أدب المؤمن مع الأولياء والصالحين


إنضم
Sep 26, 2014
المشاركات
7
مستوى التفاعل
0
السُؤال :ما الأشياء التي يعرضها الُمريدُ على الشيخ ؟​


الإجِابة :

الذي سيعرضه على الشيخ هي الأمور المهمة التي تحتاج إلى قرار وكذلك الأمور المهمة التي تعترضه في السير والسلوك مثل : ما الأوراد التي يعملها؟ وما هي الأعمال الصالحة التي يعملها؟ وما هو المنهج الذي سيسير عليه؟ هذا كله يلزم أن يأخذه من الشيخ

أما من ليس له منهج فاسمه محب وثلاثة أرباع المريدين محبُّون لأنهم لا يريدون منهجاً ولا يريدون أن يلتزموا بشيء ويظنون أنهم على خير لكن الذي يريد الرقي لا بد له منهج وكلما ارتقى يزداد المنهج مثل الروشتة ويجب أن يأخذ هذا المنهج من الشيخ

أما من لا يريد المنهج ، فكما تعلمون أن النفس تميل للراحة ولذا فإن صاحب هذه النفس يقول في نفسه لماذا : أذهب إلى الشيخ؟ وإذا حدث له أمر مهم يقولون له : لماذا لا تتصل بالشيخ وتستشيره؟ فيقول: لا أريد أن أشغل الشيخ

وذلك لأنه يريد أن يمشي على هواه فالنفس دائماً تسول للإنسان هذه الأفكار ومثل هذا لا تنفع له الترقيات ولكن هذه دورات للترقيات ، فالذي يريد أن يترقى لا بد له من منهج وكل واحد له منهج مختلف عن غيره ، فمثلاً : يوجد منهج عام الكل ماشي عليه مثل لا إله إلا الله والاستغفار والصلاة على حضرة النبي .

ولكن هناك مناهج خاصة للخواص يمشون عليها فمن ليس له منهج كيف يصل؟ والمنهج موجود في كتاب الله قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} المائدة48

هناك شريعة للكل وهناك منهاج للخواص وهناك مجموعة من الآداب التي استخرجها واستنبطها العلماء العاملون ، والصالحون من كتاب الله ، فهناك أدب للمريد مع نفسه : يعني هو في نفسه ، كيف يكون شكله؟ وكيف يكون حاله لكي ينضبط؟ وأدب المريد مع اخوانه ، وأدب المريد مع شيخه

وقد ذكرنا موجزاً لها في كتابنا "أبواب القرب" ، وكذلك هي موجودة في ثنايا كتب الصالحين ولكن بعض المحبين لا يقرأون ويقول أحدهم في نفسه - عن نفسه - أنه بخير ، يطمع أن يكون معنا هناك

لكن الأمر كما قال أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه : " من كان معنا فقه المعنى ومن كان منَّا نال المنى " ، فهناك من هو معنا وهناك من هو منَّا ومن كان منَّا يشاركنا في غنائمنا أما من كان معنا فهو محبٌّ سيكون معنا إن شاء الله رب العالمين

إذن يشاور الإنسان الشيخ في السير والسلوك إلى الله والمنهج الذي يسير عليه وكذلك يشاور الشيخ في الأمور المهمة التى تعترضه في حياته كمن يريد أن يسافر إلى الخارج فيلزم عليه أن يأخذ رأي الشيخ هل يسافر أم لا ؟

وكذا إذا كان سيتزوج يستطلع رأي الشيخ لكي يأخذ رأي البصيرة ويمشي عليه وقد قال العلماء : لا يتزوج ولا يطلق ولا يسافر إلا بعد أن يشاور الشيخ ، لكنه لا يشاور الشيخ مثلاً في الأكل والشراب ولكن في الأمور المهمة فقط أما ماذا يفطر وماذا يتعشى فقد قال الله تعالى في شأنها : {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} الأعراف31

وقد قال صلى الله عليه وسلم : {نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع}

أحياناً يأتي بعض المريدين ويريد أن يحكي بعض ذكرياته كلها - منذ ولادته إلى وقتنا هذا - ماذا يفعل الشيخ بهذا الحديث؟ فليس لديه وقت لذلك ولكنك تختصر الموضوع وتركز على الأمور المهمة

أما إذا كان المريد يريد ترقية وأبطأ عليه الفتح يذهب إلى الشيخ ويقول : له لقد أبطأ عليَّ الفتح فماذا أفعل لكي يأتيني الفتح ؟ وذلك إذا كان يريد الفتح ، والفتح يعني يأتيه علم الإلهام إذا كان فتح علمي أو يأتيه نور في صدره إذا كان فتح نوراني أو يأتيه شيء من الكشف والشفافية إذا كان فتح كشفي أو يأتيه شيء من سماع الحقائق وهي تتكلم ، فتح سمعي أو يكون بصره نافذ في ملكوت السموات

فأنواع الفتح كثيرة وإذا كان يريد الفتح يسأل؟ إما إن كان لا يريد مثل هذا فهو يمشي على اليسير وكفى بشرط أن لا يجعل نفسه شيخاً فمثل هذا الإنسان ليس معه فتح ويريد من الناس أن يلتفوا حوله ويتمشيخ عليهم فما الذي معك؟ وقد قال الحكماء في ذلك :

إذا كان الغراب دليل قوم هوى بهم إلى وادي الخراب

إذا كان رجل أعمى فهل يستطيع أن يقود مبصرين؟ كلا ، فكذلك طريق الله لا بد أن يكون صاحبه على بصيرة ، وهذه هي الأمور التي يشاور الإنسان فيها الشيخ وهي الأمور المهمة لأننا تعاهدنا وأخذنا العهد على أن نعين بعضنا على الله ورسوله

لكن أمور الدنيا فالشيخ نفسه ليس لديه وقت ليرى أمور الدنيا الخاصة به فهل يراها لك أنت؟ فإذا كنت تريد أن تعرضها على أحد إخوانك ليس هناك مانع ولكن بشرط أن تكون على شرع الله وعلى سنة رسول الله

كمثال: يريد أن يعمل مشروعاً والأموال التي معه لا تكفي فيذهب إلى الشيخ ويعرض عليه الأمر فيوافق الشيخ ، فيقول : أريد من فلان كذا و فلان يدفع لي كذا وما شأن الشيخ بذلك؟ إنها أمور دنيوية بينك وبينهم فإذا اشتركتم فيها فعلى شرع الله وتأخذوا على بعضكم الشروط الواجبة لكي لا تضيع الحقوق لأن المعاملة هي التي تفسد العلاقة بين الناس

وكذلك من عنده محل تجارة ويريد للتجارة أن تنتشر فيريد أن يشتري الأحباب منه؟ ليس لي شأن بهذه المواضيع فنحن في التجارة التي لن تبور أما التجارة التي تبور فلا شأن لنا بها ، وطبعاً هذه الأشياء الدنيوية هي التي تشغل معظم المريدين

وكان الإمام أبو العزائم رضي الله عنه في يوم من الأيام كان كل من يأتيه من أجل مصلحة دنيوية أو مصلحة عاجلة أو زائلة وآخر النهار ضرب كفاً على كف وخاطب الحق وقال له: ماذا أفعل لم يسألني أحد عنك اليوم

وهذه هي المصيبة التي نعاني منها فوالله لو وجدت صادقاً في طلبه لله ، لحملت حذائه ولكني لا أجد فكل واحد يقدم المنفعة العاجلة أولاً ، مع أن المنفعة ستأتي إن آجلاً أو عاجلاً ومضمونة بشرط أن تمشي على الجادة

إذا كان الله عزَّ شأنه يرزقُ من غفلَ عنهُ وعصاه فهل يترك من يسلك طريقه ودعاه؟ كيف؟ وقد رأينا الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين لا يوجد منهم من قام بالتكليف إلا وتكفل الله به ، فسيدنا رسول الله فتح بيته وعمل ولائم فسخر الله له السيدة خديجة بتجارتها وأموالها حيث جعلتها للدعوة

وعندما ذهب إلى المدينة تكفَّل به الأنصار ولما كثرت الدعوة وجاء الناس من كل فج عميق فسخر الله له أغنى رجل في اليهود - وكان اسمه مخيرق - وقد جلس مع اليهود قبل غزوة بدر وقال لهم : ماذا تعرفون عن محمد؟ قالوا: صادق ، قال: إذن هيا لنحارب معه ، فقالوا : لا ، قال: سأخرج للحرب معه وأشهدكم أني لو مت فمالي كله لمحمد

ودخل المعركة واستشهد فورث الرسول ماله وجاءته به عناية الله ولم يحتج لأحد بعد ذلك ، وعندما وسعت الدعوة أكثر جاءه ميراث خيبر من الله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الأنفال41

فأغناه الله ، وهكذا انظر لجميع الصالحين تجدهم على هذه الكيفية وسنأخذ شيخنا على سبيل المثال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه ، وكان يدعو إلى الله ولما توسعت الدعوة تفرغ لله ولما كثر الأحباب ، أراد مكاناً للأحباب فجاء رجل من مصر _ وكان برتبة فريق في الجيش وكان من المحبين _ فتبرع بقصر ضخم في أحسن موقع في القاهرة _ في شارع مجلس الشعب _ وقال له : هذا للأحباب ، ومكان القصر الآن حوالي ستة عمارات

وكان الشيخ من عزَّته - عندما جاءه أغنى أغنياء الصعيد في زمانه - وكان اسمه محمد محمود سليمان وكتب له حجة وسجلها بمائة فدان ، وقال له : يا سيدي هذه من أجل الأحباب ، فقال له : يا بني هل أبلغوك أن أبو العزائم محتاج؟ انظر ، وأشار إلى خلفه ، فنظر الرجل فوجد خزانة أكبر من خزانة البنك المركزي مملوءة بالنقود لكي يعرفه الغنى فقد أغناهم الله بفضله عمن سواه

فهل يوجد من يعمل عند كريم ويهضمه حقه؟ فما بالكم إذا كان يعمل عند الكريم عز وجل ، ولكن كل الموضوع أنه ضعف في النفوس وعدم ثقة في المليك القدوس ، ولكن من هو مع الله فلا يحتاج إلا إلى الله جلَّ وعلا ، ويقوم الله بسياسة جميع أمره ولا يكله إلى غيره طرفة عين ولا أقل

فسيدي أبو الحسن الشاذلي لما كلفه الله بالرسالة قال : يا رب ماذا أفعل؟ أتكلني إلى خلقك هذا يطعمني وهذا لا يطعمني؟ قال : يا علي أنفق وأنا الملي إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب

وسيدنا موسى لما كلَّفه الله ، قال: يا رب سأذهب إلى بني إسرائيل هذا يطعمني يوماً وهذا يطعمني يوماً ، قال: يا موسى ألا ترضى أن ندخل كل يوم رجلاً الجنة من أجلك _ أي لأن من يطعمك اليوم ندخله الجنة ماذا تريد بعد ذلك؟ فإذن من يخلص مع الله يكفيه الله جميع شئونه

فإذا كان الشيخ نفسه لا يبحث عن الدنيا فهل نذهب نحن لنشغله بمشاكل الدنيا والدنيا للكل يقول الله فيها: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق

فمن يتق الله حتى ولو كان أبسط رجل مؤمن في هذه الحياة فإن الله لا يكله إلى غيره طرفة عين ولا أقل ، كيف ذلك؟ المفروض أن الكيفية لا تكون موجودة مع المؤمنين فسيدنا إبراهيم وهو يحفر البيت وجد ثلاثة أحجار أول حجر منهم مكتوب عليه: "أنا الله رب البيت أرزق الضعيف من القوي حتى يتعجب القوي "

كأن يقول الواحد مثلاً : فلان هذا كيف يعيش؟ وكيف يكفي أهل بيته مع فقره؟ هل تنظر إلى قدرة الضعيف؟ أم إلى قدرة القوي؟ من ينظر إلى الضعيف ويقول كيف يعيش؟ فنظره قاصر أما من ينظر إلى الرزاق وهو متكفل بالأرزاق فسيرى آيات الله في خلق الله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} الحشر2

فينظر بعين الإعتبار كيف يعيش هذا؟ وكيف يأكل هذا؟ وكيف يهنى هذا أو ذاك؟ لأن القائم بكل هذه الأمور هو الله فما دام الإنسان مع الله يتكفل به مولاه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق3

إذن باختصار فالأمور التي تعترضني في الطريق إذا كنت أريد الفتح أو إذا كنت أجاهد وتعترضني بعض المشاهد أو بعض الأمور التي تتلبس علىَّ أعرضها على شيخي لآخذ رأيه فيها ، سأسير وحدي ولا أستشير إذن لن أستنير وسأقع في شر مستطير ويتملكني الهوى وأدخل في قول أبي العزائم رضي الله عنه: "والجاهل من الأكوان مناه ، وهو يظن أنه يعبد الله "

وهذا ما يقع فيه كثير من الخلق حيث يعبد الله فعلاً ولكن توجد شعبة بداخله للخلق يريد أن يراه الناس أو يريد حب الظهور أو يريد الرياء أو يريد أن يحمدونه أو يريد السمعة كل هذه الأشياء لا بد أن تخرج من قلوب الصديقين لكي يفتح عليهم رب العالمين عز وجل

كيف تخرج هذه الأمراض؟ لا بد أن يتابع الطبيب الحالة وآخذ الروشتة وأنفذ ثم أعرض نفسي على الطبيب إلى أن أتأكد أني شفيت وما علامة الشفاء؟ أن يكون لي فتح في نفسي ، وفتح في قلبي وأن يجمع الله علىَّ بعض الأحباب الصادقين

ومع ذلك لا تغتر نفسي بهم ولا تؤخذ بهم وإنما يعينوني على تبليغ دعوة الله فإذا لم يجمع عليَّ أحد فأطور نفسي وأنظر فى حالي وأظل مع الله إلى أن يفتح عليَّ الله جلَّ في علاه


http://www.fawzyabuzeid.com/table_b...1%C9%20%C7%E1%D5%C 7%E1%CD%ED%E4&id=51&cat=2

منقول من كتاب {رسالة الصالحين}
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجاناً





Book_resalat_elsaleheen.jpg
 

خالد الحريبي

بيلساني نشيط

إنضم
Aug 17, 2016
المشاركات
35
مستوى التفاعل
0
سلمت يمناك على الموضوع القييم
الله يعطيك العافيه
 
أعلى