انتصار الشيطان

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

d8b4d8b1d98ad8add8a912.jpg


الوجوه الصامتة ملجمة بالهدوء والوقار الإجباري؛ فالصدمة مفاجئة و مذهلة والأنفس تكاد لا تُصدق ما حدث بكل هذه السرعة.
الجالسون يشعرون أن الشيطان هو الذي يجلس على رقابهم، فنبضات القلوب تتسارع، وكأنها دفقات مطر على نافذة زجاجية تُنذر بقدوم عاصفة رهيبة، والضباب الدخاني الصادر من نرجيلة الأخ الأكبر محمود يزيد الجو رعبا، وكأن الغرفة مجلس لمشعوذ وليس لعائلة.
بعد نصف ساعة من الصمت. تكلم محمود موجهاً كلامه إلى وجوه أخوته الذين لم يرفعوا أعينهم عن الأرض :
- اسمعوا جميعا لن يذهب دم والدي هدراً برصاصة شاب تافه تمسح جريمته عطوة صلح.
المهندس نزار الأوسط عمراً قال بصوت خافت :
- لقد قُتل أبي غدراً، و لو أننا حكّمنا عقولنا، ما قتل أبي من أجل خلاف على قطعة أرض. يا ليتنا تنازلنا عنها نهائياً وظل أبي حياً، البارحة جاءت مجموعة من رجال القرية وطلبوا حقن الدماء. ولقد عاهدناهم بأن لا نرتكب أي ردة فعل، حتى يُحّل الأمر، والقاتل الآن في السجن ولن نرضى بالتنازل عن محاكمته .
محمود يحمر وجهه ويحتد صوته :
- أهذا ما علمتك إياه الجامعات، الجبن، والسكوت على دم والدك الذي قضى عمره كله من أجلنا، وقُتل بلحظة غدر حاقدة!!، تريد أن تكافئه بأن تنهي ضياع عمره بفنجان قهوة ودية ونقود؟!
-هذا ليس من علم الجامعات يا محمود إنه حكم الله.
- وكيف سنسير أمام الناس في الشارع، ورؤوسنا تحت الأرض والعار سيلاحقنا في عيونهم .
- نرضي الله ، ورضا الناس لا يعنيني.أنا أعيش في الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة،وتحصل الكثير من الجرائم يوميا، وتتولى المحاكم معاقبة المجرمين ،وليس الناس. فلم يتسبب في قتل والدي سوى كلام الناس. لقد تحول البشر إلى شياطين تعشق رؤية الفتنة، و يا ليت والدي لم يستمع لأولئك الشياطين .
- أخرس ألم يتبق إلا أن تتهم والدك لتخفي جبنك.
حسنية الأخت الكبرى وقد اصفر وجهها :
- ماذا تقصد يا محمود ، الثأر؟
- وماذا غير الثأر، أتريدين مني توزيع الحلوى؟
- يا ويلي، ضاع والدي يا أخي، ولا نريد أن يُحرق قلبي بواحد آخر في السجن أو على حبل المشنقة. الثأر طريقة طويلة وشائكة ؛ أنه مثل وحش سَيفترس الجميع واحداً وراء الآخر.
- اسمعي يا حسنية أنت سوف تغادرين منذ الصباح الباكر إلى بيت زوجك، فلقد انتهى العزاء، ولم نعد بحاجة لمساعدتك . المرحلة القادمة تحتاج إلى رجال (ينظر بسخرية نحو نزار) هذا إذا تبقى أصلا رجال، فأنتم النساء مصدر التخاذل.
نزار الذي ازداد حنقه :
- إذن يا أخي اذهب أنت واقتل رجلاً من بيت أبي عدنان، أنا وأخي لؤي وقبل أن أعود للولايات المتحدة سوف ننهي النزاع مع الجماعة، دون أن نتنازل عن محاكمة القتل، وسينال جزاءه الذي يستحقه.
- لا، اذهب من الآن!(مستهتراً) الثأر يجب أن ينفذ خلال يوم .
حسنية تولول وتبكي وتقول :
- ضاعت العائلة من أجل قطعة أرض. لعن الله المال والأراضي.
يقذف محمود خرطوم النرجيلة ويصرخ :
- اخرجوا "غراب البين" هذه من الغرفة .
نزار يهم بالمغادرة وينهي جازماً بموقفه :
- أنا لا أريد الحصول على أي ميراث، ولا أريد بطولة الثأر .سوف أغادر غداً صباحا،عائداً إلى أولادي، قبل أن تُرمل الزوجة وييتم الولد، من أجل هذه المعتقدات البالية التي ما زالت راسخة في عقولكم العفنة و التي لم يطهرها العلم!
- " مع ستمائة قلعة " ومن قال لك أننا نريدك، أنت لا تستطيع أصلا حمل مسدس، و بماذا ستقتل قتلة والدك أصلاً، بقلم؟ أم بمسطرة رسم!!؟ ولكنك لن تغادر قبل أن تُشارك بالثأر أو تتنازل عن حق والدك، الذي خذلته في قبره.
- سوف أتنازل لك الآن عن كل ما تريد.فلا تعنيني الأموال إذا كانت نهايتي داخل السجن أو تحت تراب المقبرة.
استفرد محمود بأخيه الصغير لؤي الشاب اليافع الذي اقترب من العشرين عاما، ولا يعرف من هذه الحياة ومكائدها شيئاً؛ ولم يكمل دراسته الابتدائية.
لذلك أخرجه والده من المدرسة، وأجبره بالعمل في المزرعة، وقضى سنين عمره التالية، بين المواشي وأشتال الزراعة والنوم.
في فترة الظهيرة من ذلك اليوم المشؤوم، أحضر محمود طعاماً شهياً ولذيذاً للؤي، في إحدى الجلسات النادرة التي يتحدث فيها محمود مع لؤي.
- اسمع يا أخي شرف العائلة وشرف أبيك بيدك أنت الآن.
- أنا ؟ وكيف تضع هذا الحمل بيدي أنا!
- لقد شاهدت كيف فعل أخوك المهندس، يهرب من القرية ويتنازل حتى عن إرث والده، وذلك لأنه جبان، علم في داخل نفسه أنه لن يطفئ غضب والده الميت، لأنه جبان، ولا يخاف العار؛ فالجبناء يعشقون الذل ويهابون الشجاعة.
- أنت تعرف أن أخي نزار ليس جباناً ولكنه، حكَّم عقله واختار ما وجده مناسبا.
محمود يتمتم دون أن يسمعه أخوه "والله يا بهيم صرت تحلل بعد ما طلعت من الزريبة" .
-لا تدافع عنه، ولا تغرك كلماته القادمة من المدينة. يجب أن نثأر لدم والدنا، ونمسح العار الذي سيلحق بولد الولد إن لم نسرع لأخذ الثأر، قبل وصول الجاهة غداً.
- أتريد أنت يا أخي محمود أن تقتل واحداً من أبناء أبي عدنان؟ إياك أن تقدم على فعل كهذا، أنت الوحيد الذي يدير مصالح والدي المرحوم، ولا تنس أبناءك من سيعيلهم.
- ها قد قلتها يا لؤي أنا لا أستطيع، ولكنك أنت تستطيع.
- ماذا تقول! أأقتل؟ أنا لم أذبح ولو خروفاً في حياتي فكيف أقتل إنسانا؟
- إطلاق الرصاص لا يحتاج لأي شجاعة، وأنا سأقول أنها لحظة غضب من شاب صغير تهور، بعدما فقد والده، ولم أكن مطلعاً على حماسة شبابه، وسوف أجعل المحامي يبرر الحادث، بفورة دم وأسعى بعدها لإخراجك من السجن،ولن تقضي أكثر من عام ونصف. ثم تخرج مرفوع الرأس لأبد الآبدين!
حاول لؤي التصدي للفكرة، و لكن محمود استغل حداثة سنه، وقلة خبرته في الحياة فغسل دماغًه، بإقناعه وإغوائه عبر الحصة الكبيرة من أملاك الوالد،مستغلا حب لؤي الجارف لأبيه المتوفى ، حتى أنه أقنع لؤي أن والده الآن حي في السماء، يلعن أبناءه ليلاً نهاراً إن لم يأخذوا بثأره.
الشيطان بدوره جَّند كل أتباعه في تلك الساعات، حتى ينمو الشر ولا تضيع جريمة قتل أخرى.
في ذلك اليوم ذهب لؤي لرؤية حبيبته، التي كانت تعمل هي وأمها المطلقة معهم في المزرعة، أخبرها أنه سوف يغيب من عام إلى عامين، وسيعود بعدها ثرياً يمتلك مالا كثيراً دونما أن يعيش في جلباب والده المغدور ، وسيعوضها عن كل لحظة عناء. أقسمت حبيبته على المصحف أنها سترفض أي عريس قادم، حتى انقضاء العامين، ضمته لصدرها وكان حدسها الأنثوي يُخبرها أن هذه آخر لحظاتها معه؛ لأنها لم تره مرتبكاً مثل هذه اللحظات من قبل، والقسم سيبقي عهداً ،ولن يعيد حبيباً مرتبطٍاً بعهد.
في فجر اليوم التالي خرج لؤي من البيت ملثماً وقد جهز مسدساً أعطاه إياه محمود، الذي قبله فوق جبينه وهو يردد: "الله يبيض وجهك بيضت وجهنا يا بطل".
كان أقارب أبي عدنان وأولاده يعيشون في حالة لا مبالاة، لأن اليوم هو عطوة الصلح وسينتهي أمر الثأر ولم يسمع أحد من أهل القرية أن أولاد أبي محمود المسالمين يريدون الأخذ بالثأر، لذلك لم يجد لؤي صعوبة في تفريغ ثلاث رصاصات، في صدر خلدون ابن أخ أبي عدنان، الذي شاءت الأقدار أن يكون عائداً من صلاة الفجر.
الشيطان لف عباءته وغادر لقد انتهت مهمته. عاد لؤي بعدها إلى البيت، وجلس خائفاً، بعدما أدرك خطورة جريمته.
علمت الشرطة باتصال هاتفي من محمود الذي أبلغهم بفقدان مسدسه حالماً سمع صوت الرصاص متزامنا مع غياب أخيه.
وصل رجال الشرطة بسرعة وأعلنوا منع التجوال في القرية ، وما هي سوى دقائق حتى ألقوا القبض على لؤي.
لم يفهم لؤي ما الذي يعنيه أخيه محمود بقوله :
" سود وجهنا .الصلحة كانت اليوم" . !!!


من أقصوصات :
عمر شاهين
 

المرفقات

  • h-4-1001348-1184929560.jpg
    h-4-1001348-1184929560.jpg
    38.4 KB · المشاهدات: 2

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
عجبني هاد محمود ما يروح هوة ولا عم يلحق الورثة . يعطيكي العافية :24:
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

الله يعافيك...كن بالقرب ..فما زال بالجعبه أجمل ..تحيتي لكَ
 

Miss Feeling

بيلساني فعال

إنضم
Oct 26, 2011
المشاركات
108
مستوى التفاعل
1
المطرح
دمشق
رسايل :

لَقَدْ كَآنَ لَديّ آلكَثِير مِنَ آلكَلآم لَكْ . لَكْ لِوَحدِكْ . وَ لَكِنَ قَسْوَتَكْ أخْرَسَتْنِي :((




الله يلعن هيك شخصية متل محمود دمر العائلة و شردها
عجبتني شخصية نزار الفهمان اللي كان هدفو يرضي الله
و ما راحت غير ع المسكين لؤي راح ضحية اخو
شكرا على القصة الحلوة يا عسولة وردة*
 

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

أتقن الصمت وحملوه وزر النوايا...هذه ضريبة الصمت القاتل
تحيتي لكِ عزيزتي ..شكراً لمشاركتك :24:
 

► Mr.Rami ◄

القائم
طاقم الإدارة

إنضم
Jun 23, 2008
المشاركات
4,718
مستوى التفاعل
114
المطرح
In Your Eyes
رسايل :

جن الهوى وراماني , طيرني أنا وياك , قلبك بعدو بيهواني , وقلبي بعدو بيهواك

جميلة جدا وذات مغزى رائع شكرا لك :24:
 

دانووو

بيلساني لواء

إنضم
Sep 20, 2011
المشاركات
4,837
مستوى التفاعل
38
عنجد حلوة كتير يسلمهم يارب
 
أعلى