نظرية المعرفة عند أبو حامد الغزالي

عكــ البيلسان ــيد

سيد الياسمين النـائب العام

إنضم
Oct 8, 2008
المشاركات
7,935
مستوى التفاعل
144
المطرح
شـــــام شـريف
رسايل :

..." وكأن الوقت في بعدك واقف مابيمشيش "...

مخطوط لأابي حامد الغزاليإنّ الحديث عن الغزالي يجرّنا بلا شك إلى الحديث عن مراحل حياته وتقلباته الفكرية،
وربما كان هذا هو السبب الذي جعل الغزالي يحضى بهذه المرتبة المرموقة في مراتب الفكر الإسلامي،
ولم يكن له ذلك إلا لأنّه لم يقلّد غيره ممن سبقوه سواء في الفلسفلة أو الكلام..
فقد عمل على بناء نفسه وفكره على أساس هدم كلّ الأبنية السّابقة التي أنشئت من طرف فلاسفة الإسلام،
وكان ذلك بسبب أنّ هؤلاء وضعوا أسس فلسفتهم على الفلسفة الإغريقية وكان دور الغزالي في ذلك أن درس جميع نظريّاتهم
وانتقدها مبيّنا الخلل فيها وفي الأخير خلص إلى إنشاء نظريّة خاصّة به للمعرفة.
ولعلنا عند قراءتنا للفلسفة الحديثة سنجد شبها بين الغزالي وبين الفيلسوف الإنجليزي دافيد هيوم ـ David Hume،
لكن المدقِّق في المفارقات الموجودة بينهما سيعلم مقاصد كل واحد منهما في القول بمبدأ السببية،
كما أن الغزالي لم يقم في عمله بمجرد النقد كما هو حال معظم المتكلمين، ولا أدل على ذلك من تشييده صرحا شامخا بناؤه في الحضارة الإسلامية،
وربما كان الفضل في ذلك للشك الذي غدا ملازما له، فلم يُبقي بديهيا ولا مسلما لدى الغزالي إلا وشكّك فيه،
وفي ذلك يقول جميل صليبا وكامل عواد:".. فإن هذه الشكوك تستحق كل الاهتمام من الوجهة الفلسفية
لأنها تدل على نظرة عميقة في نظام الكون وتطوره ولأنها تتعلق بمسائل أساسية في الفلسفة لم ينتبه لها القدماء.."،
1وقد توصل الغزالي بعد جهد جهيد إلى اليقين في العلم وكان ذلك بأسلوب يذكّرنا بأساطين الفلسفة الحديثة،
ولن نكون مبالغين إذا ما قلنا إن الغزالي فاق جميع المتكلمين والصوفية والفلاسفة، والذين استفاد منهم طبعا وذلك لأنه أعطى كل شيء حقه في مجاله،
وخير دليل على ذلك أنه لم يفعل ما فعله المتكلمون من محاولات لإخضاع العقل لعقائد الدين، ولا الفلاسفة في حصرهم الدين في قوانين العقل وأحكامه،
كما أنه لم يذهب مذهب الصوفية في الكشف مهملا جانب العلوم العقلية، وقد يظن البعض أن حجة الإسلام ينكر الحقائق العلمية لمجرد قوله بالكشف،
كلا فهو يقر بأن كل هذه العلوم يقينية لا شك في صحة براهينها ونتائجها، وفي ذلك يوضّح صليبا وعواد رأي الغزالي بقولهم:"..
ولكن العلم محدد النطاق فكما أنه لا يجوز بناء العلوم على الاعتقاد،
كذلك لا يجوز حصر الدين في أحكام العقل وبراهين المنطق بل إن لكل من هذين الناحيتين مصدرا خاصا، فالعلم يستند إلى العقل، والدين ينبجس من القلب"

.2ولعل أهم مسألة فلسفية خاضها الغزالي هي السببية فهو يقول:"..إن الاقتران بين ما يُعتقد في العادة سببا،
وما يعتقد مسببا ليس ضروريا عندنا بل كل شيئين ليس هذا ذاك ولا ذاك هذا، ولا إثبات أحدهما متضمن لإثبات الآخر ولا نفيه متضمن نفي الآخر
فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر ولا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر، مثل الري والشرب والشبع والأكل والاحتراق
ولقاء النار والنور وطلوع الشمس.. وهلمّ جرّا كل المشاهدات من المقترنات في الطب والنجوم والصناعات والحرف
وأن اقترانها لما سبق من تقدير الله سبحانه لخلقها على التساوق، لا لكونه ضروريا في نفسه غير قابل للفوت...
بل للتقدير وفي المقدور: خلق الشبع دون الأكل وخلق الموت دون جز الرّقبة وهلم جرا إلى جميع المقترنات

.3ويرمي الغزالي بقوله هذا إلى أنه يمكن أن تحدث أحداث مخالفة لقانون الأسباب والمسببات
ويوضح ذلك الدكتور عبد المحسن سلطان بقوله مفسرا رأي الغزالي:".. والغزالي يقصد أن كل حدث يحدث في الكون
هو من فعل الله المباشر لذلك فإنه من الممكن أن تحدث أشياء مخالفة لقانون الأسباب والمسببات،
ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي وضع الخواص في الأشياء، التي تظهر في صورة أسباب ومسببات لذا فإن إرادته وقدرته سبحانه تستطيع أن تنزع هذه الخواص وقت ما شاء"

.4وقد تكفل ابن رشد في الرد على الغزالي قائلا: "... إن من رَفَعَ الأسباب فقد رفع العقل، فرفع هذه الأشياء هو مبطل للعلم ورافع له"

.5وقد ظهر من المتأخرين من انتهج نهج الغزالي ورأيه في قانون السببية ولعل أشهرهم دافيد هيوم David Hume
الذي جاء في القرن الثامن عشر وقد انتقد قانون السببية وقال مثل الغزالي، وقد فَطِن الغزالي نفسُه،

6كما جاء في تهافت التهافت إلى أن إنكار السببية ينتهي بنا إلى ارتكاب محالات شنيعة حتى يجوز عندنا انقلاب الكتاب حيوانا وجرة الماء شجرة تفاح وغير ذلك

.7 لكن الغزالي يرد بقوله أن الله تعالى خلق لنا علما بأن هذه الممكنات لم يفعلها، ولم ندّعِ أن هذه الأمور واجبة
بل هي ممكنة يجوز أن تقع ويجوز أن لا تقع، واستمرار العادة بها مرة بعد أخرى ترسخ في أذهاننا جريانها على وفق العادة الماضية ترسُّخا لا تنفك عنه..
إنه لم ينبت من الشعير حنطة ولا من بذر الكمثري تفاح...
ولكن من استقرأ عجائب العلوم لم يستبعد من قدرة الله ما يحكى من معجزات الأنبياء

.8 ولعل أهم دافع جعل الغزالي ينكر السببية هو الإرادة الملحة التي حملته على ترك مجال للمعجزات
وهو الأمر الذي أدى به إلى إخضاع العقل للعقيدة الدينية، كما أن شكوك الغزالي في أحكام العقل كان مبدؤها الدفاع عن الدين،
وسنعرف فيما بعد أن الغزالي قد نجح إلى حد ما حيث أرجع أصل الدين إلى الكشف الباطن والانبجاس القلبي،
وما يعاب على الغزالي أنه لم يستطع وضع حدود بين الدين والعقل،
فنراه لم يتردد لحظة في السطو على مجال العقل لحساب الدين وذلك حين اضطر لإثبات معجزات الأنبياء
وهو على عكس ما يشاهد عند الفلاسفة، وهذا طبعا عند وجود الإيهام بالتضاد.

ونعود لتوضيح المعرفة الحقيقية عند الغزالي ولعلنا نتوصل لذلك من خلال كتابه الفذ (المنقذ من الضلال)
والذي حكى فيه ما قاساه من الاضطراب النفسي حيث وصف رحلته في تنقله بين الفرق والطوائف من علماء
كلام وفلاسفة وصوفية هذه الفرقة التي ارتاح باله لها نسبيا إذا ما قارنا حاله مع الكلام والفلسفة ومنهجيهما في تحصيل المعرفة،
وقد وضع الغزالي كتابه هذا في أواخر أيامه كنتيجة لعزلة دامت عشر سنوات،
ولا أدل على أن كتابه هذا هو محصلة نظريته في المعرفة من أنه يشير فيه إلى كتبه الأخرى،
كالتهافت والقسطاس المستقيم ومقاصد الفلاسفة، وفيصل التفرقة وغيرها...

فهذا الكتاب إذن هو من إنتاج سن النضج، ونجده يقول في هذا الكتاب "...العلم اليقيني هو العلم الذي ينكشف فيه المعلوم انكشاف لا يبقى معه ريب ولا يقارنه إمكان الغلط والوهم ولا يتسع القلب لتقدير ذلك، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارنا لليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعبانا لم يورث شكا أو إنكارا"

.9ولا يعد العلم علما إذا لم نتيقنه ويبقى هذا العلم ناقصا إذ أنه افتقد شرطا أساسيا ألا وهو اليقين،
فاليقين مجلبة للثقة ولا ثقة إلا بالكشف الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة، ولعل كشفا من هذا النوع هو الذي أراح الغزالي
وجعله لا يرى تضادا بين معقول ومنقول ونلاحظ أن الغزالي لم يصل إلى هذا الارتياح باستعماله الكلام ودلائله
ولا بالفلسفة وبراهينها بل بنور إلهي وضعه الله في قلبه، وهذا الأخير والذي يعد مصدر المعارف كلها
ربما لا يبدو محتاجا لتدليل منطقي أو ترتيب كلامي، ويعتقد الغزالي أن هذا الحدس كافيا لإثبات وجود الله،
وفي ذلك يقول الدكتور جميل صليبا وكامل عواد: "ويعتقد الغزالي أن الكشف الباطني
واليقين الشخصي والحدس مما يثبت لنا وجود الله لأن نفس الإنسان قبس من نور الله".

كما نلاحظ أن الغزالي ارتضى هذا النوع من المعرفة الوجدانية عن الصوفية ولم يتوغل معهم في مسائل الحلول والإتحاد...
بل إنه لا يعترف بنظرية وحدة الوجود ويعضد الغزالي نظريته في المعرفة (الكشف):بأنها تسليم وإيمان بالحقائق الأولى
والتي لا تدرك بغير هذا السبيل فهي حاضرة لدى الإنسان والحاضر كما يقول الغزالي: (إذا طُلب فقد واختفى).

وإن مسألة الكشف هذه كما قال صليبا وعواد من أعمق المسائل الواردة في المنقذ من الضلال،
ومن قرأ كتاب التأملات وطريقة ديكارت في الشّك وانتقاله إلى اليقين بالحدس الفكري،
ومعرفة الذات أدرك قيمة هذا النور الذي تكلم عنه الغزالي، كما أوضح لنا من خلال المنقذ
أن فكرة الحدس لم تكن عند الغزالي قاعدة لمذهب خاص بل اعتمد عليها لتحديد نطاق العقل وبيان عجزه عن حل جميع المعضلات،
فالعقل لا يمكن أن يكون مصدر العقيدة الدينية، لأن الإيمان يرجع إلى الكشف الباطن،
وبالرغم من أن الغزالي قد اقتبس فكرة الكشف من الصوفية فإنه امتاز على غيره بجعلها مفتاح العلوم ومصدر العقائد الدينية.

ومن خلال هذا العرض الوجيز فإننا نتوصل إلى أن الغزالي لم يرتح باله إلا للكشف الباطني،
وربما تكتسب هذه النظرية الغزالية مصداقية أكثر إذا علمنا أن صاحبها لم يتوصل إليها إلا بعد عناء
وهاجس وشك كان آخره الاطمئنان إلى النتيجة التي بدورها كذبت النظريات السابقة وبينت عجزها أمام المعرفة الحقيقية.


1- الغزالي: المنقذ من الضلال تقديم جميل صليبا وكامل عواد ص 16 مطبعة الترقي دمشق 1358 هـ.
2- المصدر السابق ص 16ـ 17.
3- الغزالي: تهافت الفلاسفة ل تعليق جيرار جهامي ص 56 دار الفكر اللبناني ط 1993
4- عبد المحسن سلطان: القضاء والقدر في القرآن والسنة والفكر الإسلامي، ص 17 ـ 18 ط 1 200 أميرة للطباعة الناشر مكتبة وهبة. القاهرة مصر.
5- ابن رشد: تهافت التهافت تقديم وتحليل محمد عابد الجابري، ص 123 مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2001
6- الفيلسوف الفرنسي مالبيرانسن الذي أتى بعد الغزالي بحوالي 580 عاما وقبل هيوم بـحوالى 70 سنة كذلك ينكر مبدأ السببية.
7- المصدر السابق ص 68.
8- المصدر السابق، ص 64.
9- المصدر السابق، ص 37.

 

ندى القلب

المحاربين القدماء

إنضم
Jul 14, 2009
المشاركات
16,493
مستوى التفاعل
151
رسايل :

كالسجناء نلتقي وعيوننا معلقة على الزمن الهارب _ العائم مثل طائرة ورقية يلهو بها طفل لا مبال

والله نظريه الغزالي تطابق فكري

انا دايماا بترك احتمال للامكانيه لان قدره الله فوق كل شيئ

يسلموو للموضوع القيم عكييييييييد

 

عكــ البيلسان ــيد

سيد الياسمين النـائب العام

إنضم
Oct 8, 2008
المشاركات
7,935
مستوى التفاعل
144
المطرح
شـــــام شـريف
رسايل :

..." وكأن الوقت في بعدك واقف مابيمشيش "...

والله نظريه الغزالي تطابق فكري

انا دايماا بترك احتمال للامكانيه لان قدره الله فوق كل شيئ

يسلموو للموضوع القيم عكييييييييد


انت ِممن يقرأون مابعد بعد السطور وماتخفي الحروف


عطر مرورك دوماً
 

MALAK AL7OB

بيلساني مجند

إنضم
Jan 7, 2010
المشاركات
1,215
مستوى التفاعل
12
يعطيك الف عافيه
موضوع رااااااائع بتشكر لك جهودك عكيد
 
أعلى