عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
ومن السخرية ما يُبكي
تستمر الحياة دقائق قليلة بدون هواء , وتستمر أياما قليلة بدون ماء , وتستمر أسابيعا قليلة بدون غذاء . إلا أننا كنا السبّاقين بإنجاز معجز , ودخلنا عنوة وبقوة بكتاب غينس , نجحنا بالصمود لسنوات كثيرة وأعوام مديدة بلا كرامة .
يتساءل بعض الأوفياء أو قل بعض الأغبياء عن سر " الانفلات والتفلّت " الذي نلاحظه هذه الأيام بين الخواص والعوام , والذي لم يكن قاصرا على كونه " سلوك شخصي " أو " تهور فردي " في ردة الأفعال أو في تداول الأعمال , وإنما وصلت الأمور إلى مرحلة أشبه بالتحوّل التدريجي في مجتمعنا " الطيّب " والتي مُلأت ربوعه بالمادة الخام الأصلية للسذاجة ! فما كنا نراه فيما مضى فكرا شاذا , أصبح الآن من الظواهر السائدة العامة , وما كنا نتعامل معه بلا حكمة باعتباره عن القاعدة شاذ , أصبح الآن بجدارة قاعدة لا استثناء لها .
في زمن ولّى ومضى , وفي وقت قضى وانقضى , كان القوي يحكم ال
ضعيف لضعفه وقلة حيلته , وكان هذا تصورا مقبولا لواقع علاقة تسير باتجاه واحد على الدوام , صفع يليه صراخ . أما الآن فقد تغيرت المفاهيم والألفاظ الركيكة , وصار الوهم والخيال حقيقة , والحقيقة كضرب من ضروب الودع و كلاهما يبحث عن " نصّاب محترف " لكي يبيعها لنا بقوارير نجسة , وربما أصبح الخيال والوهم الذي كنا نرفضه في العديد من أغانينا الوطنية , هو الحقيقة الوحيدة الصالحة للتعامل مع غيرنا من أعدائنا الطيبين .
لم يعد " الصفع " يستجلب الصراخ على أسوأ تقدير , ولا لتغيير أنماط التفكير , ولا نريد أن ننطح ولا نشطح بخيالنا لنفكّر كجنس بشري أو نوع آدمي لم ينقرض بعد , لنطمع في " صفع " يستجلب نخوة فمروءة فشهامة فغليان وغضب لبلوغ المرام ونيل الإرب , أو لينتهي الأمر بصفعات وصواعق على رؤوس المجرمين أو بعقول الملحدين , وإنما نحاول أن نكون أقرب للواقع منا لمرابض الخيال " المجاني " , فنقول أن صفع وجوهنا أصبح " سنّة مؤكدة " لا يجوز التفريط بها بأي حال وإن كانت صعبة المنال , وإن كانت تلك السنّة عادة ما تستخرج من تحت أظافرنا سلاما بلا حياء .
تحت وطأة المعايير الفاسدة والموازين الظالمة , ولأننا مجبرون على تجرّع الكذب والإفك والأوهام كعلاج فاشل لمرض وباء يسمى في هذا العصر " الكرامة " , لجأ المعنيون بقتل ضمائرنا مكبرين , ونحر رجولتنا محللين ولتوزيع المخدرات الاجتماعية بالمجان مشجعين على مجانين النخوة و"ملاحيس" الكرامة ليعلنوا نهاية لهذه الفتنة , وليقضوا على جذور وبذور " الولاء والبراء " في عقولنا , وليطفئوا جذوة "الرجولة" في صدورنا إن وُجِدَت في عملية خصاء "فكري ونفسي " لأجيال تحلم بطعم العزّة والكرامة .
وحين ينعق المغفلون وينهق المتشدقون , يتساءلون , لماذا التهور الأحمق لماذا الحماسة الغوغائية والاندفاع الأخرق , لقد أصاب شبابنا وأكبادنا مقتل , فلا نملك إجابة إلا التقيؤ في وجوه النخاسين , فمن تحريم " الكلام " المفيد وإباحة الهراء والعواء والمواء , ومن قصف الرقاب وإثخان الجراح في الضعفاء والمساكين ولجم الألسن وتكميم الأفواه , ونهي الأنفس عن الخوض في سيرة " أعدائنا " الطيبين ( أصدقاء اليوم ) بحجة إثارة العنف , وبيع الأوطان , وفرض الخصاء على البالغين , فيا ترى من أين يأتي هذا التفلت المبين ؟!
لعلنا نفهم يوما , ونعقل قولا , ويرزقنا الله عزّ وجلّ القدرة على فك طلاسم " السحرة والمشعوذين " الذين يزيّنون الفاحشة السياسية العظمى في أعين الشباب القاصر فكريا والمعوّق نفسيا ,بأن جعلوا العدو حبيب والقاتل طبيب والعلقم زبيب, والسلام المجاني هدفا استراتيجيا لا بديل عنه ولا حل سواه, ولعق الحثالة الفكرية أحذية الأعداء , هدفا حضاريا لانتشالنا من حضيض الجهل والتخلّف , إلى رياض جهنم , وأن نعمل جاهدين على نزع أعصابنا بأظافرنا من بين الشحم واللحم والعظم , لنتخلص من ألم مزمن مرير مهين أسمه " الكرامة "
عمر رزوق
أبوسنان
عكا
الجلي
لأبوسنان
عكا
الجلي