mr_ops
بيلساني محترف
- إنضم
- Jan 12, 2010
- المشاركات
- 2,777
- مستوى التفاعل
- 38
- المطرح
- شامي
أحيانا تنشأ قصص لا تنسى فجأة في حياتنا العادية وفي بيوتنا المعتادة، لكنها لا تمحى من الذاكرة وتتكرر إلا أننا نخجل من تذكرها كهذة القصة التي نقلتها لي إحدى الصديقات تقول :كان يوماً صيفياً حاراً وريح السموم على أشدها فتحت جود نافذة الغرفة - أفف اختنقنا من المكيف! قفزت بسرعة لأغلق النافذة~- هييييييييه! ماذا تريدين أن تفعلي هل جننت؟ تفتحين النافذة في هذا الحر؟ سكتت ومطت شفتيها ثم رمت بنفسها على سريري بتثاقل - أفففف ملل ما كنها عطلة الناس مسافرة ومستانسة وحنا هنا طفش كنت على وشك أن أتكلم لكني آثرت الصمت وأنا أقلب الكتاب الشائق الذي بين يدي أخذت تتقلب في ملل ثم قفزت فجأة - فطوم! ما رأيك أن نذهب لبيت عمتي لنملأ المسبح ونسبح مع البنات؟ ما رأيك؟ مددت شفتي للأمام فلم تكن الفكرة تعجبني - كلا لا أحب تعرفين بيتهم مليان شباب ولا أضمن ألا يتلصصوا علينا أفففف، أنت معقدة، نظرت إليها بهدوء وقلت وأنا أبتسم: حبيبتي كم مرة قلت أففف منذ دخلت الغرفة؟ أففففف حتى الأفففف صارت محسوبة علينا! وخرجت غاضبة من الغرفة .
كانت جود أصغر فرد في عائلتنا ورغم أن فارق السنوات بيننا لا يتجاوز ست سنوات إلا أن الفارق في الشخصية كبير جداً والفجوة بيننا واسعة منذ فتحنا أعيننا على الدنيا ونحن نرى أسرتنا مثالا للأسرة الصالحة المحافظة ولله الحمد أمي إنسانة تخاف الله وربتنا منذ طفولتنا على الأخلاق الفاضلة وكذلك أبي فرغم انشغاله إلا أن لتربيته الصارمة والمحبة في نفس الوقت أثر كبير في استقامتنا ولله الحمد، لكن الحال مع جود كان مختلفاً فلكونها آخر العنقود كان والداي يدللانها ويعاملانها معاملة خاصة جداً، فهي الوحيدة التي كان لها الحق في السهر لساعات متأخرة حتى في أوقات المدارس كما أنها استطاعت ببكائها وشكواها المستمرة أن تقنعهما بإدخالها مدرسة خاصة وحتى لباسها للأسف كانت أمي تنصاع لها وتسمح لها بارتداء ما لم يكن يسمح به لنا .
غضبنا أنا وأخواتي واعترضنا كثيراً، لكن دون جدوى للأسف فقد بدا واضحاً حجم الاختلاف الكبير بيننا ففي الوقت الذي نستمتع فيه بسماع أشرطة المحاضرات كانت جود لا تستطيع المذاكرة إلا مع سماع الأغاني وما يحرق فؤادي هو رضا أمي عنها وعدم معارضتها لها حتى والدي كان دائماً يعتبرها طفلة ومسكينة وبريئة والحقيقة هي أن جود كانت بالفعل قادرة على الاستحواذ على قلبيهما فهي دائمة الالتصاق بهما وتخدمهما بشكل متواصل وتدللهما في الكلام وتشتري لهما الهدايا كانت ماكرة أو حنونة جداً حاولت كثيراً أن أنصحها أن أوجهها لكني يأست منها فقد كانت دائماً تصد عني وتعتبرني عقدة ولا تريديني أن أنصحها بأي كلمة وذات يوم طلبت جود من أمي أن تذهب لمدينة الألعاب بصحبة صديقاتها وأخذت تلح عدة أيام حتى وافقت أمي وحين علمت بذلك عارضت كثيراً - أمي كيف تسمحين لها ستذهب مع فتيات لا تعرفين أخلاقهن أرجوك كيف تسمحين لها؟ لكن أمي كانت تهدئني وتقول إن الأمر عادي والمكان نسائي - لكن يا أمي هي لا تزال في المرحلة المتوسطة كيف تذهب وحدها؟ اذكري الله يا ابنتي لا تكوني هكذا الأمر بسيط كل البنات يذهبن وحدهن أمي أنا رأيت صديقاتها حين ذهبت إلى مدرستها ذات يوم والله يا أمي لو رأيتهن لما ارتحت لمنظرهن حتى العباءة لا يعترفن بها بل يخرجن شبه كاشفات مع سائقيهن كيف تتركينها تخرج معهن - وما دخلها بهن؟ فاطمة خلاص أنهي الموضوع كلها ساعتين وسوف ترجع بإذن الله لم القلق؟
حاولت وحاولت لكن عبثاً فاستسلمت وسكتُ على مضض وقلبي يشتعل من الألم، لأني بدأت أشعر أن أختي ستضيع من بين يدي إن استمر هذا التهاون إن لم يكن الآن ففي المستقبل القريب ذهبت أختي وهي تضرب الأرض بكعبها وتحدجني بنظرة كلها تحد وانتصار ذهبت وهي ترتدي تلك التنورة الجينز القصيرة ذات الحزام المعدني المتدلي والمكياج يملأ وجهها الطفولي حشرت نفسها في عباءتها الضيقة وخرجت تتمايل .كنا جالسين نتناول عشاءنا الخفيف المفضل الخبز واللبن حين نظرت والدتي في الساعة - غريبة! الساعة تسعة ونصف وجود لم ترجع~التفت والدي نحوها وقال: لماذا؟ متى قالت إنها ستعود؟ قالت قبل العشاء يعني في الثامنة تقريباً - اتركيها فربما استمتعت وتريد اللعب أكثر كنت أنظر إليهما وأنا صامتة تماماً فقد قررت ألا أسأل عنها ولا أتدخل فيها أبداً
صمت والدي قليلاً ثم سأل: مع من قالت إنها سترجع؟ - تقول إنها ستعود مع صديقتها لديها سائق شعرت بأن والدي بدأ يشعر بأن هناك خللاً في الموضوع - الله يهديك يا أم عبد الله لماذا لم تقولي لي من قبل كيف ترضين أن تعود مع سائق وحدها وهي لا تزال فتاة صغيرة - لا أدري كيف أقنعتني أصلحها الله .
مضت عقارب الساعة بسرعة مخيفة نحو العاشرة ثم الحادية عشرة وجود لم تعد بدأ القلق يتسرب إلى بيتنا بشكل مخيف وبدأ أبي يصرخ: كيف تتركينها تذهب دون أن تأخذي منها رقم جوال صديقتها رقم أهل صديقتها أو على الأقل اسم صديقتها؟ وكادت أمي تبكي وهي تقول: لماذا لم تسألها أنت؟ ما دخلي؟ لا تصرخ علي يكفيني ما بي الآن أتى إخوتي كلهم حتى أخي عبد الله المتزوج تم استدعاؤه من بيته ذهبوا إلى مدينة الألعاب فوجدوها قد أغلقت أبوابها جن جنون أبي وارتفع السكر وانهار ونقل إلى المستشفى الكل كان يبحث عنها دون جدوى .
عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل قام أخي بإبلاغ الشرطة لكننا لم نكن نملك خيطاً واحداً يدلنا عليها
لا اسم صديقتها لا جوال لا رقم سيارة ولا أي شيء فكيف نعرف أين تكون؟ وماذا يفعل الشرطة لنا؟ بقينا كلنا في البيت نبكي ونصلي وندعو الله ولا نعرف ماذا نفعل جود مختفية وأبي في المستشفى وعند الساعة الرابعة فجراً فوجئنا برقم غريب يتصل على جوال أخي عبد الله وحين رد كانت الطامة التي لم نتوقعها كان أحد أفراد الشرطة يتصل بأخي ليبلغه بأن أختي قد وجدت مع شاب في سيارة وحدهما ليلة أمس وأنها قد انهارت وأغمي عليها من شدة الصدمة ولم تفق إلا قبل قليل لتعطيهم الرقم حين أغلق أخي الخط جلس على الأرض ولف وجهه بشماغه وأخذ يبكي صرخت أمي - ماذا؟ تكلم؟ وجدوها ميتة في المستشفى؟ حادث تكلم تكلم! ومن بين الشهقات أجاب وصوته الرجولي يهتز بقوة مؤلمة ولحيته مخضلة بالدموع - يا ليت يمه يا ليت .
كنت أعرف ماذا قالوا له، كنت أشعر به قبل أن يخبرني لكني سكت أسرعت أمسك أمي وأذكرها بالله وهي تنتفض بقوة بين يدي أسرعت أغسل وجهها فيختلط الماء بالدموع وبعد قليل ذهب عبد الله ليستلمها بعد أن أقسمت عليه أمي أغلظ الأيمان ألا يقتلها بعد سويعات دخلت وجهها شاحب كالموت وقد تركت الدموع خيوطها على وجنتيها كانت ترتجف حين رأتنا أسرعت ترمي نفسها عند قدمي أمي - يمه سامحيني والله ما سويت شيء والله العظيم والله رفستها أمي برجلها بقوة وصرخت فيها بقوة: اذهبي إلى غرفتك اذهبي لا أريد أن أرى وجهك يا . أبوك يحتضر في المستشفى بسببك ليتك مت ولم نر فيك هذا اليوم يا خائنة الأمانة .كنا جميعاً نشعر بتقزز غريب منها لا نريد أن نكلمها أو حتى نرى وجهها أو نشم رائحتها .
وفي اليوم التالي أخذتها أمي كشيء مكروه لتقوم بعمل تحليل حمل لها وهي تبكي وتصيح وتقسم بأنها لم تفعل شيئاً لكن أمي كانت تريد إذلالها فقط وأن تشعرها بدناءة فعلها الشنيع ونظرتنا لها
بقي أبي في المستشفى أياماً وحالته غير مستقرة لذا لم نخبره بأمرها بل قلنا له إن حادثاً قد حصل لها، لكنه عرف ذلك من وجوهنا الملطخة بالعار ومن بكائنا الذي يحمل رائحة القلوب المجروحة، وحين استعاد صحته وخرج تأكد تماماً من ذلك حين شاهد كيف أصبحنا نعاملها وكيف أصبحت شبه محبوسة في غرفتها فلم يعد هو الآخر يحادثها بحرف واحد كنت أشاهد أشياء كبيرة في أبي وقد تحطمت كبرياؤه ورجولته وفخره بأبنائه لم يعد يخرج ولا يجتمع مع الآخرين أصبح يفضل الجلوس مع أمي صامتاً على الخروج إلى أي مكان، حزن كبير كان يسود بيتنا حتى أخواتي المتزوجات لم يعدن يزرننا كثيراً وكأنهن يخشين من مواجهة الحزن والكآبة .
وذات يوم أحسست بأن علي أن أفعل شيئاً أن أرفع هذا الحزن المقيت الذي يجثم فوق قلوبنا وأن أصلح شيئاً دخلت غرفتها بهدوء وجدتها صامتة على سريرها جلست قربها نظرت إليها - لأول مرة هل تسمحين لي أن أسألك لماذا؟ سكتت طويلاً وحين رأت إصراري بالنظر إليها ابتسمت بحزن هازئة - كنت أعتقد أنه يحبني - ثم؟- حين بدأ رجال الشرطة بملاحقة السيارة فوجئت به يقف بسرعة ويصرخ بي كي أنزل بل أخذ يدفعني بقوة ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أقف في منتصف الشارع وحدي وقد هرب وتركني النذل - هل سبق أن خرجت معه من قبل؟- مرة واحدة فقط أخذني من المدرسة وتغدينا ثم أعادني نظرت إليها طويلاً ثم قلت - وما شعورك الآن؟- شعوري؟ أكرهه وأكره نفسي وفجأة أخذت تبكي بحرقة وتشهق حتى أثارت حزني اقتربت منها وضممتها لأول مرة منذ شهرين ومسحت على شعرها الخفيف الذي تساقط أكثره منذ فترة شعرت بعطف شديد عليها ضممتها وأخذت أبكي معها - لا تكرهي نفسك يا حبيبتي لا تكرهيها باب التوبة مفتوح والله سبحانه وتعالى ينتظرك ينتظر توبتك ويفرح بها اهتزت بين يدي كحمامة صغيرة وهي تبكي - لكنكم تكرهونني خلاص لا تريدونني لا أحد يريدني حتى لو تبت أمسكت رأسها ورفعته فشاهدت في عينيها جود الطفلة الصغيرة - كلنا سنحبك وسننتظرك فقط انسي الماضي وابدئي من جديد ثم تابعت بهدوء - أنا لا أريدك أن تنسي الماضي من أجلنا كلا أريدك أن تنسيه من أجلك أنت أن تفتحي صفحة بيضاء جديدة مع ربك مع خالقك إنها علاقتك به أصلحي ما بينك وبينه وسيصلح كل شيء بينك وبين الآخرين ارتجف صوتها - لكن سمعتي انتهت ابتسمت لها - من قال ذلك؟ لا شيء ينتهي طالما باب الكريم الرحمن مفتوح فقط مدي يديك إليه وسترين كرمه ورحمته نظرت إلي لأول مرة في حياتها بتأثر ثم ابتسمت وعيناها لا تزالان غارقتين بالدموع .
منقول من الكاتبية مريم راشد من جريدة الخليج الشباب
كانت جود أصغر فرد في عائلتنا ورغم أن فارق السنوات بيننا لا يتجاوز ست سنوات إلا أن الفارق في الشخصية كبير جداً والفجوة بيننا واسعة منذ فتحنا أعيننا على الدنيا ونحن نرى أسرتنا مثالا للأسرة الصالحة المحافظة ولله الحمد أمي إنسانة تخاف الله وربتنا منذ طفولتنا على الأخلاق الفاضلة وكذلك أبي فرغم انشغاله إلا أن لتربيته الصارمة والمحبة في نفس الوقت أثر كبير في استقامتنا ولله الحمد، لكن الحال مع جود كان مختلفاً فلكونها آخر العنقود كان والداي يدللانها ويعاملانها معاملة خاصة جداً، فهي الوحيدة التي كان لها الحق في السهر لساعات متأخرة حتى في أوقات المدارس كما أنها استطاعت ببكائها وشكواها المستمرة أن تقنعهما بإدخالها مدرسة خاصة وحتى لباسها للأسف كانت أمي تنصاع لها وتسمح لها بارتداء ما لم يكن يسمح به لنا .
غضبنا أنا وأخواتي واعترضنا كثيراً، لكن دون جدوى للأسف فقد بدا واضحاً حجم الاختلاف الكبير بيننا ففي الوقت الذي نستمتع فيه بسماع أشرطة المحاضرات كانت جود لا تستطيع المذاكرة إلا مع سماع الأغاني وما يحرق فؤادي هو رضا أمي عنها وعدم معارضتها لها حتى والدي كان دائماً يعتبرها طفلة ومسكينة وبريئة والحقيقة هي أن جود كانت بالفعل قادرة على الاستحواذ على قلبيهما فهي دائمة الالتصاق بهما وتخدمهما بشكل متواصل وتدللهما في الكلام وتشتري لهما الهدايا كانت ماكرة أو حنونة جداً حاولت كثيراً أن أنصحها أن أوجهها لكني يأست منها فقد كانت دائماً تصد عني وتعتبرني عقدة ولا تريديني أن أنصحها بأي كلمة وذات يوم طلبت جود من أمي أن تذهب لمدينة الألعاب بصحبة صديقاتها وأخذت تلح عدة أيام حتى وافقت أمي وحين علمت بذلك عارضت كثيراً - أمي كيف تسمحين لها ستذهب مع فتيات لا تعرفين أخلاقهن أرجوك كيف تسمحين لها؟ لكن أمي كانت تهدئني وتقول إن الأمر عادي والمكان نسائي - لكن يا أمي هي لا تزال في المرحلة المتوسطة كيف تذهب وحدها؟ اذكري الله يا ابنتي لا تكوني هكذا الأمر بسيط كل البنات يذهبن وحدهن أمي أنا رأيت صديقاتها حين ذهبت إلى مدرستها ذات يوم والله يا أمي لو رأيتهن لما ارتحت لمنظرهن حتى العباءة لا يعترفن بها بل يخرجن شبه كاشفات مع سائقيهن كيف تتركينها تخرج معهن - وما دخلها بهن؟ فاطمة خلاص أنهي الموضوع كلها ساعتين وسوف ترجع بإذن الله لم القلق؟
حاولت وحاولت لكن عبثاً فاستسلمت وسكتُ على مضض وقلبي يشتعل من الألم، لأني بدأت أشعر أن أختي ستضيع من بين يدي إن استمر هذا التهاون إن لم يكن الآن ففي المستقبل القريب ذهبت أختي وهي تضرب الأرض بكعبها وتحدجني بنظرة كلها تحد وانتصار ذهبت وهي ترتدي تلك التنورة الجينز القصيرة ذات الحزام المعدني المتدلي والمكياج يملأ وجهها الطفولي حشرت نفسها في عباءتها الضيقة وخرجت تتمايل .كنا جالسين نتناول عشاءنا الخفيف المفضل الخبز واللبن حين نظرت والدتي في الساعة - غريبة! الساعة تسعة ونصف وجود لم ترجع~التفت والدي نحوها وقال: لماذا؟ متى قالت إنها ستعود؟ قالت قبل العشاء يعني في الثامنة تقريباً - اتركيها فربما استمتعت وتريد اللعب أكثر كنت أنظر إليهما وأنا صامتة تماماً فقد قررت ألا أسأل عنها ولا أتدخل فيها أبداً
صمت والدي قليلاً ثم سأل: مع من قالت إنها سترجع؟ - تقول إنها ستعود مع صديقتها لديها سائق شعرت بأن والدي بدأ يشعر بأن هناك خللاً في الموضوع - الله يهديك يا أم عبد الله لماذا لم تقولي لي من قبل كيف ترضين أن تعود مع سائق وحدها وهي لا تزال فتاة صغيرة - لا أدري كيف أقنعتني أصلحها الله .
مضت عقارب الساعة بسرعة مخيفة نحو العاشرة ثم الحادية عشرة وجود لم تعد بدأ القلق يتسرب إلى بيتنا بشكل مخيف وبدأ أبي يصرخ: كيف تتركينها تذهب دون أن تأخذي منها رقم جوال صديقتها رقم أهل صديقتها أو على الأقل اسم صديقتها؟ وكادت أمي تبكي وهي تقول: لماذا لم تسألها أنت؟ ما دخلي؟ لا تصرخ علي يكفيني ما بي الآن أتى إخوتي كلهم حتى أخي عبد الله المتزوج تم استدعاؤه من بيته ذهبوا إلى مدينة الألعاب فوجدوها قد أغلقت أبوابها جن جنون أبي وارتفع السكر وانهار ونقل إلى المستشفى الكل كان يبحث عنها دون جدوى .
عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل قام أخي بإبلاغ الشرطة لكننا لم نكن نملك خيطاً واحداً يدلنا عليها
لا اسم صديقتها لا جوال لا رقم سيارة ولا أي شيء فكيف نعرف أين تكون؟ وماذا يفعل الشرطة لنا؟ بقينا كلنا في البيت نبكي ونصلي وندعو الله ولا نعرف ماذا نفعل جود مختفية وأبي في المستشفى وعند الساعة الرابعة فجراً فوجئنا برقم غريب يتصل على جوال أخي عبد الله وحين رد كانت الطامة التي لم نتوقعها كان أحد أفراد الشرطة يتصل بأخي ليبلغه بأن أختي قد وجدت مع شاب في سيارة وحدهما ليلة أمس وأنها قد انهارت وأغمي عليها من شدة الصدمة ولم تفق إلا قبل قليل لتعطيهم الرقم حين أغلق أخي الخط جلس على الأرض ولف وجهه بشماغه وأخذ يبكي صرخت أمي - ماذا؟ تكلم؟ وجدوها ميتة في المستشفى؟ حادث تكلم تكلم! ومن بين الشهقات أجاب وصوته الرجولي يهتز بقوة مؤلمة ولحيته مخضلة بالدموع - يا ليت يمه يا ليت .
كنت أعرف ماذا قالوا له، كنت أشعر به قبل أن يخبرني لكني سكت أسرعت أمسك أمي وأذكرها بالله وهي تنتفض بقوة بين يدي أسرعت أغسل وجهها فيختلط الماء بالدموع وبعد قليل ذهب عبد الله ليستلمها بعد أن أقسمت عليه أمي أغلظ الأيمان ألا يقتلها بعد سويعات دخلت وجهها شاحب كالموت وقد تركت الدموع خيوطها على وجنتيها كانت ترتجف حين رأتنا أسرعت ترمي نفسها عند قدمي أمي - يمه سامحيني والله ما سويت شيء والله العظيم والله رفستها أمي برجلها بقوة وصرخت فيها بقوة: اذهبي إلى غرفتك اذهبي لا أريد أن أرى وجهك يا . أبوك يحتضر في المستشفى بسببك ليتك مت ولم نر فيك هذا اليوم يا خائنة الأمانة .كنا جميعاً نشعر بتقزز غريب منها لا نريد أن نكلمها أو حتى نرى وجهها أو نشم رائحتها .
وفي اليوم التالي أخذتها أمي كشيء مكروه لتقوم بعمل تحليل حمل لها وهي تبكي وتصيح وتقسم بأنها لم تفعل شيئاً لكن أمي كانت تريد إذلالها فقط وأن تشعرها بدناءة فعلها الشنيع ونظرتنا لها
بقي أبي في المستشفى أياماً وحالته غير مستقرة لذا لم نخبره بأمرها بل قلنا له إن حادثاً قد حصل لها، لكنه عرف ذلك من وجوهنا الملطخة بالعار ومن بكائنا الذي يحمل رائحة القلوب المجروحة، وحين استعاد صحته وخرج تأكد تماماً من ذلك حين شاهد كيف أصبحنا نعاملها وكيف أصبحت شبه محبوسة في غرفتها فلم يعد هو الآخر يحادثها بحرف واحد كنت أشاهد أشياء كبيرة في أبي وقد تحطمت كبرياؤه ورجولته وفخره بأبنائه لم يعد يخرج ولا يجتمع مع الآخرين أصبح يفضل الجلوس مع أمي صامتاً على الخروج إلى أي مكان، حزن كبير كان يسود بيتنا حتى أخواتي المتزوجات لم يعدن يزرننا كثيراً وكأنهن يخشين من مواجهة الحزن والكآبة .
وذات يوم أحسست بأن علي أن أفعل شيئاً أن أرفع هذا الحزن المقيت الذي يجثم فوق قلوبنا وأن أصلح شيئاً دخلت غرفتها بهدوء وجدتها صامتة على سريرها جلست قربها نظرت إليها - لأول مرة هل تسمحين لي أن أسألك لماذا؟ سكتت طويلاً وحين رأت إصراري بالنظر إليها ابتسمت بحزن هازئة - كنت أعتقد أنه يحبني - ثم؟- حين بدأ رجال الشرطة بملاحقة السيارة فوجئت به يقف بسرعة ويصرخ بي كي أنزل بل أخذ يدفعني بقوة ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أقف في منتصف الشارع وحدي وقد هرب وتركني النذل - هل سبق أن خرجت معه من قبل؟- مرة واحدة فقط أخذني من المدرسة وتغدينا ثم أعادني نظرت إليها طويلاً ثم قلت - وما شعورك الآن؟- شعوري؟ أكرهه وأكره نفسي وفجأة أخذت تبكي بحرقة وتشهق حتى أثارت حزني اقتربت منها وضممتها لأول مرة منذ شهرين ومسحت على شعرها الخفيف الذي تساقط أكثره منذ فترة شعرت بعطف شديد عليها ضممتها وأخذت أبكي معها - لا تكرهي نفسك يا حبيبتي لا تكرهيها باب التوبة مفتوح والله سبحانه وتعالى ينتظرك ينتظر توبتك ويفرح بها اهتزت بين يدي كحمامة صغيرة وهي تبكي - لكنكم تكرهونني خلاص لا تريدونني لا أحد يريدني حتى لو تبت أمسكت رأسها ورفعته فشاهدت في عينيها جود الطفلة الصغيرة - كلنا سنحبك وسننتظرك فقط انسي الماضي وابدئي من جديد ثم تابعت بهدوء - أنا لا أريدك أن تنسي الماضي من أجلنا كلا أريدك أن تنسيه من أجلك أنت أن تفتحي صفحة بيضاء جديدة مع ربك مع خالقك إنها علاقتك به أصلحي ما بينك وبينه وسيصلح كل شيء بينك وبين الآخرين ارتجف صوتها - لكن سمعتي انتهت ابتسمت لها - من قال ذلك؟ لا شيء ينتهي طالما باب الكريم الرحمن مفتوح فقط مدي يديك إليه وسترين كرمه ورحمته نظرت إلي لأول مرة في حياتها بتأثر ثم ابتسمت وعيناها لا تزالان غارقتين بالدموع .
منقول من الكاتبية مريم راشد من جريدة الخليج الشباب