DE$!GNER
بيلساني محترف
- إنضم
- Apr 4, 2011
- المشاركات
- 2,637
- مستوى التفاعل
- 44
- المطرح
- بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
العالم العربي يمر بمخاض جديد صنعته عجلة أحداث لا تتوقف، وشعوب عربية بحاجة إلى إثبات وجودها وصناعة مستقبلها وصياغة تاريخها من جديد، بدايةً من ثورة الياسمين التي أطلقتها صرخة محمد البوعزيزي وهو يحترق، بعد أن وصلت به الحال إلى الطرق المسدودة، فكان ممثلاً لواقع شعب تونس الذي انتفض على هيمنة عائلة الطرابلسي وحكم زين العابدين بن علي، وكانت تلك الشرارة التي أحدثت التغيير أو إن صح التعبير القشة التي قصمت ظهر البعير، ثم تبعتها مصر بمظاهرات مليونية، وشعب قرر أن يغير وكان له ذلك. ولكن ما هو دور الثقافة في كل ما حصل؟ وأين حضورها وشهودها؟ ومن البدهي أن الثورات لا تأتي من فراغ ولا تتلاشى بعد ذلك في كتب التاريخ؛ بل إن الثورات لها معادلات رياضية إذا اكتملت حدث التفاعل الكيميائي، وتبعه الانفجار البشري الذي يغير كل شيء. ومن ينظر إلى المشهد من بعيد يجد أن التكنولوجيا قد ساهمت إلى حد بعيد في تنظيم وإذكاء نار التغيير، وبالذات على المواقع الاجتماعية، وبخاصة موقعا «فيسبوك» و«تويتر» وبقية مواقع التواصل، وبالتالي فهي ثورة عصرية بكل المقاييس. ثم إن التغيير كان سلمياً إلى أبعد الحدود، دون إغفال للتضحيات والدماء التي سالت في كل من مصر وتونس اللتين سجلتا قصب السبق في ثورة التكنولوجيا. وقد ساهم البث الفضائي الحي في ربط المشاهد العربي بشاشات الفضائيات الإخبارية التي كانت تنقل الأحداث فور وقوعها، وكان بعضها غير حيادي، وقد نجحت بامتياز وصارت محل ثقة المشاهد العربي من الماء إلى الماء، ولأول مرة نشهد ولادة إعلام عربي قادر على كسب نسب عالية من المشاهدين بغض النظر عن الموقع الذي يبث منه، ما خلق وكرَّس لدى هذا المشاهد أننا فعلاً أمة واحدة توحدنا الآلام والآمال، وأن ما يحدث في أي قطر عربي من الممكن وبشدة أن تكون له تداعياته المؤثرة، وما يحصل الآن على سبيل المثال أو ما حصل في مصر وتونس انعكس بشكل سريع على العديد من البلدان العربية، وسواء أأحدث نفس النتائج أم لا، فإنه أعلن عن ميلاد واقع عربي جديد، وأن لغة الإعلام قد تغيرت، وصار جلياً مدى تأثير التكنولوجيا في الحياة اليومية لجيل الشباب وقدرتها على توجيههم وتنظيمهم، ولم يدُرْ في خلد النظامين السابقين في كل من تونس ومصر أن لهذه التكنولوجيا الجديدة القدرة والقوة. وبعيداً عن الأسباب العميقة التي أحدثت التغيير، فإن الثقافة المستوردة قد حيدت كثيراً دور المثقف التقليدي، وأرست مفاهيم مختلفة في صناعة وتوجيه الرأي العام وإعادة ترتيب أولوياته. وإن كانت الديمقراطية مطلباً عالمياً فإن الدول الكبرى هي التي أطالت في عمر النظامين في كل من مصر وتونس، ولكن الغرب لديه الكثير من الحذق والمكر في التنصل من الوعود وركوب الموجة وإعادة إخراج المشهد، وهذا مع كل ما فيه من إتقان لا ينطلي على الأجيال المتعلمة.