حرّية المفاهيم ومفاهيم الحرّية

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45
حرّية المفاهيم ومفاهيم الحرّية




إلى أي مدى وأية مسافة أستطيع وأنجح أن أعبّر عن حريّتي وعن رأيي ؟ وما هي الطريق لفهم حريّات الآخرين كما أريدها أو كما يريدونها ؟ كيف أستطيع أن أتعامل وأتعاطى وأتجاوب مع تلك الحريّات بصدر عارٍ ورأس أصلع ؟

أقرّ وأعترف , حسب تفكيري وفهمي للأشياء , أننا لم نفهم الحريّة كما كانت تريد الحرية أن يفهمها البشر , ويكمن السبب في كوننا مواطنين عرب كانت ولادتنا في ظل ظروف غامضة مكفهرّة رماديّة اللون , تشير إلى أن قطعة من اللحم من جوفٍ ما قد سقطت من مكان ما لا غير , وليس هناك ما يدل على تكوين هذه القطعة وماهيتها , وإذا كنت قد أصبت بفهمي وإدراكي للأشياء , إذا كان الأمر كذلك , فإن القاعدة العامة تحتويه , وقاعدة التقنين والتقشّف تنص على أن أي لحمٍ لا يعرف ولا تُعرف حقيقته وتوجهاته , فإنه من الطبيعي , بل الضروري إعادة صياغته وقولبته من جديد لكي يأخذ الحيّز المحدد في علبة أو صندوق محدد , لا يُسمح له فيها إلا تلقي أوامر الحياة العالية والنفس , وإذا تمّ خرق هذه القاعدة فإنه يتم استخدام طريقة العصر والقصر الاقتصادي وإلا فطريقة سحب وشطب التعاريف المؤقتة , لتضييع المعالم والتكوينات من عالم البشر ويكون اللحم مهددا بالهلاك من قِبَل الجراثيم أو الجوارح المعلمة .

وهناك سبب آخر يتربص في زاوية كل طريق , ويكمن وراء ظل غير عربي , بكوننا مواطنين عرب , تعوّدنا واعتدنا التلقّي من الآخرين , والخضوع والانصياع لقوة الغير سواء كانت قوة سياسية أم ضغطيّة اقتصادية أو تجهيلية ثقافية أو جبرية عسكرية , فأخذنا الثقافة الغربية بكل ما أوتينا من قوّة وبكل ما حوته من قاذورات وسيّئات , أنِف منها وقَرِف , أحرار الغرب أنفسهم وجلودهم , وتفنّننا بترويجها بيننا وأبدعنا , وسوّقناها وكأنه العلم والتطوّر الذي يقودنا للسيطرة العالمية , وأن الصاروخ الناصر , لا يُصنع إلا في دماغ يحمل جنسية الثقافة الغربية , ومن أهمّ تلك الثقافات التي يزيّنوها بالرووج والعدسات والشعر الأشقر , ويصدّرونها مسمّمة هي ثقافة الحرية .

ثقافة الحرية تلك , ما المراد بها والقصد من تصديرها إلينا ؟ ما هي مقوماتها ؟ كيف تترعرع وتنمو ؟ في أي ظروف بيئية تزدهر ؟ ما الشروط التي يجب أن تتوفّر لتعيش عمرا ضافيا , وتحقق نجاحا باهرا ؟ أسئلة تتكوّم وتتكدّس وتتكاثر بالانشطار حتى تعجز عن حملها والإبحار بها ناقلة نفط عمّلاقة تمخر عباب الخليج الأمريكي .

إن المطّلع على قذارة أفكارنا وقمامة تفكيرنا العربي , يجد أن الشرط الأول لبلوغ الحرية , إلغاء المصطلح المتداول , الرب الواحد , والإله الفرد الصمد , حتى يتمكن الفرد من بني إنسانية من العلو والترقّي بنفسه وروحه , لتصل لتكون مُشَرِّعَة لها وللحياة , ومن يعرف الإنسان مثل ألإنسان ؟! لأن وجود إله واحد وربّ متفرّد , يقود بالضرورة للتلقي المطلق عنه , وهذا بدوره , يؤدي إلى مسخ وتقزيم الإنسانية بل وتحويلها لعاهرة , تقبل ما يوضع في يدها , لتهب ما ينفرج عنه فخذيها .

لست أكتب في هذا الموضوع , للمناقشة والمصاولة والكرّ والفرّ , وتفنيد القول وتحطيمه , مع أن هناك الكثير ممن قاموا بهذا أحسن القيام , في الماضي والحاضر , ولكنني أحاول أن أُخاتل هذه الفتاة الداعرة الذميمة , لأنزع عنها الحجاب فيراها الناس ويعقلها كما هي على حقيقتها المظلمة المعتمة .

نحن لسنا ضد الحرية , إذا كانت بشروط وحدود توجب نظام الأمن العام للأمة ,أي أمة , وتوجب بنفس الوقت نظام الأمن الداخلي للنفس , فإن من تدب الفوضى في نفسه , وعمّت وطمّت مواكب الخير فيها وتدفقت , فلن يكون نافعا قادرا على الحفاظ على كيان الأمة , الذي يعيش فيها , وهنا يقع في الخيانة , مِنْ حيث أراد سمو العيش فيما يظن ويتخيّل .

أطلب أن لا تشكّ في محبتي لك وتقديري واحترام رأيك , ولكن عندما تكون حريتك هي حرّيتي ولكن مِنْ وجهة نظر مخالفة مغايرة , لا أن تكون حريتك أرساف القيد في معاصم وأرجل الآخرين وإحاطتهم بالأغلال , لتنعم أنت بالحرية , مع أنك هنا لا تُبقي لنفسك شرفا ولا كرامة , عندما تهدم وتدمّر الجانب الأعزّ , والمنافس الذي يمنح الوجود ويعطي طعما خاصا ويقودك لاحتضان الوجود ومعانقته , وترْك اسمك في لائحة الشرف الإنسانية .

أكره بشدّة من يحاول أن يتلبس ويتقمص روح العُقاب , وما هو إلا دجاجة مصابة بالرهاب , تنبش بمخالبها اللينة الرطبة ومنقارها اللئيم الأعقف , عن طعام حقير بين أكداس من القاذورات , وتسمّيه حريتها المتعبة .

وأنت , عندما تعتاد أن تحيا بكل جوارحك وأحاسيسك وجوارحك , متمثلا دينك الحنيف , وخُلُقك العربي الأبيّ , فإن الحرية تُقسم بالله ثلاثا , أن لا تريم عن ركابك , وبدون شرط أو مهر .
أنا لا أكتب ذلك لأبيّن كنه الحرية وشروطها وموجباتها ولا كيفية حيازتها ونيلها مِنْ ناحية فلسفية جدلية معقّدة , وإنما أردت فقط أن أثير ولو شيئا في داخلك , في نفسك , تصاوله ويصاولك , تناجيه ويناجيك , لا لتلعنه ويلعنك , ويبصق عليك وتبصق عليه , ولك بعد هذا وذاك , أن تختار الحرية على شروط العُقاب , المنطلق السابح المهيمن في ثبج الجو , أو حرية الدجاجة التي تشغل نفسها بهموم ديدانها الحقيرة .





عمر رزوق

أبوسنان

عكا
 

أيلول

نبض السعادة من رحم الألم

إنضم
May 31, 2009
المشاركات
3,932
مستوى التفاعل
109
المطرح
أرض الله الواسعة
رسايل :

مــا أبعد الصباح في هذا العالم

الحرية المفقودة لدينا نحن العرب هي مخطط مدروس منذ زمن طويل
حتى مفهوم الحرية خاطئ
لأن الحرية لدينا تقترن بالخطأ والمعصية دوماً

تحياتي لقلمك يا راقي الفكر

:24::24::24:
 
أعلى