عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
حب وحب آخر
هل نعرف ما هو الحب, كيف نعرّفه ,ما هو الإحساس الذي نشعره فنستطيع أن نطلق عليه حب . لا أدّعي الخبرة , فتجربتي فيما مضى كانت ضبابية , وبعد خوضي تجربة أخرى , استطعت المقارنة بين الأثنتين , وجدت أن الحب ما هو إلا جوهرة نادرة التكوين إذا ما استقر في القلب , فيكتب تاريخا من الصبر والحرمان والمعاناة والتجلّد على العفّة والطهارة , قد يأجج الحب في النفس رغبة وشهوة مستعرة , فيصبر عليها القلب , ويواريها في خباياه يوما بعد يوم , فيُصقل حبا جميلا طاهرا أخّاذا يخلو إلا من إرادة الحب والدوافع العفيفة , ومن هذا المعنى فإن صناعة العبقرية في النفس قدر لا بد منه . مَثَل هذا الحب كمَثَل الخشبة التي تفحمت , فأصبحت كريهة , فإذا ما ابتلعتها الأرض لجوفها وحضنتها بشدة بالغة مما رفع حرارتها , ويوما بعد يوم وتلك الفحمة صابرة على ما أصابها , حتى تصبح ماسة غالية الأثمان , لا يمكن لكل الناس شراءها . يوّلد في النفس المحبة سمو وعظمة تجعل الإنسان يشعر بأنه جزءا من نفس تستمد رؤاها وتصرفاتها وأعمالها وأقوالها من هناك , من العلياء حيث الطهر والنقاء .
ما كان الحب يوما وهما , وما كان خلق طيش ونزق , إلا في نفس مريضة بنزواتها وشهواتها , وكما أن الردى صنيعة ذالك الحيوان الحبيس في النفس , فإن الحب هو صنيعة الرجولة , وإلا فكيف نصدّق قصص الحب التي أوصلت أصحابها للموت أو العبقرية .
أشعر عندما دخل الحب للقلب بأنه أحدث فيه زلزالا , فلا بد أن يكون حبا صادقا طاهرا , وسيجلب النفس إما إلى المجد أو إلى الفناء . اشعر بطاقات هدّارة جارفة , إن لم استغلها فيما ينفع , فلا محالة ستستغلني هي فيما يضر .
هل من خيار ووضع آخر ؟! أجل , عندما ينقلب هذا الحب إلى دونيّة ورذيلة , يحوم حولها ذباب أزرق .
إن كنتُ مريضا , فلمس أنامل الحبيب يشفين , هذا هو المسار الحقيقي للحب , أو أن يتحول حبا فلسفيا , عشق جمال الصورة وعشق الروح مع الابتعاد عن الدونية والرذيلة ليولّد في النفس ويبرز لتطفوا صفاتها الخيّرة .
هذا هو الحب الذي أفهمه, وهو الذي أشعر به , فهل شباب القرن الواحد والعشرين يشعرون كذلك ؟ أم أن الغرام والحب لديهم مجرد أغنية رقيقة ,أنغام تصيب أوتار القلب فيستدرج بها ويغرر فتاة لتكون غذاء للجسد . قد لا يستطيع الحب اليوم أن يتعايش مع الحضارة الحديثة ومعطياتها من مشارب تخلّ بواجب القلب , وبضعة بيوت شعر تجاوزت الحدود الأخلاقية , كما روّجه بعض الشعراء والقيان . في هذا العصر ثورة كفرت بأحاسيس القلوب , فأصبح الشباب تاجرا وصائدا ذكيا ذو مهارة باصطياد بضاعته بما يتوافق بما في السوق من عرض , فإذا كان من المهارة أن يصطاد " بضاعة " نادرة , ماسة غالية الثمن , قاء عليها بوابل من نجاسة , ثم يهملها وقد رماها في مزبلة قد أنشأها بنفسه يوما بعد يوم وصيد بعد صيد , فيطبّق كل شخص فاجر معتوه نافر ما فسد من قانون أخلاقه عليها .
أيتها العفيفة , الفتاة الغريرة , هلّا عرفت من روعة قلبك ورقة مشاعرك وما يفيض منه من المشاعر والنوايا الطيبة ما يُراد بها ؟ فاحذري من معسول الكلام , لأنه مثل الجراثيم يعمل في النفس كما تعمل بطعام بلا غطاء .
هو قانون الماسة والسارق , فهل إذا كُشفت الماسة ستتبدل أخلاق السارق لأخلاق ملائكة ؟ وهل حُسن جمال الماسة سيحول السارق لذي ذوق محب عطوف ؟ ومن الناحية الأخرى , هل كلام السارق للماسة : يا أجمل ماسة في العالم , فجمال بريقك سلب عقلي وعصر قلبي , الخ الخ الخ هل هذا كفيل بأن يغرس في نفس الماسة الثقة والطمأنينة ؟؟ إن فعلتِ كنتِ صيدا سهلا لذاك السارق .
حديث عقل ؟! ربما سيكون ضعيفا أو ربما سلبيا. هل سيصدقه قلبك الذي يتحدث بلغة العواطف وكلام حالم . أقول إن هذه الكلمات ما هي إلا كخفة يد السارق في فك رمز القفل ,وعندها , تتحول الرقة لوحشية والحنان لحيوانية والنهم يمده بنارها , ولا خاسر في هذه المعركة غير تلك الماسة , فيذهب بريقها ورونقها وتموت نفسها .
أجل يا آنستي , ففي هذا الزمن المريض ذو العلل لا يتأتى الحب الصادق , إلا حب وغرام رجل عفيف يأبى إلا أن تكوني حبيبة يقدّس معانيها ويرفعها , ويحرص ويرعى حقيقتها , ويمدها بزيت يضيء فيُبقي جذوة هذا الحب مشتعلة مزودا إياها بإحساس صادق مُبرزا ما في الوجود من جمال لمسرّتها .
عمر رزوق
أبوسنان
أبوسنان