يحيا الراديو على (شام f m).. المآب .. جديد غسان كامل ونوس !

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
[h=3]اعتدنا كلما قرأنا الأديب غسان كامل ونوس في عمل جديد أن نبحث في الوسط المحيط عمّن يعنيه في كتاباته وكنا على الدوام لا نجد عناء في ذلك فالأديب ونوس أخذ على عاتقه رسم صور حقيقية وواقعية للوسط الذي نعيشه ونتنفس نسيمه مع من[/h] [h=3]يشاركنا اللهو واللعب والجد على وجه هذه البسيطة، وها هو في روايته الجديدة الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب ضمن سلسلة الرواية بعنوان(المآب) يلتقط ببصره وبصيرته قصة ذاك الرجل الذي خرج من قريته إلى المدينة ليتبوأ المناصب وليدخل معترك الحياة مع من يحيط به في العمل والوظيفة ليعود بعد سنوات العمل والمتاعب إلى قريته ضمن تابوت تحيط به سيارات عديدة وشخصيات مختلفة قاطعاً الطريق من العاصمة دمشق إلى قريته عبر تفاصيل الطريق المعروفة بأسمائها الحقيقية.
تحتاج الرواية إلى أكثر من مقال وأكثر من قراءة لأن الأديب ونوس قد عرّج في عمله الجديد على العديد من الموضوعات والحالات الاجتماعية والوظيفية، لكننا لن نستطيع أن نحيط بكل ما تتضمنه الرواية من حالات إنسانية مهمة.
تعتمد طريقة السرد الروائية على المنولوج الداخلي وتداعي الذكريات من حياة الرجل المهم (المتوفى ) وطريقة تعاطيه مع مختلف القضايا التي داهمت تفاصيل أيامه والتي حكم عليه الآخرون من خلالها. تلك الذكريات التي يقولبها ونوس ضمن مخزونه الثقافي وموهبته فأتت الجملة التعبيرية متأثرة بالبيئة المكانية التي عاشها .
لن أتحدّث عن تلك الرحلة والقصص والأحاديث التي دارت بين أناس مقربين وأصدقاء للمتوفى بل سأخوض في بعض حالات الفساد التي يخبرنا عنها المتوفى في مشواره الأخير من العاصمة إلى قريته، فالعاصمة التي اكتظت بالوافدين إليها من كل حدب وصوب، العاصمة ذات البيوت المتراصة واللاهثة في حركتها العشوائية عبر الجبال المحيطة بها وكأنه يروي لنا العشوائيات التي نراها على أطراف دمشق كالمزة 86 وعش الورور وحي الورود وما إلى ذلك :" الازدحام على أشده بعد انقباض على مدينة تتكاثف وتختلط،تتكور وتتعمق، تتمدد وتتسلق، حتى كائناتها المتلبسة باللهاث والحياة داخل أحياء متنوعة تكاد أن تنسى الشهيق".. هذه المدينة التي يتذكرها جيداً عندما جاء من قريته إليها . كيف كانت وكيف أصبحت بعد أن شوّه الفساد النفوس والأماكن فيها !. فهاهم أبناء زملاءه الذين تأتلق أسماءهم بالألوان المتعددة فوق المكاتب التي حصلوا عليها بعد أن استغل هؤلاء الزملاء مكانتهم الوظيفية ومواقعهم في الدولة فاقتصرت انجازاتهم على تحقيق المستقبل اللائق لأبنائهم في حين رفض هو كل الأساليب والطرق الملتوية التي كانت من الممكن أن تؤمن له ولأحفاده من بعده مستقبلاً زاهراً لكنه لم يكن يقبل أن يذل نفسه من أجل ذلك : " هاهي الأسماء التي تأتلق بالألوان فوق العيادات والمكاتب والمؤسسات الخاصة، اعرف أصحابها حتى حين كانوا أطفالاً . لم يكن آباؤهم / زملائي/ يرضون بأقل من ذلك لجميع أبناء الوطن .هذا ما كانوا يقولون . لكنهم عجزوا عن تعميمه فاقتصرت انجازاتهم على هذه والأقربون أولى بالمنجزات".
شغلني في الرواية تسليط الضوء على بعض مظاهر الفساد التي نعاني منها والتي باتت تسفر عن وجهها دون خجل من أصحابها !.فثمة أشخاص فاسدون مرّوا أو قد يمرّوا على المكان أمّا المكان ذاته فكيف يفسد؟. لا توحي رواية المآب بإجابة واضحة ولكنها دون أدنى شك توحي للقارئ بإجابتها في أكثر من تلميح : " هاهي التضاريس تتبارز وتتقارب مكشوفة جرداء بعد أن ابتعدت التلال المأهولة بالبيوت أو الأقفاص أو الجحور التي تتسلق السفوح المتعالية بقسوة ووعورة ".. إلى أن يقول : " الجبل منتهك،مجوّف، منهوش.. أي قدر جاحد ينهال على تلك الكتل الجبارة فتتداعى؟.أية أيد جزارة وغايات سوداء تعمل في إنهاكها"؟
لا تقدم رواية المآب مفاتيحها لأول وهلة ذلك لأن خصوصيتها تتدفق من عدة ينابيع أهمها تجربة الكاتب وما عاشه في المكان الذي تحتفل به روايته إضافة لذلك ما استطاع الكاتب أن يلتقطه لنا من دلالات تتقاطع فيها مناخات الرواية ومصائرها لتتوالد فينا. ففي الرواية ليس البطل أبو نضال ولا عماد ولا نضال ولا ثورة بل البطل هو المكان، مفتاح الرواية ، إذ نستشف فساده المقبل فينا :" هذا الرجل كان يعطي حصته شهرياً للرفيق الذي كان قبلك وصار فوق وبالتأكيد ستزداد حصته ".. إلى أن يقول :" الم تر إلى الصروح التي تبنى في السفوح ورؤوس التلال، الم تلاحظ الأراضي التي استصلحت والمزارع التي تكاثرت ؟!".
في مكان غير بعيد عمّا نحن نتجول فيه يرسم الأديب ونوس صورة واضحة عن الفساد إذ يقول : " ولا تنس ياعماد أن تنظيمنا احتكر المتفوقين ونسّبهم حتى دون أن يسألهم، وكثيرون آخرون دخلوا التنظيم من أجل الوظائف والمراكز والكراسي العليا المخصصة لهم ".. ولم يقتصر الفساد على ذلك ، فهاهو يتحدث في مكان آخر فيقول: " بعض الذين يؤدون الخدمة على الجبهة أو في قطعات هامة لا يحصلون طوالها إلاّ على بضع إجازات . في حين يخدم عديدون في بيوتهم، أو في دور أسيادهم أو مزارعهم، آخرون بنوا بيوتاً وشاليهات واشتروا سفوحاً من الزيتون وبساتين ليمون وأقاموا استراحات واشتروا سيارات نتيجة مواقع خدمتهم على الحدود أو داخل البلد الشقيق "
تتحدد مصائر الشخصيات عبر علاقاتها بهذا المكان مهما كانت درجة هذه العلاقة جذرية أم عابرة والكل يدفع ثمن هذه العلاقة إذا كان لمثل هكذا علاقة ثمن:" كثير من زملائنا في النضال والمواقع والمسؤوليات تفاخروا بالمثنى والثلاث وحتى الرباع وما ملكت أيمانهم وما لم تملك "... وفي مكان آخر يقول :" لكن القضية الآن تعقدت فأصحاب الحلول هم مثيرو المشاكل وحماة القانون او المفترض أن يكونوا كذلك هم أول من يقفزون فوق أوتاره ويعزفون النغمات التي تناسبهم، يدوزنونه على هواهم دون أدنى اعتبار للجماهير ".
وكما تتمخض الرواية عن مناخها الخاص ودلالاتها ورؤاها فإنها تكشف لنا عن بنية متماسكة تتقاطع فيها وتتلاحم آليات السرد ووظائفه في سيرورة تمضي بالتوتر الدرامي إلى قمته، إلى لحظة الكشف. وسأختم بما قاله الأديب ونوس عن الفساد : "الحديث عن الفساد ملمّظ ومشوّق كالحديث عن عملية اغتصاب جنسي.. يبالغ في الوصف والتفاصيل حتى تثار الشهوة وتفور الغريزة فيُنسى الفعل الجرمي ويتولد دافع للقيام بالفعل".[/h]
 
أعلى