وطني , بين الأضلاع المكسورة

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45















وطني , بين الأضلاع المكسورة






أرعبني صوته الصارخ : أيها الجاهل الأمّي المتطفل , أيها الأحمق الغبي المستهبل , لكنني لم أخف ولم أرتعد بل أثار قريحة السفهاء , فأدلى كل صعلوك بدلوه , وصدّع رؤوسنا برأيه , فوكزوا خاصرة الزمن , فتهادت من أواسط العصور سيول عارمة من أطراف الدهور , يحمل كلُ منها تاريخ بشري من قشور.
شددت همّتي وعقدتُ عزمي , جمعت أشلاء حصيري , الذي فرشته من قبل , أمام بوابة التاريخ , ونفضتُ عنّي غبار ذكريات طفل متمرّد , طالما حلمَ بمنبر بيزنطي. وابتدأت الرحيل , هائما على وجهي النحيل , لا أعلم وجهتي , لا أعلم .
مشيت ومشيت , وإذا بي أما بوابة التاريخ , هممت بالدخول عبر ذلك الجرح الذي وشمته أيدي الجبناء بتفكير الرقباء على خاصرة الزمن .
اقترب مني فرداً من العسس هامسا : إلى أين أخ العرب ؟ نظرت إليه تعجّبا وسألته : وكيف عرفتَ أنني عربي ؟ فقال : من " صهيل " حمارك ومن خشونة دثارك . قلت : أوتعرفون الرجال من وقع أقدامِها ؟! قال : بل من طول رقابها وكثرة تنقّلها وترحالها وملء أسفارها بما لا تعلم ولا تعرف . قلت : فأذن لي بالدخول . فقال : بشرط واحد وحيد , أن لا أراك عائدا إلى بوابة الخروج بعد قليل .
خطوط متشابكة وألوان متداخلة , سماء ملبّدة بالغيوم لم أرى مثلها مثيلا من قبل , معلقات أرجعت أفكاري لزمن الغابرين بأشكال مختلفة أتت متشابهة مع كنت أسمع به في زمن الصبا , عندما كانت جدتي تروي لي وتقُصّ عن حضارة الغابرين وأساطير ألأولين السابقين .
لوحة لفتت نظري , أدهشتني وجذبتني خُطَّ عليها " وطن القلوب " . أسدلتُ ستار ذكرياتي وأسقطتُ أقنعة مهاتراتي ومغامراتي , بسطتُ حصيري عقلت حماري وطرقت الباب , طرقته فما أجابني أحد , دفعتُ الباب بيدي فإذا به ينهار تحتها , فدخلت .. تساءلت : كيف تنهار أبواب الأوطان وتصمد أوطان بلا أبواب ؟!
أيهٍ يا وطني , عندما أتجوّل في أرجائك في جوفك في قلبك , منتعلا جلدة قدمي , متخطيا رقاب وأعناق الجثث وقد ملأت أفناءك وأرجاءك طيباً وعطورا ورياحين , بينما تنتشر من أحيائك ريح نتنة مقززة .
وطني , عندما يبقى لقلمي بقايا صرير , عندما ينزف كلماته فوق رفاتك المتهالكة , بينما , سيل أحبار جاف ناشف ينساب بيسر وغزارة .
وطني , عندما يكون هدير " الله أكبر " مدوّياً مصدّعا جدرانك وأسوارك من غير تلبية , بينما تنتشي فيك وتعتلي أصوات الحشرجة والذّل والخضوع .
وطني , عندما تتوقف أن تكون مرتعاً للشرفاء وملاذا لكل مضطهد وواقع تحت ظلم , بينما يعيث فسادا بأشلائك السفهاء .
وطني , عندها , وفقط عندها أعرف أنك وطني الذي بلا وطن .
تذكرت فرد العسس , فخشيت أن أعود لبوابه الخروج , خشية أن أُصلب على تيجانك .
وطني , وطن القلوب , نعم وطن القلوب , ما سمعت هذه الكلمة من قبل , رنينها متميّز عن رنين الكلمات , أشعر بها قاسية , لينة لا أعرف أخيال هي أم حقيقة , أسدلت ستائر الصدق ربما أراها بوضوح , لكن ما رأيت سوى أشباح وخيالات تهيم في فضائك , والضرب مستمر ومختلف , فسيوف تضرب الرقاب وخيول تضرب الأرض ورائحة مسك , وتأتي الرياح فتتطاير الستائر فكشفت عمّا أكره ,
حكّام نُصّبوا من اللاشيء من العدم , وكرابيج وعصيّ وسياط إبتُكِرت من ألم , ودموع تلقتها الأرض .
ارجع سيدي , عد إلى مكان , فلن تجد هذا الوطن بأي مكان , سيكون هذا الوطن حيت لم تنظر , بين أضلاعك المكسورة أو بين أضلاعي الهشّة .








عمر رزوق
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

الله يرجع الوطن سالم غانم :24:
 

ندى القلب

المحاربين القدماء

إنضم
Jul 14, 2009
المشاركات
16,493
مستوى التفاعل
151
رسايل :

كالسجناء نلتقي وعيوننا معلقة على الزمن الهارب _ العائم مثل طائرة ورقية يلهو بها طفل لا مبال

فعلاا لم يبقى لناا الا وطن نحمله بين اضلاعنا حيث اغتربناااا


يعطيك العافيه عمر
 

دموع الورد

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 19, 2009
المشاركات
13,384
مستوى التفاعل
139
المطرح
هنْآگ حيثّ تقيأت موُآجعيّ بألوُآنْ آلطيفّ..
رسايل :

يااارب انا في قمة ضعي وفي عز احتياجي اليك فكن معي

لم يبقى لنا من الوطن سوى الذكريات الجميلة لنتذكرها حينما نشتاق له :24:
 
أعلى