ينمو الشجر في كف الحجر

STELLA

المحاربين القدماء

إنضم
Oct 24, 2008
المشاركات
9,614
مستوى التفاعل
155
المطرح
على ضفاف أحلامي الضائعه
رسايل :

Open your eyes a little bit Maybe You can see my heart

ينمو الشجر في كف الحجر




من كتاب أرواح وأشباح

للمؤلف : أنيس منصور




الناس يحبون الذين يحبون . ويعطفون عليهم .. ومن هذا الحب والعطف أصبحت للمحبين هذه القصص الكثيرة في حياتهم وبعد وفاتهم .وكثيرا ما وجد المحبون أنفسهم في هذه المحنة بين الوفاء للحب وبين الطاعة للأب أو الأم أو الانحناء أمام المجتمع . والمجتمع أقوى ولكن الحب أبقى . وكثيرا ما تمنى المحبون الموت ، لأنه أرحم من الحياة ، و لأنه يجمع المحبين مرة أخرى وراء هذه الحياة ، وبعيدا عن عيون لا ترحم ، وألسنة لا تشبع منهم .. ولذلك هانت الحياة على المحبين وهان الموت أيضا . لأن الذي يشغل قلوب المحبين هو كيف يلتقون إلي غير نهاية !


_ صحيح كيف يلتقون بعد ذلك ؟
_لا أعرف . ولكني سمعت القسيس يقول ذلك كثيرا
_ وهل صدقت ما يقول؟
_طبعا يستطيع أن يصدق أي شيء آخر
_كيف تقول ذلك وأنت رجل مؤمن ؟
_لأن الإيمان ليس معناه : الإيمان بما يقوله رجال الدين دائما .
_ اذن ما هو الإيمان ؟
_ هو هنا (وأشار إلى قلبه ) وهنا (وأشار إلى عقله) وهنا ( وأشار إلى يده ) وهنا ( وأشار إلى معدته ) وهنا ( وأشار إلى الأرض ) وهنا ( وأشار إلى الشجرة ).
_كنت قد نسيت هذه الشجرة .
_ كيف مع انني أتيت بك إلى هنا لتعرف وتصف ما ترى وتقول للناس ما معنى هذا كله ؟!



وكانا شابين يجلسان تحت أغرب شجرة في انجلترا . شجرة عادية بالنهار . وغير عادية بالليل . والناس يهربون من الطريق إليها ، والنظر إليها ... ويجعلون طريقهم بعيدا عنها .. فالحكايات كثيرة . يقال أنها تتحول إلى ذئب يطارد الناس . ويقال أنها تتحول إلى حصان يدوس الناس . ويقال أن حريقا يشب فيها بلا دخان ولا نار ..
ولكن هذين الشابين يريدان أن يريا بالضبط ما هذا الذي يجري هنا .


إنهما في أغسطس سنة 1595 وفي الهواء دفء وعلى وجه السماء ستائر رقية من السحاب . والأصوات الهامسة في الغابة تتابع الهواء أينما ذهب . ولكن كل شيء هادئ ..
وابتعد الشابان عن الشجرة ليرياها بوضوح .
وفجأة لمس واحد منهما الآخر . لقد اختفت الشجرة . ونظر كل منهما للآخر كأنه يقول : هل ترى ما أرى ؟
ويكون الجواب بكلمة واحدة : نعم


وبعد ذلك بدأت أوراق الشجرة تتساقط ورقة ورقة .. الورقة البيضاء ... تتثنى .. ثم تسبح قليلا في الهواء على أنغام موسيقى لا يسمعها أحد . ولكن حركاتها موسيقية .. أو مرسومة بعناية .. ورقة وراء ورقة حتى تصبح الأرض كلها مفروشة بأوراق مضيئة .. وفجأة يظهر فرع شجرة أبيض وفرع آخر وثالث ورابع .. وتستوي الشجرة في مكانها .. وينفتح قلبها ويخرج اثنان من الشبان .. فتاة وفتى .. يتلامسان .. يتعانقان .. ويخرجان من الشجرة إلى الغابة .. والضوء يتبعهما فاذا اتجهت عينا الشابين إلى ما وراء هذين العاشقين ، اختفى العاشقان .. وإذا نظر الشابان إلى مكان الشجرة ، فإنهما يجدان شجرة عادية . ويهدأ كل شيء .. بل إنهما يسمعان الأشياء كأنها تصرخ .. لا بد أن يكون سبب ذلك هو الخوف الشديد الذي غمرهما ببرودة عنيفة . ويعود الشابان كل إلى بيته .. وفي لحظة يقرر كل منهما أنه لا يستطيع أن ينام وحده فيخرج من البيت ويلتقي الاثنان في منتصف الطريق ليجلسا معا حتى الصباح دون كلمة واحدة !

ويعود الشابان كل يوم إلى هذه الشجرة في الساعة الثامنة والربع من مساء كل ليلة . ويريان ويرجعان ولا يفهمان شيئا . ولكن سبب غريب جدا . لا يرويان شيئا من ذلك لأحد .. ومرض الشابان في وقت واحد .. وجاءهما القسيس . وكان لابد أن يعترفا . واعترفا . وزاد دهشة الناس .
وسألهما القسيس : ولكن أي سر في هذا ؟!
_ لا سر . ولكن وجدت نفسي عاجزا عن ان أقول أي شيء لأي أحد!
_ ولماذا ؟
_ لا اعرف.
ثم يلتفت القسيس ويسأل الشاب الآخر: وأنت ما الذي جعلك تسكت عن هذه المعجزة التي رأيتها كل ليلة ؟
أريد أن أقول . ولكن لا أجد هذه القدرة .. ولا أجد ضرورة لأن أقول شيئا لأن هناك قوة أخرى تمنعني من الكلام . ولا أعرف ما هي ؟
_ وكيف تقول الآن ؟
_ لا أعرف . ربما لأنني سوف أموت . ربما كان هذا هو السر الأخير .. أو كان هذا هو الثمن : إذا قلت مت !
_ وأنت ماذا تختار ؟
_ أن أقول وأموت بعد ذلك ..

ومات الشاب بعد لحظات .
ومات الشاب الآخر بعد صديقه بلحظات !


أما القصة فقد أصبحت معروفة بعد ذلك .. أو كانت معروفة ولكن أحدا لا يجرؤ على الكلام .
القسيس يعرفها . والعمدة . والبلاد في هذه المنطقة من انجلترا . فهم يعرفون ماذا حدث لليدى دوروثي ابنة سير جون سوثورت احد رجال الحاشية في عهد المكلة اليزابيث الأولى (1533_1603) ابنة الملك ادوارد الثامن من عشيقته آن بولين ..
وهذه الملكة اليزابيث كانت قاسية . فيها رجولة صارخة، وفيها أنوثة معقدة . ولكنها قادرة على أن تلعب على كل الحبال السياسية والدينية . وكانت بارعة في اختيار مساعديها . وعندما ذهي سير سوثورت يروى لها أن ابنته ماتت في ظروف غامضة . حزنت الملكة وبكت .. ولكنها روت له بعد ذلك القصة الحقيقية التي تعرفها . فشعر سير جون سوثورت بالخجل الشديد . كيف أنها عرفت أنه هو الذي قتل ابنته ..
ولكن الملكة كانت تعرف وتسكت . فاذا تكلمت قتلت ولذلك كانت مخيفة!



وهذا الرجل سير جون كانت له ابنه اسمها دوروثى .. أحبها شاب من الأغنياء ولكن الأب لا يوافق على هذا الحب بأي حال . مستحيل فهو رجل كاثوليكي . وهذا الشب بروتستانتي . ولا يمكن أن يسمح لشاب بروتستاني أن يحب ابنته . ولا أن تحبه هي .. ومستحيل أن يقترب منها او يتزوجها . أن موتها أهون من أي شيء آخر .
ولكن الفتاة أحبت هذا الفتى . وهما يلتقيان في الغابة سرا تحت الشجرة .وبدأ الناس يتكلمون . ووصل كلام الناس إلى الأب متأخرا . بعد أن أصبح الوهم حقيقة ، والحب تعاقدا على الزواج . والزواج حقيقة ، والأب والمجتمع والدين وهم .
فلا حقيقة إلا الحب . ولا بقاء إلا للمحبين مهما كان الثمن . وتشجع العاشق ، وكل العشاق شجعان وذهب إلى الأب . وفوجئ الأب ودار بينهما هذا الحوار الذي يحفظه الناس كما يحفظون الصلوات :
الشاب : سيدي أنت تعرف لماذا جئت !
الأب : لا أعرف . ولكني أريد أن أعرف . وصبري له حدود .
الشاب : أنا أحب ابنتك . وهي أيضا .
الأب : لا أسمح لها أن تحب . ولا أن تحبها .
الشاب : ولكن الحب أقوى من الجميع .
_ أنا أقوى من الحب . والدين أقوى من الجميع .
_ الدين هو الحب .
_ لا أسمح لبروتستانتي أن يدخل بيتي . وإذا دخله لا أسمح له أن يبقى أكثر من ذلك .
_إنك تحطم قلب ابنتك .
_ قلب ابنتي ملكي وأنا حر فيما أملك .
_ ولكنك لا تملك قلبها .
_ ولا أسمح لأحد أن يعلمني ما يخصني
_ أنت تبني سعادتك على أوهام ..
_و لا أسمح أن يقول لي كلب صغير مثلك هذه الكلمات الطائشة .. ولاشيء يسعدني إلا خروجك فورا
_ سأخرج ولكن يجب أن تعرف أن في ذلك شقاء لقلبين .. وقضاء عليهما .
_ أنت تتحدث عن نفسك .. أخرج يا كلب يا كذاب
_لم أكذب عليك .. إنما أنت الذي تكذب على نفسك .. وتجعل سلطات الأب بلا حدود .. ولكنك سوف تندم .
_ أخرج .. انني أندم فعلا لأنني سمحت لحقير مثلك أن يدنس بيتي ! أخرج !

وخرج . وتحول البيت إلى سجن وأصبح محرما على ابنته دوروثي أن تخرج أو تدخل .. وفكر الأب في أن يدخلها الدير . وكأن ذلك هو الحل السهل لمشاكل القلوب العاشقة . ولكن جاء من يهمس في أذنه ويقول له : بل إذا ذهبت إلى الدير فسوف سيكون اللقاء أسهل . هل نسيت ما فعلته ابنه اللورد .. وابنه الكونت .
ويتذكر الأب أن بنات الدير أكثر حرية من بنات البيوت في ذلك الوقت . وفي كل وقت . ويكتفي الأب بان يسجن ابنته . ولكن كل من في البيت يعطف على الفتاة الجميلة ، التي لم تفعل سوى أنها أحبت ... وكان خروجها من السجن أسهل من أي وقت . وكان البيت كله يتستر عليها ... وكانت الفتاة تلتقي بحبيبها كل ليلة تحت الشجرة.


وعلمت الابنة أن والدها سوف يسافر إلى لندن لبضعة أيام وكانت فرحة . اتفقت هي وحبيبها على الهرب والزواج في أي مكان . وجلسا تحت الشجرة يناقشان كل شيء . واتفقا . وفرقهما الليل . ولكن الفتاة لم تنم . لقد ظلت طول الليل ترتب فساتين الزفاف . وأحست أنها عروس منذ اللحظة التي اتفقا فيها على الزواج . وأقفلت عينيها حتى لا ترى سواه . وضمت يديها إلى صدرها تعانقه . فاذا طلع النهار كانت في غرفتها قد ارتدت ثوب الزفاف . وعندما فتحت بابها ، كانت كل الأبواب مغلقة . فقد أفسحوا لها الطريق . وكانت قلوب الخدم تدق وراء الأبواب وتدعو لها بالسعادة . وخرجت إلى الغابة . وكانت الأشجار هي الأخرى لا تتحرك . كأنها في حالة خشوع . لا صوت . لا همس . لا هواء .. لا شيء . قلبها يدق . كأنه قلب الكون .. وعند الشجرة وجدت حبيبها .. ومعه اثنان من أصدقائه .. اقتربت منه ..أعطته يدها .. وانحنى عليها .. عندما انغرس سيف في قلبه . لقد كان أخوها يختفي وراء إحدى الأشجار وقد سمع اتفاقهما على الهرب والزواج . ولم يكن العاشق يحمل سلاحا ولا صديقاه ولكن أخاها قتل العاشق .. وقتل صديقيه .. وفي الليل دفنت ثلاث جثث . أما الفتاة فأغمى عليها تماما . ولم تفق إلا في اليوم التالي . وعندما أفاقت صرخت . وعندما عرفت ماذا حدث بكت وفقدت وعيها مرة أخرى !

ولا بد أن أخاها قد توهم بفروسيته الزائفه أن هذا العمل العنيف سوف يرضى آباه . وسوف يجعله كبيرا عنده .. وجاء الأب وعرفت الملكة اليزابث وسكتت فهي لا تريد أن تصبغ بالدم هذه العلاقات بين الطوائف الدينية ..
وقرر الأب أن يبعث بابنته إلى الخارج في رحلة نسيان . هو ينسى ولعلها هي تنسى أيضا !
ومضت شهور ولكن الفتاة لم تنس . سافرت إلى فرنسا . وقيل أنها نسيت . وبعث الأب بقريبات لها يعرفن لحالها .. وعادت القريبات وقلن إنها توشك أن تنسى لكنها تريد أن ترى الشجرة وكل شيء سوف ينتهي بعد ذلك!

ووافق الأب . وطلب إلى أحد رجاله أن يرافق ابنته ..
وجاءت الفتاة إلى بيتها.. ثم ذهبت إلى الشجرة . وفي ساعة متأخرة من الليل سمع الأب دقا على الباب ونهض وزجاجة الخمر في يده وهو يترنح ويتساءل : هل انتهى كل شيء .

ويسمع من يقول له : كل شيء يا سيدي !
ويعود الأب يسأل : ولم يبق لها أي أثر؟
_ نعم سيدي .
_ قتلتها ؟
_ نعم.
_ودفنتها ؟
_ نعم .
_ ورآك احد ؟
_ لا أحد .
_متأكد ؟
_ تماما .
_ قتلت ابنتي بيديك .
_ كما أمرتني .
_ بيديك ؟
_ بالسيف .
_ وصرخت ؟
_ لم تصرخ .
_ وكيف كانت عيناها ؟
_ كانتا تنظران في سعادة !
_ في سعادة ؟
_ نعم !
_ ولم تقل شيئا ؟
_ ولا كلمة !
_ ولا ذكرتني ؟
_ أبدا .
_ ولا حملتك رسالة إلى أحد ؟
_ لا شيء من ذلك !
_ ألم تنطق باسمي ؟
_ أبدا .
_ أنها قتلتني .. أنها قتلتني .. لم أقتلها .. ولكنها قتلتني .. ثم سقط الأب وراء الباب .. وهو يقول : كيف قتلتها ؟؟

وراح الخادم يقول إنه أخذها إلى الشجرة . ولم تكد الفتاة ترى الشجرة حتى راحت تعانقها .. وكأن الشجرة تحولت إلى قطعة من النار أو النور .. وانفتحت كأنها باب في حائط مضيء . ثم ألقت بنفسها على الأرض .. ولم يعرف إن كان هو الذي قتلها .. أو كان معه سيف .. أو أنه وجد السيف هناك .. ولكن سقطت على الأرض ودمها ينزف .. ثم دفنها في مكان بعيد ..

ولكن الأب لم يسمع من كل ذلك شيئا .. أنه سقط مغشيا عليه !
ولم يعد الناس يسمعون عن هذه الشجرة ...
مضت عشرات ... مئات السنين .. وفي عام 1901 تحولت هذه المنطقة من انجلترا إلى حقول . ونزعت كل الأشجار ..إلا هذه الشجرة . وسبب ذلك أن هذه الشجرة . قد أحيطت بعدد من الصخور .. وكانت تنبت في كف الحجر .. وحولها أشجار أخرى تنبت في كف الحجر .. وبقيت هذه الشجرة في مكانها والناس يتفرجون عليها ..


وفي أغسطس سنة 1901 جاء شابان إلى هذه المنطقة يرسمان بعض اللوحات .. وجاء الليل ورأى الاثنان أوراق الشجر تتحول إلى قطع من النور . ثم تتحول جذوع الأشجار إلى فتيان وفتيات يتعانقون في خفة ومرح وصمت .. وعد لحظات ينتهي كل شيء !
وفي اليوم التالي جاء الشابان ومع واحد منهما سيف ...
وفي الساعة المحددة خرجت الأضواء من الأشجار .. وعندما أمسك الشاب بالسيف في يده .. لم يجد السيف .. لقد طار وانغرس في قلوب العاشقين واحد بعد واحد وتساقط العشاق على الأرض .. وبقى السيف مكانه ..
ومنذ ذلك اليوم لا يذهب احد معه سلاح إلى هذه الأشجار .. إنها منطقة منزوعة السلاح. أو يجب أن تكون كذلك!
 

ملكة زماني

شاعرة البيلسان العذبة

إنضم
Apr 26, 2009
المشاركات
7,186
مستوى التفاعل
90
المطرح
بين الورود في قلبه
رسايل :

أنا ملكة زماني وقصري كلو ماس

يعطيكي العافية ستيلا

:25:
 

STELLA

المحاربين القدماء

إنضم
Oct 24, 2008
المشاركات
9,614
مستوى التفاعل
155
المطرح
على ضفاف أحلامي الضائعه
رسايل :

Open your eyes a little bit Maybe You can see my heart

الله يعافيكي ملكة


نورتي يا غالية
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

تسجيل حضور
ولي عوده أكيد :22:
 

STELLA

المحاربين القدماء

إنضم
Oct 24, 2008
المشاركات
9,614
مستوى التفاعل
155
المطرح
على ضفاف أحلامي الضائعه
رسايل :

Open your eyes a little bit Maybe You can see my heart

تنيري أين ما حللتي ومتى ما عدتي


لك ودي الكبير
 
أعلى