العثمـــــــــانيــــــــــــون

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

الدولة العثمانية (15) : سـليـم الأول ( 918 - 926هـ )

بعد أن تنازل بايزيد لابنه سليم عن الحكم بدعم الانكشارية ، أرضى السلطان سليم الانكشارية وتوجه إلى آسيا للتخلص من إخوته الذين ينازعونه السلطة أو لا يرضون به سلطاناً ، فتعقب أخاه أحمد إلى أنقره ، وقبض عليه بعد جهد ، وقتله ، ثم سار إلى ولاية صاروخان وتتبع أخاه الآخر كركود ففر منه ، وبعد البحث عليه تمكن منه وقتله ، وأخذ خمسة من أولاد إخوته في بورصة وأمر بقتلهم ، واطمأن بعدها - حسب قناعته - من المنافسة الأسرية. وكان قد عين ابنه سليمان حاكماً على استانبول ليتفرغ لأموره التي في رأسه.
انتقل بعد ذلك إلى أدرنة فوجد سفراء البندقية ، والمجر ، وموسكو ، وسلطنة مصر ينتظرونه ، فعقد معهم معاهدات حيث يريد أن يتفرغ إلى ما يخطط له.
إن السلطان سليم ذو شخصية قوية ، وهو عسكري بفطرته ، لذا كانت نظرته إلى القضايا كلها من وجهة نظر عسكرية ، فيرى أن الأمور المستعصية لا تحلها إلا القوة ، وهذا ما جعل العسكريين يحبونه ، ويعملون على تسلمه السلطة.
إن سياسة الدولة العثمانية في زمن السلطان سليم الأول سارت على هذه الأسس ألا وهي القضاء على الدولة الصفوية الشيعية ، وضم الدولة المملوكية ، وحماية الأراضي المقدسة ، وملاحقة الأساطيل البرتغالية ، ودعم حركة الجهاد البحري في الشمال الأفريقي للقضاء على الأسبان ، ومواصلة الدولة جهادها في شرق أوروبا . وهذا تفصيل هذه الخطة :
رأى السلطان سليم أن دولته قد أصبحت أقوى الدول الإسلامية آنذاك ؛ لذا عليه أن يقوم بالمهمة الملقاة على عائقه في توحيد أبناء الأمة المسلمة. ورأى أن الأندلس قد سقطت بيد النصارى الأسبان ، ولم تعد هناك فائدة للضغط على أوربا من جهة الشرق للتخفيف عن المسلمين في الغرب.
ورأى أن أوربا النصرانية لا يمكن مواجهتها إلا بالمسلمين كافة ؛ لذا يجب أن يخضع المسلمون لدولة واحدة ، ولا شك أن يفكر في أن هذا الخضوع يجب أن يكون للعثمانيين بصفة أن دولتهم أقوى الدول الإسلامية القائمة يومذاك ، ورأى أن دولة المماليك قد ضعف أمرها ، ولم تتمكن من تأدية دورها في مواجهة البرتغاليين الذين قدموا على المسلمين من الجنوب ، وأن الخلافة العباسية في مصر ليست سوى خلافة صورية يتصرف بها المماليك كيف يشاءون.
ورأى أن البرتغاليين يهددن العالم الإسلامي من جهة الجنوب ، ويهددون باحتلال المدينة المنورة ، وأخذ رفات النبي الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وعدم تسليمها حتى يتخلوا عن القدس للنصارى ، وقد عجز المماليك عن مقاومتهم ، وفوق هذا فإن هؤلاء البرتغاليين قد وجدوا لهم أعواناً بين المسلمين أنفسهم إذ طلب الصفويون من البرتغاليين أن يشكلوا حلفاً ضد العثمانيين بل ضد أهل السنة من المسلمين ، ورأى أيضاً أن موقف الصفويين في الخليج ضد البرتغاليين كان موقفاً فيه كثير من الميوعة.
ورأى أن الصفويين بعامل الخلاف المذهبي بينهم وبين العثمانيين قد بدؤوا يتحرشون بالعثمانيين من جهة الشرق ، ويحاولون التوسع ، كما يعملون على نشر المذهب الشيعي ، فقد دخل الشاه إسماعيل الصفوي ديار بكر ، وجعل عاصمته تبريز القريبة ، وطلب من المماليك التحالف معهم ضد العثمانيين للوقوف في وجه توسعهم. كما ساعد الأمير أحمد ضد والده السلطان بايزيد الثاني ، ثم ضد أخيه السلطان سليم ، فلما تمكن السلطان من أخيه كان لا بد من ضرب من كان يعاونه.
أولاً : محاربة الدولة الصفوية الشيعية :
أمام هذه المرئيات وحسب طبيعته العسكرية ، وجد أن يحسم الأمور بالعمل العسكري ، وقرر أن يسير نحو الصفويين ليأدبهم ويبعدهم عن البرتغاليين ، ثم يتحالف مع المماليك ليقفوا معاً في وجه البرتغاليين ، فإن أبي المماليك التفاهم احتل بلادهم ، ووقف أمام البرتغاليين يجاهدهم وخاصة أنها حرب صليبية واضحة ، يتابع البرتغاليون من خلالها المسلمين بعد أن أخرجوهم من الأندلس. في الوقت نفسه يكون قد قطع مرحلة في توحيد المسلمين بضم أجزاء واسعة إلى دولته ، وكلها أقسام من بلاد المسلمين ، وربما شجعه على ذلك ضعف دولة المماليك ، وخوف السكان من البرتغاليين ، وسمعة العثمانيين التي ارتفعت في نفوس الأهالي ، وأمل المسلمين في قدوم السلطان العثماني لمنازلة البرتغاليين.
اتجه السلطان سليم من أدرنه على رأس جيش عظيم باتجاه الصفويين ، وكان قد أحصى الشيعة الذين في شرقي الدولة لأنهم سيكونون أنصاراً للصفويين ، وأمر بقتلهم في شرقي الدولة لأنهم سيكونون أنصاراً للصفويين ، وأمر بقتلهم جميعاً ، ثم تقدم نحو تبريز عاصمة الصفويين الذين أرادوا خديعته بالتراجع المخطط حتى إذا أنهك الجيش العثماني انقضوا عليه ، وبقي السلطان في تقدمه حتى التقى بالجيش الصفوي في ( جالديران ) جنوب مدينة قارص في شرقي الأناضول وكانت معركة عنيفة بين الطرفين في الثاني من رجب عام 920 ، انتصر فيها العثمانيون ، وفر من الميدان الشاه إسماعيل الصفوي ، وبعد عشرة أيام دخل السلطان تبريز ، واستولى على الخزائن ، ونقلها إلى استانبول ، وتتبع الشاه ، ولكن لم يتمكن من القبض عليه ، وأقبل فصل الشتاء ببرده في تلك المرتفعات فاشتد الأمر على الجنود العثمانيين ، وبدا تذمرهم ، فترك السلطان المنطقة ، وسار نحو مدينة أماسيا حتى انتهى فصل الشتاء ، رجع السلطان إلى أذربيجان ففتح بعض القلاع ، ودخل إمارة ذي القادر ، وترك الجيوش العثمانية تنفذ المهمة التي أعطاها لها ، وعاد إلى استانبول ، فقتل كبار الضباط من الانكشارية الذين أبدوا تذمرا من التقدم بسبب البرد كي لا تتكرر الحادثة. وكانت الجيوش العثمانية قد دخلت أورفة ، والرقة ، وماردين ، والموصل.
ثانياً : ضم دولة المماليك :
بعد الحرب التي شنها السلطان سليم على الصفويين بدأ يستعد لحرب المماليك الذين تحالفوا مع الصفويين على العثمانيين ، والذين يختلف معهم بشأن إمارة ذي القادر على الحدود بين الطرفين ، والتي قاعدتها مرعش ، كما أن المماليك وقفوا مع بعض الأمراء العثمانيين الفارين من وجه السلطان سليم ، كما كان الموقف السلبي للدولة المملوكية في وقوفها المعنوي مع الشاه إسماعيل الصفوي ، وشجعه على هذه الحرب وجهاء الشام الذين خافوا البرتغاليين ، ولم يجدوا في المماليك القدرة على المقاومة ، مع الظلم الذي كان يمارسه الممالك ضد أهل الشام ، وبروز العثمانيين كقوة ضخمة اكتسحت أجزاء من أوربا .
ولما علم سلطان المماليك( قانصوه الغوري ) الملك الأشرف أبو النصر سيف الدين استعداد السلطان سليم لغزو بلاد المماليك أرسل إليه رسولاً يعرض عليه وساطته للصلح بين العثمانيين والصفويين ، غير أن السلطان سليم بطبيعته العسكرية طرد الرسول وأهانه ، لأنه قرر الحسم العسكري.
سار السلطان سليم بجيشه نحو بلاد الشام ، واستعد للسلطان الأشرف قانصوه الغوري ، واتجه نحو الأناضول ، والتقى الطرفان في مرج دابق شمال غربي مدينة حلب ، وكان السلطان العثماني قد اتصل بولاة الشام ومناهم ، أو التقوا به ، وتقربوا إليه ، وعندما التحم الجيشان يوم 25 رجب من عام 1922 ، انفصل ولاة الشام بمن معهم وانضموا إلى العثمانيون فانتصروا ، وهزم المماليك رغم شجاعة السلطان الأشرف والجهد الذي قدمه ، وثباته في المعركة حتى قتل.
دخل السلطان سليم حلب ، وحماه ، وحمص ، ودمشق دون مقاومة بل بالترحيب في أغلب الأحيان ، وأبقى ولاة الشام على ولاياتهم حسبما وعدهم ، بل زاد في مناطق نفوذ بعضهم حسبما بذلوا في ميدان مرج دابق ، واتجه إلى مصر ، بعد أن قابل العلماء وأكرمهم ، وأمر بترميم مسجد بني أمية بدمشق ، وقد عين جانبرد الغزالي على دمشق ، وفخر الدين المعني على جبل لبنان ، وهو من الدروز ، وقد ساعد السلطان سليم ، ووقف إلى جانبه بعد أن ترك المماليك ليحصل على الولاية ، وهو من ألد أعداء العثمانيين وما يحملونه من أفكار إسلامية.
كان المماليك في مصر قد اختاروا سلطاناً جديداً هو خليفة قانصوه الغوري ويدعى ( طومان باي ) ، وقد أرسل إليه السلطان سليم يعرض عليه الصلح مقابل الاعتراف بالسيادة العثمانية على مصر ، غير أن طومان باي رفض ذلك ، واستعد للقتال ، وكان السلطان سليم بيكي في مسجد الصخرة بالقدس بكاء حاراً وصلى صلاة الحاجة داعياً الله أن يفتح عليه مصر ، وتحرك نحو مصر وقطع صحراء فلسطين ، والتقى الطرفان عند حدود بلاد الشام فهزم المماليك ، ودخل العثمانيون غزة ، وفي اليوم الأخير من عام 922 التقى الطرفان في معركة ( الريدانية ) على أبواب القاهرة ، وانطلق طومان باي مع كوكبة من فرسانه إلى مقر السلطان سليم ، وقتلوا من حوله ، وأسروا الوزير سنان باشا ، وقتله طومان باي بيده ظناً منه أنه السلطان سليم ، ورغم الشجاعة التي أبداها المماليك ، والمقاومة التي أظهرها المقاتلون فإن العثمانيين قد انتصروا عليهم لتفوقهم بالمدفعية ، وفي 8 محرم 923 دخل العثمانيون القاهرة. وانطلق طومان باي إلى جهات الجيزة يقاتل العثمانيين ، غير أنه قد سقط أسيراً بأيديهم ، وقتل في 21 ربيع الأول 923.
ثالثاً : انتقال الخلافة :
بقي سليم في القاهرة ما يقرب من شهر وزع خلالها الأعطيات، وحضر الاحتفالات ، ويقال أنه قد تنازل له الخليفة العباسي محمد المتوكل على الله عن الخلافة ، وسلمه مفاتيح الحرمين الشريفين ، فأصبح السلطان العثماني منذ ذلك اليوم خليفة للمسلمين ، ولكن الواقع التاريخي يقول : إن السلطان سليم الأول أطلق على نفسه لقب ( خليفة الله في طول الأرض وعرضها ) منذ عام 920هـ 1514م ، أي قبل فتحه للشام ومصر وإعلان الحجاز خضوعه لأل عثمان. والحق أن صدق العثمانيين وجهادهم وكونهم مقصد المسلمين الذين يتطلعون لمساعدتهم من هجوم البرتغال هو الذي أكسبهم هذه المكانة ، ولم يكن السلطان سليم مهتماً بلقب الخلافة وكذلك سلاطين آل عثمان من بعده وأن الاهتمام قد عاد بعد ضعف الدولة العثمانية .
رابعاً : خضوع الحجاز للعثمانيين :
كما جاءه محمد أبو نمي بن الشريف بركات شريف مكة، وأعلن له الطاعة.
وسافر الخليفة العثماني من مصر متجهاً نحو الأناضول عن طريق الشام ، وقد عين حاكماً على مصر خير بك ، وترك عنده حامية من الانكشارية ، واصطحب معه الخليفة العباسي المتنازل أو المخلوع ، ومر على دمشق ، وأقام فيها مدة ، بنى خلالها الجامع على ضريح محيي الدين بن العربي ، ومر على حلب وأقام بها شهرين ، ثم سافر إلى أدرنه ، وهناك جاءه سفير أسبانيا من أجل السماح لنصارى الأسبان بزيارة بيت المقدس مقابل مبلغ بدفع له سنوياً ، كما كان الأمر مع المماليك ، وبدأ يستعد لمحاربة الصفويين غير أنه توفي في 9 شوال عام 926.
التاريخ الإٍسلامي لمحمود شاكر 8/99 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي 291
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

الدولة العثمانية (16) : سليمان القانوني (926- 974 هـ )

ولد سليمان عام 900 في مدينة طرابزون، ونشأ محباً للعلم والأدب والعلماء والأدباء والفقهاء ، واشتهر منذ شبابه بالجدية والوقار، وتولى الخلافة بعد وفاة أبيه عام 926 وعمره 26 عاماً ، وكان متأنياً في جميع أموره ولا يتعجل في الأعمال التي يريد تنفيذها بل كان يفكر بعمق ثم يقرر وإذا اتخذ قراراً لا يرجع عنه، وفي عهده بلغت الدولة أوج قوتها واتساعها.
الفتن الأربعة الأولى
ما أن شاع خبر وفاة الخليفة العثماني الأول حتى أعلن جانبرد الغزالي حاكم الشام تمرده ، واتصل بخير بك حاكم مصر ليكون نصيره فراوغه ووعده ، وفي الوقت نفسه اطلع الخليفة الجديد على مراسلاته له. وسار الغزالي ليأخذ حلب وألقى الحصار عليها ، وهو في حصاره لها وصلت إليه الجيوش العثمانية فترك الحصار ، وأسرع إلى دمشق ليتحصن بها ، فلحقته الجيوش وحاصرته فيها ، فخرج يريد القتال يوم 17 صفر 927 فانهزم جنده ، وفر هو متنكراً ، ولكن أخذه بعض أعوانه وسلمه إلى فرحات باشا قائد الجيوش العثمانية فقتله.
وحاول أحمد شاه الخائن في مصر التمرد وكان طامعاً في منصب الصدر الأعظم ولم يفلح في تحقيق هدفه وطلب من السلطان أن يعينه والياً على مصر فعينه ، وما إن وصل لمصر حتى حاول استمالة الناس وأعلن نفسه سلطاناً مستقلاً إلا أن أهل الشرع وجنود الانكشارية قاموا ضده وقتلوه.
والتمرد الثالث قام به بابا ذو النون في منطقة يوزغاد حيث جمع مابين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر وفرض الخراج على المنطقة وقويت حركته إلا أنه قتل وأرسل رأسه إلى استانبول.
وحاول الشيعة مرة ثانية في تمرد رابع ضد الخليفة بقيادة قلندر جلبي في منطقة قونية ومرعش وكان عدد أتباعه ثلاثون ألف شيعي قاموا بقتل المسلمين السنة في المنطقتين ، وجعل شعاره أن من قتل سنياً واعتدى على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب. إلا أن بعض قواده انقلبوا عليه وقلت قواته وهزم وقتل.
وأرسل الخليفة رسولاً إلى ملك المجر يطالبه بدفع الجزية ، فقتل الملك الرسول ، وعندما وصل الخبر إلى الخليفة جمع جيشه ، وسار على رأسه لقتال المجر ، ودخل مدينة بلغراد بعد حصار قصير ، وغادرتها الجنود المجرية.
فتح جزيرة رودس وعاصمة الأفلاق والقرم
وكانت جزيرة رودس مشاكسة وحصناً حصيناً لفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يقطعون طريق الحجاج الأتراك للحجاز ، وكانت تقوم بأعمال عدوانية موجهة لخطوط المواصلات البحرية العثمانية فاهتم السلطان بفتح الجزيرة في 2 صفر عام 929 مستغلاً انشغال أوربا بقضاياها الخاصة واختلافاتها فيما بينها كي لا تساعد رهبان هذه الجزيرة الذين يسيطرون عليها ، وقد انتقل هؤلاء الرهبان إلى جزيرة مالطة.
أصبحت شبه جزيرة القرم ولاية عثمانية ، وكانت من قبل ولاية يحكمها التتار من فرع القبيلة الذهبية ، ثم وقع الخلاف بين حكامها فتدخلت الدولة العثمانية في شؤونها ، ولكن بقيت الفوضى قائمة حتى ضمتها إليها عام 939.
وفي عام 931 أرسل جيشاً استولى على عاصمة الأفلاق ، وأخذ أميرها إلى استانبول ، وكانت من قبل تعترف بالسيادة العثمانية ، وتدفع الجزية. ولكن الأعيان ثاروا على ذلك بمساعدة أمير ترانسلفانيا وعينوا أميراً جديداً فوافق السلطان مقابل زيادة في الجزية.
قتال المجر وحصار فينا
وقد رغب ملك فرنسا في التحالف مع العثمانيين كي يحاربوا المجر التابعة لملك النمسا شارلكان الذي تحيط أملاكه بفرنسا من كل جهة إذ كانت تتبعه إسبانيا ، وهولندا ، وإمارتا جنوه وفلورنسا ، وصقلية ، وجزر البالئار ، وفي الوقت نفسه يعد إمبراطوراً لألمانيا ، لذا فقد أرسل ملك فرنسا سفيراً للخليفة العثماني في هذا الشأن ، ووعده الخليفة بذلك ، وفعلا فقد سار الخليفة عام 932 على رأس مائة ألف مقاتل إضافة إلى ثمانمائة سفينة انطلقت في نهر الدانوب ، وقد جعل قاعدته مدينة بلغراد. وأحرز الانتصار ، وقتل ملكهم لويس ، ودخل بعدها العاصمة (بودا) في 3 ذي الحجة عام 932 ، وعين أمير ترانسلفانيا (جان زابولي) ملكاً على المجر ، ورجع بعدها إلى استانبول .
غير أنه في العام التالي 933 ادعي الأمير فرديناند أخو ملك النمسا شارلكان أحقيته بملك المجر ، فسار إليه عام 935 ، وحاصر (بودا) ، وفر منها فرديناند متجهاً نحو (فيينا) ، وألقى الحصار على المدينة ، وأمر بالهجوم عليها في 20 صفر 937 بعد أن أحدث ثغرات في أسوارها ولكنه لم يقو على اقتحامها إذ نفدت ذخيرة المدفعية ، وداهمه فصل الشتاء البارد فقرر فك الحصار والعودة.
وفي العام التالي 938 أرسل ملك النمسا جيشاً لدخول (بودا) غير أنه عجز عن ذلك أمام مقاومة الحامية العثمانية. وعاد الخليفة نحو فيينا عام 939 إلا أنه رجع من الطريق لما علم من استعدادات شارلكان الدفاعية.
وجاءت سفن بحرية تابعة لشارلكان والبابا واحتلت بعض المواقع في شبه جزيرة الموره اليونانية والتابعة للدولة العثمانية. وبعد ذلك وقعت معاهدة بين النمسا والخليفة العثماني.
وفي عام 941 اتجه العثمانيون نحو تبريز فدخلوها ثانية ، وجاء إليها الخليفة إثر ذلك ، وسار منها نحو بغداد ففتحها في العام نفسه.
العمل العثماني في بلاد المغرب
كان البحار المشهور خير الدين وأخوه عروج نصرانيان من إحدى جزر بحر إيجه ، ويعملان في القرصنة البحرية ، ثم هداهما الله إلى الإسلام فأسلما ، ودخلا في خدمة السلطان محمد الحفصي في تونس ، وكانا يعترضان السفن النصرانية ، ويأخذان ما فيها ، ويبيعان ركابها وملاحيها رقيقاً ، وقد أرسلا للسلطان العثماني سليم إحدى السفن التي أسروها فقبلها منهما ، وأجزل لهما العطاء ، فقويت نفسيهما ، وعندما جاء السلطان سليم إلى مصر أرسلا له رسولاً يعلن له خضوعهما للدولة العثمانية.
واستطاع عروّج أن يستولي على مدينة الجزائر ، وأن ينتصر على جيوش شارلكان التي أرسلها لمحاربة عروّج ، كما استولى على مدينة تلمسان غير أنه قتل في إحدى حروبه مع الإسبان ، وأرسل خير الدين بعد ذلك رسولاً إلى الخليفة العثماني سليم الأول وكان لا يزال في مصر يعلمه أنه قد فتح مدينة الجزائر باسم الخليفة ، فأصدر الخليفة أمراً يقضي بتعيين خير الدين والياً على إقليم الجزائر ، وأعطاه رتبة (باشا) ، وبذا أصبحت الجزائر ولاية عثمانية.
وكان الإسبان قد أخذوا طرابلس الغرب من بني حفص عام 916 ، وبنزول الإسبان في طرابلس شعر السكان بالخطر الصليبي يتهددهم ، فأرسلوا إلى الخليفة العثماني سليمان الأول وفداً عام 926 يستغيثون به ، فأخذهم بقوة صغيرة بإمرة مراد آغا الذي نزل شرق طرابلس ، وسار لحصارها ، لكنه لم يتمكن من فتحها ، وجاءت قوة من جنوه ونابولي الإيطاليتين وغزت بعض سواحل بلاد المسلمين ، واحتلت بعضها ومنها جزيرة جربا التونسية. عندها أحس الخليفة العثماني بالخطر الصليبي هناك ، فأرسل الأسطول العثماني بقيادة طورغول الذي هاجم الإسبان في طرابلس ، وفتح المدينة ، وطرد النصارى الإسبان منها ، وتولى الإمارة فيها ، كما أخرج الإسبان من بنزرت ووهران ، وغزا ميورقة ، وكورسيكا.
واستمر خير الدين في عمله البحري فنزل على شواطئ ايطاليا، وفرنسا ، وإسبانيا ، وأخذ حصن (بينون) الذي أقامه الإسبان على جزيرة أمام مدينة الجزائر. غير أن السلطان سليمان قد طلب منه أن يكف عن مراكب فرنسا بعد المعاهدة التي عقدت بين فرنسا والعثمانيين ، فكف عن ذلك ، ولكن وجه اهتمامه ضد الإسبان انتقاماً لما فعلوه بالمسلمين في الأندلس بعد أن سقطت غرناطة بأيديهم عام 898.
وفي عام 939 دعا الخليفة العباسي سليمان إلى استانبول خير الدين ، وكلفه ببناء السفن والاستعداد لغزو تونس ، فقام بالأمر حق قيام ، وعندما سافر الخليفة إلى تبريز عام 940 سار خير الدين عبر مضيق الدردنيل إلى مالطة كي يخفي قصده ، كما غزا بعض موانئ جنوبي إيطاليا ، ثم قصد تونس عام 941 ، وتمكن من احتلالها بسهولة باسم الخليفة العثماني ، وقد عزل مولاي حسن آخر الحفصيين ، وعين مكانه أخاه الرشيد. ونتيجة ذلك الفوز اتفق شارلكان ، وأشراف الإسبان في برشلونة ، ورهبان مالطة على حرب المسلمين ، وقاد الجموع شارلكان بنفسه ، وأعاد حسن الحفصي إلى الحكم بعد معاهدة معه ، سمحت للنصارى بالاستيطان في إقليم تونس ، وإقامة شعائرهم بحرية ، ودفع الحفصي تكاليف الحرب ، وتنازل لشارلكان عن بنزرت وعنابة. واضطر خير الدين أن ينسحب إلى الجزائر.
والتقى خير الدين عام 944 بأسطول شارلكان وانتصر عليه ، كما غزا جزيرة كريت ، وتوفي عام 953هـ.
الحروب على أوربا
هاج الرأي العام النصراني في أوربا على فرنسا وتحالفها مع الدولة العثمانية المسلمة التي تقاتل النمسا الدولة النصرانية فما كان من ملك فرنسا فرانسوا الأول إلا أن خضع للرأي الصليبي ، وهادن ملك النمسا ، وأخلف بما وعد به العثمانيين من غزو مشترك لايطاليا.
وعادت الحرب بين العثمانيين والنمسا عام 943 وانهزمت النمسا ، وحرض فرديناند أخو شارلكان أمير البغدان على التمرد على العثمانيين لكن فتنته قد قمعت ، وعزل عن الإمارة ، وتولى مكانه أخوه اصطفان عام 944 ، وعزز العثمانيون حاميتهم هنالك.
واتفق جان زابولي ملك المجر ، مع الأمير النمساوي فرديناند على اقتسام المجر ، وإنهاء التدخل العثماني ، وللإيقاع بزابولي فقد أرسل فرديناند نسخة من الاتفاق إلى الخليفة العثماني ليعرف عدم ولاء زابولي ، ويقصيه عن الملك ، وعندها يزداد النفوذ النمساوي في المجر ، ويزول من طريقه حليف العثمانيين.
ومات جان زابولي ملك المجر عام 946 قبل أن يلقى الجزاء من الخليفة ، وهاجمت الجيوش النمساوية المجر بسرعة لإنهاء الحماية العثمانية ، وحاصرت مدينة (بودا) وفيها أرملة زابولي وطفلها ، واحتلت مدينة (بست) المقابلة لمدينة (بودا) ، ومع وصول الخبر إلى الخليفة اتجه فوراً عام 947 على رأس جيش ففر النمساويون ، وغدت المجر ولاية عثمانية ، وأما أرملة زابولي وأم الطفل والوصية عليه ، فقد قبلت تلك الحماية المؤقتة لبلوغ الطفل سن الرشد.
وأخيراً عقدت معاهدة بين الخليفة العثماني والنمسا عام 954 لمدة خمس سنوات تدفع بموجبها النمسا جزية سنوية لقاء ما بقي تحت يدها من المجر.
العمل العثماني في جزيرة العرب
أمر الخليفة العثماني سليمان القانوني حاكم مصر سليمان باشا أن يجهز أسطولاً ، ويتجه به لمحاربة الصليبيين البرتغاليين ، وأن يفتح عدن وبلاد اليمن كي لا تقع بأيدي الصليبيين ، فبنى سليمان باشا أسطولاً مؤلفاً من سبعين سفينة ، واتجه به على رأس عشرين ألف جندي ، وفتح عدن ، ومسقط ، وحاصر جزيرة هرمز عام 944.
وكان قد وصل إلى استانبول قبل عام سفير من كوجرات بالهند ، يستنجد بالخليفة ضد البرتغاليين الذين وصلوا إلى سواحل الهند ، وآخر من دهلي يستنجد به ضد همايون بن ظاهر الدين محمد المشهور ببابر ، وهو من المغول الذين دخلوا الهند وحكموها.
وانطلق سليمان باشا إلى كوجرات ، ودخل بعض القلاع التي أقامها البرتغاليون على سواحل الهند ، ولكنه هزم في معركة ( ديو) البحرية أمام البرتغاليين ، ورجع إلى بلاده ، وكانت اليمن قد أصبحت ولاية عثمانية.
العمل العثماني في أذربيجان
جاء إلى استانبول أخو الشاه الصفوي ، يشكو إلى الخليفة ظلم أخيه ، وهضم حقوقه، وطلب منه مساعدته ضده ، فسار الخليفة عام 954 ودخل تبريز ، وكان هذا الدخول العثماني لهذه المدينة المرة الثالثة وعاد الخليفة إلى استانبول عام 955.
العودة إلى أوربا
تنازلت ايزابيلا أرملة زابولى عن ترانسلفانيا إلى فرديناند الأمير النمساوي مخالفة بذلك شروط الهدنة الموقعة بين العثمانيين والنمساويين ، فأرسل الخليفة جيوشه التي احتلت ترانسلفانيا بعد مقاومة ، وذلك عام 957 ، كما انتصرت على النمساويين في عدة مواقع عام 958.
ومات ملك فرنسا فرانسوا الأول وخلفه ابنه هنري الثاني فجدد المعاهدة مع العثمانيين عام 959 ، وأغارت بعدها الدولتان على صقلية وجنوبي إيطاليا ، وفتحت أساطيلهما جزيرة كورسيكا ، ثم اختلف القائدان ، فتركا الجزيرة وعاد كل منهما إلى بلده.
وحاصر العثمانيون جزيرة مالطا عام 971 مدة أربعة أشهر ، ولم يتمكنوا من فتحها. وعاد الخليفة للقتال في بلاد المجر عام 973 نتيجة الخلاف بين اصطفان زابولي ملك المجر ، ومكسمليان ملك النمسا الذي خلف أبوه فرديناند. وتوفي الخليفة في أثناء حصاره لإحدى القلاع هناك عام 974.
وكان الخليفة قد قتل ابنه مصطفى بدسيسة من زوجته الروسية (روكسلان) ليتولى ابنها سليم الثاني الخلافة بعد أبيه. وكان مصطفى قائداً عظيماً محبوباً من الضباط ، كما سعت (روكسلان) لقتل ابن مصطفى الذي لا يزال رضيعاً . وكذلك قتل سليمان القانوني ابنه الآخر بايزيد وأبناءه الأربعة بدسيسة من أحد الوزراء بتعليم من سليم من سليمان ، واضطر بايزيد أن يتمرد على أبيه خوفاً منه عندما امتنع عن تنفيذ أوامره بالانتقال من حكم ولاية قونية إلى (أماسيا) ، غير أنه هزم ، ففر مع أبنائه إلى الصفويين ، فراسل الشاه طهماسب الخليفة ، ثم سلمهم إلى رسول الخليفة الذي بعث لاستلامهم فقتلهم مباشرة في مدينة قزوين.
المراجع : التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/104 ، والدولة لعثمانية لعلي الصلابي ، ص327
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

الدولة العثمانية (17) : سليم الثاني ( 974- 982هـ) [1]

ولد عام 930 هـ في أيام خلافة أبيه ، وأمه روكسلان الروسية ، وتولى الحكم بعد أبيه في 9 ربيع الأول سنة 974هـ ، وبعد أن قتل أبوه ابنيه الآخرين بدسائس من زوجته روكسلان ، وقد كان ضعيفاً ، ولم يكن مؤهلاً لحفظ فتوحات والده السلطان سليمان ، ولولا وجود الوزير الفذ والمجاهد الكبير والسياسي القدير محمد باشا الصقللي لانهارت الدولة ، إذ قام بإعادة هيبتها وزرع الرهبة في قلوب أعدائها وعقد صلحاً مع النمسا وأتم توقيع معاهدة في عام 975هـ الموافق 1967 م احتفظت بموجبها النمسا بأملاكها في بلاد المجر ودفعت الجزية السنوية المقررة سابقاً للدولة كما اعترف أمراء تراسلفانيا والأفلاق والبغدان.
أولاً : تجدد الهدنة مع شارل التاسع ملك فرنسا :
تجددت الهدنة مع ملك بولونيا وشارل التاسع ملك فرنسا في عام 980هـ الموافق 1569م كما زادت الامتيازات القنصلية الفرنسية وجرى تعيين هنري دي فالوا وهو أخو ملك فرنسا ملكاً على بولونيا باتفاق مع فرنسا التي أصبحت بذلك ملكة التجارة في البحر المتوسط. وطبقاً للمعاهدات السابقة فقد قامت تلك الدولة أي فرنسا بإرسال البعثات الدينية النصرانية إلى كافة أرجاء البلاد العثمانية التي يسكنها نصارى وخاصة بلاد الشام وقامت بزرع محبة فرنسا في نفوس نصارى الشام مما كان له أثر يذكر في ضعف الدولة ، إذ امتد النفوذ الفرنسي بين النصارى وبالتالي ازداد العصيان وتشجعوا على الثورات فكان من أهم نتائج ذلك التدخل الاحتفاظ بجنسية ولغة الأقليات النصرانية حتى إذا ضعفت الدولة العثمانية ثارت تلك الشعوب مطالبة بالاستقلال بدعم وتأييد من دول أوروبا النصرانية.
إن اقتناع الدول الأوربية بكون "نظام الامتيازات الأجنبية ، حقاً من حقوقها الطبيعية هو الذي دفع فرنسة لإرسال جنودها لمساعدة البندقية التي كان السلطان مراد الرابع (1624 1640م) يحاربها ، كما أرسلت سفيرها برفقة عمارة بحرية لإرهاب الدولة العلية ومطالبتها بتجديد الامتيازات. لكن الصدر الأعظم حينئذ والذي كان ما زال يمتلك قراره السياسي ، أخبر السفير (بأن المعاهدات هذه ليست اضطرارية واجبة التنفيذ ذلك لكونها منحة سلطانية فحسب ، الأمر الذي جعل فرنسة تتراجع عن تهديداتها وتتحايل لدى السلطان ليوافق من جديد على تجديد نظام الامتيازات عام 673م ، مما زاد الطين بلة ، وبدل أن تتعظ الدولة العثمانية مما حدث أمر السلطان محمد الرابع (1648 1687م) بتفويض فرنسة حق حماية بيت المقدس تتابع بتجديد الامتيازات ، وفي كل مرة يضاف قيد جديد على السلطنة ففي تجديد عام 1740م أضافت السلطنة امتيازات تجارية جديدة لفرنسة. ولكن الامتيازات تعرضت لتهديد حقيقي عندما احتل نابليون بونابرت مصر ، فقد أوقفت السلطنة العمل بها ، غير أن نابليون كان قد تراجع في الوقت المناسب حفاظاً على علاقته مع السلطنة ، وذلك حين عرض انسحاب فرنسة من مصر لقاء تجديد الامتيازات ، وقد تم ذلك بالفعل في 9 تشرين أو (أكتوبر) 1801م وأضافت السلطنة امتيازاً جديداً يقضي بمنح فرنسة حرية التجارة والملاحة في البحر الأسود.
لقد كانت نتائج هذه الامتيازات وخيمة جداً على السلطنة ولقد بين المؤرخ اليوناني ويمتري كيتسيكس : "... أن الامتيازات حطمت اقتصاد الإمبراطورية بتحطيمها النظام الضريبي العثماني القائم على حماية التجارة المحلية ضد المنافسة الأجنبية بل هذه الامتيازات حالت دون قيام السلطنة بتنفيذ مشروعات إصلاحية واستنباط موارد مالية جديدة لمواجهة نفقات الإدارة والحكم ، لذلك أصبحت معاهدات الامتيازات الأجنبية بمثابة مواثيق مذلة للعثمانيين ما دام الأوربيون لا يخضعون للسلطات العثمانية ، فقد أصبحوا وكأنهم يشكلون حكومة داخل الحكومة العثمانية.
ثانياً : حاكم خوارزم يطلب الحماية من السلطان سليم الثاني :
اشتكى حاكم خورازم للسلطان سليم الثاني ، من أن شاه فارس يقبض على الحجاج الوافدين من تركستان ، بمجرد عبورهم حدوده ، وأن موسكو بعد استيلاتها على استراخان منعت مرور الحجاج والتجارة ، ووضعت العقبات والعراقيل أمامهم ، لهذا طلب حاكم خوارزم ، وحكام بخارى وسمرقند من السلطان سليم الثاني أن يفتح استرخان بهدف إعادة فتح طريق الحج ، لاقى ذلك الطلب القبول لدى الدولة العثمانية ، أعد صوقللي باشا الصدر الأعظم في الدولة حملة كبرى سنة 976هـ / 977هـ / 568 1569م للاستيلاء على استراخان وتحويلها إلى قاعدة عثمانية للدفاع عن المنطقة وأن يصل ما بين نهري الفولجا والدون بقناة صالحة لمرور السفن لتسهل دخول الأسطول العثماني بحر الخزر (قزوين) عن طريق البحر الأسود لتمكن العثمانيين من وقف التوسع الروسي نحو الجنوب وتطرد الفرس من القوقاز وأذربيجان بل غزو فارس من الشمال ، بدلاً من مرور الجيوش العثمانية بأرض أذربيجان الوعرة ، والاتصال بالأزبك أعداء الصفويين وتتار القوم ، ومن شأن كل ذلك أن يؤدي إلى إحياء طريق القوافل القديمة المارة بأواسط آسيا من الشرق إلى الغرب.
شرع العثمانيون في تنفيذ مشروع وصل نهر الدون بالفولجا ، وحل شهر جمادى الأولى 977هـ / أكتوبر 1569م حتى كان ثلث القناة قد اكتمل ، وإن يكن موسم الشتاء قد أدى إلى إيقاف العمل ، وحينئذ اقترح قائد الحملة استعمال سفن صغيرة محملة بالمدافع والذخيرة لشن الهجوم على استراخان إلا أن الحملة فشلت بسبب الظروف الطبيعية ومع هذا استطاع صوقللي باشا أن يحقق بعض النجاحات كتشديد قبضة السلطان على أمراء مولدافيا وولاشيا وبولندا ، وبذلك اعترضت الدولة العثمانية مرحلياً توسع روسيا شمال وغرب البحر الأسود.
ثالثاً : فتح قبرص :
:كانت إيطاليا وأسبانيا تقدر أهمية جزيرة قبرص وشاع في أوروبا عن تكون حلف ضد السلطان ولكن لم يعمل شيء في حينه لإنقاذ قبرص من العثمانيين الذين نزلوها بقوة كاسحة ، نفذت إلى الجزيرة بدون صعوبة ووقفت مدينة فامرجستا الحصينة أمام العثمانيين بقيادة باحليون وبراجادنيو الذين واجهوا القوة العثمانية التي وصلت مائة ألف مقاتل استعمل خلالها العثمانيين جميع وسائل الحصار المعروفة ، من فر وكر ، وزرع للألغام ولم ينتج أي تأثير على الحامية ، ولو وصلت قوة مسيحية للنجدة ، لصار العثمانيون في خطر ، إلا أن المجاعة قامت بعملها ، واستسلمت المدينة في ربيع الثاني 979هـ / أغسطس 1571م.
نقلت الدولة العثمانية بعد فتحها لقبرص عدداً كبيراً من سكان الأناضول الذين لا يزال أحفادهم مقيمين في الجزيرة ، ورغم ترحيب القبارصة الأرثوذكس بالحاكم العثماني ، الذي أنقذهم من الاضطهاد الكاثوليكي الذي مارسته النبدقية لعدة قرون ، إلا أن احتلال العثمانيين أثار الدولة الكاثوليكية.
رسى الأسطول العثماني بعد انتهاء مهمته في ابنانجني وانصرف معظم جنوده بمناسبة حلول موسم الشتاء ، حيث تتوقف ساحة المعارك في مثل هذا الوقت من السنة ، والاستعداد للسنة المقبلة.
رابعاً : معركة ليبانتي :
ارتعدت فرائص الأمم المسيحية من الخطر الإسلامي العظيم الذي هدد القارة الأوربية ، من جراء تدفق الجيوش العثمانية براً وبحراً فأخذ الباب بيوس الخامس (1566 1572م) يسعى من جديد لجمع شمل البلاد الأوروبية المختلفة وتوحيد قواها براً وبحراً تحت راية البابوية وقد كتب يقول : "... إن السلطنة التركية قد تبسطت تبسطاً هائلاً بسبب نذالتنا " عقد البابا بيوس الخامس وفيليب الثاني ملك أسبانيا وجمهورية البندقية معاهدة في أوائل 979هـ/ مايو 1571م ، تعهدوا فيه بالقيام بهجوم بحري ضد العثمانيين شارك في التحالف ، فارتبطت توسكاني وجنوة ، وسافوي ، وبعض الإيطاليين في الحلف المقدس ، وأرسل البابا إلى ملك فرنسا يريد العون : فاعتذر شارل التاسع بحجة ارتباطه بمعاهدات مع العثمانيين ، فأجابه البابا طالباً منه التحلل من مواثيقه هذه ، ولم تمض سوى أيام قليلة حتى نقض الإمبراطور عهوده ومواثيقه التي أبرمها مع العثمانيين واتجه نحو إيفان ملك الروس يطلب إجابته نفير الحرب ووجد تباطؤاً عند ملك بولونيا واختير (دون جوان) النمساوي قائداً للحملة وجاء في أحد بنود المعاهدة النصرانية : "إن البابا بيوس الخامس وفيليب ملك أسبانيا وجمهورية البندقية يعلنون الحرب الهجومية والدفاعية على الأتراك لأجل أن يستردوا جميع المواقع التي اغتصبوها من المسيحيين ومن جملتها تونس والجزائر وطرابلس.
وسار دون جون إلى البحر الادرياتيك ، حتى وصل إلى الجزء الضيق من خليج كورنث بالقرب من باتراس وليس ببعيدة عن ليبانتو والذي اسمها أعطي للمعركة.
كان من رأي قادة الأسطول الإسلامي الإفادة من تحصين الخليج وعدم الاشتباك بالأسطول الصليبي ، غير أن القائد العام علي باشا صمم على الخروج للمعركة معتمداً على تفوقه في عدد سفنه ، ونظم علي باشا قواته فوضع سفنه على نسق واحد من الشمال إلى الجنوب ، بحيث كانت ميمنتها تستند إلى مرفأ ليبانتو ، ومسيرتها في عرض البحر ، وقد قسمها علي باشا إلى جناحين وقلب فكان هو في القلب وسيروكو في الجناح الأيمن وبقي الجناح الأيسر بقيادة قلج علي. ومقابل ذلك نظم دون جون قواته فوضع سفنه على نسق يقابل النسق الإسلامي ووضع جناحه الأيمن بقيادة دوريا مقابل قلج علي ، وأسند قيادة جناحه الأيسر إلى بربريجو مقابل سيروكو وجعل دون نفسه لقيادة القلب وترك أسطولاً احتياطياً بقيادة سانت كروز.
خامساً : احتدام المعركة :
احتدمت المعركة في 17 جمادى الأولى سنة 979هـ / 17 أكتوبر 1571م أحاط الأسطول الإسلامي بالأسطول المسيحي وأوغل العثمانيون بين سفن العدو ، ودارت معركة قاسية أظهر فيها الفريقان بطولة كبيرة وشجاعة نادرة ، وشاءت إرادة الله هزيمة المسلمين ففقدوا ثلاثين ألف مقاتل وقيل عشرين ألفاً ، وخسروا 200 سفينة حربية منها 93 غرقت والباقي غنمه العدو وتقاسمته الأساطيل النصرانية المتحدة وأسر لهم عشرة آلاف رجل واستطاع قلج علي إنقاذ سفنه واستطاع كذلك المحافظة على بعض السفن التي غنمها ومن بينها السفينة التي تحمل علم البابا ، رجع بها لاسطنبول التي استقبلته استقبال الفاتحين ، رغم الشعور بمرارة الهزيمة وبادر السلطان سليم الثاني أثر ذلك بترفيع قلج على إلى رتبة قائد البحرية العثمانية " قبودان باشا" ، مع الاستمرار في منصبه كبيرلبك للجزائر.
سادساً : أثر ليبانتو على أوروبا والدولة العثمانية :
احتفلت القارة الأوربية بنصر ليبانتو ، فلأول مرة منذ أوائل القرن الخامس عشر تحل الهزيمة بالعثمانيين فهلل الأوروبيون وكبروا لذلك الانتصار وأقيمت معالم الزينات في كل مكان وأفرطت في التسبيح بحمد دون جون أمير الأساطيل المتحدة الذي أحرز هذا الانتصار ، إلى حد أن البابا لم يتورع عن القول أثناء الاحتفال في كنيسة القديس بطرس ، بمناسبة هذا النصر : (إن الإنجيل قد عنى دون جون نفسه ، حيث بشر بمجيء رجل من الله يدعى حنا) وظل العالم المسيحي ومؤرخوه ينوهون بهذا النصر البحري ، حتى أن القواميس المدرسية الحديثة لا تذكر ثغر ليبانت ، إلا وتذكر معه دون جون المشار إليه على اعتبار أنه أنقذ المسيحية من خطر كان يحيق بها.
لقد فرح البابا فرحاً عظيماً على الرغم من عدم ارتياحه لأن عدوه لا يزال عظيماً مرهوب الجانب وحاول إثارة شكوك الشيعة الاثنى عشرية الصفوية ضد العثمانيين مستغلاً بعض الضغائن والمشكلات والاختلاف العقائدي ، فأرسل إلى الشاه طهماسب ملك العجم ومن جملة ما قال له : "لن تجد أبداً فرصة أحسن من هذه الفرصة لأجل الهجوم على العثمانيين ، إذ هم عرضة للهجوم من جميع الجهات". وأرسل يستعدي ملك الحبشة وإمام اليمن على الدولة العثمانية ولكن المنية عاجلته.
إن نتيجة معركة ليبانتو ، كانت مخيبة لآمال العثمانيين ، فقد زال خطر السيادة العثمانية في البحر المتوسط ، ومع زوال الخطر زال الخوف الذي كان قوياً ، للمحافظة على حلف مقدسي دائم واستعاد الحسد والغيرة نشاطه بين الدول المسيحية.
إن أهمية ليبانتو كانت عظيمة وأسطورة عدم قهر العثمانيين قد اختفت ولم تعد للوجود ثانية على أقل تقدير في البحر ، وأزيح ذلك الخوف عن قلوب حكام إيطاليا ، وأسبانيا ، وتزعزع تأثير الدولة العثمانية على سياسة القوى الغربية لأوروبا ، إذ كانت من الحقيقة القوات العثمانية هائلة في كل المجال البري ، والمجال البحري ، كما أن الانتصار المسيحي في ليبانتو 1571 كان إشارة لتحضير حاسم في ميزان القوة البحرية في البحر المتوسط ، كما أنه أنهى عصراً من عصور العمليات البحرين الطموحة في البحر المتوسط ، والتي تكاليفها باهظة.
لم يعد يفكر العثمانيون بعد تلك الهزيمة في إضافة حلقة أخرى إلى سلسلة أمجادهم البحرية ، إذ كان هذا الانكسار نقطة البداية نحو توقف عصر الازدهار لقوة الدول البحرية.
سابعاً : ظهور أطماع فرنسا في الشمال الأفريقي :
كانت معركة ليبانتو فرصة مواتية لإظهار طمع فرنسا نحو المغرب الإسلامي ، إذ بمجرد انتشار خبر هزيمة الأسطول العثماني في تلك المعركة قدم ملك فرنسا شارل التاسع مشروعاً إلى السلطان العثماني (980هـ/1572م) ، وذلك بواسطة سفيره باسطنبول ، يتضمن طلب الترخيص لحكومته في بسط نفوذها على الجزائر ، بدعوة الدفاع عن حمى الإسلام والمسلمين بها وأن فرنسا مستعدة في مقابل ذلك دفع مغرم للباب العالي ، فأعرض السلطان عن السفير الفرنسي ولم يهتم به ، ومع ذلك أوغلت فرنسا طموحها وألحت على طلبها وسلكت للتوصل إلى هدفها مسالك دبلوماسية عديدة ، حتى تحصلت على امتيازات خاصة ، في السقالة وأماكن أخرى على الساحل الجزائري وتصريح من السلطان بإقامة مراكز تجارية.
ثامناً: إعادة بناء الأسطول العثماني :
قبل القبودان باشا قلج علي ، بهمة ونشاط متزايد ، على تجديد الأسطول العثماني ، وتعويض ما فقد منه ، وما حل صيف 980هـ/1572م ، و هيأ مائتان وخمسون سفينة جديدة ، وخرج قلج علي بأسطوله في البحر ، وارتاعت البندقية من هذا الاستعداد البحري ، فطلبت الصلح من الدولة العثمانية بشروط مخزية إذ تنازلت لها عن جزيرة قبرص ، كما دفعت غرامة حربية قدرها ثلاثمائة ألف دوكه ، ولكن هذا النشاط كان من قبيل اليقظة التي تسبق فترة الاحتضار البحري ذلك لأن الدولة انصرفت إلى حروب متواصلة ، نشبت بينها وبين النمسا وحليفاتها من جهة ، وبينها وبين فارس من جهة أخرى كما أنها انشغلت بإخماد الثورات الداخلية المستمرة.
تاسعاً : احتلال تونس :
كان فيليب الثاني قد تشجع لاحتلال تونس بسبب لجوء السلطان الحفصي أبي العباس الثاني الذي حكم تونس 942- 980 / 1535 1572م إليه ، وطلب منه المساعدة في إخماد الثورات بإعطائهم امتيازات كبيرة ، وتتيح لهم سكنى جميع أنحاء تونس ، وتتنازل عن عناية وبنزرت وحلف الواد فرفض أبو العباس الشروط ولكن أخاه محمد بن الحسين قبلها ، بعد ذلك خرج دون جون بأسطوله من جزيرة صقلية في رجب 981هـ أكتوبر 1573م ، على رأس أسطول مكون من 138 سفينة تحمل خمسة وعشرون ألف مقاتل ، ونزل بقلعة حلق الواد التي كانت تحتلها أسبانيا ، ثم باغت دون جون تونس واحتلها وخرج أهلها بوادي تونس فارين بدينهم من شر الأسبان ، كما انسحب الحاكم العثماني إلى القيروان وكانت أوروبا قد أدركت أنها لا تستطيع أن تقضي على الدولة إلا مجتمعة.
المرجع : التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر 8/125 ، والدولة العثمانية لعلي الصلابي ، ص 443

 
أعلى