحمل رائحة ذئب حادة.. سلّى الحمار العجوز نفسه بقوله :
- لا يا روحي، إنه ليس ذئباً..
وتابع الرعي..
ولكن رائحة الذئب تزداد بالتدريج.. اما الحمار العجوز فهو خائف من جهة، ومتظاهر باللا مبالاة من جهة أخرى، ويقول لنفسه :
- ليس ذئباً.. لماذا سيأتي الذئب الى هنا؟ ولم سيلقاني؟ بينما كان يسلّي نفسه هكذا، فجأة تناهى الى أذنيه صوت..
ليس صوتاً عذباً، إنه صوت ذئب..
شنف الحمار العجوز أذنيه رافعا إياهما الى أعلى... نعم إنه صوت ذئب، ولأنه غير راض بمجيء الذئب، تابع قضم العشب وهو يقول :
- لا يا روحي.. هذا الصوت ليس صوت ذئب... يتهيأ لي...
إقترب كثيراً جداً ذلك الصوت المخيف، والحمار يقول لنفسه :
- لا، لا... أتمنى ألا يكون ذئباً... أما عند الذئب عمل آخر ليأتي الى هنا؟!
من ناحية أخرى سيطر الرعب على قلبه، وبدأ يتلفت فيما حوله..
نظر.. وإذا بذئب يظهر بين الضباب والدخان على قمة الجبل المقابل.. فقال :
- هـ ا ا ا، ما أراه ليس ذئباً لا بد أنه شيء آخر.
إزداد خوفه عندما رأى الذئب يعدو خلف الاشجار. ولكن لأنه غير راغب في مجيء الذئب، خدع نفسه قائلاً :
- ليس ذئباً، إن شاء الله لا يكون ذئباً..أما بقي له مكان آخر ليجد هذا المكان ويأتي الى هنا؟ لم تعد عيناي سليمتين، لهذا فإنني ظننت أن خيال الأشجار ذئب.
إقترب الذئب اكثر، عندما صارت المسافة بينهما خمسين خطوة حميرية، سلّى نفسه قائلاً:
- جعل الله بمشيئته هذا المخلوق الذي أراه أمامي ليس ذئباً...لم سيكون ذئباً يا روحي .. لعله جمل أو فيل، ولعله شيء آخر.. ويمكن ألا يكون شيئاً البتة.
إقترب الذئب مكشراً عن أنيابه، وعندما بقي بينهما عدة خطوات، قال الحمار العجوز :
- أنا أعرف أن هذا القادم ليس ذئباً، نعم أنه ليس ذئباً، ولكن ليس سيئاً أن أبتعد عن هذا المكان قليلاً..
بدأ المسير.. نظر خلفه فوجد أن الذئب يتبعه مكشراً عن أنيابه، مسيلاً لعابه.
بدأ الحمار إبن الجيل القديم بالدعاء والتوسل لربه :
- يا ربي إجعل هذا الذي يتبعني ليس ذئباً حتى ولو كان كذلك.. إنه ليس ذئباً يا روحي، وكل خوفي لا معنى له..؟!



بدأ الحمار العجوز يعدو، وركض الذئب خلفه. ركض الحمار بكل ما تقوى عليه قوائمه، وهو يقول في داخله : - إنه ليس ذئباً حتى لو كان كذلك... اللهم لا تجعله ذئباً... لم سيكون ذئباً يا روحي؟
هرب الحمار وتبعه الذئب. عندما شعر الحمار بأنفاس الذئب الساخنة تحت ذيله، قال لنفسه :
- انا أراهن إن هذا ليس ذئباً... لا يمكن أن يكون المخلوق الذي أشعر بأنفاسه تحت ذيلي ذئباً... عندما لامس فم الذئب الرطب ما بين فخذي الحمار، إنهار الحمار تماماً... إلتفت، نظرخلفه، فوجد الذئب يهم بالقفز عليه.. تجمد الحمار تحت تأثير نظرات الذئب الحادة فما عاد يستطيع أن يخطو خطوة واحدة، فأغمض عينيه كي لا يرى الذئب، وبدأ يتأتىء بالقول :
- إنه ليس ذئباً يا روحي... إنه ليس ذئباً بمشيئة الله... لم سيكون ذئباً؟ عض الذئب الشرس الجائع بأنيابه الحادة الحمار من فخذه، وقضم قطعة كبيرة... إرتبط لسان الحمار وهو يهوي على الأرض ألماً... ومن خوفه نسي اللغة الحميرية. نهشه الذئب من رقبته وصدره وبدأ ينفر الدم من جميع أطراف الحمار، وعندئذ بدأ يصرخ :
- هـ اا.. إنه ذئب هـ... ااا، هو .. هـ.. ااا... هو وووو.
الذئب يمزقه، وهو بسبب ارتباط لسانه لا يصرخ إلا :
- هـ اااا... هووووو.. هـ اا... ااا، هـاااا
سمعت الحمير كلها صراخ الحمار من الجيل القديم بآخر كلماته. حيث كانت تردد أصداءها صخور الجبال، وهو يتمزق بين أنياب الذئب :
- هـ اااا، هـ ااا، هـ اااااا....
وهكذا يقال إننا نحن الحمير نسينا المخاطبة والمحادثة منذ ذلك اليوم، وبدأنا نعبر عن أفكارنا بواسطة النهيق... ولو لم يخدع نفسه ذلك الحمار إبن الجيل القديم حتى وصل الخطر الى تحت ذيله، كنا سنبقى على معرفة بالكلام....!!!!؟؟؟ آه منا نحن الحمير.... آه منا نحن الحمير.... هـ ااا... هـ ااا.... هـ ااا






يتبع ......
 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
3- السيدة قردة

السيدة قردة
كان في القفص أكثر من عشرة قرود, وكن يقمن بحركات على العصي العرضانية, تشبه الحركات التي يؤديها لاعبي الجمباز.كانت إحداها تجلس طرقة وكأنها (المفكر)لرودان. لم استطع تمييز القرد الكبير هذا عن الشمبانزي,تبادلت معه النظر فترة طويله : هل تسمحون ؟
كنت سائرة قرب القفص ولامرما عدت . أقول لكم يا سيدي..هل تسمعوني دقيقة ..؟؟
كان المتكلم هو ذاته القرد الذي كان صافنا .. هل انت من يتكلم ؟ دخيلك بهدوء.. لألا يسمعنا مربي القرود فيمنعني عن الكلام . لكنم تحكون كالبشر.
-طبيعي فنحن بشر .
-كيف ؟ هل انتم بشر؟ مادام الامر كذلك , ماذا تفعلون بالقفص؟
-لست اول بشري يدخل القفص ياه..البعض يتزوج فيدخل القفص.. والبعض الآخر يدخل في قفص جدول الرواتب ... الم تدخلواالقفص قط ؟ لا تنظري الي فانا كاتب ساخر وعندما نصل اليها , فسيقولون لي ( حتى السبع يدخل القفص) ويزقومني بالسجن.
السيد كاتب ساخر لي عندكم رجاْء.
تفضل يا سيد قرد ..
انا لست سيدا ... انا سيدة ..
اني اسمعك يا سيدة قردة..
قلت لك اني لست قردة ... انا بشر ...
وما عملك هنا انا لست افهم ..؟؟؟
هذا ما ساحكيه لك ..:انا احب السينما كثيرا . كنت في يوم من الايام معجبعه بجريتا جاربو.. بدأت بجياة عجيبة,مثلها . تركت شعري ملخبطا على كتفي . لو رايتموني في تلك الفترةبعدها جذبتني مارلينا ديتريش فرققت حاجبي بالملقط وتشبهت بها..دهنت وجهي ببودرة صفرة السل مثل مارلينا ديتريش , صرت اشد خدي من الداخل , مثلها تماما, ثم ظهرت زارة ليونارد , فرحت أقلدها , أسرح شعري مثلها , وأغني بصوت مخنوق مثلها.
ارجوك سيدتي ... لماذا اتيتم هنا ..؟؟
ها انا احكي لك ... بعد زارة ليونارد تشبهت ب كلارابو....صبغت شعري بالاسود الغامق .وتحزمت بالكورصة حتى ألاقق خصري ..وعملت حاجبي رقييقين للغاية ..ولما ماتت جين هارلو مع الاسف بحادث طيارة ..اصبحت فيرونيكا ليك موديلي المفضل صار شعري يغطي احدى عيني ..مثل فيرونيكا تماما ..وصرت أطلي شفتي الكبيرتين المكتنزتين بالاحمر الغامق مثلها ..؟؟
ارجوك سيدتي ما الذي تريدينه مني ..؟
-لو تسمعون لي خمس دقائق فستعرفون ما اريد .. مرت موضة فيرونيكا بسرعة..لمعت اليزابيت تايلور, فأخذت اصبغ نفسي مثلها .. عملت شعري خصلا خصلا ... مثلها , صار من يراني يقول : اليزابيت محلية ..!! لكن ... عندما تزوجت ريتاهايورايث من آغا خان , صبغت شعري بالاحمر ..ورسمت على وجهي شامات ... مثلها بالضبط ..ولما تزايدت سرعة مارلين مونرو بالظهور ..بدلت هيئة وجهي وجسمي على موديلها فصار من يراني يقول (مارلين مونرو__نا
(. عن اذنكم انا مستعجل عندي شغل) ..
قصتي على وشك الانتهاء ..؟؟
ارجوك قدم لي معروفا ..؟
بسرعة رجاءا.. لو انكم شاهدتموني ايام ظهرت اوردي هيبيرون كل شيء في اصبح مثلها ...من شعري القصير كشعر الرجال ..حتى.. كل شيء..لكن جينا لولو بريجيدا غيرت كل شيء..
فهمت اصبحت تشبهين جينا ثم قلدت صوفيا لورين ..
صح , كيف عرفت ذلك . وفي الاخر شبهنت نفسي بجريس كيلي صرت اصبغ نفسي على طرازها ..وارتدي قبعات ثقيلة كما تفعل وهكذا وفجاة قبضوا علي ..
لماذا قبض عليكم ...؟؟
نعم في يوم كنت ماشية في الشارع . قبضوا علي وجاؤوا بي الى هنا ..صحت بهم انا بشر ... لكنهم لا يسمعونني..
لو انكم راجعنم المحكمة ..
راجعنها . ارسلوني الى خبير معتمد ..الخبراء المعتمدون قدموا تقريرهم على اني قردة ..والان: رجائي منك : من هي آخر نجمة سنمائة مشهورة اليوم ..؟؟كيف تلبس؟كيف تصنع مكياجها ..؟؟كيف شعرها ؟ كيف تقف ؟ كيف تحكي ؟
وهنا مر بي مربي القرود وصاح بالقردة التي كانت تحادثني: أنت جديد ؟ أمن جديد ؟ اما زلت تقولين لهذا وذاك انك لست قردة .؟؟
واخذ بضرب الحيوان المسكين بالعصا ..امسكت مربي الحيوانات وقلت له : ما تفعله مخالف للقانون .. كيف تضرب انسانا ؟؟؟
قال مربي الحيوانات : يا سيدي وهل صدقتم كلام هذه القردة ؟ ارجوكم انظرو الى هذا الوجة ..الى تفاصيل وجهها .. هل فيها شيء لا يشبه القردة .؟؟ اليس هذا وجه قردة الخالق الناطق ؟ وهل بقيت بينها وبين الانسانية صلة ؟
نظرت في المرأة في القفص بتمعن .. ان المربي على حق قلت نعم انها قردة . طبعا قردة . لقد عاينها كل الاساتذة والاطباء والبيطريون وقدموا تقاريرهم على انها قردة ..
وبينما كنت ابتعد كانت السيدة قردة ترد: آه ..من هي النجمة الاولى اليوم ...ارجوكم
 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
4- -الذئب أصله خاروف

4- الذئب أصله خاروف

في مكان مجهول لا تعرف موقعه بسهولة يعيش راع وأغنامه وكلابه. لكن الراعي لا يشبه الرعاة الآخرين.. فهو لا يعرف للرحمة معنى. ولا يعتقد أن للألم وجوداً.. كان ظالما. يحمل بدل الناي صفارة.. وبيده هراوة. والنعاج التي يحلبها ويجز صوفها ويبيع أمعاءها ويأخذ روثها ويسلخ جلدها ويأكل لحمها ويستفيد من كل ما فيها لا يكن لها شفقة أو محبة.. يحلب الأغنام يوميا ثلاث مرات حتى يسيل الدم من أثدائها.. وعندما تشكو ذارفة الدموع من عينها ينهال عليها ضربا على رؤوسها وظهورها.


لم تحتمل النعاج وحشيته فكانت تتناقص يوما بعد يوم.. لكنه ازداد قسوة.. فقد كان على العدد المتناقص من الأغنام أن يعوضه عن كل ما هرب أو مات من القطيع.. وقد فقد الراعي عقله وجن لأنه كان يحصل على حليب وصوف أقل مما كان يحصل عليه. وراح يطارد الأغنام المتبقية في الجبال والسهول حاملا هراوته في يده. ومطلقا كلابه أمامه. كان بين الأغنام خروف نحيف كان الراعي يريد حلبه والحصول منه على حليب عشرين جاموسة.. وكان غضبه أنه لا يحصل على قطرة حليب منه.. لأنه ببساطة خروف. وليس نعجة.. وفي يوم غضب الراعي منه وضربه ضربا مبرحا جعله يهرب أمامه.. فقال له الخروف : «ياسيدي الراعي أنا خروف قوائمي ليست مخصصة للركض بل للمشي.... الأغنام لا تركض. أتوسل إليك لا تضربني ولا تلاحقني ». لكن الراعي لم يستوعب ذلك ولم يكف عن ضربه.. ومع الأيام بدأ شكل أظلاف الخروف يتغير لكثرة هروبه إلى الجبال الصخرية والهضاب الوعرة للخلاص من قسوة الراعي القاتل.. طالت قوائمه ورفعت.. فازدادت سرعة ركضه هربا لكن الراعي لم يترك إليته.. فاضطر الخروف للركض أسرع. ولكثرة تمرغه فوق الصخور المسننة انقلعت أظلافه ونبتت مكانها أظافر من نوع آخر.. مدببة الرأس ومعقوفة.. لم تعد أظافر بل مخالب.


مرة أخرى لم يرحمه الراعي فواصل الخروف الركض فكان أن شفط بطنه إلى الداخل واستطال جسمه وتساقط صوفه.. ونبت مكان الصوف وبرة رمادية قصيرة وخشنة. وأصبح من الصعب على الراعي أن يلحق به.. لكن ما ان يلحق به حتى يواصل ضربه وإهانته. وهو ما جعل الخروف يرهف السمع حتى يستعد للهرب كلما سمع صوت قدوم الراعي أو كلابه. ومع تكرار المحاولة انتصبت أذناه وأصبحت مدببة قابلة للحركة في كل إتجاه.. على أن الراعي كان يستطيع أن يصل إليه ليلا وضربه براحته فالخراف لا ترى في الظلام.. وفي ليلة قال الخروف له : سيدي الراعي.. أنا خروف.. لا تحاول تحويلي إلى شيء آخر غير الخروف.. لكن الراعي لم يستوعب ما سمع.. فكان أن أصبح الخروف يسهر ليلا ويحدق بعينه في الظلام.. ولكثرة تحديقه كبرت عيناه وبدأت تطلقان شررا.. وغدت عيناه كعودي كبريت في الليل.. تريان في الظلام أيضا.

كانت نقطة ضعف الخروف هي ليته .. فهي ثقيلة تعطله عن الركض. لكن.. لكثرة الركض ذابت ليته واستطالت. وفي النهاية أصبحت ذيلا على شكل سوط. ورغم فشل الراعي في اللحاق به فإنه كان يلقي الحجارة عليه ويؤلمه.. وكرر الخروف على مسامع الراعي : «إنني خروف يا سيدي.. ولدت خروفا.. وأريد أن أموت كبشا.. فلماذا تضغط علي كي أتحول إلى مخلوق آخر ؟».


لم يكن الراعي يفهم..فبدأ الخروف يهاجم الراعي عندما كان يحصره في حفرة ما لحماية نفسه من الضرب. وغضب الراعي أكثر.. فضاعف من قسوته بجنون لم يشعر به من قبل.. فاضطر الخروف أن يستعمل أسنانه. لكنه لم يستطع ذلك لأن أسنانه داخل ذقنه المفلطحة. وبعد محاولات دامت أياما بدأت أسنانة تنمو. وفيما بعد استطال لسانه أكثر. واصبح صوته غليظا خشنا. ولم يستوعب الراعي ذلك.. وواصل ما يفعل وبالقسوة نفسها.


ذات صباح شتوي استيقظ الراعي مبكرا ليجد المكان مغطى بالجليد. وتناول هراوته التي سيحث بها نعاجه المتبقية على حليب عشر بقرات وذهب إلى الزريبة. لكن ما ان خرج من الباب حتى وجد بقعا من الدم الأحمر فوق الثلج.. ثم رأى أشلاء أغنام متناثرة.. لقد قتلت كافة النعاج ومزقت. ولم يبق منها ولا واحدة.. وظلل عينيه بيديه ونظر بعيدا فرأى الخروف.. كان الخروف قد مد قائمتيه الأماميتين قدامه وتمدد بجثته الضخمة على الثلج وهو يلعق بلسانه الطويل الدماء من حول فمه. ثمة كلبا حراسة يتمددان على جانبيه دون حراك.. ونهض الخروف وسار بهدوء نحو الراعي.. كان يصدر صوتا مرعبا.. وبينما الراعي يتراجع إلى الخلف مرتجفا قال متمتما : «يا خروفي.. ياخروفي.. ياخروفي الجميل ». عوى الخروف قائلا : «أنا لم أعد خروفا » كرر الراعي ما قال.. عوى الخروف قائلا : «في السابق كنت خروفا. ولكن بفضلك أصبحت ذئبا». وجرى وراءه

 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
5- سعدي بيك

سعدي بيك


عليّ أولاً أن أعرفكم بسعدي بيك بصورة جيدة. ثمة نوع من الناس يقال فيهم إنهم "مثل بعر الأرنب لا يفوح ولا يلوث" إن سعدي بيك هو المثال الأفضل على هذا النوع. لا في العير ولا في النفير، لا للصيف ولا للضيف. فإذا سألته "كم حزباً في البلد؟" فهو لن يجيبك حتى بـ"لا أعرف" بل يكتفي برفع كتفيه وزمّ شفتيه.‏ هو رجل رزين ومهذب، يكبرني بعشر سنوات لكنه يبدو بعمر أبي لشدة رزانته ورصانته، لا يمكنك اقتلاع الكلمة من فمه إلاّ مثل اقتلاع الضرس الملتهب،​

فهو يكاد لا يتكلم أبداً.‏ يقيم مع زوجته وابنته في قصر صغير عتيق في "أرن كوي" ورثه عن أبيه ولا يؤجر أياً من أجنحته على أمل أن يحصل لابنته على صهر يقيم معهم.‏ ألتقي به كل صباح، فإذا لم يحدث ذلك في القطار، حدث حتماً في عبّارة الساعة التاسعة التي تنطلق من "حيدر باشا".‏ اضطررت لملازمة الفراش خمسة عشر يوماً بسبب المرض، وفي اليوم الأول لعودتي إلى العمل بعد إبلالي من المرض ترجلنا، سعدي بيك وأنا، سوية من القطار ومشينا باتجاه العبّارة، وإذ بأحد المعارف يمر بنا ويقول لسعدي بيك:‏ ـ كيف الطقس يا سعدي بيك؟‏ ثم تابع طريقه من غير أن ينتظر جواباً من سعدي بيك. ثم لحق بنا واحد آخر وقال وهو يهبط السلالم الرخامية:‏ ـ مرحباً سعدي بيك.‏ ـ أهلاً..‏ ـ كيف الطقس يا سعدي بيك؟‏ قال الرجل ذلك وهرب مبتعداً، وكان واحداً من زملائنا. نظرت إلى وجه سعدي بيك، فوجدته شاحباً مثل كلس مزج بطلاء أخضر...‏ ثم سمعنا أصواتاً ساخرة خلفنا:‏ ـ كيف الطقس يا سعدي بيك؟‏ ـ كيف الطقس يا سعدي بيك؟‏ كان غضب سعدي بيك يتصاعد، لكنه يحاول إخفاءه. صعدنا إلى العبّارة وجلسنا في القاعة السفلى. قال رجل يجلس على مقربة:‏ ـ مرحبا سعدي بيك.‏ لم أكن على معرفة بهذا الرجل المسن والمتأنق. ردّ عليه سعدي بيك التحية:‏ ـ أهلاً يا سيدي.‏ ـ كيف الحال يا سيدي؟‏ ـ شكراً لكم. الحمد لله.‏ ـ أوه! أوه! أنعم الله عليكم بالصحة والعافية. كيف الطقس؟‏ قفز سعدي بيك من مكانه كالسهم، التقط قبعته وابتعد فخرجت معه لأنه رفيق طريقي لسنوات. وقفنا جنباً إلى جنب في مؤخر العبّارة. عرفت أنه مستاء جداً من شيء ما لكني تجنبت سؤاله خشية أن يزعجه السؤال. التزمنا الصمت حتى وصلت العبّارة إلى المرفأـ حيث سأله عدد من الأشخاص عن الطقس ونحن نترجل من العبّارة.‏ بدأت أغتاظ بدوري، وأردت التدخل لكني لم أفعل لأنني لا أعرف ما هو الموضوع. ولم يكن الغيظ يناسب هذا الرجل المهذب. سألته بعد أن صعدنا إلى الأتوبيس معاً:‏ ـ ما الأمر يا سعدي بيك؟ لماذا يسألك الجميع عن أحوال الطقس؟‏ نظر في وجهي نظرة ارتياب ثم قال:‏ ـ ألا تعرف؟‏ ـ لا... لا أعرف.‏ ـ سأحكي لك هذا المساء على العبّارة.‏ افترقنا عند أول النفق.‏ بقيت متشوقاً لما سيحكيه لي سعدي بيك، ولم يبرح خيالي مشهد وجهه الغاضب وهو الرجل اللبق المهذب ذو الأعصاب الباردة. إذن فقد حدث معه شيء ما في غضون الأسبوعين اللذين قضيتهما طريح الفراش.‏ التقينا في المساء عند جسر مرفأ "قاضي كوي". قال لي:‏ ـ يحسن بنا ألا نستقل هذه العبّارة.‏ فهمت أنه يريد انتظار العبّارة التالية خشية التعرض لسخريات معارفه اللذين يستقلون هذه العبّارة.‏ كان ثمة بائعو سمك طازج على القوارب، اشترى منهم سعدي بيك كيلو ونصف من السمك، تمشينا لبعض الوقت على المرفأ، ثم ركبنا عبّارة الثامنة وعشر دقائق. السمك المبلل كاد يثقب أسفل الكيس الورق الذي تشبّع بالماء. وهكذا جلسنا فوق السطح وسعدي بيك يمسك بكيس السمك بحرص. قال لي:‏ ـ أنت لا تعرف إذن؟‏ في تلك اللحظة قال أحدهم:‏ ـ كيف الطقس اليوم يا سعدي بيك.‏ نهض سعدي بيك من مكانه دون أن يتفوه بكلمة واحدة. هبطنا معاً إلى الأسفل وقصدنا مؤخّر العبّارة حيث استند سعدي بيك إلى الدرابزين وجلست على المقعد الخشبي المجاور، وقد أمسك بكيس الورق بحرص شديد. قال لي:‏ ـ إياك وإياك! إذا فتح أحدهم حديثاً عن الطقس فاهرب منه على الفور! فإذا حدث وسألك عن الطقس فلا تنبس ببنت شفة، فليسأل ولكن لا تجبه. ذلك أنهم يبدؤون الكلام بهذه الطريقة أي بالسؤال عن أحوال الطقس ثم يستدرجون المرء ويقحمونه في ورطة. الرجل الذي أمامك يبدأ بكلمة الطقس فلا ترى خطراً في الحديث عن أحوال الطقس. بعد ذلك ينتقل من الطقس إلى الماء وإذ بموضوع الحديث ينزلق إلى الأرض. ثم... وإذ بك متورطاً بلا وعي في حديث... إياك! انتبه حماك الله... ها أنت في ورطة...‏ حدث ذلك منذ حوالي عشرة أيام... ركبت القطار من محطة "أرن كوي" كعادتي كلّ يوم. جاء شخص وجلس بجانبي. مضى بنا القطار بضع دقائق ونحن صامتان. ثم قال الرجل:‏ ـ الطقس يزداد سوءاً هذه الأيام.‏ لم أتفوه بكلمة لأنني لا أحبّ الناس الفضوليين من أمثاله. قال بعد قليل:‏ ـ الجوّ ينذر بالسوء، أليس كذلك يا سيدي؟‏ خجلت من الاستمرار بالصمت فقلت له:‏ ـ نعم.‏ لعنة الله عليّ إن كنت تفوّهت بأية كلمة أخرى.‏ بعد ذلك قال الرجل:‏ ـ يبدو أنها لن تمطر أبداً هذا العام.‏ الرجل يمد صحنه لالتقاط الكلام من فمي وأنا أجيبه بالصمت.‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟ الظاهر أنها لن تمطر أبداً هذا العام.‏ لا أخرجني الله حياً من هذه العبّارة إن كنت أكذب عليك، لقد أجبته بكلمة واحدة أيضاً:‏ ـ نعم.‏ وكيف أقول "لا" يا أخي؟ فهو يقول لي: "يبدو أنها لن تمطر"، فهل أرد عليه بالقول:‏ "لا، سوف تمطر"؟ فما أدراني إن كانت ستمطر، أم لا؟ هذه المرة انتقل الرجل إلى الحديث عن الماء، قال:‏ ـ لدينا شح في الماء... الوضع سيئ جداً‏ أنا صامت.‏ ـ أليس كذلك يا سيدي، لدينا شح في الماء؟‏ ـ نعم.‏ ـ إذا لم تهطل الأمطار سنشهد محلاً. هذا العام لدينا محل. يقال إن الأناضول تحترق من الجفاف.‏ ثم يضغط عليّ لأؤكد على كلامه:‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ ـ نعم.‏ ـ سوف نضطر لشراء القمح من الخارج.‏ عندما رأى أنني لم أقل شيئاً، ألحّ قائلاً:‏ ـ سنشتري، أليس كذلك يا سيدي؟‏ ـ وهل أنا وزير التجارة يا أخي؟ مالي أنا إن اشترينا قمحاً أو شعيراً‏ ـ سنشتري أليس كذلك يا سيدي؟‏ ـ نعم.‏ ـ لا يمكن إدارة الأمور على هذه الصورة. إن الحكومة عاجزة عن إدارة هذه الأمور.‏ بدأنا من الطقس وانتهينا إلى الحكومة. هل يمكن للحكومة أن تخطر على البال إذا كان الحديث يدور عن الطقس؟ أترى من أين وإلى أين؟‏ ـ إن الحكومة عاجزة عن إدارة الأمور، أليس كذلك يا سيدي؟‏ بما أن الأمور وصلت إلى الحكومة، لم أجبه حتى بنعم هذه المرة. الطقس... فهمنا، والماء... فهمنا أيضاً، ولكن ما شأننا بالحكومة؟ التزمت الصمت، لكن الرجل لكز خاصرتي وصرخ قائلاً:‏ ـ أليس كذلك؟‏ ـ نعم.‏ ذلك أنه سيلكزني ثانية إذا لم أرد عليه.‏ ـ الأسعار ترتفع باطراد. ماذا سيحل بهذا الشعب؟‏ كان بوسعي أن أقول له: لا، الأسعار لا ترتفع، بل تنخفض يوماً بعد يوم". لكن ذلك يقتضي طق الحنك مع الرجل. قلت له بهدف التخلص منه:‏ ـ نعم.‏ ـ سوف ننتهي إلى وضع كارثي.‏ إنه يفاقم من خطورة الكلام باطراد. التزمت الصمت بلا مبالاة، فقال:‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ تابعت تجاهلي فلكزني مرة أخرى، فقفزت من مكاني وأنا أطلق أنّة.‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ ـ نعم.‏ إذا لم أرد على سؤاله فسوف يوجه لكمة إلى أنفي ويسألني: "أليس كذلك؟". انتباهي منصرف إلى الخارج من خلال النافذة. لكننا لم نصل بعد إلى محطة حيدر باشا، حتى أنزل من القطار وأتخلص من الرجل.‏ تمادى الرجل وتمادى حتى تجاوز كل الحدود، ومن حين لآخر أردت أن أجيبه بـ"لا"ـ لكن ذلك يعني الدخول معه في جدال بين نعم ولا، في حين أنني لست بوارد جدال من هذا النوع.‏ يحكي ويحكي ويحكي، ثم يسألني:‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ فإذا التزمت الصمت لكزني فأطلقت أنّة وملت جانباً، وقد حشرني الرجل لُصق النافذة فلم يعد بإمكاني أن أهرب وأنجو بجلدي. لم يبق أمامي إلا القفز من النافذة.‏ الرجل يحكي بلا توقف، ثم يضرب بيده على ركبتي ويسألني:‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ فأمسّد مكان الضربة وأجيبه:‏ ـ نعم.‏ ثم يمسكني من كتفي ويهزني:‏ ـ أليس كذلك يا سيدي؟‏ ـ نعم.‏ كنت لأفضل لو بطحني على الأرض وضربني.. قصارى القول أننا وصلنا أخيراً محطة حيدر باشا بين لكز وصفع ولكم وشد ودفع وهز، والحمد لله...‏ عندما ترجلنا من القطار اختفى الرجل في الزحام، أما أنا فلم أرفع رأسي عن الأرض خشية أن أراه من جديد.‏ في اللحظة التي أردت فيها الصعود إلى العبّارة نقرت يدٌ على كتفي ثلاث مرات، التفتَ وإذ به شرطي، قال لي:‏ ـ تفضل معي إلى المخفر لحظة لو سمحت.‏ عندما سمعت كلمة المخفر ارتبط لساني، فأنا لم أدخل قسم شرطة في حياتي، ولا أعرف ما يكون، ولكن ما العمل... ذهبت معه إلى المخفر، وماذا رأيت هناك؟ رأيت الرجل الذي واظب على سؤالي: "أليس كذلك يا سيدي؟" مبتسماً بالإضافة إلى راكبين كانا يقتعدان المقعد المواجه لمقعدنا.‏ ظننت أن الراكبين قد أشفقا عليّ بعد رؤيتهما لذلك الرجل وهو يلكزني ويلكمني طوال الرحلة فقدما شكوى ضده، والله أعلم. قلت للمفوض:‏ ـ أولاً أنا لست مدعياً على أحد.‏ فقال المفوض:‏ ـ ولكن ثمة من هو مدع عليك، هذا الرجل قدم شكوى ضدك.‏ يا سلام! أنت تجيب بنعم على كل ما يقوله الرجل، فيقوم هو بتقديم شكوى ضدك! هل سمعت بما يشبه هذا؟‏ قال الرجل:‏ ـ نعم، لقد شتم الحكومة بكل ما يخطر على البال من شتائم، وهذا السيدان شاهدان على ما أقول.‏ ثم حكى كل ما قاله لي أثناء الرحلة ناقلاً إياه على لساني، قلت:‏ ـ أنا لم أقل هذا الكلام، بل هو الذي قاله.‏ وقال الشاهدان:‏ ـ نعم هو الذي قال الكلام، أما هذا الرجل فقد وافق على كل الكلام بنعم ونعم ونعم.‏ قال الرجل:‏ ـ لقد تحدثت بتلك الطريقة بقصد اختبار نواياه.‏ إذن فسوف أهلك بين الأرجل فقط لأنني قلت نعم.‏ أمسك سعدي بيك بكيس الورق المملوء بالسمك في حضنه وقال:‏ ـ السمكات تكاد تسقط فقد انفتح أسفل كيس الورق.‏ كان يمسك أسفل كيس الورق في راحتيه. سألته:‏ ـ ماذا حدث بعد ذلك يا سعدي بيك؟‏ ـ سجلوا إفاداتنا، والآن سنذهب إلى المحكمة.‏ ـ ولكن لماذا قدّم ذلك الرجل شكوى ضدك؟‏ لقد ثار فضولي مثلك لمعرفة ذلك، فسألته السؤال نفسه عندما خرجنا من المخفر.‏ فأجابني قائلاً:‏ ـ حينما كنت تجيبني بنعم لم تكن تفعل ذلك عن طيب خاطر، فخفت أن تشي بي، فسبقتك إلى المخفر بمجرّد نزولي من القطار.‏ فقلت له:‏ ـ حسناً يا أخي ما دمت خائفاً إلى هذه الدرجة، لماذا إذن تتمادى في الكلام وتضرب يميناً وشمالاً؟‏ ـ وماذا أفعل، فأنا غير قادر على ضبط لساني، يحدث هذا رغماً عني.‏ إذن، إياك ثم إياك! لا أحد قادر على تمالك نفسه في هذه الأيام. كل واحد يبحث عن أحد يشكو له همّه، وليس من المعقول أن يقف وسط الناس ويخطب فيهم بصورة مباشرة. لذلك فهو يبدأ بالحديث عن الطقس مع أي شخص قربه.‏ الطقس ثم الماء... ثم تنتهي الأمور بهذه الطريقة. هل فهمت؟ إذا حدث وذكر لك أحدهم كلمة الطقس، فاهرب منه فوراً ولا تدعه يكمل كلامه، وإلا وجدت نفسك في ورطة مثلي.‏ ضحكت، ثم لم أتمالك نفسي عن سؤاله:‏ ـ كيف الطقس اليوم يا سعدي بيك؟‏ لم أكد أكمل جملتي حتى ضرب سعدي بيك على رأسي بكيس الورق المملوء بالسمك. في الوقت الذي ألقيت فيه بالسمك من فوق رأسي وثيابي، كان سعدي بيك قد اختفى عن الأنظار
 

عاشق الوسوف

وزير البيلسان

إنضم
Oct 9, 2008
المشاركات
11,971
مستوى التفاعل
89
المطرح
مملكه الوسوف
%D8%B4%D9%83%D8%B1%D8%A7-%D9%84%D9%83.gif
 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
تنكة صدئة في الخزينة

-تنكة صدئة في الخزينة


كان يا ما كان..كان، او ما كان...في قديم الزمان،مكان ما في العام،مكان ما كان فيه شئ ،في هذا المكان الذي ما كان فيه شئ،كان ثمة سلطان ، السلطان عنده خزينة،في الخزينة أمانة الشعب الغالية.الشعب يفخر بهذه الامانة الآيلة إليه من أجداده...يتناسى فقره وبؤسه ويتباهى بها قائلأ:


وحتى لو لم يكن عندنا شئ يكفينا أن تكون عندنا هكذا أمانة من الأجداد لا يفعل ذلك شخص شخصان..وإنما كل فرد من أفراد الشعب يستأثر بحصة من المباهاة بهذه الأمانة القيمة الباقية له من أجداده...يحميها بروحه وجسده.


وطالما أن أحسن مكان لحفظ الأمانة التي هي مال الشعب .هو خزينة السلطان فقد خبئت فيها،يحرسها رجال مدججون،لا يغمض لهم جفن ولا يدعون الطير تطير فوقها.


السلطان والصدر الاعظم وذوو المراتب في القصر يقسمون بشرفهم مرة كل عام على حمايتها.


ودارت الايام،ومرة الايام...حتى جاء يوم فكر فيه السلطان بمعرفة ما هي هذه الأمانة التي يستفديها الناس بأرواحهم ودمائهم


فصار يتحرق شوقأ إلى معرفة ما بداخل خزينة الأمانة تلك.ولم يعد يطيق صبرأ فدخل جناح الخزينة.


لا يستطيع الحراس القول للسلطان.ممنوع. فالسلطان والصدر الأعظم والوزراء يدخلون متى ما شاؤوا ليرو ما إذا كانت الخزينة لا تزال في مكانها.


السلطان فعل هكذا: الأمانة موجودة في غرف متداخلة.كل غرفة تؤدي إلى أخرى حتى الحادية والأربعين،حيث الخزينة الخزينة في خزائن متداخلة كل خزينة تفتح عن خزينة...حتى الحادية والاربعين .فتح الاربعين غرفة وخش الحادية والأربعين.فتح أربعين خزينة...وبينما كان يفتح الحادية والاربعين،أخذ قلبه يضرب...ذلك أنه كان يمتلك الكثير من الفضول لمعرفة الشئ الذي يحمونه طيلة هذه السنين.فماذا رأى؟


كانت جوهرة لم تقع عين بشر على مثيلها حتى ذلك الزمان


جوهرة تتلألأ وتضطرم كألسنة النار.لو قلت من ذهب ما حزرت،أو قلت بلاتينأ لأخطأت،أو قلت من فضة ما أصبت.


لم يتمالك نفسه قال:آخذ أمانة الأجداد هذه لي ،تصبح ملكي...ومن الذي سيعرف وكيف؟


أخذالأمانة المقدسة التي كانت تتلألأ كقطعة من الشمس ودسها في جيبه.لكنه بدأ يتخوف ماذا لو اكتشفوا أنني سرقتها؟..لأضع مكانها قطعة من الذهب مزينة بالماس واللؤلؤ والزمرد والصدف والياقوت.وطالما أنه لم يسبق لأحد أن رآها فلن يفهم أنها مسروقة،فيما لو فتحت الخزنة ذات يوم..


ومثلما قال فعل.أقفل إحدى وأربعين خزينة متداخلة،وفوقها واحدأ وأربعين بابأ،وهو يرتعش من خشية أن يشك أحد أنه سرق الأمانة.


حتى ذلك الزمان كان يقسم يمين واحد في السنة على حماية الأمانة،فضاعفها إلى مرتين:يجتمع أبناء الشعب والمديرون والسلطان ويقسمون على أنهم سيحمون الأمانة المقدسة الباقية من الأجداد، بأرواحهم ودمائهم.


الصدر الأعظم رجل داهية.داخله الشكل فقال لنفسه كنا نقسم مرة في السنة فلكاذا رفعها السلطان إلى اثنين؟وفي يوم من الأيام دخل جناح الخزينة موسوسأ: ما هي هذه الأمانة التي نحميها طيلة هذه السنين؟مر من إحدي وأربعين غرفة،فتح إحدى وأربعين خزينة رأى الأمانة.وقف مشدوهأ أمام قطعة الذهب التي وضعها السلطان لئلا ينتبه لفعلته أحد.آخذ هذه الأمانة مكانها قطعة ذهب مزينة بحجارة لماعة. وكيفما كانت،وطالما أن الأمانة لا يعرفها أحد، فإن من يفتح الصندوق يومأ سيعتقد أن هذه هي الأمانة المقدسة..


ومثلما قال فعل.وخوفأ من أن تكشف عملته أزمع أن يرفع عدد المرات التي يقسم فيها اليمين إلى أربع : في الصيف والشتاء والربيع والخريف، مثلما سبق للسلطان أن رفعها إلى أثنتين.



أحد الوزراء رجل داهية.دخل الشكل نفسه كنا،حتى الآن نقسم مرتين فلماذا زادوها إلى أربع؟


هو الآخر،وطالما أنه يستطيع الدخول دون أعتراض من أحد، فقد دخل يوما عبر الإحدى والأربعين غلافة،فتح الإحدى والأربعين خزينة،فلمعت عيناه بلفرح إذ رأى قطعة الذهب المزينة بالحجارة اللماعة:لو آخذها وأضع مكانها قطعة فضة،فمن سيعرف؟


ومثلما قال فعل ورفعمدفوعأ بخوفه من أن يكتشف أمره عدد مرات الحلفان إلى مرة كل شهر..صار الشعب يجتمع في الساحات العامة مرة كل شهر،ويقسم على أنه سيحمي الأمانة المقدسة حتى آخر رجل وآخر قطرة دم.


مشرف القصر واحد داهية، توسوس من رفع معدلات الإقسام إلى مرة في الشهر قال:ثمة ما يريب.لأذهب وأر مر من إحدى وأربعين غرفة،فتح الإحدى وأربعين خزينة.. رأى أمانة الأجداد المقدسة فأعجب بها:لو آخذها وأضع مكانها قطعة نحاس فمن الذي سيدري ؟


ومثلما قال فعل .فعلها، وخوفأ من افتضاح أمره،ولكي يعتقد الناس أنه حريص عليها،فقد جعل اليمين يقسم مرة في الأسبوع.


الضابطالذي يحمي الخزينة_ هو الآخر _ داهية:ما الذي يجري ؟ كل اسبوع نقسم. لأذهب وأر هذه الأمانة المقدسة .. وكما فعل الأخرون مر من إحدى وأربعين غرفة فتح احدى واربعين خينة . رأى قطعة نحاس الللامعة ففرح بها: إذا أخذتها ووضعت مكانها قطعة حديد ، فمن سيعرف؟


ومثلما قال فعل .ولكي يملص من عملته ، وليعتقد الناس أنه غيور على الأمانة يفتديها بروحه وجسده، فقد رفع معدلات الحلفان الى مرة في اليوم







.ودارت الأيام، ومرت الأيام..ظهر من بين الناس رجل قال :


كل يوم ونحن نقسم على أننا سنحمي الأمانة الباقية من الأجداد بدمائنا وأرواحنا..ونحن في واقع الحال نخبئها في الخزينة ونحميها على نحو جيد..لكن ما هذه الأمانة؟ ألسنا نحن المؤتمنين عليها؟ تعالو إذن نفتح الغرف والخزائن لنر ما نحمي.


أحدثت كلمات الرجل تأثيرأ كتأثير القنبلة. الذين خانو الأمانة، وعلى رأسهم السلطان، تقدموا نحوه وطوقوه، الذين أخذوا الأمانة، على التوالي ، واستبدلوها بأشياء مزورة، مكل واحد منهم يعتقد أنه فعلها دون علم الآخرين، ارتعشوا خوفأ من اكتشاف السرقة، فقالوا للرجل الذي قال لنر الأمانة التي نحميها:


_ آخ يا خاين..وأنت من أنت حتى ترى الأمانة المقدسة التي انتقلت الينا من الأجداد؟؟


ألبسوه تهمة الاقلال من هيبة الأمانة.. وما بقى إلا شئ قليل حتى يتحول الرجل إلى ..ممسحة..


قال السلطان:


إذا كنا سنقتل هذا الرجل فلنقتله وفق القانون...


ولكي يعدموا الرجل سنوا قانونأ خاصأ، وقتل الرجل بقرار محكمة خاصة.


بيد أن المسألة لم تنته باعدام الرجل. كلماته انتقلت من افم الى الفم.. والفكرة أخذت تكبر كجرف ثلجي .


في يوم من الايام فكر رجل من الناس لنذهب ونر هذه الامانة طالما أننا سنموت في سبيلها لكنه ولأنه يعرف ما جرى للذي قبله لم يتفوه بكلمة أمام البشر ، وضع في رأسه أنه سيتسلل الى الخزينة ويرى ما بداخلها سرأ .


السلطان والصدر الأعظم والوزراء،وكافة حرامية الأمانة بمن فيهم الضابط الذي استبدل قطعة الحديد بتنكة صدئة ولكيلا تظهر سرقتهم ، أو بالأحرى لئلا يكتشف أنهم استبدلوها صاروا يحرسونها على نحو أشد.


وبينما كان الرجل الذي نجح في الدخول سرأ إلى الخزينة ،بينما كان خارجأ بالأمانة المقدسة ليريها للناس،رأى الضابط التنكة في يده، فصرخ:


_هذه ليست هي!


الوزير قال أيضأ:هذه ليست هي !


الذين في القصر،بمن فيهم السلطان،قالوا:


هذه ليست هي !..هذه ليست هي !..


فسألهم الرجل الممسك بالتنكة الصدئة:


وكيف عرفتم أن هذه ليست الأمانة المقدسة؟ وإذا لم تكن هي ، فما هي..؟


لم يتمكن أحد من الحاضرين من الاجابة على سؤاله،ذلك أن كل واحد منهم قد فهم أن الشئ الذي وضعه بدل الأمانة قد سرق فيما بعد.


خنقوا الرجل الممسوك وأعادوا التنكة الصدئة الى مكانها ضمن احدى وأربعين خزينة واحدى وأربعين غرفة .ولحماية الأمانة المقدسة سنوا قانونأ يتوجب على كل فرد من الشعب بموجبه أن يحلف صباحأ وظهرأ ومسأء على حماية الأمانة المقدسة.






ولم يستطيع أحد من الذين يقسمون الأيمان أن يعرف أن الأمانة قد تحولت من سرقة الى سرقة إلى تنكة صدئة.

 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
تقبل الله

- تقبل الله



في السادسة صباحاً مثلما عليه الحال في كل مرة، راح صاحب عمارة الأمل حمزة بيك ينادي، وهو يسعل سعالاً جافاً، البواب أمين أفندي، القاطن في القبو. أمين أفندي، أمين أفندي. أمين أفندي هذا يعمل بواباً في تلك العمارة منذ أربعة عشر عاماً، وبالإضافة لعمله الأصلي هنا، فقد كان الناطق الرسمي وصديقه القريب مستوعب آلامه، مدير أعماله، حتى عرّافه ، باختصار كان كل شيء بالنسبة له. أمين أفندي، أمين أفندي.

إتجه أمين أفندي، وهو ينظف حلقومه، باتجاه النافذة الخلفية حيث مصدر الصوت. أتيت، أتيت.

عمارة الأمل هذه مؤلفة من ستة طوابق وكل طابق من شقتين سكنيتين عدا الطابق الأرضي الذي يقع فوق القبو كان مؤلفاً من مخزنين تجاريين أحدهما لتجارة الأجواخ والآخر لصنع الفطائر. أما القبو، بالإضافة لكونه مكان سكن البواب فقد كان مستودعاً لحرّاقات التدفئة. أمين أفندي، بينما كنت في حضرة الله أثناء صلاة الصبح. تقبل الله. هل تعلم ماذا تذكرت؟ فجأة تذكرت الشقة الرابعة، هل أخذت منهم أجرة هذا الشهر؟. نعم أخذتها وسلمتك إياها البارحة. نعم أعرف ذلك، ولكن أقصد الإجرة التي استلمتها هل كانت دون زيادة أم ماذا؟ تصور يا أمين أفندي أنني تذكرت ذلك فجأة عندما كنت أصلي، لقد طار صوابي، لا، لن أسمح بذلك. هيا يا أمين أفندي إلى المحامي وقل له... الله، الله... هل هؤلاء المستأجرين بلاء فوق رأسي؟ أستغفر الله!.. تصوّر أنهم يشغلون ذهني حتى أثناء الصلاة، اذهب إلى المحامي واطلب منه أن يخليهم من منزلي... إذهب حالاً وقل له أن يرفع دعوى مستعجلة عليهم.. عندما أخذت الأجرة منهم هل أعطيتهم وصلاً يشعر بذلك؟ حسناً قل للمحامي بأنهم لم يدفعوا إجرة البيت حتى لحظته. أوه ألا يستطيع المرء أن يجلس بين يدي ربه صافي البال، هيا يا أمين أفندي. ولكن يا بيك لا يمكن أن يكون المحامي في مكتبه. أيعقل هذا يا أمين أفندي؟ لقد انتصف النهار، عليه الحضور إلى مكتبه بعد صلاة الصبح مباشرةً... إذهب وانتظره هناك. حسناً يا بيك، ولكن لم لا تتصل به هاتفياً. ماذا تقول!... لا يجوز حل القضايا الجديّة والحساسة بالهاتف، هيا إذهب وقل له كل شيء هيا اذهب ولا تتكاسل، ما هؤلاء القوم لقد فقدوا دينهم وضميرهم، أستغفر الله يسكنون في شقة مكيّفة صيفاً شتاء وبألف وثمانمائة ليرة.

أمين أفندي كان يعرف تماماً أنه لن يستخدم الهاتف ولن يدفع ليرة واحدة إجرة المخابرة حتى لو دفع أمين أفندي إجرة الطريق من جيبه الخاص. حمزة بيك هذا كان من أصحاب الملايين، لديه معمل يديره إبنه وحصص في مصرفين إثنين حيث أن حصته في الأول عشرون مليون ليرة وفي الآخر ثلاثة ملايين ونصف المليون من الليرات. بالإضافة إلى مصنع لإنتاج الصابون يديره حفيده. هذا ما عدا الشقق الكثيرة، خاصةً العمارة التي بناها العام الماضي، عمارة مثل المدينة ذات ثمان وعشرين شقة. هذا عدا عن سوق تجاري كامل في الطابق الأول.

ذات يوم وبينما كان أمين أفندي يتناول طعام الغداء سمع طرقات متتالية على النافذة وبعدها سمع صوت يقول: أمين أفندي، أمين أفندي.

فتح الباب وإذ حمزة بيك هو الطارق: تفضل يا بيك. شكراً يا أمين أفندي، ولكن بينما كنت أصلي صلاة الظهر. تقبل الله يا بيك. هل تعلم ماذا خطر ببالي، تماماً وأنا في حالة السجود؟ ماذا يا بيك؟ في الصباح مررت بنيخو صاحب محل الفطائر تصوّر يا أمين أفندي أنه لا يستطيع تلبية طلبات الزبائن، مثل خلية النحل، تصوّر أن زوجته تساعده في المحل ولكن دون جدوى، كم إيراد المحل يومياً، أموال مثل الكشك، بالله عليك هل أنا على حق، أنا أحمق هاه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله أستغفر الله، لا يجب أن أرفع الأجرة... هل إنتفت الأخلاق . إذهب وقل لنيخو، هذا الكافر، بأن أجرة المحل أصبحت واعتبارً من هذا الشهر ألفا ليرة، هل فهمت؟ قل له ذلك كي لا تدخل في متاهات المحاكم. كان سيفسد صلاتي هذا الكافر، لعنة الله عليك يا نيخو...

حمزة بيك، وحسب البطاقة الشخصية، في الثانية والسبعين إلا أنه كان يحاول إظهار نفسه أكبر من ذلك كثيراً. يقول أنه في الخامسة والثمانين، ومنذ أن بلغ الخمسين عاماً راح يردد عبارة إحدى قدماي في القبر لأنه كان يفكر أن إطالة العمر يعني الوقار والاحترام.

ذات يوم راح حمزة بيك، القاطن في الطابق السادس، يصرخ بأعلى صوته: أمين أفندي...

كان يصرخ على الرغم من وجود جرس كهربائي يصل ما بين شقته وبين أمين أفندي ولكن لم الجرس الكهربائي والتبذير؟.

أطلّ أمين أفندي من نافذة بيته قائلاً: أمرك يا بيك. هيا اصعد إليّ.

صعد أمين أفندي ستة طوابق مثل لمح البصر، بينما كان حمزة بيك في انتظاره. يهو: يا أمين أفندي بينما كنت أصلي صلاة العصر... الله يتقبل مني... هل تعلم ماذا تذكرت؟... يهو... ومن أين لي أن أعرف...؟ الله، الله... ألم أقل لك.. صبرك يا أيوب. ألا يستطيع المرء الوقوف بين يديه مرتاح البال... ماذا قلت لك؟... ألم أخبرك ما جرى للخط الكهربائي الذي ينير الدرج... هيا إذهب إلى جميع القاطنين واجمع من كل واحد خمس عشرة ليرة كي أصلح الخط... آه يا أمين أفندي كم هو رائع أنني تذكرت ذلك.. هل جمعت المبلغ أم نسيت مثل كل مرة؟ هيا اذهب إليهم واجمع منهم المبلغ المطلوب، أو قل لهم أن يبحثوا عن الشخص الذي خرب خط الإنارة كي يصلحه على نفقته... البدو... يسكنون بشقق فخمة مكيفة.. والله لم يبق سوى أن أوزع عليهم مصاريفهم اليومية... أستغفرك يا رب... أنت الوحيد يا ربي العارف بعذابي... قل لهم أن حمزة بيك لن يصلح التيار ما لم تدفعوا ما عليكم، هيا إذهب وقل لهم ذلك... إن الله مع الصابرين.

ذات مرة أتى خادم حمزة بيك إلى بيت أمين يخبره بأن حمزة بيك بانتظاره، ولإنشغال أمين أفندي بحلاقة ذقنه، قل له أن البيك بانتظاره وعليك الصعود إليه بعد الانتهاء من حلاقة ذقنك.

صعد أمين أفندي من فوره يستطلع الأمر قائلاً: أمرك يا بيك لقد شغلت بالي. يهوه يا أمين أفندي الله يتقبل صلاتي وبينما كنت أصلي صلاة العشاء فجأة هل تدري ماذا تذكرت؟. ماذا يا بيك؟. بعد الغداء مررت بصاحبنا كامل بيك صاحب مخزن تجارة الأجواخ وسألته عن أحوال العمل، أجابني جامد السوق، واقف لا بيع ولا شراء!.. ولك هل شظن أنني أحمقاً أو معتوهاً، أليس لديه غير هذا الرد، أوف لقد فقد الانسان مصداقيته وأمانته تصور، مخزنه مليء بشتى أنواع المنسوجات والأجواخ والرجل يشكو من قلة البيع والشراء هل تعلم لماذا يا أمين أفندي؟ يقول ذلك حتى لا أرفع إجرة المخزن، لا والله لن أدعه يسرقني. تصوّر يا أمين أفندي مخزن كبير بألفي ليرة، لا والله لن أدعه يخدعني هل فهمت؟ تصور كل ما أدخل إليه يدعو ربه كي لا يأتي إليه أحد حتى لا أراه يعمل، ولو دخل أي زبون كان يعتذر عن بيعه لعدم توفر المطلوب. إنهم بلا ضمير يا أمين أفندي بلا إيمان، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لقد ارتفع ضغط دمي ثانية.. آه يا أمين أفندي، ماذا أفعل مع هؤلاء المستأجرين، سيقتلوني.. تصور أنني أتذكرهم في حضرته عز وجل... هيا يا أمين أفندي. إذهب إليه وقل له: طالما أنك تخسر في المخزن لمَ لا تخرج وتسلم المخزن ها؟ أنا لا أحب الضرر لأحد لأن إحدى قدماي في القبر... قل لعديم الضمير كامل بيك أن هناك من سيدفع 50 ألف ليرة فروغاً للمحل... وسلفة مقدمة عن عام بحدود خمسة آلاف ليرة، قل له أن يخلي المحل أو ستصبح الأجرة ثلاثة آلاف ليرة.

اضطرب حمزة بيك وأخذ يصرخ بأعلى صوته سيقتلوني أنا الرجل العجوز ، ها قد بدأت بالرجفان هل سيدفعون لي ثمن الدواء فيما لو مرضت؟

سمع أمين صوت الجرس الكهربائي بينما كان يهم بالدخول إلى غرفة النوم ومن المعروف أن الجرس الكهربائي كان يستخدم في الليل فقط لدعوته، لذلك إرتدى ثيابه وصعد مسرعاً كأنما لدغته أفعى. أمين أفندي... نعم يا بيك. ليتقبل الله صلاتي، هل تعلم ماذا تذكرت في صلاة العشاء؟ عزيزي أمين لا تشغل جهاز التدفئة غداً. الطقس والحمد لله لم يعد بارداً. ما شاء الله سيكون فصل الصيف في هذا العام حاراً، لقد نظرت إلى التقويم وجدت أن طيور السنونو ستمر غداً من فوق بلادنا... لم التدفئة المركزية؟ حرام... سيحاسبنا الله على تبذيرنا سيسألني الله يوم القيامة يا عبدي لقد أرسلت لك طيور السنونو مبشرةً بقدوم فصل الصيف وأنت ما زلت تشغل جهاز التدفئة، حرام إن الله لا يحب المبذرين، لذلك لا تشغل جهاز التدفئة غداً فأنا أخاف الله، قل لهم لقد انتهى فصل الشتاء. أمين أفندي لقد سمعت أحوال الطقس من المذياع عندما كنت أصلي، لقد أذاعوا بأن سرعة الرياح ستكون طبيعية وأن درجة الحرارة ستتجاوز الخمس مئوية.

أوف يا ربي ، المسألة مسألة نهب واحتيال، يدفعون مائتي ليرة مقابل تشغيل جهاز التدفئة وكأ،هم بذلك يريدون تشغيل التدفئة ليلاً نهاراً آه يا ربي ألهمني الصبر. آه آه... وحتى المياه الساخنة إقطعها عنهم، ومن لا يعجبه هذا الاجراء ليخرج من البيت، لأنني لا أجبر أحد على البقاء في بيتي. مثلما عليه الحال كل يوم طرق الباب: أمين أفندي، أمين أفندي...

أردف إثر هذا الصباح بمعزوفته اليومية والتي تتجلى بالسعال الجاف. فتح أمين أفندي الباب وهو يرتدي بنطاله: تفضل يا بيك.

ليتقبل الله صلاتي، بينما كنت بين يدي الله في صلاة الصبح، قلت في نفسي طالما أنهم يسكنون مرتاحي البال ها ه ه ه؟... خطرت ببالي فكرة، لمَ لا أعلن عن بيع البناء برمته، إعلان كاذب وهكذا سيتوافد الزبائن ليتفحصوا الشقق، ألن يدفعوا نقوداً مقابل شراء الشقق؟ لذا من حقهم تفحص ما يودون شراءه. من الطبيعي لن يأتي الزبون لوحده بل مع زوجته وأولاده ليشاطروه الرأي. أمين أفندي... سأعلن عن بيع البناء بأسعار متهاودة جداً كي أجلب الزبائن وهكذا سيتدفق الزبائن، وبذلك سيفتح قاطنو الشقق أبوابهم مرات عديدة، قل ثلاثين مرة على أقل تقدير يومياً كي يدخلوا ويتفحصوا ، نعم ثلاثون مرة سيدخلون ويخرجون، هل فهمت؟ وهكذا سنخرجهم من جلودهم طوال العام، سنعيشهم على القلق ما بين الاستقبال والوداع ولن يستطيعوا الإعراب عن إستيائهم لأن الشقق ملكي ومن حقي البيع والشراء.

لقد أتعبوني يا أمين أفندي، لذلك علينا مضايقتهم كي يخرجوا من هنا؟ كيف؟ أليست فكرة ذكية هاه؟ وبذلك نرغمهم على الإخلاء وبشكل غير مباشر، فأنا يا أمين كما تعلم طيب القلب تصور يا أمين أن هذه الأفكار تراودني أثناء الصلاة.

بينما كان أمين أفندي منهمكاً بمسح جدران الدرج صدفه حمزة بيك قادماً من الزقاق. أمين أفندي، انظر واسمعني جيداً ها أنا ذا قادم من المسجد بعدما أديت صلاة الجمعة، الله يتقبل مني صلاتي، هل تعلم يا أمين أفندي ما تذكرت عندما كنت أصلي؟ لقد تذكرت أولئك القاطنين في الشقة الثامنة؟ لقد نسيت إخبارك بأن المياه تتسرب من عندهم طوال الليل، لقد خربوا ماسورة المياه إنهم سيهدمون عمارتي... فأنا إحدى قدماي في القبر.. لقد.. صلاة الجمعة بسببهم... أفهمت؟ هذه العمارة ليست ملك كفار، قل لهم أن حمزة بيك يرغب أن تدفعوا له أجرة سنوية سلفاً، سلفاً، هل فهمت... لأنك لن تجد هذه الأيام شقة يمئتي ليرة، تصور يا أمين أفندي أنهم خربوا الحديقة، آه منهم، إن ما فعلوه تعجز عنه قوات الاحتلال. أمين أفندي، أمين أفندي. نعم يا بيك.

إنني قادم من صلاة العيد، الله يتقبل مني، لقد راودتني فكرة أثناء الصلاة ولكن ما هي يا ربي؟... آه لقد نسيت ما أود قوله... إن تصرفات أولئك المستأجرين ستزهق عقلي. آه شيئاً ما كنت أود إعلامك به تصوّر كنت في حالة الركوع عندما تذكرت ولكن ما هو...؟ لقد أخذوا عقلي... آه نعم لقد تذكرت، عندما كنت أصلي ، الله يتقبل مني، تذكرت أولئك القاطنين في الشقة الثالثة، خدعوني، تصور لقد قالوا بأن ليس لديهم أولاد، وإذ بهم يرزقون بولد بعد ثلاثة أشهر من سكنهم وهكذا في كل سنة، هذا ل يجوز يا أمين أفندي، قال الله إن الكذب ممنوع في الدين الاسلامي، آه يا أمين أفندي لقد تذكرت ذلك وأنا في حضرة الله، قل لهم أنني أمهلهم مدة شهر كي يجدوا شقة أخرى. إقطع عنهم الماء وتحجج لهم بأن المواسير مكسورة، ما هذا طفل في كل عام!.. وهل افتتحت بيتي داراً لحضانة الأطفال أن أعشاش لهم، أوف ألا يستطيع المرء أن يقف بين يدي الله مرتاحاً،أوف يا أمين أفندي حتى صباح هذا اليوم المبارك يشغلون تفكيري.

صعد أمين أفندي الذي يعمل بواباً منذ أربع عشرة سنة إلى الشقة السادسة وقرع بابها، سأل الخادم... أين البيك؟. يصلي...

دخل غرفة الانتظار وقال للخادم: عندما ينهي صلاته أخبره بأنني هنا.

بعد لحظات دخل حمزة بيك غرفة الانتظار وقال: يا للمصادفة، كنت سأرسل خلفك لأقول لك منذ قليل بينما أنا بين يدي الله...

رفع أمين أفندي يده مشيراً لحمزة بيك بالتوقف عن الكلام: قبل أن تقول لي ماذا تذكرت أثناء الصلاة سأقول لك بأنني قبل لحظات دخلت المرحاض وبينما أنا هناك قلت بيني وبين نفسي لمَ ينزعج بيكنا؟ لم؟ قلت أفضل شيء، لم لا يبيع هذه العمارة ويستريح من هم المستأجرين ، هكذا فجأة ولكن هذا الشيطان الملعون قاتله الله. قلت، عفوك يا بيك، هذا القواد يملك العمارات ، هذا الكافر يملك الملايين هذا عديم الضمير يملك المعامل، ولك هذا الشيخ الهرم قدميه الاثنتين في القبر، هل فهمت؟ هكذا والله يا بيك، خطرت ببالي بينما كنت في المرحاض، أموال لا تأكلها النيران. أوف إنه لا يريحني حتى في المرحاض!!

إصفر لون وجه حمزة بيك، ويداه أخذتا بالرجفان وخار على الأريكة. أمين أفندي، لا تصدق ما أوحاه لك الشيطان، نعم أملك الكثير من الأموال والعقارات ولكن لو بعت هذه العقارات فإني سأموت نعم سأموت يا أمين أفندي لأنني اعتدت على المشاجرة مع أولئك المستأجرين. ماذا أفعل؟

في اليوم التالي اقترب حمزة بيك من مقهى الحي وكأنه يعرف أن أمين البواب موجود فيه، ولعل ما زاد استغرابه أن ذاك الوقت لا يصادف أي موعد للصلاة، وكما هو معروف أن حمزة بيك لا يتذكر الأشياء إلا أثناء الصلاة: أبحث عنك يا أمين أفندي، أين أنت منذ ساعة، فاليوم أنا معكر المزاج.

بالفعل، مظهره الخارجي كان يدل على ذلك، صوته يرتجف كالباكي. أوف يا أمين أفندي لقد واريت صديقي، بل أعز أصدقائي، الثرى وها أنا ذا قادم من الجنازة. إيه هذا مصير الانسان، إنا لله وإنا إليه لراجعون. ولكن أتدري ما خطر ببالي أثناء صلاة الجنازة؟ لقد قدم إليّ أحدهم وطلب مني أن أقبله بواباً للعمارة وأن يدفع ثلاثة آلاف ليرة شهرياً، تصوّر يا أمين أفندي، سيدفع كي يعمل بواباً وأنا لا آخذ منك ولا متليكاً واحداً.

قال أمين البواب: حسناً ، ليأتي ذلك الرجل وليستلم البيت الذي أسكنه وليستلم العمل وأنا ذاهب لأجمع حوائجي.

استغرب حمزة بيك تصرفه كثيراً بل إنه لم يصدق ما يحدث أمامه.. كيف ، الآن، ولماذا؟.. نعم حالاً. هكذا بكل بساطة دون أن تغضب أو تنزعج، وتعويضاتك عن خدماتك، هكذا دون محامي وقاضي حتى دون مخافر! لا أريد قلت لك لا أريد، سأذهب وأجمع حوائجي. يا خسارة الدنيا، لم يعد لها طعم ولا لون. آه، لأذهب، إذ حان موعد صلاة العصر.

 

إنضم
Oct 3, 2008
المشاركات
6,719
مستوى التفاعل
69
المطرح
دمشق باب توما
بيعجني كتير عزيز نيسين بأسلوبو مجهود رائع شكرا الك موجة بحر
 

الحرالباكي

بيلساني لواء

إنضم
Apr 20, 2009
المشاركات
3,591
مستوى التفاعل
46
المطرح
طرابلس الغرب/حي الأندلس
أسلوب ملئه السخر والتحدي للواقع
للأديب الساخر عزيز
شكرا جزيلأ
لكِ
موجة البحار الهادرة
لوسمحتي لي الاضافة
على لقبكم الجميل

ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ
إسلوبك بالنقل راق لي
فنرجو منك تقبلي بين قافلة قرأ كلامك الجميل

دمتى بود
:24:
 

نبيل 73

بيلساني شهم

إنضم
Aug 20, 2009
المشاركات
212
مستوى التفاعل
6
المطرح
اللاذقية بضيعة اسما الهنادي
الله يعطيك الف الف عافية :24: :24: :24:
 

موجة بحر

بيلساني محترف

إنضم
Jul 10, 2009
المشاركات
2,880
مستوى التفاعل
37
المطرح
شط الحنين
أسلوب ملئه السخر والتحدي للواقع
للأديب الساخر عزيز
شكرا جزيلأ
لكِ
موجة البحار الهادرة
لوسمحتي لي الاضافة
على لقبكم الجميل

ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ
إسلوبك بالنقل راق لي
فنرجو منك تقبلي بين قافلة قرأ كلامك الجميل

دمتى بود
:24:

اديب رائع حاول انو يتغلب ع مرارة العيش بالسخرية
لك ودي عالمرور الرائع
وراق لي اضافتك على لقبي
 
أعلى