king of sorrow
بيلساني نشيط
- إنضم
- Jul 17, 2010
- المشاركات
- 50
- مستوى التفاعل
- 5
- المطرح
- على شواطئها
كلمات للبشر لتتخلى عن هيكلها , دعوة للموجودين لتجاهل الوجود , دعوة للانغلاق , دعوة .. بدون أدنى تفاصيل للدعوة .. دعوة يعلوها علم ٌ رمزه العصا الغليظة . شريعة الحيوان ..هي نبوءة غزت الفضاء منذ زمن ,فضاء بساطة ذاك الزمن وتلك البلاد البعيدة. كلمات كتبت على صخر الوجود بتعاليم واضحة بينة :
-لكل من يريد الابتسام والفرح .. الرجاء التقدم إلى مكتب الأمن لتقديم تبرير وتفسير لتلك البسمة .. ما قصدك بها ؟ هل تضحك على الدنيا والنظام؟؟
هل تسب الملك ؟ هل تؤيد الثورة ؟ ولما هذا الوقت بالذات لبسمتك الغريبة هذه ..ألا تعلم اسم هذا البلاد ولون علمها ..مملكة الليل .. وعلمها الأسود الذي لا يهيج النفس ولا يوحي بأي من الجنون سوى بالنعاس والاستسلام لذا كان هو علم أمتنا وهو يشجع ما يسمى بلهجتكم الرضا. إنك حقا مجنون؟؟
ألا ترى السواد يرفرف فوق كل البيوت فكيف تجرأ ؟؟ ألا تعلم أن الأمل عدو الشعوب فهو يغطي على القلوب ويعلمها جريمة الحلم والسعادة .. الأمل هو أسطورة جاءت مع القدماء فقط ليقاوموا قسوة الطبيعة وعذاب الدنيا الجديدة لكنهم في النهاية وجدوا حقيقة واحدة في هذا الكون القاسي .. هي أن الوجود فان و لا توجد سوى شريعة الأقوى لتحكمه والضعيف ملك تلك القوة.
حار الفلاح المسكين الذي أطلقت عليه هذه الرصاصات بدون استئذان أو انتظار .. توقف قلبه ومعه توقف تفكيره البسيط وعقله المختفي تحت طين الأرض وخيراتها الذي يغطي رأسه : ..
-كيف !! أين الخطأ الذي ارتكبته لقد رزقت بمولود جديد يا سيدي ؟؟ ما الذي من المفروض أن أحسه !! وكيف لي أن أتمالك فرحتي أو أمنعها ؟
صرخ الضابط قائد الحرس وعروقه تكاد تنفجر غضبا : ألا تقرأ القوانين أيها الأحمق .. كل الأحاسيس محددة بالدستور وكل شعور عارم يجب المصادقة على طلبه .. وممنوع التسرع في هذه المواقف فقد تخلق تلك فوضى في الأحاسيس . وتلك الفوضى تؤدي إلى مشاعر جديدة قد تكون منها الغضب والعصيان الذي يولد الثورة والجنون ..طبعا نحن لا نهتم بالجنون ..فقد امتلأت السجون بالشعراء والكتاب الواهمين . هدفنا توعية الغوغاء وتنظيم أفكارهم .. انتبه لنفسك وإلا سيكون الحكم في المرة القادمة قاضيا ..
- أخرجوه من هنا ..الأحمق المجنون !!..انتظروا لحظة ..هاتوه اربطوه فوق حمار واجعلوه يواجه ذيله, هذا جزاء العصيان فحتى ذاك الحيوان يفهم من الضرب وخذوه إلى الساحة العمومية لنلقنه درسا ونجعله عبرة للناس ونمنحهم ضحكة مجانية لا يدفعون معها شيئا , عربونا منا لتدعيم مكانة حاكمنا في قلوبهم ..أرأيت أيها الجندي دهائي وذكائي في التخطيط ...
- انتظروا لحظة لقد قال مولودا جديدا أليس كذلك ! ما جنسه؟؟ هل هو ذكر ..قل لي بسرعة وبدون مراوغة وتذكر أن رقبتك في خطر ..
تردد الفلاح في الإجابة خوفا من بطش الحراس ..فنهره أحدهم شادا تلك الخرقة الطويلة التي يغطي بها جسمه ورأسه من شدة الفقر ورفعه للأعلى قائلا ..
هيا أيها الهمجي .. أجب الرئيس هل هو ذكر أم لا ..أم ستضطرنا لاقتحام كوخك وقلبه رأسا على عقب وإن لم نجده سنقوم بتعذيب زوجتك ... ونظروا لبعضهم في خبث ..
خاف الفلاح من نظرات الذئاب الجائعة تلك عندما تلمع في الليل فصرخ بقوة وهو يتخبط في يد الحارس كديك مذبوح لفرط طوله وجبروته :
- إنها بنت يا سيدي .. وأُشهد السماء و الملك بهذا , إذا أردتم يمكنكم دخول البيت من أجل بعض الحلويات ..
صرخ الضابط بحدة وقبض الفلاح من رقبته ورماه في الحائط ..أيها الأحمق ها أنت تعترف بأنك أحسست بالسعادة من أجل المولودة الغبية وفرحت بذلك وقدمت حتى الحلويات .. حسنا لقد نجوت لأن المولود ليس ذكرا فالملك لا يستطيع إنجاب الذكور وهم ممنوعون من التواجد حتى تحن السماء وترزق مولاي العزيز مولودا ذكرا ليرثه ويرث هذه المملكة الكبيرة .. لكن نهارك سيكون طويلا ومؤلما جدا .. خذوه يا رجال ..
هجم الفرسان بسعادة كبيرة وتلقفوا الفلاح كأنه كرة صغيرة ووضعوه على الحمار وبدأت مسيرة المذلة تلك وبدأ الموكب ..
الكل ينظر للفلاح المسكين وينظرون للفرسان ثانيا فإذا رأوهم مبتسمين ضحكوا ورموا الحجارة وبصقوا في وجه الفلاح بفرح وإذا لم يبتسم هؤلاء الحراس فإن الأمر خطير ولا يجب إظهار أي مشاعر أو تأثر بصاحب الحظ الملعون هذا .
عرف الفرسان هذه الإشارة فبدؤوا بالقهقهات العالية ليفهم الناس الموقف وتبدأ الرقصة المرسومة من البداية أغرب رقصة اشتهرت بها تلك البلدة .. تسمى رقصة البراءة .. تبدأ بإعلان قائد الحراس الفرسان بإعلان الجريمة التي اقتضت هذه الرحلة القاسية ..فطفق قائلا : يا أهل ومواطني مملكة الليل الخالدة , نجتمع اليوم وكعادتنا من أجل الانتقام لدستورنا .. ونطقت معها الناس بفرح سعداء .. ثم أكمل ..
- وننتقم لعلمنا .. وعمت نفس الصرخة المؤيدة .. وننتقم لأنفسنا أخيرا .. هو القانون الذي يحكم ..ليس الملك وليست الدنيا , أنتم سادتي الحكام هنا فما رأيكم بجرمه هذا وما الذي يستحقه ..
- هذا الملعون قد ضبط يرقص فرحا خارج بيته .. وعمت الجمهور المتفاعل صرخة استهجان .. فأكمل الخطبة بحرارة اكبر وقد نال التفاعل الذي يريده : يقول أنه قد رزق بمولود .. تبا !! كأنه الوحيد في الوجود الذي يتناسل, كما أنه لم يحترم حزننا وحبنا لمولانا الملك ومأساته ..لذا أيها الناس .. اختاروا حكامكم !! ولتبدأ جلسة الإعتراف ولترفض مشاعرك هذه ولتتبرأ منها أيها اللعين ..
فاشتد صراخ الغوغاء المتفائلين بزوال مشاكلهم فمن يدري لعل عذاب هذا الفرد المجهول سيكون قربانا للهناء ليزور هذه البلد المعذبة .. قد يختلف تفسير الجبن أحيانا بل معظم الأوقات , ويسمى بأسماء مذهلة أو مجلجلة لتغطي على حقارة الرضوخ ذلك ..
صعد إلى منصة الحكم تلك ستة أشخاص قسمهم القائد إلى يمين الفلاح المسكين ويساره .. كل منهم يُعطى عصا غليظة ويقف بثبات أمام ضعف المعذَّب ويتخيل نفسه الحاكم المطلق لهذا البلدة وأنه المخول بتولي سلطة عذاب المخطئين هو تقليد وإثارة تتنافس عليها الغوغاء دوما ويفرح الفرسان وهم يرون أن ظلمهم المعتاد مبرر مادام يثير هذه السعادة على وجوه الخراف البريئة - . انقسمت المجموعتان وأعطيت الإشارة بالحكم فهجم كل فرق على جهتهم من الفريسة والفلاح معلق على عمود أمام الجمع المستمتع بغباء من يتجاهل مصيره القادم .
و تنهال العصي تباعا على المغضوب عليه وكل ما يملكه في لحظته تلك طأطأة رأسه محاولا حماية .. يحمي ماذا !! ذراعاه مربوطتان فوقه وكل أعضائه تنتظر بوجل القدر المتعدد المحتوم . تضرب العصي الرِّجل فيقف على الأخرى في خفة غريزية , يُضرب على رأسه فيحاول الابتعاد بتحريكه تُضرب الرِّجل الأخرى وتضرب البطن فينكمش متفاعلا مع الألم ثم يقف ثم ..ينخفض محاولا يغريزية حمقاء مكافحة الضربات و تجاهل أطرافه المربوطة , رقصة أثارت سكان البلدة , قضاتها الجدد والحراس يتمتعون بهذه المشاهد الهزلية وضحكات تتداول بين الشفاه . والمسكين تجتاحه الذكريات تحت العصي ويذهل معها من الحقد الذي يسيل مع الحطب فمن أين للجماد بهذا الإحساس وهذا الحقد.
أنا لست سبب عذابهم بل مجرد طرف صغير فيه , مجرد بيدق صغير جدا في رقعة عظيمة, ويدخل المرحلة الثانية من العذاب -نكران الذات - : تبا لتلك المشاعر الذي أوصلتني هنا , تبا لفرحي ولابني الذكر الذي أخفيته عن الوحوش , تبا لزوجتي وحبها العارم لبساطتي , تبا لعشقها البريء ذلك أين تقضي سهرتها تستمع بمتعة لأحاديث الفلاحين المملة ومعها يومي .. تبا لعذابي الذي تعذبته .. تبا لتاريخي كله , تبا لغفلتي التي تصاحبني أبدا , براءة الفلاحين أصبحت خطأ في هذا الزمن , فوداعا للبسمة وداعا وتبا لحنان أمي الذي .. وقبل أن يكمل اعترافه لنفسه تكفيرا عن إخفائه وتمسكه بتلك المشاعر ,وقبل أن يصل إلى ذم نعمة الوجود الكبرى وهي أمه ..دخلت عليه المرحلة الثالثة والأخيرة وهي الاعتراف والإستسلام..
بأن للدنيا يدا أثقل تضرب مع هؤلاء الأشخاص وأنه من المستحيل لي أن أرى النور بعد العاصفة ومستحيل للعاصفة أن تغادر قبلي . أنا مغادر لا محالة , لا يهم السبب وهل أستحق هذا أم لا !لكن .. ما هي الحياة ؟؟ وما نفعها وما قيمتها ؟ وما الدنيا من دوني .. أسئلة كثيرة لن يكتب لي معرفة أجوبتها .. وأغمض عينيه مودعا ..
انتبه الحكام الزبانية لنهاية العذاب فتركوا العصي وفكوا وثاقه ليسقط أرضا . سارعت عجوز تصعد السلالم في تحد للحراس الفرسان الذين لم يهتموا . اقتربت من المرمي بكره أمام العيون وقريبا من أذنيه بدأت القول هامسة :ما بالك والدنيا يا ولدي وما بالها تعذبك بعد أن وجدت سعادة المولود وفرحة الخلود في الوجود , ما بال هذه الضباع تترصدك لتنهش لحظاتك! فقط لأنك كنت إنسانا في فرحتك وكنت بسيطا في أحلامك , تبا لهذا المنطق واللعنة على تلك الضباع ..وقالتها بصوت عال ليسمعها الحراس لكنهم لم يهتموا بتلك العجوز ..
لكن ..أين صراخهم الذي كان , أين استهزاؤهم .. ما هذا السكون, ترى هل زارهم الضمير الآن , هل تحركت القلوب .. إذا كانوا يملكون منها ..
- قم يا بني قم .. اصطبر من أجل عائلتك فنعم الفعل أن تخفي عنهم ولادة خليفتك .. أتمنى حقا أن لا تكون قد أصبت بأذى فتلك نهاية دنياي يا ولدي .. ونطق الفلاح بعناء كبير .. وجهد عظيم .. أمي ..ثم سقط بتعب ..
-لكل من يريد الابتسام والفرح .. الرجاء التقدم إلى مكتب الأمن لتقديم تبرير وتفسير لتلك البسمة .. ما قصدك بها ؟ هل تضحك على الدنيا والنظام؟؟
هل تسب الملك ؟ هل تؤيد الثورة ؟ ولما هذا الوقت بالذات لبسمتك الغريبة هذه ..ألا تعلم اسم هذا البلاد ولون علمها ..مملكة الليل .. وعلمها الأسود الذي لا يهيج النفس ولا يوحي بأي من الجنون سوى بالنعاس والاستسلام لذا كان هو علم أمتنا وهو يشجع ما يسمى بلهجتكم الرضا. إنك حقا مجنون؟؟
ألا ترى السواد يرفرف فوق كل البيوت فكيف تجرأ ؟؟ ألا تعلم أن الأمل عدو الشعوب فهو يغطي على القلوب ويعلمها جريمة الحلم والسعادة .. الأمل هو أسطورة جاءت مع القدماء فقط ليقاوموا قسوة الطبيعة وعذاب الدنيا الجديدة لكنهم في النهاية وجدوا حقيقة واحدة في هذا الكون القاسي .. هي أن الوجود فان و لا توجد سوى شريعة الأقوى لتحكمه والضعيف ملك تلك القوة.
حار الفلاح المسكين الذي أطلقت عليه هذه الرصاصات بدون استئذان أو انتظار .. توقف قلبه ومعه توقف تفكيره البسيط وعقله المختفي تحت طين الأرض وخيراتها الذي يغطي رأسه : ..
-كيف !! أين الخطأ الذي ارتكبته لقد رزقت بمولود جديد يا سيدي ؟؟ ما الذي من المفروض أن أحسه !! وكيف لي أن أتمالك فرحتي أو أمنعها ؟
صرخ الضابط قائد الحرس وعروقه تكاد تنفجر غضبا : ألا تقرأ القوانين أيها الأحمق .. كل الأحاسيس محددة بالدستور وكل شعور عارم يجب المصادقة على طلبه .. وممنوع التسرع في هذه المواقف فقد تخلق تلك فوضى في الأحاسيس . وتلك الفوضى تؤدي إلى مشاعر جديدة قد تكون منها الغضب والعصيان الذي يولد الثورة والجنون ..طبعا نحن لا نهتم بالجنون ..فقد امتلأت السجون بالشعراء والكتاب الواهمين . هدفنا توعية الغوغاء وتنظيم أفكارهم .. انتبه لنفسك وإلا سيكون الحكم في المرة القادمة قاضيا ..
- أخرجوه من هنا ..الأحمق المجنون !!..انتظروا لحظة ..هاتوه اربطوه فوق حمار واجعلوه يواجه ذيله, هذا جزاء العصيان فحتى ذاك الحيوان يفهم من الضرب وخذوه إلى الساحة العمومية لنلقنه درسا ونجعله عبرة للناس ونمنحهم ضحكة مجانية لا يدفعون معها شيئا , عربونا منا لتدعيم مكانة حاكمنا في قلوبهم ..أرأيت أيها الجندي دهائي وذكائي في التخطيط ...
- انتظروا لحظة لقد قال مولودا جديدا أليس كذلك ! ما جنسه؟؟ هل هو ذكر ..قل لي بسرعة وبدون مراوغة وتذكر أن رقبتك في خطر ..
تردد الفلاح في الإجابة خوفا من بطش الحراس ..فنهره أحدهم شادا تلك الخرقة الطويلة التي يغطي بها جسمه ورأسه من شدة الفقر ورفعه للأعلى قائلا ..
هيا أيها الهمجي .. أجب الرئيس هل هو ذكر أم لا ..أم ستضطرنا لاقتحام كوخك وقلبه رأسا على عقب وإن لم نجده سنقوم بتعذيب زوجتك ... ونظروا لبعضهم في خبث ..
خاف الفلاح من نظرات الذئاب الجائعة تلك عندما تلمع في الليل فصرخ بقوة وهو يتخبط في يد الحارس كديك مذبوح لفرط طوله وجبروته :
- إنها بنت يا سيدي .. وأُشهد السماء و الملك بهذا , إذا أردتم يمكنكم دخول البيت من أجل بعض الحلويات ..
صرخ الضابط بحدة وقبض الفلاح من رقبته ورماه في الحائط ..أيها الأحمق ها أنت تعترف بأنك أحسست بالسعادة من أجل المولودة الغبية وفرحت بذلك وقدمت حتى الحلويات .. حسنا لقد نجوت لأن المولود ليس ذكرا فالملك لا يستطيع إنجاب الذكور وهم ممنوعون من التواجد حتى تحن السماء وترزق مولاي العزيز مولودا ذكرا ليرثه ويرث هذه المملكة الكبيرة .. لكن نهارك سيكون طويلا ومؤلما جدا .. خذوه يا رجال ..
هجم الفرسان بسعادة كبيرة وتلقفوا الفلاح كأنه كرة صغيرة ووضعوه على الحمار وبدأت مسيرة المذلة تلك وبدأ الموكب ..
الكل ينظر للفلاح المسكين وينظرون للفرسان ثانيا فإذا رأوهم مبتسمين ضحكوا ورموا الحجارة وبصقوا في وجه الفلاح بفرح وإذا لم يبتسم هؤلاء الحراس فإن الأمر خطير ولا يجب إظهار أي مشاعر أو تأثر بصاحب الحظ الملعون هذا .
عرف الفرسان هذه الإشارة فبدؤوا بالقهقهات العالية ليفهم الناس الموقف وتبدأ الرقصة المرسومة من البداية أغرب رقصة اشتهرت بها تلك البلدة .. تسمى رقصة البراءة .. تبدأ بإعلان قائد الحراس الفرسان بإعلان الجريمة التي اقتضت هذه الرحلة القاسية ..فطفق قائلا : يا أهل ومواطني مملكة الليل الخالدة , نجتمع اليوم وكعادتنا من أجل الانتقام لدستورنا .. ونطقت معها الناس بفرح سعداء .. ثم أكمل ..
- وننتقم لعلمنا .. وعمت نفس الصرخة المؤيدة .. وننتقم لأنفسنا أخيرا .. هو القانون الذي يحكم ..ليس الملك وليست الدنيا , أنتم سادتي الحكام هنا فما رأيكم بجرمه هذا وما الذي يستحقه ..
- هذا الملعون قد ضبط يرقص فرحا خارج بيته .. وعمت الجمهور المتفاعل صرخة استهجان .. فأكمل الخطبة بحرارة اكبر وقد نال التفاعل الذي يريده : يقول أنه قد رزق بمولود .. تبا !! كأنه الوحيد في الوجود الذي يتناسل, كما أنه لم يحترم حزننا وحبنا لمولانا الملك ومأساته ..لذا أيها الناس .. اختاروا حكامكم !! ولتبدأ جلسة الإعتراف ولترفض مشاعرك هذه ولتتبرأ منها أيها اللعين ..
فاشتد صراخ الغوغاء المتفائلين بزوال مشاكلهم فمن يدري لعل عذاب هذا الفرد المجهول سيكون قربانا للهناء ليزور هذه البلد المعذبة .. قد يختلف تفسير الجبن أحيانا بل معظم الأوقات , ويسمى بأسماء مذهلة أو مجلجلة لتغطي على حقارة الرضوخ ذلك ..
صعد إلى منصة الحكم تلك ستة أشخاص قسمهم القائد إلى يمين الفلاح المسكين ويساره .. كل منهم يُعطى عصا غليظة ويقف بثبات أمام ضعف المعذَّب ويتخيل نفسه الحاكم المطلق لهذا البلدة وأنه المخول بتولي سلطة عذاب المخطئين هو تقليد وإثارة تتنافس عليها الغوغاء دوما ويفرح الفرسان وهم يرون أن ظلمهم المعتاد مبرر مادام يثير هذه السعادة على وجوه الخراف البريئة - . انقسمت المجموعتان وأعطيت الإشارة بالحكم فهجم كل فرق على جهتهم من الفريسة والفلاح معلق على عمود أمام الجمع المستمتع بغباء من يتجاهل مصيره القادم .
و تنهال العصي تباعا على المغضوب عليه وكل ما يملكه في لحظته تلك طأطأة رأسه محاولا حماية .. يحمي ماذا !! ذراعاه مربوطتان فوقه وكل أعضائه تنتظر بوجل القدر المتعدد المحتوم . تضرب العصي الرِّجل فيقف على الأخرى في خفة غريزية , يُضرب على رأسه فيحاول الابتعاد بتحريكه تُضرب الرِّجل الأخرى وتضرب البطن فينكمش متفاعلا مع الألم ثم يقف ثم ..ينخفض محاولا يغريزية حمقاء مكافحة الضربات و تجاهل أطرافه المربوطة , رقصة أثارت سكان البلدة , قضاتها الجدد والحراس يتمتعون بهذه المشاهد الهزلية وضحكات تتداول بين الشفاه . والمسكين تجتاحه الذكريات تحت العصي ويذهل معها من الحقد الذي يسيل مع الحطب فمن أين للجماد بهذا الإحساس وهذا الحقد.
أنا لست سبب عذابهم بل مجرد طرف صغير فيه , مجرد بيدق صغير جدا في رقعة عظيمة, ويدخل المرحلة الثانية من العذاب -نكران الذات - : تبا لتلك المشاعر الذي أوصلتني هنا , تبا لفرحي ولابني الذكر الذي أخفيته عن الوحوش , تبا لزوجتي وحبها العارم لبساطتي , تبا لعشقها البريء ذلك أين تقضي سهرتها تستمع بمتعة لأحاديث الفلاحين المملة ومعها يومي .. تبا لعذابي الذي تعذبته .. تبا لتاريخي كله , تبا لغفلتي التي تصاحبني أبدا , براءة الفلاحين أصبحت خطأ في هذا الزمن , فوداعا للبسمة وداعا وتبا لحنان أمي الذي .. وقبل أن يكمل اعترافه لنفسه تكفيرا عن إخفائه وتمسكه بتلك المشاعر ,وقبل أن يصل إلى ذم نعمة الوجود الكبرى وهي أمه ..دخلت عليه المرحلة الثالثة والأخيرة وهي الاعتراف والإستسلام..
بأن للدنيا يدا أثقل تضرب مع هؤلاء الأشخاص وأنه من المستحيل لي أن أرى النور بعد العاصفة ومستحيل للعاصفة أن تغادر قبلي . أنا مغادر لا محالة , لا يهم السبب وهل أستحق هذا أم لا !لكن .. ما هي الحياة ؟؟ وما نفعها وما قيمتها ؟ وما الدنيا من دوني .. أسئلة كثيرة لن يكتب لي معرفة أجوبتها .. وأغمض عينيه مودعا ..
انتبه الحكام الزبانية لنهاية العذاب فتركوا العصي وفكوا وثاقه ليسقط أرضا . سارعت عجوز تصعد السلالم في تحد للحراس الفرسان الذين لم يهتموا . اقتربت من المرمي بكره أمام العيون وقريبا من أذنيه بدأت القول هامسة :ما بالك والدنيا يا ولدي وما بالها تعذبك بعد أن وجدت سعادة المولود وفرحة الخلود في الوجود , ما بال هذه الضباع تترصدك لتنهش لحظاتك! فقط لأنك كنت إنسانا في فرحتك وكنت بسيطا في أحلامك , تبا لهذا المنطق واللعنة على تلك الضباع ..وقالتها بصوت عال ليسمعها الحراس لكنهم لم يهتموا بتلك العجوز ..
لكن ..أين صراخهم الذي كان , أين استهزاؤهم .. ما هذا السكون, ترى هل زارهم الضمير الآن , هل تحركت القلوب .. إذا كانوا يملكون منها ..
- قم يا بني قم .. اصطبر من أجل عائلتك فنعم الفعل أن تخفي عنهم ولادة خليفتك .. أتمنى حقا أن لا تكون قد أصبت بأذى فتلك نهاية دنياي يا ولدي .. ونطق الفلاح بعناء كبير .. وجهد عظيم .. أمي ..ثم سقط بتعب ..
من خيال لحظاتي ..
.gif "وردة وردة*")
