يــمــهــل ولا يــهــمــل ( قصة من الواقع )

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي




وصلت إلى الفريج سيارة ليموزين سوداء زجاجها مخفي وتوقفت أمام منزل قديم ثم ترجل السائق ليفتح الباب الخلفي للسيد الذي أتى يزور والده المريض، خرج الجيران لينظروا من هو فتبين لهم انه عبدالعزيز، فدخلوا بسرعة واقفلوا أبوابهم ونوافذهم وهم يتمتمون بأشياء غير مفهومة وقف كعنترة زمانه ونظر إليهم بدونية ثم ولج إلى المنزل الذي تربى فيه، إنه رجل لا يهمه سوى تكديس الأموال لا يهمه إن كانت شرعية أم لا من أين مصدرها أهي من المخدرات أم من تبييض الأموال، أموال يتامى أم أرامل، وكان مرابياً من الدرجة الأولى يدين الناس مالاً مقابل فوائد كبيرة كان شرس الأخلاق لا يرحم أحداً حتى لو كان والده، والذي كان بالطبع لا يكلمه بسبب أعماله غير المشروعة كان في البداية يقنعه بالحسنى ويرجوه أن يتراجع عما يفعل وان هذا يغضب الله ويغضبه حتى إنه قال له إن والدته في قبرها غاضبة عليه إلا انه لم يتأثر ولم يرد عليه فبدأ بعدها بتعنيفه وعندما وجد أنه لم يهتم هدده بأن يغضب عليه ليوم القيامة لكنه للأسف أجابه بكل وقاحة أتهددني يا والدي أجابه والده نعم هذا تهديد ولن أتراجع عن كلامي ما دمت تمضي في عملك هذا فأنا لم أتعب على تربيتك لتصبح هكذا أنت تجعلني أخجل بك أمام الجميع مرغت بكرامتي الأرض فأجابه: أية كرامة هذه التي تتكلم عنها فكرامة الإنسان واحترام الناس له هي بالمال فقط إن كنت فقيراً وكأنك لست موجوداً، أما إن كنت ثرياً فسيحترمك الجميع ويقدرونك لا هم لهم من أين أتيت بفلوسك إن كانت حلالاً أم حراماً، فهم لا يهتمون المهم أن يكون عندك الكثير من المال ليحسبوا لك ألف حساب ويحترموك ويجلوك ويقولوا لك يا طويل العمر وأنا أريدهم أن يعاملوني هكذا وأينما أذهب تفتح الأبواب الموصدة بوجهي وليس مثل قبل عندما كنت مجرد موظف إن تأخرت دقائق على دوامي أحاسب وأسمع مئة كلمة أنا لا أريد أن أعيش مثلك ألهث وراء الدرهم وهو يجري أمامي فأنت بالكاد كنت تعيلنا شقيقي وأنا، أجابه والده أفا عليك يا ولدي الكبير الفاهم العاقل ما الذي طلبته يوما ولم أؤمنه لك قال عبد العزيز لم أكن اطلب لأنني كنت اعلم بأنك لن تستطيع أن تؤمن لي ما أريد، كنت أكره حياتي وأقسمت ألا أكون مثلك فاشلاً فقيراً أنتظر آخر الشهر لأتسلم راتباً لا يكفي قط، إنني حققت ما كنت أصبو إليه في خلال أعوام قليلة جمعت ثروة، أما أنت فقد عشت حياتك كلها تعمل ولا يوجد معك ألف درهم في حسابك لا تملك سوى هذا المنزل المتهالك الذي ورثته عن والدك أنت لست قدوة لي، هز الوالد المسكين رأسه، وقال ليتني مت قبل أن اسمع منك كل هذا الكلام أيها الولد العاق قلبي وربي غاضبان عليك ليوم القيامة وحتى يوم مماتي لا أريدك أن تأتي إلى دفني اذهب من هنا ولا تدعني أراك أبداً، ابتسم باستخفاف وأجابه كما تريد لن تراني أبدا وافعل ما تراه مناسبا، كان المال الكثير الذي بين يديه مسيطراً على تفكيره وتصرفاته لا يهمه أب عجوز ولا أم انتقلت إلى جوار ربها لا ولده ولا زوجته التي هددته بأن تطلب الطلاق في حال استمر بما يفعله، فقال هيا اخرجي عودي من حيث أتيت ورمى عليها يمين الطلاق، جمعت أغراضها وهي تبكي وهمت بالخروج من المنزل فنادى عليها، اعتقدت أنه ندم على تسرعه وأنه سيعيدها أو سيعتذر، لكنها فوجئت به يقول لها عودي وخذي ابنك معك وورقتك سوف تصلك قريباً، وعندما ذهبا جلس وتنفس الصعداء قائلاً الحمد لله خلصت منها ومن اسطوانتها المشروخة التي لا تنتهي، لعن الله النساء من أمثالها ثم جلس كما كان يفعل كل ليلة يحصي أمواله الكثيرة التي جناها خلال النهار ويتنشق رائحة الذهب المرهون وينتشي، لم يفكر في ولده يوماً، فقد مر عام وأكثر وهو كأنه قد نسي أن لديه طفلاً، صحيح أنه كان يرسل له ولطليقته مبلغاً من المال، لكنه لم يفكر يوماً في أن يراه أو يطمئن عليه حتى بواسطة الهاتف أصبح رجلاً من دون مشاعر ولا أحاسيس مجرد آلة لجمع المال ويا ليته كان يشبع، فكلما ربح أكثر كان يريد أكثر وأكثر، كان لديه الكثير من الأصدقاء الذين يشبهونه في طمعهم وعملهم غير المشروع، وكان يقضي سهراته الماجنة معهم يسكرون ويتعاطون المخدرات، يعني وبالمختصر المفيد كان يفعل كل ما يغضب الله من دون استثناء، وليزيد إثمه إثماً كان يقصد المسجد البعيد عن منزله، وحيث لا يعرفه أحد كل يوم جمعة ليوقع فريسة جديدة بحبائله كان يقول عنهم إنهم بسطاء ويصدقون أي شيء، يقال لهم فيتوجه إلى هناك ويبحث بعينيه على من يشعر بالطيبة والنقاء على وجهه فكان قد اكتسب تلك المهارة من خلال تعاطيه مع الناس فأصبح يعرف أن يفرق بين الطيب والبسيط وبين الذكي والنبيه الكريم والبخيل المتعلم والأُمي لذلك كان ينتظر خروج من يخرج ويبقى جالساً في ركن من أركان المسجد وهو يمسك مسبحته بيده وينتظر حتى ينقض على من اختاره وكان ينجح في أكثر الأحيان كان يستميله ويحدثه بداية عن الصلاة وأهميتها في حياة الإنسان، عن الحلال والحرام، وكان بالطبع حافظاً للقرآن الكريم منذ صغره من خلال والده الطيب الذي كان يرسله كل يوم مع شقيقه إلى مدرسة لحفظ القرآن الكريم وتلاوته، كان يفرح بهما جدا وكان يتوقع لهما مستقبلاً باهراً بكل شيء، لكن للأسف ما كل ما يتمنى المرء يدركه لكن الله سبحانه تعالى رضي عنه بولده محمد المطوع الذي أصبح كما كان يتمنى وأكثر فقد أكمل دراسته وهو الآن قاض بالمحكمة الشرعية يحترمه الجميع ويحبونه لأحكامه العادلة ودماثة أخلاقه وتعاطفه مع المظلومين ومساعدته لهم باحتياجاتهم إن كانت مادية أم معنوية لقد كان عكس شقيقه تماماً ولطالما كلمه ونصحه وأرشده ووجهه رجاه وكاد يقبل يديه أن يتراجع عما يفعله ويتوب توبة نصوحاً إلا أنه طرده من منزله لكن محمد لم يستسلم فبقي وراءه لم يتركه فكان عندما يطرده ويرميه خارجا من الباب يعود من النافذة كما يقولون لكن وهو في قمة عزمه وإصراره وبعدما شعر بأنه سوف يفلح توفي والده فغاب عنه شقيقه طوال فترة الدفن والعزاء وتنفس عبدالعزيز الصعداء فقد تخلص منه ومن كلامه الذي كان يدخل من أذن ليخرج من الأخرى واغتنم الفرصة ليسافر ويقضي إجازة خارج البلاد دامت عدة أشهر لأنه وجد انه في ذاك البلد يجني أكثر مما كان يفعل في بلده وأصبح ينتقل من بلد لآخر وأخذت الأموال تتكاثر بسرعة كبيرة بين يديه حتى انه لم يعد يعرف ما يملك وكان طبعا يغسل الأموال حتى يغطي أفعاله المشبوهة فافتتح شركات بأسماء متعددة منها وهمية ومنها حقيقية وعندما تعب من الترحال عاد إلى بلده وقرر الاستقرار مجددا به ويتزوج من جديد وما أن استقر في منزل جديد حتى رن جرس الباب ودخل شقيقه محمد وقف أمامه مشدوها سأله كيف عرفت عنواني الجديد أجابه أنت تستخف بي جدا يا أخي الحبيب هل تعتقد بأنني لا أراقبك ولا أعرف كل شيء عنك؟ أنت أخي الوحيد ومن واجبي أن أرعاك مع أنك الكبير، وأنا الصغير فقال له عبدالعزيز لكن لا بأس ماذا تريد الآن مني؟ قال أولا وقبل كل شيء أريد أن ألومك لتركي وحدي أتلقى العزاء بوالدك رحمه الله، وكأن لا أخ لي اضطررت أن أكذب على الناس وأقول لهم بأنك مريض وفي المستشفى، أمعقول أن يتوفى والدك ولا تذهب إلى دفنه، قال هو طلب مني ذلك، قال له سبحان الله وكأنك كنت تنفذ كل ما كان يطلبه منك، أليس كذلك، قال هات من الآخر ماذا تريد؟ قال أريدك أن تسأل عن ولدك الذي لا يعرفك، لقد أصبح في الثالثة من عمره وهو يسأل عنك دائماً يقول أين أبي حرام عليك يا أخي، انه ابنك فلذة كبدك يحمل دمك وجيناتك يحمل اسمك إنه سندك في المستقبل، أجابه: أموالي هي سندي أنا لست محتاجاً لأحد لا ابني ولا غيره، ثم إنه سيبحث عني عندما يكبر ويعلم مقدار الثروة التي عندي سوف ترى ثم إنني أرسل له المال بكثرة ولا أدعه يحتاج شيئاً فهو يعيش ببحبوحة لا يحلم بها وليس كما عشنا أنا وأنت بالكاد نحصل على لعبة واحدة في كل عيد . قال محمد: حسناً ما دامت القصة ليست قصة بخل أو توفيراً عنه لماذا لا تحاول أن تراه ألا تشتاق إليه أنت غير معقول أنا لا أصدق من أين أتيت بهذه القسوة كلها فنحن كنا نحب بعضنا بعضاً بقوة عندما كنا في نفس المنزل هل لهذه الدرجة استطاع مالك الحرام أن يبدلك ويجردك من مشاعرك وأحاسيسك، أجابه: تذكر أني أخوك الكبير انتبه لكلامك، قال محمد أنت لم تفسح أمامي المجال لاحترامك أنت من كان يجب أن يكون قدوة لي ثم يا أخي يا حبيبي أريد أن أنبهك بأن أعمالك غير الشرعية سوف تورطك في قصص أكبر منك ستكون كمن وقع في مستنقع ولا يستطيع أن يخرج منه فعين العدالة لا تنام، انتبه فأنا لن استطيع مساعدتك إن أنت وقعت والله أعلم إن كنت أنا من سيكون من يصدر الحكم عليك، صمت عبدالعزيز قليلا قبل أن يقول له افرض لا قدر الله أن الذي تقوله سيحصل فهل تحكم عليّ فعلاً؟ ألن تأخذ بعين الاعتبار أنني شقيقك نظر إليه محمد قائلاً ولا للحظة فأنت ستكون أمامي المتهم بالاحتيال على المساكين والأيتام سأرى أمامي الوحش الذي داس على جثث الناس ليصعد إلى حيث يريد أن يصل وسأحكم عليك بأقصى عقوبة، كن متأكداً من ذلك لكنني ولغاية الآن أنت أخي وأحاول المستحيل أن أساعدك قبل أن يقع الفأس بالرأس أنا نبهتك ونصحتك وأنت حر، لكنني أدعو لك بالهداية كل ليلة اتق الله يا أخي بما تفعله وفعلته وعد إلى رشدك كما أن الله غفور رحيم وقبل التوبة اسمع نصيحتي يا أخي اذهب ووزع مالك على الفقراء والمساكين أعد لكل صاحب حق حقه لعل الله يغفر لك فالحياة قصيرة جداً ولا أحد منا يعرف متى يحل أجله ويقف أمام الله سبحانه تعالى بكل جبروته وعظمته ويحاسبك على أعمالك ولا تنسى قبلها عذاب القبر، من فضلك يا أخي يكفي غضب والدينا عليك إنها وحدها كافية ألا تشم رائحة الجنة لكن الفرصة لا تزال سانحة أمامك لتتبدل وانا معك لن أتركك سوف أساعدك بكل شيء تريده لكن أرجوك قرر أن تتوب وتعود لربك وصلاتك صدقني لن ينفعك مال الدنيا كلها إن أنت مت لا قدر الله وبرقبتك كل تلك الأعمال ولاأريد أن أذكرك بان الأكفان لا مخابئ فيها فمال هذه الدنيا يبقى في هذه الدنيا لم يرحل احد عنها وأخذ شيئاً معه سوى أعماله الصالحة التي تشفع له عند الله عز وجل ثم إنني أريد أن افتخر بأخي الكبير وارفع رأسي به أمام أهلي وأولادي ثم إن خوفي عليك هو ما يدفعني أن أصر عليك كي تتبدل ثم ماذا نفعك مالك يا أخي هل أنت سعيد بحياتك فأنت بلا زوجة ولا أولاد تسكن بهذا القصر الفاخر الفارغ لا تسمع سوى صدى صوتك أهذه هي السعادة بنظرك لو كنت الآن مع زوجتك لكان أصبح لديك عدة أطفال يملؤون المنزل بضحكاتهم ولعبهم تجد زوجتك بانتظارك لتخفف عنك تعبك وهمومك تستقبلك بالترحاب تزوروننا ونزوركم هذه هي السعادة هذه هي الحياة أنا لاأقول لك أن تعيش فقيرا اعمل بشركة من شركاتك فأنت منذ صغرك تحب أن تكون رجل أعمال ناجحاً فأفعل هذا إنما بطريقة قانونية ترضي الله وترضيك ولا تنس يا أخي إن الله يمهل ولا يهمل فقد أطال لك الحبل طويلا ومتى يقطعه لك هذا ما لن تعلمه ثم وقف وقال أنا أنهيت حديثي معك وان اقتنعت من كلامي كان خيراً وأنا سأقول لك ماذا تفعل وان لم تقتنع وأردت أن تكمل هكذا فإنني سأقولها لك بكل غصة وحرقة قلب لكن بصراحة إنها ستكون المرة الأخيرة التي تراني بها ثم اقترب منه وقبله على رأسه قائلاً لا اله إلا الله فأجابه ودموعه تملأ مقلتيه وسيدنا محمد رسول الله، لم يعرف عبدالعزيز طعم النوم تلك الليلة ثم شعر بألم كبير في صدره فاتصل بطبيبه الذي حضر بسرعة ثم اتصل بشقيقه محمد يطلب منه المجيء إليه على الفور فقال له ما الأمر هل تشعر بشيء قال نعم تعال بسرعة من فضلك وصل محمد ليجد سيارة المحامي متوقفة أمام الباب وسيارة أخرى لم يعرفها فأسرع بالدخول وجد عبدالعزيز أصفر اللون والعرق البارد يتصبب منه وبالكاد يستطيع الكلام فقال له بسم الله الرحمن الرحيم ما بك يا أخي فقد تركتك وأنت بأحسن أحوالك قال يبدو أن قلبي بدأ يخونني وكان الطبيب يقيس له ضغطه ويحثه على إنهاء ما يفعله لأن الإسعاف في طريقها إليهم فقال عبدالعزيز أرجوك يا محمد لا تضيع الوقت فقط وقع الأوراق التي مع المحامي سأله ما هي قال الآن وقع وسيخبرك لاحقاً لا وقت للشرح الآن أرجوك ثق بي هذه المرة فقط، وقع محمد الأوراق ووصلت سيارة الإسعاف ونقلته إلى المستشفى وتبعهم محمد بسيارته وهو يدعو الله أن يسامحه ويغفر له، خرج الطبيب والقلق باد على وجهه فقال لمحمد إن شقيقه كاد يموت فقد توقف قلبه مرتين وقاموا بإنعاشه بواسطة الصدمات الكهربائية لكنه بحاجة إلى عملية جراحية مستعجلة لكنها خطرة ونسبة نجاحها لا تتخطى الخمسين في المئة فقال له محمد أجر له الجراحة ودع الباقي على الله .

يقضي عبدالعزيز فترة نقاهة في المنزل بعد أن كاد يموت بين يدي الأطباء لكن الله سبحانه تعالى أعطاه فرصة جديدة كي يكفر عن ذنوبه وكان قبل أن يذهب إلى المستشفى قد كتب كل ما يملك باسم شقيقه (بيع شراء) وطلب منه أن يتصرف بالمال كما يشاء لكنه طلب منه بناء مسجد وسبيل ماء تخليدا لذكرى والديه، أعاد زوجته إلى عصمته وأتت مع ابنه ليكونا معه في أزمته هو الآن يشعر بالراحة لما فعل ويفعل فوقته يقضيه بالصلاة وطلب المغفرة يبكي عندما يتذكر والديه وكيف توفيا وهما غاضبان عليه، إن الله غفور رحيم فهل يشمله برحمته ويغفر له .


منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد

 
أعلى