نكبة دمشق عام 1925

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

نكبة دمشــــق عام 1925


attachment.php



attachment.php




| الدكتور سامي مبيض


في ساعة مبكّرة من صبيحة 18 تشرين الأول (أكتوبر) 1925، دخل 400 ثائر إلى دمشق عبر منطقة الميدان تحت إمرة حسن الخراط، وهو حارس سابق في بساتين الشاغور ومعه محمود سلام وأبي عبده ديب. كما اخترقت المدينة أيضاً مجموعة مؤلفة من الخيالة المسلّحين بزعامة رمضان شلش عبر منطقة الشاغور. اتّجهت المجموعتان صوب قصر العظم، حيث كان الجنرال موريس سراي المفوّض السامي الفرنسي الجديد يقيم عادة عند وجوده في دمشق. حظيت المجموعتان بترحيب حار من التجار والسكان عند مرورهما في المدينة حيث انضمّ إليهما عدد من المؤيّدين. ومع وصولهم إلى قصر العظم،
اشتبكوا مع الحامية التي أقيمت للدفاع عن القصر بمعركة هائلة أدت إلى اندلاع النار في قصر العظم. انصرف المجاهدون لحماية الآثار الموجودة في حين كان الجنود الفرنسيون يطلقون النار على من رأوه منهم.

الجنرال سراي لم يأت إلى القصر حسب عادته واستطاع أن ينجو من الاختطاف، غير أن الثوّار اقتحموا مقرّه، وقاموا بتحطيمه ومصادرة كل ما وقعت أيديهم عليه وذلك باسم الاستقلال الوطني. وأثناء الاقتحام والمصادرة، اندلع حريق هائل في غرفة المفوّض السامي، ما جعل الذعر يدبّ في أرجاء السوق المجاورة.
لدى سماعهم بحركة الثورة، قام الفرنسيون بإرسال تعزيزات إلى قواتهم في المدينة القديمة وفرضو طوقاً عليها.
ثم قاموا باقتحام سوق الحميدية حيث واجهتهم مقاومة من «قبضايات» الحارة وزعاماتها، الذين لزموا أمكنتهم لصدّ هذه التعزيزات. أحاط المقاتلون السوريون بالفرنسيين من كلتا الجهتين، وبعد دخولهم، أصبح من المستحيل عليهم التراجع. وتعذّر على الدبابات دخول الشوارع الضيقة، أمّا قلائل الجنود الذين تمكّنوا من الدخول، فقد علقوا في مواجهة دامية. بحلول الغروب، كان معظم الجيش الفرنسي قد تمركز في دمشق،
وبصورة رئيسية في محطة الحجاز والقلعة. فجأة وعند الساعة الرابعة، انسحبت القوات الفرنسية من المدينة القديمة وبدأت المدافع من قلعة المزة تصب حممها على المنطقة الجنوبية من دمشق. وتفاصيل ذلك أن الجنرال سراي فقد صوابه لما فعله الثوار فأقدم على ضرب دمشق بالمدافع انتقاما «من أهلها بحجة أنهم يدعمون الثوار ولا يساعدون سلطة الانتداب للقبض عليهم وتسليمهم للعدالة الفرنسية».

تواصل القصف ليومين وليلتين كاملتين، مستهدفاً بصورة أساسية كافة المناطق القديمة بدءاً بالأسواق المركزية المحيطة بالجامع الأموي وحتى حي الميدان. وعملياً، فقد تعرّض كل محل من المحال الموجودة في السوق القديمة إلى الخراب إما بفعل حرائق الرشاشات أو قذائف القصف، بينما كان سوق مدحت باشا والبزورية، اللذان يقعان بالقرب من أبواب قصر العظم، هما من أكثر المناطق تعرّضاً للقصف الثقيل والشامل. أمّا سقف سوق الحميدية فقد انهار حوالي90 متراً منه على المتاجر الصغيرة. وفي اليوم الثاني، أرسل إنذار إلى كافة الأجانب في المدينة كي يلتجئوا مع عائلاتهم إلى مدرسة الفرنسيسكان (دار السلام) والمشفى الفرنسي. كما طلب من الفرنسيين رفع أقمشة بيضاء على سطح كل منزل مع صليب أحمر عليها لتحديد منازل السكّان الأجانب.
ثم سحبت القوى العسكرية التي كانت موجودة بالمنطقة المسيحية في مدينة دمشق أملا من الجنرال سراي بأن يهاجم الثوار هذه المنطقة ويعتدوا على إخوانهم المسيحيين العزل فيبدأ السلب والنهب والمذابح بين الطائفتين ويتسنى لفرنسا أن تقول إن هذه الثورة طائفية وليست وطنية وإنه لا يمكن للمسيحيين أن يعيشوا مع المسلمين إلا تحت حماية دولة أجنبية وإن السوريين لا يستحقون الاستقلال. ولكن خاب أملهم فما أن انسحبت القوات الفرنسية من الحي المسيحي حتى دخله الثوار بقيادة حسن الخراط وطمأنوا إخوانهم المسيحيين على أرواحهم وأموالهم. قال يومها أحد الضباط الفرنسيين الكبار الموجودين في دمشق:
(إن هؤلاء النصارى لا ينفعون لشيء ولا يساعدوننا بشيء فلينفعونا بموقفنا هذا على الأقل!).

أما شوارع السوق القديم، التي كانت تضجّ عادة بالناس وتنبض بقلب وروح الحياة الدمشقية القديمة، فقد امتلأت الآن بحطام الزجاج والبضائع، فضلاً عن جثث السكان الذين لم يتمكّنوا من الهرب جرّاء القصف. وفي مناطق باب الجابية، والشاغور، والخرابة،
احترق أكثر من 150 منزلاً، وفي العديد من الحالات، تعرّضت هذه المنازل للنهب من قبل القوّات الفرنسية التي عادت إلى المنطقة بعد توقّف القصف. وقد زيّنت غنائمهم من السجّاد الشرقي، والزخارف والمفروشات لاحقاً مساكن الضباط الفرنسيين الذين أعادوها معهم إلى باريس في نهاية المطاف. أمّا بيوت آل القوتلي، والبكري، والركابي فقد تضرّرت بشكل لا يمكن إصلاحه.

أصدر الجنرال سراي أمرا بإحراق قرى جرمانا وزبدين وداريا والمليحة ثم صب البترول وأضرم النار في جميع منازل إحدى قرى الأمير كاظم الجزائري فأصبحت كوما من الرماد. كثر عدد الإعدامات شنقا أو رميا بالرصاص ثم أرسلت فرنسا سيارتين مصفحتين إلى شارع مدحت باشا لتطلقا القذائف على أبواب المخازن المملوءة بالبضائع ثم تنزل مجموعة من العسكر لتنهب ما في داخلها.
وقدّر عدد الضحايا الدمشقيين بحوالي 1416 قتيلاً كان من بينهم 336 من النساء والأطفال. وبلغت تكاليف الخراب والدمار نحو مليون فرنك فرنسي. وفي واقع الأمر، لم يتمّ الكشف عن العدد الحقيقي للضحايا لأن ذلك لم يكن في مصلحة الفرنسيين ولا الوطنيين السوريين. فالفرنسيون قلّلوا من الرقم خشية الكشف عن حقيقة وحشيتهم أمام بقية العالم، أمّا السوريون فلم يرغبوا في أن يعرف الناس الأرقام الحقيقية، لأن الخسائر المذهلة والدمار المريع اللذين قد وقعا كانا بالتأكيد سيعوقان الحركة الوطنية.

لم يقبل المفوّض السامي بالدعوة إلى وقف إطلاق النار إلا بعد رجاء أعيان المدينة، الذين قادهم حقي العظم والأمير سعيد الجزائري. وكانت الشروط الرئيسية للجنرال سراي هي أن تدفع المدينة مئة ألف ليرة ذهبية كتعويضات عن أضرار الحرب، مع تسليم 3 آلاف بندقية إلى السلطات الفرنسية بحلول 24 تشرين الأول (أكتوبر). وأضاف إنه إذ خرج طلق ناري واحد من أي حي من الأحياء فلا يسعه إلا تدمير الحي بكاملة. وأردف بأنه إذا لم تلبَّ هذه الشروط،
فسوف يقوم بقصف ما تبقّى من المدينة و«يذكّر العالم بأنه كان هناك يوماً ما مدينة تدعى دمشق!» في ذلك المساء، اعترض الوطنيون في كافة أنحاء البلاد على مطالب سراي الصارمة وأُجبِر المفوّض السامي على التراجع. وعملاً بنصيحة الجزائري، أمر سراي حكومة صبحي بركات بجمع الأموال، وهو تصرّف أراح الحركة الوطنية، التي كانت تعاني من الإفلاس في ذلك الوقت ولم تكن قادرة ربما على جمع المبلغ بالنيابة عن الشعب السوري.

على الرغم من الهزيمة المذلة والدمار الكبير الذي نجم عن القصف، لم يهن الشعور الوطني في سورية.

بل على العكس من ذلك، تعزّز هذا الشعور نتيجة الجرح العميق الذي ألمّ بحياة الدمشقيين. بالنسبة لأهل دمشق، لم تكن المدينة موطنهم فقط، بل مدينة مقدّسة كانوا يعتقدون أن الأديان السماوية الثلاثة قد باركتها.
وكان لدى سكّانها قناعة راسخة بأنه مهما بلغ حجم الدمار الذي ستواجهه تحت الحكم الفرنسي، فإنها في نهاية المطاف سوف تعيش بعد المعتدين الفرنسيين وتضعهم وراء ظهرها كما فعلت مع المغول والرومان والعثمانيين من قبلهم.

بعد القصف الذي جرى في تشرين الأول (أكتوبر)، اتّبع الفرنسيون سياسة من الإهمال المتعمّد في منطقة الميدان، التي كانت بمثابة معقل الوطنيين طوال الثورة برمّتها. كما هبطت معنويات المنطقة جرّاء الخراب والاعتقالات التي تمّت بين صفوف الناجين، الذين اتّهموا بأعمال التمرّد وبارتباطهم بالدكتور عبد الرحمن الشهبندر.
وكانت أعمال التفتيش التي تجري في المنطقة ترقى إلى مستوى التحرّش حيث كانت الغاية منها ضمان ضبط النشاط الوطني. في 16 نيسان (أبريل) 1926، اصطدمت حامية فرنسية مع بعض السكان المحليين من سوق الجزماتية وأطلقت رصاصات فارغة في الهواء لتخويفهم. زرع إطلاق النار هذا الرعب في نفوس السكان،
وعندما انتشر الذعر، قتل ضابط فرنسي وسط الفوضى التي دبّت. وردّ الفرنسيون بإرسال القوات إلى الميدان، محطّمين كل المنازل والمتاجر التي كان يشتبه في أنها تؤوي الثوّار الوطنيين.

في 7 أيار (مايو)، طوّقت القوّات الفرنسية الميدان واقتحمت البيوت على ساكنيها، آخذة كل ما يطيب لها من متاجر وبيوت المنطقة. ولم تكن هذه المنطقة قد تعافت بشكل كامل بعد من القصف الذي طالها في شهر تشرين الأول (أكتوبر) عندما حلّقت الطائرات الفرنسية فوقها وأغارت عليها، مسبّبة حريقاً دمّر أكثر من ألف منزل. في اليوم ذاته، خرج وفد من نساء الميدان إلى المفوّض السامي ورجاه وقف إطلاق النار. ولتحاشي المواجهة معهنّ،
أمر المفوّض السامي بحبسهنّ في محطة القدم، حيث أفيد بأنهنّ تعرّضن لأسوأ أنواع المعاملة الوحشية والمهينة. وما فاقم الوضع هو قطع المياه عن الحي، بينما امتنع الفرنسيون عن إرسال فوج الإطفاء لنجدة السكان وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في المنطقة. بعد مرور يومين، كانت النيران قد عمّت أرجاء الميدان
ووصلت إلى المناطق المجاورة. ولو كانت الريح قوية في تلك الليلة المرعبة، لكانت الأحياء المجاورة ستعاني من خسائر هائلة. لم يوافق المفوّض السامي الفرنسي على إرسال فوج الإطفاء والدعوة لوقف إطلاق النار إلا تحت ضغط مورس عليه من قبل أعيان المدينة، ونساء الميدان، فضلاً عن الضغوط الدولية الهائلة.
ومن سكان المنطقة البالغ عددهم ثلاثين ألفاً، قضى أكثر من ستمئة شخص خلال اثنتي عشرة ساعة فقط من القصف. ومع وصول المساعدات الحكومية إلى المنطقة المنكوبة، كان الثوّار قد عانوا من هزيمة منكرة وخسائر فادحة. ودفعت دمشق ثمن قضية الاستقلال وانتهت ثورة دمشق الكبرى أخيراً ولكنها تفجرت بكافة المدن والقرى السورية.


أستاذ في كلية العلاقات الدولية في جامعة القلمون وباحث في تاريخ سورية الحديث
 

المرفقات

  • 2.jpg
    2.jpg
    8.7 KB · المشاهدات: 13
  • 12.jpg
    12.jpg
    40.4 KB · المشاهدات: 14

mahmoud salih

Attorney General

إنضم
Jun 24, 2008
المشاركات
7,926
مستوى التفاعل
97
المطرح
الياسمين
رسايل :

ودموعي كالنجوم تأبى السقوط

يعطيك العافية أبو الهر .....الله يخلينا الشام :24:
 

النور والنار

بيلساني نشيط

إنضم
Oct 19, 2008
المشاركات
75
مستوى التفاعل
1
المطرح
القاهرة
على مر الزمن كانت المقاومة السورية
لاتخشي من بطش الفرنس
وكانت عظيمة سوريا برجالها ونسائها
تحيتي واعجابى برجال لن تمحي اسمائهم ابدا
بارك الله فيك
تحياتى
 

PliiiJl JljJj

بيلساني سوبر

إنضم
Oct 4, 2008
المشاركات
2,040
مستوى التفاعل
4
المطرح
بهالدنيا !!!!!!!!
ثكرا ثكرا
بس الشم شامنا لو الزمن ضامنا
اوكي مان
:21:
 
أعلى