"بهارات ملــــــونـــة"

[{*B*A*T*M*A*N*}]

[h=3]ما زالت تلح على الذاكرة صوراً ناصعة وكلمات لامعة يفجرها اللاشعور وما تكبته نفسي الدفينة في ساحتها الباطنة، وقد فجرتها سهرة تلفزيونية تناولت أحاديثاً وأظهرت طرقاً مبتكرة لأكلة متميزة تدخل في إطار المسابقات على أفضل طبخة طبخت وعلى أجمل التوابل التي نُكهت بها، والآراء التي قُدمت حول تقويم تلك الطبخة من قبل نجوم الشاشة وضيوفها ليقول أحدهم بأن الطبخة لم تزركش جيداً بتوابل الزينة وأجاب آخر أنه كان بالإمكان الرسم بالتوابل بطريقة أفضل, فصرخت وعلى الملأ : أحبك يا أمي , وأشتاق إليك يا أبي بعد أن استرجعت صوراً ألفتها عندما كانت أمي تطبخ لنا تلك الطبخة الشعبية المعروفة ( الكشك), وهو البرغل المجفف ممزوجاً باللبن , ونضع فيه فتات الخبز ليصبح شبيهاً بالحساء لو لم يمزج بالخبز, وكان والدي يشدد على والدتي للإكثار من الزيت والثوم قائلاً ممازحاً: هذا من نتاجنا فلا تبخلي به علينا.[/h] [h=3] لم يكن أياً من أفراد أسرتي يدرك معنى للتوابل أو يملك ريشةً لزخرفة الأواني وترتيب القناني, وكنا نرنو إلى تلك المقلاة الفخارية وهي ترقد بأمان وسكينة رغم وهج الحطب وسوء اللباقة في زخرفة الموقد أو الاهتمام بالمورد, فنلتقي سوياً على طعام أعدته أمي وحقق رضا أبي ونحمد الله على طعام أكلناه ومجلس أحببناه, لم يكلف أسرتي برنامجاً تعده , ولا فناناً يحضره أو نجمة تقوم باختباره وطرح الآراء حول جودته .[/h] [h=3]كل ما كان يشغلنا أن يبقى ما يضمن حاجتنا ويستجيب لموازنة والدنا في تلك المأدبة والتي كانت تضم ما يزيد عن السبعة أشخاص, والأب هو المنتج الوحيد بينهم , والكل مستهلك، وكنا ندرك جيداً عبء المسؤولية، لكننا كنا ندرك أيضاً أن من حقنا أن نستلذ بطعام بسيط يلبي حاجتنا ويرضي مذاقنا، وما كان يشعرنا بالسعادة أيضاً رضا الأهل عن قبولنا ورغبتنا بتلك المأدبة والتي كانت تنتهي بتنظيف المقلاة من إقدامنا عليها وشغفنا بها, وتمزح أمي قائلةً: لا داعي لتنظيف الأواني, فكلها أصبحت منظفة, ونظيفة أيضاً من كل معاني الابتذال والفن الزائف لأجد نفسي متسائلا ً وسائلاً عن أموال تصرف وطاقات تهدر في متاهات الشهرة وعوالم السهرة, فلا تقدم عطاء ولا تحقق رخاء وإنما تعزز أفكاراً يتلقاها أبناؤنا الصغار لتعزز لديهم قيماً مزيفة وصوراً مشوهة تفصلنا عن واقع تراثي ألفناه وعشقناه وترمينا بمتاهة الضياع في عالم الموضة والأزياء خارج قيم الأشياء ومكنونها الجوهري .[/h]