عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
الدموع الجارية وعورة الجارية
حقيقة , لقد مللنا التحريف والتخريف , وعافت نفوسنا التزوير والتدوير , كفاكم طمسا للحقائق وفبركة للتاريخ . كيف يمكن لأحدهم ,عربي 48 وُلد مسلما وسار على نهج ماركس ولينين , ابتداء مقالته " في خطاب الاصوليات الاسلامية ومحاولات تجديد الفكر الاسلامي " بـ " في الوقت الذي تتصاعد فيه الهجمة الاستعمارية الغربية على البلدان والشعوب العربية الإسلامية، الرامية إلى هدر طاقات وكنوز العالم العربي " ويدافع عن العلمانية أو بالأحرى يهاجم الإسلام . أليست هذه القوى الاستعمارية الغربية هي هي الدول العلمانية , التي تفاخرون باعتناق أفكارهم وقيمهم ( إن كانت لديهم ) . ثم يستطرد الكاتب " يزداد الصراع بين قوى النور والخير وأنصار التقدم والتمدن والتحرر والتنوير والعقلانية والإبداع والتجديد الحد اثوي، وبين القوى الظلامية المتطرفة وأنصار السلفية والأصولية المتزمتة الرافضة للاجتهاد والتأويل ومواكبة روح العصر والتطور الحضاري، والمؤمنة بضرورة التطبيق الصارم للشريعة الإسلامية." . قوى النور والتحرر والتقدم والإبداع وأنصار التقدم , عجبا , هؤلاء الاستعماريين كما تقول هم دعاة التحرر , الذين يسرقون مقدّرات البلاد الإسلامية , هم قوى النور والخير , هؤلاء الذين يقتلون الأطفال في غزة والبوسنه وصربيا في افغانستان والعراق هم دعاة التحرر والتقدّم . لقد كانت أوروبا كل أوروبا , تعيش بالمغارات في ظلام دامس وجهل مستشري , عندما كان الدولة الإسلامية يشعّ منها نور الدين وضوء العلوم , لسنا نحتاج يا عزيزي إلى حركة لإصلاح الدين , لأن الدين لم يفسد , إنما نحتاج لحركة لإصلاح الأفهام , لأن العقول والقلوب هي التي فسدت.
أعجب وأندهش عندما أقرأ " دفع الخطاب الديني الراهن إلى مساحات عقلانية جديدة تدعم أسس التطور للمجتمعات العربية الإسلامية " . أقول , إذا كان على الأرض خطاب عقلاني راقي متحضّر , فهو الخطاب الديني الإسلامي , " وادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " " وجادلهم بالتي هي أحسن " والكثير الكثير غيرها من الآيات المحكمات والأحاديث النبوية الشريفة , هل الدين الإسلامي هو سبب التأخّر للبلدان العربية ومجتمعاتها ؟! وهل الخطاب الإسلامي في مساحات الجنون , أليست هذه قمة في الإضلال والتضليل ؟! لم أقرأ سطرا واحدا لأحد العلمانيين إلا وبه إما تحريف أو تزييف أو افتراء أو ابتداع أو أو أو ......
بودّي أن أحيطكم علما بأننا على علم بوجود كتب التاريخ وأعلمكم أننا نعرف القراءة , هل أنتم تعلمون؟! ألم يقل الشاعر :
" إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة وإن كنت تعلم فالمصيبة أعظم "
لهذا ... ما يحيّر العقل والفكر في شأن العلمانيين , جماعة الشغب الثقافي , والتفلّت الأخلاقي , أن مشاغباتهم تكون عادة في مغامرة من اللغو الذي لا طائل تحته , مظهرين أنفسهم أبطال الحرية , أبطال وهميين , ليس ورائهم موقف نافع , ولا نقد بنّاء ولا كلمة حق أمام سلطان جائر , لم ينصروا مظلوم من ظالم , بل ناصروا الظالم على المظلوم , ألا ترون ؟! في أي كوكب تعيشون ؟! وتبغون أن تصيروا أبطالا ؟!
هناك القاطع من الأدلّة والبراهين , على أن الهجوم ـ ليس صراعا ـ الذي يشنّه العلمانيون على الشريعة الإسلامية ليس سببه الجدل حول مواقف الإسلام من التقدم الحضاري والحرّية والديمقراطية , ولا العلوم العصرية النافعة ولا النظرة الكونية ـ كما قال أحدهم ـ وهي العلوم التي تدور في فلك علوم الطبيعة واكتشافها , واختراع ما يفيد الإنسان وتعتمد على النهج التجريبي الذي أسسه العلماء العرب حين علّموا علماء الأندلس ـ هذا تاريخنا وإن لم يعجبكم ـ لأنه لا تعارُض بين الشريعة الإسلامية وبين هذه العلوم النافعة , بل إن الشريعة الإسلامية تدعو لتلك العلوم وتحضّ عليها , وكلما كان العلم ملتزما بالإسلام كان أزكى عقلا وأعظم نفعا . " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق " العنكبوت 20 أي جاهل بعد هذا يقول إن الشريعة الإسلامية تتخوّف من العلوم الكونية وكل هذا الهراء , وهناك المئات من الآيات التي تحثّ على العلم , أليس العلم في الشريعة الإسلامية فرض على كل مسلم ومسلمة ؟!
إن المعادين للشريعة الإسلامية وتطبيقها ومن ثم للتيار الإسلامي , هم قلّة من تجّار الكلام ما يفلحون به , الكلام المستمر , الممل المكرر , يتفننون بالسخرية والاستهزاء بالدين وأحكام الشريعة , متفاخرين بأنهم أصحاب مبدأ وقلم يدافعون عن التقدّم والعصرنة .
إن فتّشت في تقدميتهم وعصرنتهم وجدت ناعورة تدور حول الدفاع عن كاتب طعن في القرآن الكريم ليس لأنه اكتشف ما يحرّم القرآن اكتشافه , بل لأن المفكر الفذّ التقدمي المتعصرن لم يَرُق له البعث بعد الموت , لأنه تربى في بلاد غربية وتتلمذ في مدارسها وتلقى ثقافة ألإلحاد , فغُرس في قلبه أن الأيمان بالغيبيات هو السخف بعينه ولا يتناسب مع القرن العشرين ولا الواحد والعشرين والعصرنة . كما تدور حول الدفاع عن حرية بيع كتب الجنس الرخيص، أو ألأفلام الزرقاء، أو احترام رأي يدعو إلى اعتبار الرقص بين الجنسين اكتشاف عصري مذهل يعبر عن تقدم الدولة والأمة , ونحو ذلك من القضايا في هذا المستوى أو دونه , فلا جرم أن ينصبوا العداء للإسلام والشريعة الإسلامية . إن العلمانيين العرب , أهدروا وأضاعوا جهدهم وأوقاتهم في اختلاق صراع مع الدين ولكن دون فائدة , وإن نردّ عليهم , خوفا من افتتان الناس بهم لتفننهم في صنعة التحريف والتدوير والتزوير , أما الاكتشافات العلمية والاختراعات أيها العلمانيين العرب , لا ناقة لكم فيها ولا جمل , ولا حتى تحسنون أن تضيفوا عليها شيئا نافعا لأنها ليست صنعتكم , ولو أنها كانت كذلك لحجزتكم عن مشكلة الفراغ التي جعلتكم تجار كلام بالجملة . لقد انشغل العلمانيون العرب بمعاداة دينهم متوهمين أنهم الأبطال الذين يخوضون معركة ضد التخلّف ويقودون الناس للنور والمستقبل والتقدم والتحرر متوهمين بإنقاذهم الأمّة من قوى " الظلام " التي اضطهدت غاليليو .
قرأت مقالا لأحدهم يتباكى فيه على العلماء , كما وصفهم ,الذين قُتلوا لأنهم صرّحوا بمعتقداتهم , وينادي لإنقاذ الأمة من اضطهاد العلماء والمفكرين , الحلاج والسهروردي وابن عربي , إنهم حفنة من الزنادقة والسحرة , لم يحسنوا سوى الدعوة للإلحاد , ويعدّهم العلمانيون طليعة التفكير الحر في التاريخ الإسلامي" لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " .
قلت في نفسي , لا تحزن أيها المخترع الفذّ ولا تقلق , فمتى قررت أن تكون عالما كالخوارزمي إلى السموأل في علوم الجبر وابن الهيثم في البصريات وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية وابن سينا وغيرهم وكل من عمل بالنافع من علوم الطب والجغرافيا والفلك , فلن يمسّك سوء, كما لم يمس بسوء أي من العلماء حتى وإن كانوا من غير المسلمين , بل هيّئت لهم أجواء حرية البحث العلمي , ولكن مصيبتنا معكم , إنكم لا تحسنون إلا استيراد ومحاولة تسويق مبادئ وأفكار ونظريات قد عافها واضعوها وإما فشلت في بلادها , هكذا نحن العرب لا نستورد إلا ما فسد من الطعام والمبادئ والنظريات , مستوردات قد أكل الدهر عليها وشرب وغسل يديه من عفنها . إنكم لا تحسنون إلا السخرية من الدين والشريعة وحجاب المرأة , أعرف أنكم تريدون المرأة بما قل من الملابس , وتعدون هذه علومكم الباهرة التي تخافون على أنفسكم الشريعة بسبب اكتشافها !
إن العلمانيين العرب , لا يرفعون ولا يزيدون على استنساخ المتناقضات في الغرب , موطن العلمانية , الذي انبهر وصفّق لنجيب محفوظ على روايته " أولاد حارتنا " وهلّل لنصر أبو زيد لاستهزائه باليوم الآخر ومجّد سلمان رشدي وطه حسين وسائر الأذناب , متهما إياهم بالعلم والفكر والحرية وهم براء منها , ثم هذا هو الغرب العلماني بأمريكته وأوربته , الذي يدّعي الحرية والتنور والتقدم والديمقراطية إلى آخر هذه المصطلحات التوهيمية , قتل مئات الآلاف من أطفال العراق ويسحق بدعمه للكيان الصهيوني شعبا بأكمله , وينفق على التسلّح لإرهاب العالم آلاف المليارات ويلقي بملايين الأطنان من المنتجات الغذائية للسحق حفاظا على أسعارها , بينما تموت الشعوب التي هم أنفسهم يسرقون كنوزها ومقدراتها , من الجوع وينادي بعد ذلك بحقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة , فعلا إنه العالم المتحضّر .
وخلاصة وصف العلمانيين , أن الغرب أرادهم أحرارا ليطعنوا بدينهم , وأرادهم عبيدا له فيما سوى ذلك , فكانوا كما أراد في كلا الحالين ويتجرؤون علينا بالمفاخرة بأنهم أبطال الحرية .
عمر رزوق
أبوسنان
أبوسنان