ووقعت في المحظور من الواقع الجزء الثاني

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي
ملخص ما نشر: تزوج بدر من بدور منذ ثلاثة وعشرين عاماً، بعد أن رآها وأغرم بها منذ النظرة الأولى، أنجبا بنتين وولدين، وكانت حياتهما سعيدة إلى أقصى حد، فالمال موجود بكثرة وبوجود المال تختفي العقبات، وكان بدر كريماً جداً مع عائلته عامة وزوجته خاصة، فكان يبدل لها سيارتها كل عام في ذكرى زواجهما، ويغدق عليها المجوهرات بمناسبة أو من دون مناسبة، كانا يسافران مرتين أو ثلاثاً في السنة، كل مرة إلى بلد مختلف، كما أنه ابتاع منزلاً في دولة عربية، كانا يحبان قضاء عطلتهما الصيفية فيها، وكتبه باسمها، وفي آخر رحلة لهما اتصلوا به من الشركة، حيث كان يجب أن يكون شخصياً لحل مشكلة حصلت، وعدهم بألا يتأخر في العودة، وودعهم على أمل اللقاء القريب، لكن مرت عشرة أيام ولم يعد، فقد كانت المشكلة أكبر مما اعتقد، أما بدور فكانت تخرج برفقة أولادها إلى النادي حيث اعتادت أن تذهب يومياً، ومنذ سنوات، وهناك التقت أحمد الغرسون الشاب الذي تغزل بجمالها وأثنى عليه، وكان يستغل الفرصة ليقول لها كلاماً لم تسمعه في حياتها من قبل، ارتبكت ولم تعرف كيف توقفه عند حده، فقد كانت سعيدة بما تسمع، خاصة أنها قد تخطت الخامسة والأربعين، وكان كلامه يعيدها عشرين عاماً إلى الوراء، أصبحت تشعر بأنوثتها، وبأنها عادت صغيرة مجدداً، فزوجها وعلى الرغم من حبه القوي لها، ومعاملته الطيبة، لا يسمعها مثل هذا الكلام أبداً، وبعد مرور أسبوع على رؤيته وسماع كلامه العذب شعرت بقلبها يخفق وأصبحت تقصد أن تراه كل يوم لا تفكر إلا في كلامه وتصرفاته معها، لامت نفسها، وخافت أن تنقاد وراءه وتدمر حياتها السعيدة، فما كان منها إلا أن تتصل بزوجها، وتقول له إن لم تعد اليوم أو غداً سأذهب أنا إليك، كانت فعلاً تشعر بالخوف وللمرة الأولى في حياتها، لذلك قررت أن تبتعد وتكون بأمان . استغرب زوجها كلامها، وقال: ما بك يا حبيبتي هل تشعرين بالملل هناك؟ بالأمس كنت تقولين إنك تمضين أوقاتاً سعيدة، فما الذي جرى اليوم؟ أجابته: لا أدري لكنني اشتقت إليك، ولا أستطيع أن أبقى هنا وأنت هناك، يجب أن تأتي . قال: بقي لي ثلاثة أيام وأنتهي ثم أعود إليك صدقيني . قالت: لا لن أنتظر لاقيني اليوم إلى المطار، فأنا سأحجز على أول طائرة متوجهة إلى الإمارات، أراد أن يقنعها لكنها أقفلت الخط بعدما قالت له: سأبلغك بموعد وصولي، وفعلاً تركت أولادها هناك وعادت إلى زوجها، وهي وتقول له: لا تحاول أن تتركني وحدي مجدداً، فأنا لا أستطيع أن أعيش يوماً من دونك . غمرته الفرحة، وقال لها: وأنا أيضاً لا أستطيع أن أبعد عنك، لكن الظروف تمنعنا أحياناً من تحقيق ما نريد، على كل حال لقد فعلت عين الصواب، سترين أهلك وأهلي ثم تأخذين ما تحتاجين، لأننا سنبقى شهراً زيادة عما قررنا، لأعوضك عما فاتك، هل أنت راضية الآن؟ هزت برأسها وهي لا تزال تدفنه في صدرها، وأجابت بعد أن تنفست الصعداء: أجل المهم أن تكون معي . ذهبت في اليوم التالي لرؤية أهلها الذين استغربوا وصولها المفاجئ عندما كلّمتهم على الهاتف، خاصة أنها تركت أولادها هناك فطمأنتهم بأنها عائدة إليهم بعد يومين، لكنها اضطرت إلى المجيء حسب رغبة زوجها، كذبت عليهم حتى لا يقلقوا ثم كلمت شقيقتها، وقالت لها: ابتعدي عنهم قليلاً أريد أن أطلب منك أن تكوني في المنزل غداً لأنني أريد أن أخبرك بشيء مهم .


وعندما حان الموعد، جلست مع شقيقتها في غرفتها بعد أن سلمت على والديها، فقالت الأخيرة: هيا تكلمي، فأنا لم أعرف للنوم سبيلاً من شدة قلقي، هل الأولاد بخير؟ أم أنك اختلفت مع زوجك، ما الأمر؟ أمسكتها من يديها تشد عليهما وتقول اهدئي ودعيني أتكلم، لكنك يجب أن تعديني بأنك لن تحكمي علي أو تردي دون أن تفكري جيداً . قالت: أعدك، لكن هيا ابدئي بالكلام . قالت لها بخجل يشوبه إحساس بالذنب: أعتقد إنني عاشقة! ماذا؟ أجابتها شقيقتها، ماذا تقولين؟ أنت؟ بمن وكيف؟ عادت تشد على يديها وتطلب منها أن تسمعها حتى الآخر . صمتت شقيقتها وقالت بصدمة جلية: أكملي فأخبرتها ما جرى مع أحمد وعن كلامه، وكيف هز كيانها، كيف خافت من مشاعرها، وهربت منها عائدة للوطن لتحتمي بزوجها، لكنها تشعر بأنها خانته فعلاً بمجرد تفكيرها بالاستماع إلى شخص غريب، وهو يكلمها بأشياء محرمة، يجب ألا تسمعها منه، ولا من أي شخص آخر غير زوجها، المهم أنها أنهت كلامها وشقيقتها تنظر إليها وهي تكاد لا تصدق ما تسمع، عندها قالت لها بدور: هيا تكلمي الآن فقد صمت عندما يجب أن تقولي شيئاً وتساعديني، أنا أعرف أنك صدمت بما تسمعين، فأنا نفسي لم أصدق، ماذا أفعل وكيف تركت نفسي أنجرف هكذا؟ قالت شقيقتها بهدوء لم تتوقعه بدور: أتعلمين شيئاً، لطالما كنت المثل الأعلى في نظري، فأنت التي لا تخطئ في شيء، أنت من أتمنى أن تكون علاقتي بزوجي وأولادي مثلك، فأنا معجبة جداً بطريقتك بالتعامل مع زوجك، وكنت أكره أن أخرج معك حيث كنت أصاب بالإحباط، إذ إنهم لا يلتفتون إلي، لكن كل هذا لم يؤثر فيك يوماً، فلماذا الآن؟ قالت بدور: لست أدري، وهذا الذي يقتلني، هل لأنني أسمع من صديقاتي عن وصولهن إلى ما يسمونه سن اليأس والجراحات التجميلية التي يجرينها حتى يحافظن على شيء من أنوثتهن؟ ذلك الشيء جعلني أشعر بأنني لم أفقد سحري أو جمالي، وبأنني لا أزال صغيرة، أم لأنني لا اسمع كلاماً كهذا من زوجي؟ الذي كان يقول لي: أنا لا أحب أن أقول لك أحبك كل دقيقة، فهي تفقد من معناها، أنا أبرهن لك كم أحبك بطريقة تعاملي معك واهتمامي بك ألا يكفي هذا؟ أجابتها شقيقتها: معه حق، فالمعاملة أهم من الكلمة، فها هو زوجي كان يقول لي أحبك، وأنت عمري، ولا يناديني باسمي، كان يناديني بالغالية، وفي النهاية اكتشفت انه يخاف أن يخطئ، ويناديني باسم إحدى الفتيات اللواتي كان يخرج معهن، والنتيجة انه طلقني ليتزوج فتاة صغيرة بعد أن أمضيت معه رحلة كانت من أجمل الرحلات . قالت بدور: أنا أعرف أنك محقة في ما تقولين، لكن فسّري لي هذا الشعور الذي يتملكني وساعديني، قولي لي ماذا أفعل عندما نعود؟ أجابتها: عليك بالصلاة والأدعية والمعوذات، ثم أن تمنعي نفسك من التفكير فيه وفي كلامه، فالشيطان شاطر تغلبي عليه، وابتعدي قدر الإمكان عن النادي أو سافري إلى مكان آخر، وسوف تنجحين بإذن الله .

عادت بدور مع زوجها إلى منزلهما وأولادهما الذين فرحوا جداً برؤيتهما، وقالوا لهما: هيا نخرج جميعنا إلى النادي لنأكل هناك، كما يجب أن تمارس هوايتك في السباحة يا والدي . قال الصغير: هيا بنا فأنا فعلاً تعبت وبحاجة للراحة .


ذهبوا إلى هناك وأول ما وطأت قدمها باب النادي رأته، فبدأ قلبها يخفق بسرعة، تعثرت عدة مرات، فأمسك بها زوجها قائلاً: هل تشعرين بشيء؟ أجابت: كلا لكنني أتعثر دائماً بهذا الفستان الطويل . كانت تعتقد أنها إذا كانت برفقة زوجها لن تتأثر برؤيته، لكن العكس كان الصحيح . تركوها جميعهم وذهبوا إلى حوض السباحة، فأسرع أحمد إليها ودموعه تتساقط من مقلتيه، قائلاً: بصوت عال ماذا فعلت بي حرام عليك؟ لماذا تركتني وعدت إلى بلادك؟ لقد مت من الخوف ألا أعود وأراك! ارتبكت بدور جداً من موقفه، وخافت أن يراه أحد وهو يبكي ويكلمها، فقالت: ابتعد عني أرجوك فزوجي سيعود بين لحظة وأخرى . قال: لا يهمني أنا أحبك، ولا أريد أن أفقدك، سوف أقول له، وليقتلني يسجنني، لا يهمني، فإنني أفضل الموت على عدم رؤيتك .


شعرت بأنها ستبكي هي الأخرى، فقد تقطع قلبها عليه وأخذت ترتجف كالورقة، ثم قالت: أرجوك اذهب الآن، نتكلم لاحقاً . قال: لن أتزحزح من مكاني إلا عندما توافقين على أن أراك بعيداً عن هذا المكان . فقالت في محاولة منها لأن تبعده قبل عودة زوجها: حسناً، أجاب أين ومتى، اليوم بعد الظهر؟ قالت: لا أستطيع فزوجي سيأخذنا إلى السينما . قال: اعتذري وأنا سوف انتظرك عند الناصية في تمام الخامسة، أتوسل إليك ألا تتأخري . رأت زوجها مقبلاً نحوها فقالت: بخوف حسناً لكن اذهب أرجوك، كانت تلك الخطوة بداية الخطيئة التي أوقعت نفسها فيها، فذاك الموعد جر وراءه مواعيد، فأصبحت تكذب كل يوم مائة كذبة على زوجها وأولادها لتخرج وتراه، فقد تعلقت به جداً أصبحت لا تستطيع ألا تراه، اقترب موعد عودتهم، وشعرت بأنها ستحرم منه، جن جنونه هو الآخر، وقال لها سأتبعك أينما تذهبين، وهنا خططا أن يتبعها إلى الإمارات، حيث تلملم أغراضها ويسافران سوياً إلى أي مكان بعيد . وهكذا صار عادت إلى بلدها وضعت مصاغها كله في حقيبة سفرها، باعت سيارتها، وسحبت رصيدها الضخم من المصرف، وأخذت بعضاً من ملابسها تركت رسالة إلى زوجها وأولادها تطلب منهم مسامحتها إذا استطاعوا، لكنها تبعت قلبها، وانطلقت إلى المطار في رحلة اعتقدت أنها بلا عودة، لكن عادت بعد شهر واحد لتسجن حالما وطأت قدمها أرض المطار، حيث كان اسمها معمماً عليه من قبل زوجها، وهذا أقل ما كانت تنتظره منه، لكن ما لم تتوقعه أن يسرق حبيبها كل أموالها ومصاغها ويتركها وحيدة في بلد غريب، من دون درهم، لكن شهامته، كما قال لها منعته من أن يتركها ضائعة في بلد لا تعرف فيه أحداً، فقام بدفع فاتورة الفندق، وحجز لها تذكرة لتعود إلى بلدها غير عابئ بما ستواجهه، فقد استخسر بها ورقة كبيرة حتى إنه ترك لها قصاصة يقول لها: لست آسفاً عما فعلته بك، فمن تترك زوجاً محباً وكريماً، ومن تترك أولادها فلذات كبدها من أجل كلمات في الهواء لن تتوانى عن تركي، لذلك سأذهب بالخفاء كما فعلت أنت مع عائلتك، شكراً على المال، فأنا في حاجة ماسة له لأتزوج قريبتي الصغيرة الطاهرة التي تخاف الله، أما أنت فالله يعينك أيتها العجوز المتصابية مع السلامة .


رفضت الكلام أو الرد على المحامي الذي أتى يمثلها . . آثرت الصمت المطلق حتى مع أقرب الناس إليها، شقيقتها، لأن أهلها رفضوا أن يزوروها حتى، أما أولادها، وبخاصة الفتاتان، فقد كانوا يقولون إن والدتنا توفيت، أما الزوج المخدوع المصدوم فهو لا يزال يعاني من جلطة التي أصابته من جراء فعلتها، كما انه أصيب بالسكر وأمراض عدة، لكنه وبرغم من كل شيء تنازل عن شكواه وطالب محاميه بإخلاء سبيلها لأنها في النهاية أم أولاده، ولا يقبل عليها هذا الذل، إنه إنسان كبير هذا الزوج المسكين، قال لأولاده عندما علموا بقراره: إنها أمكم وأنتم أحرار في مسامحتها مع الوقت أم لا، لكن من جهتي أنا فأترك أمرها إلى الله سبحانه وتعالى، لن أحاسبها فالحساب عنده . شكراً لك يا والدي كم أنت إنسان رائع، قال ولده البكر، لكنني علمت من خالتي أنها لا تريد أن تخرج من السجن فهي تعاقب نفسها، ترفض أن تأكل أو تشرب، وإن استمرت هكذا فسوف يأخذونها إلى المستشفى، ثم أين ستذهب بعدها، فأهلها لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عنها، وأشقاؤها حلفوا بأغلظ الأيمان أنهم سينتقمون منها على ما فعلت، وهم معك في ما تفعله . للصراحة يا الغالي، وبالرغم من سخطنا عليها وعلى ما فعلته، نحن خائفون من أن تفعل شيئاً بنفسها، ويكون قصاصها أكبر عند الله عز وجل، بعد صمت قال الزوج المخدوع المقهور المريض الضعيف بكل ثقة: كما تريدون يا أولادي، سيكون هذا منزلكم، فأنا يبدو أنني لن أعيش طويلاً، دعوها تعود إلى المنزل، وتسكن في ملحق الضيوف، وهكذا نكسب ثوابها، قبلّوا يديه وذهبوا إليها ينتظرون خروجها من السجن، فلم يعرفوها في البداية لكثرة نحولها، إنها ليست والدتهم الجميلة، فقد امتلأ فجأة وجهها بالتجاعيد . تسمرت مكانها عندما رأتهم ثم وقعت أرضاً، استيقظت بعد غيبوبة دامت ساعات لتجد نفسها في الملحق الذي رتبته للضيوف، طعامها يصلها إلى هناك، أولادها يطمئنون عليها بواسطة الخدم إلى أن يستطيعوا نسيان ما فعلته بهم، أصبح سجنها المؤبد الذي اختارته، صحيح أنها تمضي وقتها بالصلاة والصوم . . بالبكاء والندم، لكن هل ينفع الندم الآن، توبتها أتت متأخرة بالنسبة إلى أولادها، لكن الأهم هل يقبل الله توبتها العلم عنده سبحانه .

منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد
 
أعلى