زمن الشعر

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
أسئلة نرددها بكثرة هذه الأيام، ويبدو أن الإجابات الكاملة عنها لم تحضر بعد.
هل نحن في زمن الشعر أم في زمن اللاشعر؟ هل يعيش الشعر في أزمة؟هل يمكن للشعر اليوم أن يعبّر عن عواطفنا وهواجسنا وعن قلقنا وشغفنا؟!.
هل الشعر فعل شعوري نبادر به نحو العالم، أم أنه ردة فعل على تأثير الطبيعة والبشر فينا؟ هل الشعر الابن الشرعي للألم أم أنه وليد الرغبة في الهروب من الواقع؟.
كان الشعر رفيق الإنسان منذ الأزل، فنصوصه الأولى رددها الناس شفاهة قبل أن يدونوها كتابة، وكان دائماً المعبر عن عواطف الناس ومواقفهم من الطبيعة والحياة، بحيث عكس هذا الشعر واقع البيئة التي يعيشون في كنفها.
واستمر الشعر في الالتصاق بالحياة اليومية للإنسان، فأصبح الشاعر لسان حال قومه، والمعبر عن همومهم وتطلعاتهم السياسية والاجتماعية.
وعاش الشعر مثله مثل أي فن أو نوع أدبي آخر مراحل متنوعة من الصعود والهبوط، فتارة يرتقي بلغته وخياله، وتارة أخرى يغوص في المجهول واللغو ويبتعد عن أفئدة الناس.
ووراء النصوص والحروف وقف على الدوام فرسان يحملون الكلمة، ويمتطون صهوات الخيال ليقدموا لنا باختراقاتهم اللغوية والفكرية لغة شعرية تجعلنا نقف بدهشة أمام إبداعاتهم.
ومع تقدم الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتعقد مفردات الحياة، ومع استهلاك الإنسان لذاته في الهرولة وراء مستحدثات العصر المذهلة وتقنياته التي تصل حدود اللامعقول،ابتعد الشعر عن العقول والألسنة، لتأخذ السياسة بجدلها ووسائل الاتصالات الحديثة بتنوعها كامل الوقت المتاح أمامنا لنعيش الشعر أو نتذوقه.
لقد التهمت التكنولوجيا البصرية والسمعية الصمت العبقري والتأمل الذكي والترقب الإيحائي والانتظار الملهم،وغلّفت الزمن بغشاوة من المتعة زائلة الملامح.
وهذا ما يجعلنا نسأل مجدداً: هل حضارة الآلة استطاعت أن تقهر حضارة الكلمة، وهل سرعة الاتصال قد طمست رهافة الحس؟.
هل عبارات السياسة المعلبة و تعابيرها المغلفة بالخبث والدهاء غلبت تعابير الصدق وآهات الوجدان، وحلاوة الجري وراء الأفكار الجميلة؟.
هل إبهار الرؤية انتصر في عصرنا على جمالية الرؤيا؟ هل قيدت التكنولوجيا مساحات الخيال لدينا، وتمكنت من العبث براحتنا وأعصابنا وأحلامنا؟.
وأنا لا أضع التكنولوجيا في مواجهة الشعر، ولكننا الآن نعيش زمنها ونتباكى على زمن الشعر.. ولذلك أصبح للشعر يوم نحتفي به، وننساه بقية العام.
وليست كثرة الشعراء مؤشراً على خير يصيب الشعر،وليست كثرة الدواوين مؤشراً على صحة تعيشها صناعة الكلمة، إذ إن شاعراً واحداً قادر على أن ينهض بالشعر، فيما يعجز العشرات منهم عن تحريك مشاعر قارئ واحد.
وقد يغدو لديوان واحد شهرة ومكانة في قلوب القراء لا يمكن لآلاف الدواوين أن تحظى بها.
نعم.. إن الشعر قد افتقد حرارته، وافتقد كينونته، لا لأن الجمهور بعيد عنه، بل لأن الكثير من الشعراء ساهموا في إبعاد الناس عنه، حتى غدا الشعر ضرباً من ضروب الإبهام أو القمار أو أحجية من أحاجي المنجمين والسحرة.
أصبح الشعراء سفراء الواقع، لا فرسان التمرد عليه والنهوض به، أصبح الشعر مدجَناً ويفرخ، كما تفرخ الصيصان في أي مدجنة.
أصبحت الكلمة مطواعة، لينة بعدما كانت شقية وعصية على التناول، لقد ضاعت كلمات الشعر بين كلمات السياسة والتجارة وأسواق المال وأسعار الصرف، وتاهت خيالات الإبداع في أتون من سيربح المليون أو من سوف يسرقه أو يأخذه أو يبيع نفسه لأجله.
كثر من الشعراء يقولون كلمتهم تعبيراً عن ضائقتهم فحسب، لا عن إحساسهم بالقدرة على مواجهة الضيق، ونحن نريد شعراء يعبّرون عن توقهم للحرية الأزلية، واستعدادهم للموت فداء لعينيها..
نريد شعراً منفتحاً على الحياة، لا شعراً مكبوتاً ضمن دوائر السواد أو الارتجال أو التملق أو الوصف الباهت للوقائع..
نريد شعراً يحمل الوطن إلى الأمام، ويمشي به نحو المستقبل.. شعراً يلتزم الأمل ويبتعد عن شبح اليأس المتقد كالجمر بين ملابسنا.
لا أنكر وجود الشعراء، ولكنني أنكر أننا في زمن الشعر، لا أتحامل على الشعراء، وكثر منهم من خيرة المبدعين، ولكنني أتحامل على الظروف التي أصبحت عاجزة عن تقديم فارس من فرسانه أو جعله نجماً أسوة بالنجوم في الفنون البصرية والسمعية الأخرى.
لم يمت فينا الشعر، ولكننا نشعر أن الشعرية في حياتنا على وشك أن تموت، وليس المطلوب منا أن نعود إلى بيت الشعر والخيمة البدوية حتى نقرض الشعر، بل المطلوب أن نعطي أرواحنا برهة من الراحة والاطمئنان لتصبح قادرة على التفاعل مع الشعر.
إننا نعيش في زمن القلق والفوبيا، زمن انهيار البورصات وفضائح الفساد، زمن التلوث البيئي والنفسي، والجمالي.
ولكننا بكل توترنا.. بكل معاصينا.. بكل آثامنا.. سنظل نحلم بقصيدة تؤرقنا.. بصورة تلهمنا.. بزمن الشعر والبراءة الذي نكاد أن نقتله قبل أن تقتله العولمة والسياسة ووصفات صندوق النقد الدولي وانخفاض أسعار البترول أو ارتفاعها.
 

أيلول

نبض السعادة من رحم الألم

إنضم
May 31, 2009
المشاركات
3,932
مستوى التفاعل
109
المطرح
أرض الله الواسعة
رسايل :

مــا أبعد الصباح في هذا العالم

بالفعل زمن الشعر قد ولّى وأدبر
رحل مع رحيل الثقافة العربية ومبادئها وقيمها
رحل مع موت أسمى المشاعر
كيف ستكتب حروف من قلب فارغ؟؟

لا استطيع تعميم ذلك على كل الشعراء الآن
لكن الأغلبية لا تستطيع جذب الأنظار والحياة لسنين وقرون
شكراً لتميزك دوماً ديزاينر :24:
 

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
وشكراً لتميز حضورك دوماً غزة فلسطين... :24:
 
أعلى