رأفت الهجان

نور الشام

بيلساني شهم

إنضم
Jan 10, 2009
المشاركات
228
مستوى التفاعل
17
المطرح
ضو الشام نور الياسمين
الفصل الثالث

الفصل الثالث





في مذكراته، وبقلمه، يواصل (رفعت الجمّال) رواية تفاصيل مقابلته الأولى، لضابط البوليس السياسي، قائلاً:



-
عندئذ عرفت أنني وقعت في المصيدة التي نصبها لي. عرفت أنه انتصر عليّّ. فقد استفزني إلى أقصى الحدود ليجعلني أظهر على حقيقتي،
واستطاع ببضع كلمات عن أعداء مصر أن يجعلني أكشف الستر عما أخفيته.



وهنا قال:

- (رفعت)

أنافخور بك. أنت مصري أصيل. أطلب منك أن تخبرني شيئاً واحداً وبعدها سأعترف لك بالسبب في أنك هنا،
وفي أني مهتم بك أشد الاهتمام. كيف نجحت في جعل اليهود يقبلونك كيهودي؟


أجبت قائلاً:

-
هذه قصة طويلة، وأنا واثق من أنك لا تريدسماعها.
وكانت إجابته:
-

جرَّب. عندي وقت طويل.
سألته:
-

وفيم يهمك هذا؟
قال هادئاً:
-

لأنني بحاجة إليك، وعندي عرض أريد أن أقترحه عليك.
ربماكنت أنتظر هذه اللحظة. إذ سبق لي أن عشت أكاذيب كثيرة في حياتي،
وبعد أن قضيت زمناًطويلاً وحدي مع أكاذيبي،
أجدني مسروراً الآن إذ أبوح بالحقيقة إلى شخص ما.
وهكذاشرعت أحكي لـ(حسن حسني) كل شيء عني منذ البداية.
كيف قابلت كثيرين من اليهود في ستوديوهات السينما، وكيف تمثلت سلوكهم وعاداتهم من منطلق الاهتمام بأن أصبح ممثلاً.
وحكيت له عن الفترة التي قضيتها في (إنجلترا) و(فرنسا) و(الولايات المتحدةالأمريكية)، ثم أخيراً في (مصر).

بسطت له كل شيء في صدق. إنني مجرد مهرج، ومشخصاتي عاش في التظاهر ومثل كل الأدوار التي دفعته إليها الضرورة ليبلغ ما يريد فيحياته.

بعد أن فرغت من كلامي اتسعت ابتسامة (حسني) أكثر مما كانت وقال لي:

- (رفعت الجمَّال)، أنت إنسان مذهل.
لقد اكتسبت في سنوات قليلة خبرة أكبر بكثير ممااكتسبه شيوخ على مدى حياتهم.
أنت بالضبط الشخص الذي أبحث عنه.
يمكن أن نستفيد منك استفادة حقيقية.


وكان سؤالي هذه المرة- ما الذي تريدني من أجله؟


أجاب قائلاً:
-

كما قلت لك من قبل هناك مشكلات خارجية كثيرة تواجه مصر.

وتوجد في مصرأيضاً رؤوس أموال ضخمة يجري تهريبها.

والملاحظ أن كثيرين من الأجانب وخاصة اليهودهم الذين يتحايلون لتهريب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد.

يمكنهم تحويل مبالغ بسيطة فقط بشكل قانوني،
غير أنهم نظموا فرقاً تخطط وتنظم لإخراج مبالغ ضخمة من مصر.
واليهود هم الأكثر نشاطاً في هذا المجال. إن إسرائيل تأسست منذ خمس سنوات مضت،
وهناك كميات ضخمة من الأموال تتجه إليها.
ونحن ببساطة لا نستطيع تعقب حيلهم، ومن ثم فنحن نريد أن نغرس بينهم شخصاً ما،

يكتسب ثقتهم ويطمئنون إليه وبذا يكتشف حيلهم في تهريب أموالهم إلى خارج البلاد،

كما يكشف لنا عمن وراء ذلك كله.

نريد أن نعرف كيف تعمل قنوات النقل التي يستخدمونها وكل شيء آخر له أهمية.

وأنت الشخص المثالي لهذاالعمل.

الشخص الذي نزرعه وسطهم لابد وأن يكون يهودياً.

ولقد استطعت إقناعهم بأنك كذلك. ما رأيك؟ هل أنت على استعداد لهذه المهمة؟


حدقت فيه كأنه نزل إليّ من السماء. لم أشعر بالاطمئنان، ولم تكن لديّ فكرة عما أنا مزمع عمله.

أوضح لي أنني أفضل فرس رهان بالنسبة له.

وأضاف أنهم سوف يتولون تدريبي،

وإيجاد قصة جيدة الإحكام لتكون غطاء لي، ثم يضعونني وسط المجتمع اليهودي في (الإسكندرية).


سألته:- وماذا يعود عليَّ أنا من هذا؟


- سيتم محو ماضي (رفعت الجمَّال) تماماً،
ويجري إسقاط جميع الإجراءات القضائية الأولية لإقامة الدعاوي ضدك بسبب جوازات السفرالمزورة،

والبيانات الشخصية عن (علي مصطفى)، و(شارلز دينون)، و(دانييل كالدويل)،

وأي أسماء أخرى سبق لك أن استعملتها،

كما سيتم إسقاط أي اتهامات أخرى ضدك.

وسوف تستعيد قيمة شيكاتك السياحية، أو تكتب بالاسم الذي تتخذه لنفسك وتعيش به كيهودي.

هلنعقد الصفقة معاً؟
عدت لأسأله:- هل لي حق الاختيار؟


- من حيث المبدأ لك الخيار. فإذا كنت قد اعتدت على حياة السجن، فمن المؤكد أنك تستطيع اختيار هذا لأن السجن سيكون هو مكانك ومآلك زمناً طويلاً ما لم تسقط الاتهامات ضدك.


- وكيف نبدأإجراءاتنا من هنا إذا ما قبلت عرضك؟


- سنشرع في تدريبك على الفور. سيكون تدريباًمكثفاً ويحتاج إلى زمن طويل.

وسوف تكون لك شخصية جديدة وتنسى ماضيك تماماً.

وما أن توضع في مكانك الجديد حتى تغدو مسؤولاً عن نفسك.

لن يكون لنا دور سوى دعمك بالضرورات، ولن نتدخل إلا إذا ساءت الأمور،
أو أصبح الوضع خطراً.
جلست في مكاني أفكر في الفرص المتاحة لي،

مدركاً ألا خيار آخر أمامي إذا لم أشأ دخول السجن،

لقدأوقع بي (حسن حسني) حيث أراد لي،

ولا حيلة لي إزاء ذلك.

وقفت وبسطت يدي لأصافحه
موافقاً وأنا أقول له:حسن، أظنك أوقعت بي حيث تريد لي أن أكون.

إذن لنبدأ.


أجاب وعلى شفتيه ابتسامة:- أنا سعيد جداً أن أسمع هذا منك.


وبدأت فترة تدريب مكثف. شرحوا لي أهداف الثورة وفروع علم الاقتصاد، وتعلمت سر نجاح الشركات متعددة القوميات،

وأساليب إخفاء الحقائق بالنسبة لمستحقات الضرائب،

ووسائل تهريب الأموال، وتعلمت بالإضافة إلى ذلك عادات اليهود وسلوكياتهم.

وتلقيت دروساًمكثفة في اللغة العبرية كما تعلمت تاريخ اليهود في مصر وأصول ديانتهم.

وعرفت كيف أمايز بين اليهود الإشكانز(*) والسفارد(**) والشازيد(***). وحفظت عن ظهر قلب الشعائر اليهودية وعطلاتهم الدينية حتى أنني كنت أرددها وأنا نائم.

وتدربت أيضاًعلى كيفية البقاء على قيد الحياة معتمداً على الطبيعة في حالة إذا ما اضطرتني الظروف إلى الاختفاء فترة من الزمن.

وتدربت بعد هذا على جميع عادات الشرطة السرية للعمل بنجاح متخفياً.

وأخيراً تقمصت شخصيتي الجديدة.

وأصبحت منذ ذلك التاريخ (جاك بيتون) المولود في 23أغسطس عام1919 في المنصورة،

من أب فرنسي وأم إيطالية.

وأن أسرتي تعيش الآن في (فرنسا) بعد رحيلها عن مصر، وهي أسرة كانت لها مكانتها وميسورةالحال.

وديانتي هي يهودي إشكنازي.

وتسلمت وثائق تحمل اسمي الجديد والتواريخ الجديدة.


هكذا ذكر (رفعت) الأمر، في مذكراته الشخصية..


وهكذا انتهى (رفعتالجمَّال) رسمياً،

ليولد (جاك بيتون)،

الذي انتقل للعيش في (الإسكندرية)، ليقيم في حي يكثر به اليهود،

ويحصل على وظيفة محترمة، في إحدى شركات التأمين..
ورويداًرويداً بدأت ثقته في نفسه تزداد،

وبدأ يتعايش كفرد من الطائفة اليهودية، التي قدمه إليها زميل الحجز السابق (ليفي سلامة)،

والذي قضي معه بعض الوقت، عندما تم إلقاءالقبض عليه،

عند الحدود الليبية..


وفي مذكراته هذه، يكشف لنا (رفعت الجمَّال) جانباً لم يتطرَّق إليه المسلسل التليفزيوني على نحو مباشر أبداً،
إذ تباغتنا المفاجأة بأنه قد انضمّ، أثناء وجوده في (الإسكندرية)، إلى الوحدة اليهودية (131)،

التي أنشأها الكولونيل اليهودي (إفراهام دار)، لحساب المخابرات الحربية الإسرائيلية (أمان)،

والتي شرع بعض أفرادها في القيام بعمليات تخريبية، ضد بعض المنشآت الأمريكية والأجنبية،

على نحو يجعلها تبدو كما لو أنها من صنع بعض المنظمات التحتيةالمصرية،

فيما عرف بعدها باسم (فضيحة لافون)،

نسبة إلى (إسحق لافون)، رئيس الوزراءالإسرائيلي آنذاك..


وفي الوحدة (131)، كان (رفعت الجمَّال) زميلاً لعدد من الأسماء، التي أصبحت فيما بعد شديدة الأهمية والخطورة،

في عالم المخابرات والجاسوسية، مثل (مارسيل نينو)، التي أقام علاقة معها لبعض الوقت،

و(ماكس بينيت)،و(إيلي كوهين)،

ذلك الجاسوس الذي كاد يحتلّ منصباً شديد الحساسية والخطورة، بعد هذابعدة سنوات،

في الشقيقة (سوريا)، وغيرهم..


ومذكرات (رفعت)، في هذا الجزء بالذات،تبدو مدهشة بحق،

إذ أنها تخالف كل ما قرأناه أو تابعناه، بشأن عملية (سوزانا)، أو (فضيحة لافون)؛

إذ أنها توحي بأن كل شيء كان تحت سيطرة جهاز مكافحة الجاسوسية منذالبداية،

وأن (حسن حسني)، ومن بعده (علي غالي)،

الذي تولَّى أمر (رفعت)، في مرحلةتالية، كانا يتابعان نشاط الوحدة (131) طوال الوقت،

وأن معلومات (رفعت)، التي كان ينتزعها، من قلب الوحدة، كانت سبباً أساسياً في إحباط العملية كلها، وإلقاء القبض على كل المشتركين فيها..



 
أعلى