د. أحمـــد داوود.. شـــــــعلة الـــــحضـارة أوقـــدتــها جـــدّاتنا

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
[h=3](سلاح الفكر والإعلام، إذا ما أُحسن استخدامه وخاصة في معركة كالتي تخوضها الأمة العربية اليوم لن يكون أقل شأناً وفعلاً من تأثير أي سلاح آخر، والظرف مثالي لاستخدام مثل هذا السلاح، فالحق كله في جانب والباطل والتزوير والعدوان كله في جانب آخر، وكما كان التزوير جزءاً من السياسة التي انتهجها الخصوم، فإن التصحيح لا بد أن يكون في صلب السياسة التي ينتهجها العرب اليوم.)[/h] [h=3]إن من يعي ذاته والأصول التراثية.. وحده يؤكد قوة الحاضر ويصنع المستقبل.. من هذا المنطلق كانت رحلة الدكتور أحمد يوسف داوود في مسيرة الحياة والعمل، ليس في هذا العالم من يثبت أن إنساننا أكل في يوم من الأيام لحم البشر، بينما الأوروبيون وبوثائقهم ظلّ إنسانهم يأكل لحم البشر حتى القرن الثاني عشر للميلاد، فملحمة جلجامش أقدم من إلياذة هوميروس بما ينوف عن 1500 عام، وهي أروع منها شكلاً ومضموناً، وألف ليلة وليلة أعظم إنتاج شعبي لشعب عظيم، هذا التراث الشعبي علّمنا كيف نكتب القصة والرواية، وقد أقام السوريون أول دولة في التاريخ وكان شعارهم "النسر" فاستطاع عالم التاريخ الباحث والمبدع أن يجول في سراديب التاريخ وأصول التراث ويبحث ويفتش عن كنوزنا الدفينة التي تحاول قوى التشويه والتزييف طمسها لإخفاء نور الحقيقة، واستطاع أن يزيل الغبار وينشر الحقيقة الساطعة كالشمس عن حضارة خالدة لا تغيب، وأن يؤكد قوة الحاضر وولادة المستقبل، إنه الدكتور أحمد داوود الذي طرقنا برفقته باب التاريخ ودخلنا لنقلّب في صفحاته ونمشي بين سطوره لنسلّط الضوء على محطات هامة كانت غافية في دهليز الزمن استطاعت أن تغيّر وجه التاريخ، فأزحنا عنها الغبار وبدأنا رحلتنا.[/h] [h=3]> لم يلقَ شعبٌ من الشعوب أو أمة من الأمم. من ضروب المسخ والتشويه والتزوير مثل ما لقيه تاريخ العرب، فقد التقت على ذلك وفي سبيل ذلك كل قوى الهيمنة الحديثة بالإضافة إلى الصهيونية العالمية التي لم تترك شيئاً حقيقياً دون تزوير، وهذا أخطر أنواع الحروب، لذلك يجب أن نكون حملة مشاعل نور ومعرفة وثقافة وفكر وفن وإبداع لننفض هذا الغبار والتزوير عن كنوزنا التراثية والتاريخية الدفينة، وهذه مقدمة من محاضرته التي ألقاها في أستراليا بدعوة من رابطة إحياء التراث العربي لفوزه بجائزة جبران خليل جبران العالمية، وفي عودة إلى عمق التاريخ والبحث عن حضارة أجدادنا نرى جدتنا لاتزال تقف بشموخها حاملة شعلتها الحضارية، فمنذ آلاف السنين أوقدت جدتي الشعلة الحضارية ودُعيت ربة العرش وآلت ألا تدعها تنطفئ ثم وبعد عدة آلاف من السنين أرسلت بناتها وكاهناتها صنوبرات إيدا إلى كل الأصقاع لتعلّم إنسان الكهف زراعة القمح وصناعة الرغيف ليكف عن أكل بعضه بعضاً حاملة في إحدى يديها كلماتها إليكم... (الحمل فداء البشر.. رأس الحمل بدلاً من رأس الإنسان.. وعنق الحمل بدلاً من عنق الإنسان... وصدر الحمل بدل من صدر الإنسان....) وفي اليد الأخرى كلمات جدنا التي وجهها إلى شعبه منذ 5000 آلاف عام (...حطم سيفك تناول فأسك واتبعني وازرع السلام والمحبة في مركز الأرض وسورية هي مركز الأرض..).. إن العذراء التي تحمل السنابل محمولة على ظهر أسد سماوي هي التي أقامت العدالة وأشادت المدن، وعلى يديها عرفنا السعادة، وبفضل هباتها تعرفنا إلى الأرباب .. إنها أم الأرباب ..إنها الفضيلة والسلام... إنها الزراعة (زيريس) الربة السورية التي تزن في ميزانها الحياة وقوانينها، لقد أردنا فيها سورية نجم السماء الذي يقدمون له في ليبيا كل احترام وعن طريقها تلقينا كل علم... (جان بابليون... امبراطوريات سوريات من المختارات الشعرية اللاتينية).[/h] [h=3]ويتابع د. داوود هذه هي سوريه منذ آلاف السنين وهذه رسائلها.. كلماتها رسائل حب وأمان وحقيقة كل إنسان هو نتيجة لعملية خلق وتخليق.. فالخلق هو ما حمله معه من مورثات جينية والتخلّق هو ما أبدعه من خلال جدليته العقلية مع الواقع المحيط به، وبما يتعلق بي فقد ولدت في قرية "تل حويري" لأسرة صغيرة يعمّها الحب والحنان والعلم والبساطة، وأبي كان شيخاً تقياً وشاعراً وأديباً ولغوياً وله الفضل بتعلمي اللغة العربية منذ أن كان عمري خمس سنوات، ثم أصبح يعلمني مبادئ الإعراب وشرح معاني الكلمات في القرآن الكريم وأنا في عمر السادسة، ثم كان المتنبي المربي الثاني لي، فمكتبة والدي كانت تضم أمهات الكتب، وأسرتنا لقّبت بالخطيب، والخطيب كالكتّاب بدمشق يعلّم الكتابة والقراءة، أما بالنسبة لوالدتي فكانت معروفة بذكائها الوقاد، وكان همها تعليمنا، ولم تكن في القرية مدارس وما إن افتتحت مدرسة في "كنكارو" -القرية المتاخمة لقريتنا- حتى أصرّت أمي على أن ندرس في المدرسة التي كانت غرفة مستأجرة في بيت طيني ونأخذ زوادة ونذهب إلى المدرسة، وأول دخولي المدرسة وضعت في الصف الثالث وكان عمري 6 سنوات وفي الخامس أجرى لي الأستاذ مقابلة وقدّم لي سنّي سنتين وبعدها ذهبنا إلى جبلة وكان فيها مدرسة... ثم إلى اللاذقية ثانوية البنين..وفي ذلك العام كنت الأول في المدرسة... وكان العاشر أدبي وعلمي والحادي عشر طبيعيات ورياضيات وفيزياء.. والأدبي آداب ولغات واجتماعيات، فأنا كنت الأول في العاشر العلمي... في تلك الفترة عشت الفترة بكل تفاصيلها وكل شيء اختزلته في ذاكرتي من طريقة عمل النمل وراقبت النملة وشاركت في كل أنواع الزراعة، وكل ما في القرية من نباتات كانت تدهشني، وحين كنت في القرية.. كان طموحي أن أصبح شاعراً أوطبيباً أوضابطاً.. ولم تبقَ عشبة إلا وجربتها مع الشاي.. وكنت مصمماً على أن أكتشف هذه الأدوية.. وفي العاشر العلمي حصلت على الدرجة الأولى...[/h] [h=3]قريتنا على جبل ولكن القرية القديمة في أسفلها فيها من الفخار الملوّن والجميل والمكسر مثلما فيها من التراب... وكنا نعثر فيها على مسارح سوريّة قديمة تعود للألف الأول والثالث قبل الميلاد...وهناك خوابي وأقراص من الذهب ويقول أهالي القرية إنه حدث زلزال وقلب كل شيء ثم ذهبوا إلى الجبال وصنعوا بيوتاً منحوتة في الصخر لحمايتهم من الزلازل وهذه القرية فيها أقدم الآثار، وتاريخنا هو تاريخ الإنسان العاقل. وبعد أن نلت شهادة الباكالوريا فرع الآداب واللغات حصلت على الدرجة الأولى، وعندها تقدّمت إلى المعهد العالي للغة الإنكليزية ولأول مرة تُقدم جامعات موسكو أربعة مقاعد للحصول على الآداب واللغات من جامعة موسكو .. فأجروا امتحاناً وأخذوا الأربعة الأوائل، وكنت منهم، فسحبت من المعهد العالي وسافرت إلى موسكو وهنا تبدأ مرحلة جديدة من حياتي، وخبرت في نفسي ميلي نحو كتابة تاريخنا.[/h] [h=3]هو ليس لنا.. يوناني وروماني، و بدأت الأمور تتحرك، وبالمناسبة حينما كنا ندرس تاريخ العصور القديمة في المدرسة الثانوية كنا نحسّ أننا أمام تاريخ أجنبي لا علاقة لنا به كتابة وتقديماً.. حمورابي من هو حمورابي؟ كله أجنبي ولا أحد يشير من قريب أو بعيد إلى أن هؤلاء الناس عربٌ أو سوريون ولغتهم العربية بلهجتها السريانية..ثم عندما عدت انكببت وأحسست أنني أمام جبل مهدّم وهذا هو تاريخنا..من أين أبدأ لا أعرف كل ما فيه مزور ومهدّم على الأرض، فبدأت بكتابة تاريخ سورية القديم وسميته (تصحيح وتحرير).... وكيف أتناول هذه الكومة من الأنقاض لذلك شعرت أن عليّ أن أتناول هذا الهيكل العظمي لهذه الأنقاض دون الخوض في التفاصيل مثلاً ما هو التاريخ كعلم نحن العرب صدّر لنا فكرة أن التاريخ علم تخصصي.[/h] [h=3]ويواصل د. داوود سرده لتفاصيل رحلته مع الحياة والتاريخ فقال: لما كان التاريخ في أبسط تعريف له هو سجل لنشاط الإنسان العاقل المادي والروحي في تطوره ضمن شروط وجوده الطبيعية في تغيّرها، وبالتالي هو كل شيء..هو العلم الثقافة والأدب والفن والتجارة والصناعة والزراعة من أول بيت إلى أول دولة بكل مؤسساتها، وهو كل شيء وهو علم موسوعي شمولي أصدرت الكتب الأخرى في سلسلة "سورية وعودة الزمن العربي" وحتى الآن صدر سبعة كتب ...في الكتاب الأول لملمت الهيكل العظمي، والسوريون أول من كتب التاريخ ووضع الأبجدية وكتب الأسطورة والأسطورة هي أول كتاب في التاريخ، وليس هناك تميّز بين الأسطورة والتاريخ بل هناك تميّز بين الأسطورة والخرافة، فاللغة واكبت الإنسان منذ أن وجد في جماعة، لذلك فإن اللغة العربية هي أغنى لغة موزونة غنية وتضم 1600 جذر وكل جذر يمثل فعلاً من ثلاثة أحرف بينما اللغات الأنكلو سكسونية 1000جذر اللاتينية 600 جذر وانقرضت.[/h] [h=3]وفي رصيد د. داوود مجموعة من الكتب التاريخية الهامة هي: "تاريخ سورية القديم "تصحيح وتحرير"- "العرب والساميون والعبرانيون وبنو إسرائيل واليهود"- "تاريخ سورية الحضاري القديم، ويقسم هذا الكتاب إلى قسمين: "المركز" ويتضمن تاريخ سورية الحضاري القديم، والقسم الثاني يتضمن "سورية وحقيقة الإغريق"، ومن الكتب أيضاً كتاب "تاريخ سورية الحضاري القديم والسوريون في إيطاليا": وتاريخ سورية الحضاري القديم، ثم تعريف بأميرات سورية من جوليا دومنا إلى زنوبيا.. من روما إلى بيزنطة".[/h] [h=3]وهناك موسوعة نينورتا التاريخية تحدّث عنها د. داوود قائلاً: هي موسوعة ضخمة شاملة كنا ندرس العلوم مسبقاً، وكان على كل إنسان أن يكون متعلّماً، وأن يكون موسوعياً فيدرس أولاً الحساب الهندسي ومنها الموسيقى، والكون كله هارموني ومتوازن، فالفارابي كان عالماً في علم الحساب والطب والإمام جعفر الصادق كان فقيهاً في كل العلوم وابن حيان تتلّمذ على يد جعفر الصادق، ومرة سئل جابر بن حيان لماذا تعشق الكيمياء فكان جوابه: توقي الشديد لأتوصل لصناعة ورق لأدون عليه علم سيدنا جعفر، ومن هنا كانت هذه الموسوعة.[/h] [h=3]أيضاً هناك اللغة وتركبيتها وكانت مؤلفة من جذر ثلاثي فحسب صيغته تخلق شجرة من الكلام. وبالنسبة للنسر أقام السوريون أول دولة في التاريخ وشعارهم النسر، والنسر هو الرمز التصويري للإنسان العاقل، وكلمة عقل هي: "عقل وفهم وتدبر وحِكَم وارتقاء، والإنسان العاقل يجب أن يبدع ويخلق ليصعد ويرتقي إلى مجمع أرقى هو ما يدعى بالواقعية الإنسانية من أجل أن أصعد وأرتقي، فكان النسر والعقاب والطير الحرّ، والعقاب هو العقل الأول الذي خلق كل شيء، ورسمه التصويري طائر العقاب وراية النبي محمد اسمها العُقَاب أي العُقل، والعُقل هي التي ذهبت إلى الغرب واسمها egle أي النسر، فسلاح الفكر والإعلام، إذا ما أحسن استخدامه وخاصة في معركة كالتي تخوضها الأمة العربية اليوم لن يكون أقل شأناً وفعلاً من تأثير أي سلاح آخر، والظرف مثالي لاستخدام مثل هذا السلاح، فالحق كله في جانب والباطل والتزوير والعدوان كله في جانب آخر، وكما كان التزوير جزءاً من السياسة التي انتهجها الخصوم، فإن التصحيح لا بد أن يكون في صلب السياسة التي ينتهجها العرب اليوم.[/h]
 
أعلى