من فقه المعارضة والسلطة..!

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
بين الجلوس فى "مقعد" المعارضة والجلوس فى "كرسى" السلطة بون شاسع.. لكل منهما أدبياته وفقهه الخاص.. للمعارضة حجج وقرائن وبراهين.. كما للسلطة أيضًا حجج وقرائن وبراهين.. يستخدمها كلاهما فى حال تبدل المواقع.. السلطة دائمًا فى حالة دفاع.. والمعارضة دائمًا فى حالة هجوم.. فقه المعارضة أسهل وأيسر من فقه السلطة.. السلطة تعمل بحق وبغيره.. والمعارضة تهاجم بحق وبغيره.. لا هم لها سوى النقد.. ترصد حركاتها وسكناتها لتعتاش عليها ..

ومن عجب الدهر أننا شاهدنا بأم أعيننا "آيات" فى تبادل المقاعد.. فكانت الكاشفة.. تغيرت الفلسفات.. ودُبجت التبريرات.. هكذا هى لعبة الكراسى!

من فقه "المعارضة" أنها كانت مثلا تستنكر رفض "السلطة" التطبيع مع إيران.. فتقول إنها دولة إسلامية ومقاطعتها خسارة كبيرة، ويجب التطبيع معها بدلا من التطبيع مع إسرائيل.. وأن "المذهبية" ما هى إلاّ لعبة شيطانية للوقيعة بيننا وبينها.. ومقاطعتها ما هو إلا سير فى فلك السياسة الأمريكية البغيضة.. لكن فى فقه "السلطة" فإن التطبيع مع إيران لا يجوز ولن يكون لأنها تساند نظام سورى ظالم مجرم!، وهو حق لا يراد به الحق، لأن إيران التى كانت "المعارضة"، تطالب السلطة بالتطبيع معها ساندت النظام الأمريكى فى احتلال العراق وشاركت فى قتل مليون عراقى، بل وقامت بعمليات تطهير عرقية كاملة للمسلمين السنُّة فى عدد من المحافظات العراقية، وقتلت وشردت الآلاف.. الأمر إذن أشّد وأنكى.. وإيران فى حالة سوريا داعمة فقط، أما فى حالة العراق مشاركة وقاتلة.. والنتيجة لا تطبيع مع إيران، كما أرادت المعارضة حتى وهى فى السلطة!

فى المعارضة إذا ما أرادت "السلطة" أن تحصل على قرض من صندوق البنك الدولى، فإن هذا القرض ربا وحرام شرعًا، لأنه قرض جر نفع وما يربو عند الناس لا يربو عند الله، وأن سياسة القروض ما هى إلا استكمالا لسياسة نظام بائد وفاشل غير مبتكر ولا مبدع، ويثقل كاهل الأجيال القادمة بالديون الربوية ..!

لكن فى فقه "السلطة" القرض ليس ربا، بل هو ضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، والاقتصاد المصرى فى خطر ونحتاج هذا القرض بأى شكل لسداد عجز الموازنة، كما أنه ليس قرض جر نفع، لأن هذا النفع ما هو إلاّ مصاريف إدارية ..!

فى المعارضة نقص السولار والبنزين أزمات مفتعلة، لأن السلطة تريد أن يكره الناس الثورة ولأنها من الفلول فإنها تصطنع هذه الأزمات.. لكن المعارضة فى السلطة، وقد ازداد على أزمة نقص السولار والبنزين، أزمة قطع الكهرباء فالمواطنون هم وراء الأزمة بسبب الاستخدام غير الرشيد، وعلى الناس أن تتجاوب وتعمل لصالح بلدها (رئيس وزراء السلطة طالبهم بارتداء ملابس قطنية والجلوس فى حجرة واحدة للقضاء على أزمة الكهرباء).

فى المعارضة براءة الضباط فى قضايا قتل المتظاهرين وراءها السلطة وهى من تقف وراء هذه البراءة وهى وراء ضياع حقوق الشهداء وأذهبت دماءهم هدرا وتقود الثورة المضادة وأنها.. أى المعارضة.. لو كانت فى السلطة فلن تسمح لضابط واحد أن يفلت من العقاب.. لكن فى السلطة فإن براءة الضباط مسئولية النائب العام وشأن قضائى بحت ولا علاقة لنا به.!

فى المعارضة المطالبات والمظاهرات الفئوية حق يجب على السلطة التجاوب معه وإصلاح الهيكل الإدارى واجب، لأن السلطة وراء عمليات التدهور والتظاهر فرض كفاية وعين على السلطة أن تقبله.. لكنها فى السلطة فإن هذه المظاهرات مفتعلة والقصد منها تعويق العمل والإنتاج وتعويق حركة النهضة، التى بدأت على يديها.. ورغم أن المظاهرات الفئوية تعج بشوارع القاهرة وبجميع المحافظات منذ عام 2002، وأن شيئا لم يتغير حتى الآن فإنها فى فقه سلطة المعارضة يقودها الفلول ومحاولة لإضاعة وهز هيبة الدولة، ويجب تنظيم المظاهرات بما لا يؤثر على الإنتاج..!

فى المعارضة يجب طرد السفير الأمريكى من الدولة لأن بلاده أنتجت فيلمًا مسيئًا للرسول صلى الله عليه وسلم، فتقوم بتنظيم مظاهرات أمام النقابات للدفاع عن الرسول تنهش من خلالها فى عرض السلطة وتألّب الناس عليها لأنها تتقاعس عن رد الظلم والإهانة للرسول الكريم!

لكن فى السلطة وزارة الخارجية تصدر بيانًا تؤكد فيه على التأمين الكامل للسفارة الأمريكية والبعثات الدبلوماسية على أرضها والرئاسة تكلف السفارة المصرية فى واشنطن رفع دعوى قضائية على منتجى الفيلم ولا شىء أكثر من ذلك.. ولا نرى سحب السفير أو استدعاءه أو أى شىء، كما كانت تطالب فى مقعد "المعارضة"!

فى المعارضة لقاء الإسرائيليين حرام شرعًا وتطبيع وإجرام وخيانة للقدس الشريف.. لكن فى السلطة لقاءات بروتوكولية فردية ولا تمثل موقفًا للدولة.. شخصيًا لست ضد "فقه" كليهما لأنى أعلم أن الرؤية من شرفة السلطة تختلف عن الرؤية من شرفة المعارضة.. السلطة مُكبلة بقيود كثيرة.. حسابات داخلية وخارجية.. كلمة واحدة من مسئول فى السلطة بشأنها أن تخسر البورصة من ورائها مليارات الجنيهات.. المعارضة لا شىء وراءها.. فقط تلعب على مشاعر الجماهير.. أو إن شئت نفاق الجمهور لتربح سياسيا.. أما السلطة فالوضع مختلف تماما.. المعارضة تدغدغ مشاعر الناس بأى شىء.. هذا ما يحدث الآن مع السلطة من المعارضة.. ولأن المعارضة فعلت نفس الشىء مع السلطة مع الفارق الكبير بالطبع فإن عليها تستوعب تأليب المعارضة للشارع عليها.. وعلى الذين فى الحكم الآن أن يدركوا أن "السلطة" تُفقد الجماهيرية التى كانت تحصدها فى المعارضة.. السلطة تنشد الاستقرار لأن الإثارة ترُهقها.. لذا فإن فقه الواقع المتغير بتغير الحال والزمان هو أبرع ما توصل إليه الفقهاء.. فقهاء الدين.. وليس السياسة !
 
أعلى