عصر الخلفاء الراشدين

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

attachment.php


1. بيعة أبو بكر الصديق

بيعة أبي بكر الصديق



رجع رسول الله من مكة بعد فراغه من حجة الوداع ـ تلك الحجة التي ودع فيها صلى الله عليه وسلم أمته في خطبته الشهيرة , وأجمل فيها الإسلام وتعاليمه لمن حضر معه ـ ولم يمكث بعد رجوعه إلا قليلا , حتى علاه الإعياء , وغلب عليه المرض , فصار لا يستطيع أن يخرج من بيته إلا بمشقة بالغة ـ ورغم أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمتع بدرجة عالية من النشاط والقوة إلا أن الجهد المتواصل خلال سنوات الدعوة , والتي دامت قرابة ثلاثة وعشرين عاما قد ترك أثره عليه ـ فشرع في تهيأة أبي بكر الصديق لتولى أمر المسلمين بعده , والقيام بأعباء الخلافة , حتى لا يحس المسلمون بفراغ كبير بعد رحيله .

وجدير بالذكر أن رسول الله لم يرشح أبا بكر لخلافته إلا لأن فيه من المقومات التي يستطيع بها تحمل أعباء الخلافة ما لم يتوفر في غيره من سائر الصحابة , فقد لازمه طوال فترة البعثة , وراقب حركاته وسكناته , وتعرف منه كيف يواجه العظائم , ويتصدى للصعاب , ويدير أمور الدولة بحكمة ورشاد , وتعلم منه كيف يتعامل مع العدو والحبيب , وقرن الله ذكره بذكر رسول الله في قوله تعالى : " إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.." التوبة : 40 , ورأى معه من آيات التأييد ما رسخ بها الإيمان في قلبه , ترسيخا يفوق رسوخ الجبال ...

فكان أول ما فعله صلى الله عليه وسلم أن كلف أبا بكر رضي الله عنه بإمامة المسلمين في الصلاة فقال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " وقد حدث أن غاب أبو بكر يوما , فقام عمر فصلى بالناس ,فلما كّبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فقال صلى الله عليه وسلم :"فأين أبو بكر ؟ !يأبى الله ذلك والمسلمون , يأبى الله ذلك والمسلمون " ...

ثم صار يوكل إليه قضاء حوائج المسلمين , وينبههم إلى الرجوع إليه في الأمور التي كانوا يرجعون إليه فيها عند فقده , فقد جاءت إليه امرأة تسأله عن حاجة فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك - كأنها تقول الموت - قال صلى الله عليه وسلم: "إن لم تجديني فأتي أبا بكر". رواه البخاري في صحيحه...

ولما وجد في نفسه شيئا من العافية قبيل موته , خرج إلى المسجد يهادي بين رجلين من أصحابه , فأراد أبو بكر أن يتأخر ويقدمه في الصلاة , فأومأ اليه صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتى حتى جلس الى جنبه , فصلى بصلاته . ..

وأعاد على مسامع المسلمين بعض فضائله , فقال :" فإني لا أعلم امرأ أفضل يدا عندي في الصحبة من أبي بكر .." وقال : "لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لا تخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي " أخرجه البخاري في صحيحه ...

وطلب من المجاورين للمسجد , الذين كانت تفتح دورهم عليه مباشرة , أن يسدوا منافذهم تلك ؛ للحفاظ على نظافة المسجد فقال : ": سدوا هذه الأبواب في المسجد إلا باب أبي بكر " ؛ لأنه سيحتاج إلى الخروج إليه كل حين , وعلى غير ميعاد للتباحث في أمر المسلمين , فيشق عليه تغيير مخرج بيته .

ثم بدأ يلمّح للمسلمين بقرب أجله , حيث تمت رسالة الإسلام , وبلّغ ما أنزل إليه من ربه أحسن بلاغ, فخرج صلى الله عليه وسلم على الناس فخطبهم , وتحلل منهم ـ أي طلب من له عنده شيء أن يأتي ليأخذه منه , وفعل ذلك ورعاً منه صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال لهم : " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا , وبين ما عنده , فاختار ما عنده " فقال أبو بكر : بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال : على رسلك ( هون عليك ) يا أبا بكر , ثم جمع صلى الله عليه و سلم من كان غائبا من أصحابه فودعهم وعيناه تدمعان , ودعا لهم فقال : " أوصيكم بتقوى الله .. إني لكم نذير و بشير , ألاّ تعلوا على الله في بلاده وعباده , فإنه قال لي ولكم : " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " القصص 83 ...

وظل صلى الله عليه وسلم يتابع أمر قيام أبي بكر بالأمر دونه حتى الدقائق الأخيرة من حياته , فقد كشف صلى الله عليه وسلم ستار حجرته صباح اليوم الذي قُبض فيه , فلما رأى الناس صفوفا خلف أبي بكر , تبسم صلى الله عليه و سلم , فشعر به الصحابة في صلاتهم , وهمّ بعضهم أن يُفسح له الصف , ليدخل لكنه عجز عن الخروج إليهم , وأشار إليهم أن مكانكم , وأسدل ستار غرفته , بعد رؤيته هذا المشهد الذي أثلج صدره , لتصعد روحه إلى باريها .

ورغم ذلك لم ينص صلى الله عليه وسلم على خلافة الصديق مباشرة ؛ لأنه لم يشأ أن يسلب المسلمين حقهم , وإرادتهم في اختيار من يقوم بشئونهم ويتولى أمرهم .

قُبض صلى الله عليه وسلم , وكانت وفاته صدمة لكل المسلمين , لم يستطع الكثير منهم تحمل أثرها , رغم إلماحات الرسول صلى الله عليه وسلم السابقة بدنوها ، فمنهم من دُهش فخولط , ومنهم من أُقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من أعتُقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية ؛لأن فقد عزيز عليه كرسول الله ليس بالأمر الهين , إلا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان أهلا بالفعل للقيام بأعباء المهمة التي أعده النبي لها , فما إن أُعلم بوفاته حتى جاء سريعا من منزل له بالسنح خارج المدينة , ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه ـ وهو متمالك لنفسه ـ وقبله قائلا: "بأبي أنت وأمي طبت حيا ميتا , والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبدا" .

ثم خرج فوجد عمر رضي الله عنه يصيح بالحاضرين : "إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي , وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما مات " فقال لعمر: "أيها الرجل ! أربع ( هون )على نفسك , فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات , ألم تسمع الله يقول : " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ "( الزمر :30 ) و قال : " وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ " ( الأنبياء : 34).

ثم أتى المنبر فصعده , وحمد الله , وأثنى عليه , ثم قال : ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات , ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت , قال الله تعالى :" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " فتلقاها منه الناس , وصاروا يرددونها , وظل بمن حوله من أهل المدينة , حتى خفف عنهم هول الفاجعة , وفاءوا إلى رشدهم بفيئه , وأمسوا يدربون أنفسهم على الحياة دون رسول الله , وعلى الصبر على فراقه , وعلى البحث في شئونهم العامة والخاصة .

وكان أول أمر نظروا فيه هو ( من يخلف رسول الله عليهم , ومن ينهض بالأمر بعده صلى الله عليه وسلم ) لأنهم كرهوا كما قال سعيد بن زيد أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة , ولم يسندوا أمر الخلافة إلى أبي بكر الصديق مباشرة ؛ لأن رسول الله لم ينص على خلافته صراحة كما ذكر من قبل , والبعض من المسلمين ـ وخاصة الأنصار ـ لم يفهموا من الإشارات الضمنية التي وردت عن رسول الله في فضل أبي بكر أهليته للخلافة دون غيره.

فاجتمع الأنصار في مكان لهم يسمى " سقيفة بني ساعدة" وتناقشوا في إمكانية استخلاف سعد بن عبادة , وكانت حجتهم في ذلك كما قال سعد بن عبادة : "لكم سابقة في الدين , وفضيلة في الإسلام ليست لأحد من العرب : إن محمداً صلى الله عليه وسلم لبث في قومه بضع عشرة سنة , يدعوهم إلى عبادة الرحمن , وخلع الأنداد والأوثان , فما آمن به إلا القليل، ما كانوا يقدرون على منعه , ولا على إعزاز دينه , ولا على دفع ضيم، حتى إذا أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة , ورزقكم الإيمان به وبرسوله , والمنع له ولأصحابه , والإعزاز له ولدينه , والجهاد لأعدائه , فكنتم أشد الناس على عدوه , حتى استقامت العرب لأمر الله ...وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ , وبكم قرير العين ".

ثم خرج من بينهم أسيد بن حضير فأتى أبا بكر ؛ ليعرض عليه وجهة نظر الأنصار هذه , فوجده وقد اجتمع إليه المهاجرون - أو من اجتمع إليه منهم فلما أخبره بخبر الأنصار قال لمن حوله : " انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً, فذهبوا حتى أتوهم " .

وبعد اطلاعه على ما عزموا عليه , ومعرفة وجهة نظرهم قال : " أنتم يا معشر الأنصار، من لا ينكر فضلهم في الدين , ولا سابقتهم في الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله , وجعل إليكم هجرته ... ,وإنكم لا تذكرون منكم فضلاً إلا وأنتم له أهل .

ثم بين لهم أن هذه الأمور ليست كفيلة بجعل الخلافة فيهم ؛ لأن العرب بما جلبت عليه من عصبية لن ترضى أن تدين لأحد من غير قريش , قوم النبي صلى الله عليه وسلم .

وفي أثناء النقاش قال رجل من الأنصار: " منا أميرٌ ومنكم أمير " فاحتج عمر بأنه لا يصح أن يكون للمسلمين أميران , لأن رسول الله حذر من ذلك , وقال (أي عمر) ": هيهات لا يجتمع اثنان في قرن! والله لا ترضى العرب أن تؤمركم ونبينا من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم.

فأعاد أبوبكر الحديث , وذكر الأنصار بفضلهم , وبما غاب عن ذهنهم في شأن الخلافة فقال " : لقد علمتم أن رسول الله قال : لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار ، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد : قريش ولاة هذا الأمر ، فبر الناس تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم , فقال سعد : صدقت ، فنحن الوزراء وأنتم الأمراء , فقال أبو بكر : نعم "... لا تفاتون بمشورة , ولا تقضي دونكم الأمور.."

وزاد أبو عبيدة :يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر , فلا تكونوا أول من بدل وغير! فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار ! إنا والله وإن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين , وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضى ربنا , وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا، فما ينبغي أن نستطيل على الناس بذلك , ولا نبتغي به الدنيا، ألا إن محمداً، صلى الله عليه وسلم، من قريش وقومه أولى به، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم.

ثم أعلنوا بيعتهم جميعا لأبي بكر بالخلافة بعد عبارة عمر المؤثرة : " أنشدكم بالله، هل أُمر أبو بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيل عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: كلنا لا تطيب أنفسنا، نستغفر الله!.ويشعر عندها أبو بكر بثقل التبعة فيقول " أنت يا عمر أقوى لها منى , فيرد عليه : إن لك قوتى مع قوتك .

حدث كل ذلك يوم وفاة رسول الله , ثم جلس أبو بكر في اليوم التالي ؛ ليأخذ البيعة من سائر الناس, وأتته وفود العرب مجمعة على بيعته إلا المرتدين ,فقد سئل سعيد بن زيد : أشهدت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، فال : فمتى بويع أبو بكر ؟ قال : يوم مات رسول الله صلى الله عليه فقيل له : هل خالف عليه أحد ؟ قال : لا إلا مرتد أو من قد كاد أن يرتد.

وقد زعم بعض الناس أن علي بن أبي طالب امتنع عن بيعته ثم بايعه مكرها ؛ لأنه كان يطمع في الخلافة لنفسه , وهذا افتراء على الرجل , إذ كان من المسارعين إلى بيعته , بعد فراغه من دفن رسول الله , ولم يصبر حتى يعود إلى بيته , ويغير من ملابسه , إذ جاء في تاريخ الطبري : لما سمع علي ببيعة أبي بكر خرج في قميص ما عليه إزار ولا رداء ؛ عجلاً حتى بايعه، ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلله.( تاريخ الرسل والملوك : ج 2 / ص 119)

ولما سئل بعد ذلك عن خلافة الصديق قال : " قدّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس، وإني لشاهد غير غائب، وإني لصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا " (أسد الغابة :ج 2 / ص 149).

بتلكم الصورة تمت بيعة أول خليفة للمسلمين , لتعلن للناس أجمعين أن الحاكم في الإسلام لابد أن يكون خير الناس وأرجحهم عقلا , وأقدرهم على تولي التبعات , وفي نفس الوقت هم أصحاب الحق في اختياره , لا يفرضه عليهم أحد مهما علت مكانته.
ومن العجب أن البعض ـ ممن يرون في كل مزية من مزايا الإسلام عيبا ـ يعيبون على المهاجرين والأنصار تعدد آرائهم في أمر الخلافة قبل أن يتفقوا على أبي بكر, مع أن هذا هو قمة ما ينادي به أنصار الديمقراطية والحرية حديثا .


يتبع ..............................
 

المرفقات

  • i-mt-a1.jpg
    i-mt-a1.jpg
    12.9 KB · المشاهدات: 17

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

2. ردة أهل البحرين


1- ردة أهل البحرين:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين المنذر بن ساوى فأسلم على يديه، وأقام العلاء فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي المنذر بعده بقليل فارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم المغرور، وهوالمنذر بن النعمان بن المنذر، وقال قائلهم: لوكان محمد نبياًمامات، ولم يبق في البحرين بلدة على الثبات سوى قرية:"جواثا"، وحاصر المرتدون مسلمي جواثا وضيقوا عليهم، حتى منعواعنهم الأقوات وجاع المسلمون جوعاً شديداً .

وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يامعشر عبدالقيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا:سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.

وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال:زودني واحملني،يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم،إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.

2- ردة أهل عُمان:

ظهر في عُمان رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُضاهي في الجاهلية الجُلندى، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عُمان، فقهر جيفراً وعبداً، وألجأهما إلى الجبال، فبعث جيفر إلى الصديق رضي الله عنه فأخبره الخبر، وطلب مدداً فبعث رضي الله عنه بأميرين: حذيفة بن محصن، وعرفجة البارقي الأزدي، حذيفة إلى عُمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعُمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.

ثم أمر الصديق رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان، ، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها.فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى "رجاماً"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدمواعلى المسلمين، قتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.

3- ردة أهل مَهْرَة:

سار عكرمة بالمسلمين إلى بلاد مهرة، فوجد أهلها جُندين، على أحدهما - وهم الكثرة - أمير يقال له: المصبح أحد بني محارب، وعلى الآخر الجند الآخرين أمير يقال له: شخريت، وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريتاً فأجابه، وانضاف بقواته إلى عكرمة، وتمادى المُصَبح على طغيانه، مغتراً بكثرة من معه ومخالفته لشخريت، فسار إليه عكرمة ومن معه، فاقتتلوا مع المصبَّح أشد من قتال دَبَا، وتم النصر للمسلمين، وقتل المصبح وفر من كان معه.

4- ردة أهل اليمامة :

قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة بينه وبين المسلمين: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تُستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم وأمنعوا نسائكم.

وتقدم خالد رضي الله عنه بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليهاأسامة بن زيد ، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب.وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.

وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد رضي الله عنه.

وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً،وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً رضي الله عنه.

وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة،ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه،واقترب خالد رضي الله عنه من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.

وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين،ولكن قاتلواعن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غيرشيئ.وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.

وقال البراء بن مالك:يامعشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة،فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم،فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.


ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).


يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس.

 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

3. سياسة أبي بكر الصديق في مواجهة الأزمات

تاريخ الإسلام



عهد الخلفاء الراشدين



سياسة أبي بكر الصديق في مواجهة الأزمات



إن من الرجال من يُؤتى بسطة في الجسم ؛ فيُرى قوي البدن , مفتول العضلات , فإذا ألمت به ملمة خر كالثور الذبيح , ومنهم من يشتهر عنه العلم والحلم , فإذا نزلت به نازلة تاه في غياهبها , ومنهم من يتظاهر بالتضحية من أجل المبادئ , فإذا وقع في مأزق كان كمن يعبد الله على حرف , إذا أصابه شر انقلب على وجهه , خاسرا دنياه وآخرته ...
ومنهم من يُرى بسيطا متواضا, لا يتميز على الناس في حياته العادية بشيء , فإذا خبرته وجدته جبلا شامخا راسيا , تزول الجبال ولا يزول , تنهار أمامه الشدائد العظام , انهيار المباني العملاقة إذا ما أصيبت بقاذفة نووية , وأحسب أن أبا بكر كان من هذا الصنف...
فقد ذكر البهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها: " قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتدت العرب , واشرأب النفاق بالمدينة , فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها.."( سنن البيهقي الكبرى : جزء 8 - صفحة 200 )وزاد واشرأبت يهود والنصرانية، وبقي المسلمون كالغنم في الليلة المطيرة لفقد نبيهم وقلتهم وكثرة عدوهم...
قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ـ كما نعلم ـ رفيقه في حياته , نشئا معا , وشبا معا , وعملا في مجال التجارة معا , ثم توثقت تلك الصلة أكثر بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم , فصارا متلازمين , تلازما يصحبه حب وإخلاص ووفاء , حب عبر عنه أبو بكر رضي الله عنه بقوله : "شرب رسول الله حتى ارتويت ", وعبر عنه رسول الله بقوله : "إن أمنّ الناس عليّ في بدنه ودينه وذات يده أبو بكر.. " .
وهذه العلاقة الوطيدة جعلته يبكي بمجرد أن سمع رسول الله يقول : " إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا , وبين ما عنده , فاختار ما عنده " وقال : بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا يارسول الله , فكان الرد من رسول الله :" على رسلك ( هون عليك ) يا أبا بكر .."
ورغم ذلك تلقى نبأ وفاته صلى الله عليه وسلم بصبر غير مسبوق , وبتحكم في عواطفه غير معهود ..
وتلك مواقف الرجال , فجزعه على رسول الله لن يعيد إليه الحياة مرة أخرى , إذا فليترك الجزع جانبا , وحبه لرسول الله يجعله يقدم له أفضل ما يرضيه , وليس هناك أرضى لرسول الله من أن يخلفه في أمته بخير .
ففي الوقت الذي سيطر فيه الفزع والبكاء والاندهاش على سائر الصحابة الموجودين عقب سماع نبأ الوفاة , حتى إن الكثير منهم لم يستطع تحمل أثرها ، فمنهم من دُهش فخولط , ومنهم من أُقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من أعتُقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية, نرى أبا بكر الصديق ما إن أُعلم بوفاته حتى جاء سريعا من منزل له بالسنح ـ خارج المدينة ـ ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه ـ وهو متمالك لنفسه ـ وقبّله قائلا: "بأبي أنت وأمي طبت حيا ميتا , والذي نفسي بيده لا يذيقنك الله الموتتين أبدا" .
ثم خرج فأتى المنبر فصعده , وحمد الله , وأثنى عليه , ثم قال : ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات , ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت , قال الله تعالى :" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ " (آل عمران : 144)فتلقاها منه الناس , وصاروا يرددونها , وظل بمن حوله من أهل المدينة , حتى خفف عنهم هول الفاجعة , وفاءوا إلى رشدهم بفيئه , وأمسوا يدربون أنفسهم على الحياة دون رسول الله , وعلى الصبر على فراقه , وانصرفوا إلى مواصلة أمور حياتهم.
بهذا الأسلوب واجه أبو بكر رضي الله عنه تلك الشدة أو الأزمة التي لا يعلم هولها إلا من تفكر في شدة حبه لرسول الله , وارتباطه به الذي كان يجعله يضحي في سبيله بكل شيء حتى النفس والولد .
وجاءت الأزمة الثانية التي لم يفصلها عن الأولى غير لحظات , فوفاة رسول الله بالنسبة له لم تكن مجرد فراق فقط , وإنما ألقت عليه تبعة عظيمة ,وهي مسئولية القيام على أمر المسلمين بعده , وجمعهم تحت خليفة واحد , بطريقة غير سلطوية أو انتزاعية , وهو لم يغب عن ذهنه أن العرب داخل الجزيرة لم يتعودوا أن يخدعوا لحاكم غير نبي , وأن الأنصار في المدينة كانوا يرون أن لهم من فضل السبق إلى الإسلام ونصرته ما يؤلهم لخلافة رسول الله , وقد اجتمعوا بالفعل لبحث هذا الأمر في سقيفة " بني ساعدة " وهموا أن يؤمروا عليهم سعد بن عبادة ...
ولم يغب عن ذهنه الصراع الدموي بين قبيلتي الأوس والخزرج من الأنصار , هذا الصراع الذي لم ينته إلا بمجيء رسول الله , وأن هناك من المنافقين من يطمعون في بعث الفتنة من جديد , وقد رأى في حياة رسول الله كيف حاولوا أكثر من مرة أن يشعلوا النار بينهم .
فنظر في الأمر مع من حضره من المهاجرين بحلمه وهدوئه المعتاد منه , ثم ذهب بهم إلى الأنصار المجتمعين في سقيفتهم , وبعد اطلاعه على ما عزموا عليه , ومعرفة وجهة نظرهم تكلم فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار , ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره , وقال : ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو سلك الناس واديا , وسلكت الأنصار واديا , سلكت وادي الأنصار , ولقد علمت يا سعد ( ابن عبادة ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد : " قريش ولاة هذا الأمر , فبر الناس تبع لبرهم , وفاجرهم تبع لفاجرهم " فقال له سعد : صدقت .. وأسرع بمبايعته (مسند أحمد بن حنبل جزء 1 - صفحة 5 ) .
فليس هنالك أفضل في المجادلة من ذكر فضائل الطرف الآخر , والثناء عليه بما هو أهله , إذ يجعله يلين أمام من يحادثه , وكان أبوبكر أبرع الناس بعد الرسول في ذلك .
وبتلكم السياسة نجح رضي الله عنه في اجتياز الشدة الثانية التي تحدث عنها أبو هريرة رضي الله عنه بقوله : "والذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عبد الله.."
ولم يمض الليل إلا وقد اجتمع المسلمون بالمدينة تحت إمارته , راضين مختارين , لم يشذ عن ذلك فرد واحد , ثم أتته وفود العرب في اليوم التالي مجمعة على بيعته , إلا من ارتد منهم , فقام فيهم خطيبا ـ دون حفل تنصيب أو ...وقال : "أما بعد , أيها الناس ! فإني قد وُليت عليكم , ولست بخيركم , فإن أحسنت فأعينوني , وإن أسأت فقوموني . الصدق أمانة , والكذب خيانة , والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه ـ إن شاء الله ـ والقوي فيكم ضعيف عندي , حتى آخذ الحق منه ـ إن شاء الله ـ لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل , ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء . أطيعوني ما أطعت الله ورسوله , فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم .
ونزل من توه ليستعد للأزمة الثالثة , ألا وهي مجباهة العرب المرتدين , فالكثير من الأعراب في شتى الجزيرة العربية ما إن سمعوا بموت رسول الله حتى انتفضوا وثاروا خالعين ربقة الإسلام من أعناقهم , وطردوا ولاة رسول الله عليهم , وظهر من بينهم من يدعي النبوة , بعد أن ظنوا أن ذلك أفضل طريق لجمع الأعراب السذج عليهم..
روى عروة بن عروة عن أبيه قال: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب عوام أو خواص , وتوحى مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما , واجتمع على طليحة عوام طيء وأسد , وارتدت غطفان إلى ما كان من أشجع , وخواص من الأفناء فبايعوه , وقدمت هوازن رجلا وأخرت رجلا , أمسكوا الصدقة إلا ما من ثقيف ولفها ...وارتدت خواص من بني سليم , وكذلك كسائر الناس بكل مكان ...
وبالطبع فإن خبر تلك الردة قد وصل إلى مسامع الروم الذين كانوا يبحثون عن سبيل للقضاء به على دولة الإسلام قبل أن يقوى صلبها , وقاموا بمحاولات عدة لذلك في غزوة مؤتة وتبوك , كما قتلوا أحد الأمراء العرب الذين دانوا لرسول الله قبيل موته , وهم على استعداد تام لمناصرة أي خارج على الدولة الإسلامية .
واختلفت مواقف الصحابة بالمدينة تجاه تلك الثورات , وأكثرهم خشيء من عاقبة مواجهتها , ورءوا مهادنتهم , بل غلب بعضهم اليأس حتى قال : نعبد ربنا حتى يأتينا اليقين " الموت "إلا أن أبا بكر كان حازما في رأيه , وأصر على مواجهة كل خارج على الإسلام ولو انتمىإليه اسما وأدى بعض الفرائض , وقال : .. والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة , فإن الزكاة حق المال , والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها " (البخاري : رقم 6855).
وإذا كانت الأزمة الأولى قد بينت مدى ما اتصف به أبو بكر من صبر وقدرة على تحمل البلاء , وأن الثانية قد بينت حلمه ورجاحة عقله , فإن تلك الأزمة تنبئ بما ما اتصف به الصديق من شجاعة قل أن توجد في البشر , ويقين ورثه من النبي صلى الله عليه وسلم , نعم . يقين عاشه برفقته يوم الهجرة , ويقين شاهد أثره يوم بدر , ويقين رأى ثمرته يوم الأحزاب , بعد أن كانت كل المؤشرات المادية توحي بأن الإسلام أوشك على الزوال , يقين علمه أن النصر محقق للمسلمين إذا نزعت من بينهم أسباب الهزائم ..
قال عبد الله بن مسعود: " لقد قمنا بعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أن الله من علينا بأبي بكر، أجمعنا على أن لا نقاتل ... ونعبد الله حتى يأتينا اليقين، فعزم الله لأبي بكر على قتالهم، فوالله ما رضي منهم إلا بالخطة المخزية أو الحرب المجلية، فأما الخطة المخزية فأن يقروا بأن من قتل منهم في النار ومن قتل منا في الجنة، وأن يدوا قتلانا , ونغنم ما أخذنا منهم، وأن ما أخذوا منا مردودٌ علينا, وأما الحرب المجلية فأن يخرجوا من ديارهم.
ولما رأى الصحابة من حوله عزمه على مواجهة المرتدين ومدعي النبوة قالوا له : فلتبق جيش أسامة الذي كان رسول الله قد أوصى ببعثه ؛ ليكون عونا لك في حماية المدينة , لأن جيش أسامة جند المسلمين , والعرب قد انتفضت بك , فلا ينبغي أن تفرق عنك جماعة المسلمين ,وألح عليه أسامة في هذا الأمر فقال : ".. إن معي وجوه الناس وحَدّهم، ولا آمن على خليفة رسول الله , وحرم رسول الله والمسلمين أن يتخطفهم المشركون.
فأبى ذلك عليهم أيضا , لا لأنه يستبد برأيه , وإنما لأن رسول الله هو الذي قد أوصى ببعث جيش أسامة قبيل وفاته , ولا يجوز له أن يبدأ عمله بمعصية أمر رسول الله , فيسن سنة سيئة لمن يأتي بعده , وكان شعاره : "والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة , كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته" إضافة إلى أنه كان يضع في حسبانه أنه لن يستطيع أن يعيد الأمن داخل الجزيرة إلا إذا قطع الطريق على الروم وشغلهم بأنفسهم ..
وظن بعض المسلمين أن أسامة قد يعجز عن تحقيق هذا الهدف لصغر سنه , , وأرسلوا له تلك الرسالة عن طريق عمر , فقال له ـ رضي الله عنهما ـ : إن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة . فوثب أبو بكر ـ وكان جالسا ـ يأخذ بلحية عمر وقال له :ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب أستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه ؟!!..
خرج أسامة بالجيش , وقبل رحيله قال له أبو بكر : "اصنع ما أمرك به نبي الله صلى الله عليه وسلم . ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبل , ولا تقصرن من شئ من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا تعجلن لما خلفت عن عهده ".
وبعد رحيل أسامة قدم عليه عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في رجال من أشراف العرب , فقالوا : إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام , وليس في أنفسهم أن يؤدوا إليكم ما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن تجعلوا لنا جعلا كفيناكم , فدخل بعض الصحابة عليه , فعرضوا عليه ذلك وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها , ويكفيانك من وراءهما حتى يرجع إلينا أسامة وجيشه ويشتد أمرك , فإنا اليوم قليل في كثير
وهذا الأمر كان من الممكن أن يوجد فرقة بين المسلمين ؛ لتباين وجهة نظرهم معه, ولكن سياسته الحكيمة ـ رضي الله عنه ـ كانت كفيلة بأن تجعلهم يسلمون له بما أراد ..
ووضحت تلك السياسة في قوله لهم : فهل ترون غير ذلك ؟ قالوا : لا .قال : قد علمتم أن من عهد نبيكم إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم , ولا نزل به الكتاب عليكم , وأنا رجل منكم تنظرون فيما أشير به عليكم , وإن الله لن يجمعكم على ضلالة , فتجتمعون على الرشد في ذلك , فأما أنا فأرى أن ننبذ إلى عدونا , فمن شاء فليؤمن , ومن شاء فليكفر , وألا ترشون على الإسلام , فنجاهد عدوه كما جاهدهم .. وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم فهذا أمر لم يغب عنه عيينة , هو راضيه ثم جاء له , ولو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه , أو أفناهم السيف فإلى النار , قتلناهم على حق منعوه , وكفر اتبعوه , فقالوا له : أنت أفضلنا رأيا , ورأينا لرأيك تبع ...
ولكن المشكلة الحقيقية لم تكن في اعتراض هؤلاء الصحابة , وإنما في كيفية مواجهة هؤلاء المارقين , لذا أسرع من فوره بوضع خطة لمواجهة أي خطر قد يحيق بالمدينة , فوضع على مداخلها نفرا (عليا والزبير وطلحة وعبدالله بن مسعود ) ليراقبوا له الطرق , وأعلن بالمدينة حالة التعبئة العامة , وألزم الجميع بحضور المسجد ..
وقال لهم : إن الأرض كافرة , وقد رأى وفدهم ( من كان مع عيينة ) منكم قلة , وإنكم لا تدرون أليلا تؤتون أم نهارا , وأدناهم منكم على بريد , وقد كان القوم يأملون أن نقبل منهم ونوادعهم , وقد أبينا عليهم , ونبذنا إليهم عهدهم , فاستعدوا وأعدوا ..
وصدق حدسه فما لبث عيينة والأقرع إلا ثلاثا حتى طرقا المدينة بمن معهما ليلا ؛ طمعا في الغارة على المسلمين وخلفوا بعضهم بمكان يسمى "ذا حسى " ليكونوا لهم ردءا , لكنه خرج إليهم بمن معه , فما طلع الفجر إلا والمسلمون والعدو في صعيد واحد , ووضعوا المسلمون فيهم السيوف , وولوهم الأدبار وغلبوهم على عامة ظهرهم , ثم تتبعوا المتربصين حول المدينة , فكان أول الفتح , وعز المسلمون بتلك الوقعة ..
عاد جيش أسامة بعد ستين يوما تقريبا ظافرا غانما , وبعوده عادت الطمانينة إلى قلوب المسلمين بالمدينة , وعلموا أن الصواب كان في إصرار أبي بكر على طاعة أمر رسول الله مهما كلفه من شدائد , أما أبو بكر فلم يركن قليلا ؛ لأنه كان كما قلنا يسابق الزمن فاستخلف أسامة على المدينة , وقال له ولجنده : أريحوا وأريحوا ظهركم , ثم خرج إلى المرتدين في مكان يسمى بذي القصة , فقال له المسلمون : ننشدك الله يا خليفة رسول الله أن تعرض نفسك , فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام , ومقامك أشد على العدو , فابعث رجلا , فإن أصيب أمّرت آخر , فقال : لا والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي ..وصار حتى لقي بني عبس وذبيان , وجماعة من بني عبد مناة بن كنانة , فلقيهم بالأبرق , فقاتلهم فهزمهم الله وفلهم .
ثم رجع إلى المدينة , وكان جيش أسامة قد استراح , وثاب من حول المدينة من الأعراب , فجيش الجميع , وعقد أحد عشر لواء على أحد عشر جندا , وسير كل قائد إلى ناحية من نواحي الجزيرة , ليحارب على كل الجهات بطريقة غير معروفة ولا مألوفة .
وكتب إلى قبائل العرب المرتدة كتابا واحدا , يذكرهم فيه بترك الغي والعودة إلى هدي ربهم , وأصى كل قائد من قواده أن يقرأءه على من يمروا به , وأمرهم ألا يقاتلوا أحدا حتى يدعونهم إلى داعية الله , فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه , ومن لم يجب قتل وقوتل , ولم يمر عام على ولايته إلا والجزيرة العربية كلها قد أدانت له , وفاء أهلها إلى الله سبحانه وتعالى , بل وانطلق أبناؤها مجاهدين ينشرون الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ,
ونجح الصديق رضي الله عنه بذلك في التغلب على كل ما واجهه من صعاب وشدائد , وتمثلت عوامل نجاحه في : ثقته البالغة بنفسه , وشجاعته الفائقة غير المتهورة , ونظرته الثاقبة للأمور ,وتعامله مع المشكلة من شتى جونبها, وقدرته عالية على إقناع من حوله ,وحرصه الشديد على تنفيذ أمر رسول الله , وفوق كل ذلك ثقته بالله سبحانه وتعالى وتسليمه بقضائه وقدره , ويقينه بأن النصر حليف المؤمنين لا يوخر إلا بسبب فيهم وليس في قوة أو كثرة عدوهم , كما قال تعالى بما كسبت أيديكم.


 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

attachment.php
attachment.php


1. من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

من فضائل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالهداية والرحمة للعالمين ..
وبعد .. فسعيا من إدارة الموقع إلى تعريف الزوار الكرام بفضل سلفنا الصالح نقدم هذه المجموعة من الأحاديث والمأثورات في فضل عمر بن الخطاب رضي الله ، وقد سبق وأن قدمنا مجموعة مماثلة في فضائل أبي بكر الصديق وعثمان رضي الله عنهما ، وسنتبعها إن شاء الله بسلسة أخرى في فضائل الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم ، وأمرنا بالاقتداء والتأسي بهم ، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يحشرنا معهم يوم القيامة .


أولا : أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمر رضي الله عنه وفضائله :


ـ أخرج أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر ".
ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبو بكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، ما خلا النبيين والمرسلين" .
ـ أخرج الترمذي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك ، بعمر بن الخطاب ، أو بأبي جهل بن هشام ".
ـ أخرج الحاكم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب خاصة " وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر الصديق وفي الكبير من حديث ثوبان.
ـ أخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه " وأخرجه الطبراني عن بلال بن رباح ومعاوية بن أبي سفيان .
ـ أخرج ابن ماجة والحاكم عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به " .
ـ أخرج مسلم عن عائشة ، أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنه كان في الأمم محدثون (ملهمون يوافق قولهم مراد الله تعالى ) فإن يكن في هذه الأمة فهو عمر بن الخطاب » .
ـ عن سعد بن أبي وقاص قال : أستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : « والذي نفسي بيده ، ما لقيت الشيطان سالكا فجا إلا سلك غير فجك » .
ـ أخرج ابن ماجة عن ابن عباس ، قال : لما أسلم عمر أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر » .
ـ أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره » قالوا : فما أولت ذلك يا رسول الله ، ؟ قال : « الدين ».
ـ أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بينما أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر قلت: لمن هذا القصر قالوا: لعمر فذكرت غيرتك فوليت مدبراً ، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله .
ـ أخرج الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر الري يجري في أظفاري ، ثم ناولته عمر ، قالوا: فما أولته يا رسول الله ؟ قال العلم.
ـ أخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط إلا سلك فجاً غير فجك " .
ـ أخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب ".
ـ أخرج الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا من عمر " .
ـ أخرج البزار عن قدامة بن مظعون عن عمه عثمان بن مظعون قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا غلق الفتنة ، وأشار بيده إلى عمر ، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين أظهركم " .
ـ أخرج ابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إن الشيطان يفرق ( يخاف ) من عمر " .
ـ أخرج الطبراني والديلمي عن الفضل بن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحق بعدي مع عمر حيث كان " .
ـ أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أبغض عمر فقد أبغضني ومن أحب عمر فقد أحبني . .. " إسناده حسن.
ـ أخرج مسلم عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أباه سعدا قال :.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ما لقيك ( يقصد عمر ) الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك .
ـ أخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ".
ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبو بكر وعمر خير أهل السموات والأرض، وخير من بقي إلى يوم القيامة ".
ـأخرج البزّار عن جابر بن عبد الله قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه قميص أبيض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر أجديد قميصك هذا أم غسيل "؟ فقال: غسيل، فقال: "البس جديداً ، وعش حميداً ، ومت شهيداً ، يعطيك الله قرة عين في الدنيا والآخرة ".
ـعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم وقال: " اللهم أخرج ما في صدر عمر من غل وداء، وأبدله إيمانا - ثلاثا ".


ثانيا : من أقوال الصحابة المأثورة في فضل عمر :

ـ أخرج ابن منيع في مسنده عن علي رضي الله عنه قال: "كنا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تنطق على لسان عمر " .
ـ أخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر.
ـ أخرج مسلم عن ابن أبي مليكة قال : سمعت ابن عباس يقول : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي ، فالتفت إليه فإذا هو علي ، فترحم على عمر وقال : ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك ، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وذاك أني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَإِنْ كُنْتُ لأرْجُو أَوْ لأظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا" .
ـ أخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحاً ، وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمامته رحمة ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا.
ـ عن محمد بن إسحاق قال : جاء طلحة حتى دخل على أبي بكر وقال : استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه فكيف إذا خلا بهم ، وأنت ملاق ربك فسائلك عن رعيتك فقال أبو بكر : أجلسوني فأجلسوه فقال : أبالموت تفرقوني أم بالله تخوفونني ، إذا لقيت الله فسألني قلت : استخلفت عليهم خير أهلك
ـ عن جابر بن عبد الله أن عليا قال لعمر وهو مسجى : ما من الناس أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجّى .
ـ أخرج ابن سعد عن ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت: النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ أخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أسلم عمر قال المشركون: قد انتصف القوم اليوم منا ، وأنزل الله " يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ".

ـ أخرج ابن سعد والحاكم عن حذيفة قال: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قرباً.
ـ أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب إسناده صحيح حسن ".
ـ أخرج ابن سعد عن صهيب قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه أظهر الإسلام ودعا إليه علانية ، وجلسنا حول البيت حلقاً ، وطفنا بالبيت ، وانتصفنا ممن غلظ علينا ، ورددنا عليه بعض ما يأتي به.
ـ قال حذيفة: والله ما أعرف رجلا لا تأخذه في الله لومة لائم إلا عمر.
ـ قالت عائشة رضي الله عنها وذكرت عمر كان والله أحوذياً نسيج وحده.
ـ قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده ، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها ، وأما نحن فتمرغنا فيها ظهراً لبطن .
ـ سئل ابن عباس عن أبي بكر فقال: كان كالخير كله ، وسئل عن عمر فقال: كان كالطير الحذر الذي يرى أن له بكل طريق شركاً يأخذه وسئل عن علي فقال: ملئ عزماً وحزماً وعلماً ونجدة.


ثالثا : من مآثره الخالدة :

ـ أخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك ، قال : قال عمر ، رضي الله عنه ، : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله ، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى "، وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن بالحجاب فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في العمرة فقلت لهن : "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن " فنزلت كذلك .
ـ أخرج البيهقي وأبو نعيم كلاهما في دلائل النبوة عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشاً ورأس عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب جعل ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوت ينادي يا سارية الجبل ثلاثاً فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله قال قيل: لعمر إنك كنت تصيح بذلك وذلك الجبل الذي كان سارية عنده بنهاوند من أرض العجم ، قال ابن حجر في الإصابة إسناده حسن.
ـ روى ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص حين دخل يوم من أشهر العجم ، فقالوا : يا أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها ، قال : وما ذاك؟ قالوا : إذا كان إحدى عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها من الثياب والحلي أفضل ما يكون ثم ألقيناها في هذا النيل ، فقال لهم عمرو : إن هذا لا يكون أبدا في الإسلام ، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء ، فلما رأى ذلك عمرو كتب إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب له أن قد أصبت بالذي قلت ، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وبعث بطاقة في داخل كتابه وكتب إلى عمرو : إني قد بعثت إليك ببطاقة في داخل كتابي فألقها في النيل ، فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله يجريك فأسأل الله الواحد القهار أن يجريك ، فألقى البطاقة في النيل .. فأصبحوا وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعاً في ليلة واحدة ، فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر إلى اليوم.
ـ قال خزيمة بن ثابت: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب له واشترط عليه أن لا يركب برذوناً ، ولا يأكل نقياً ، ولا يلبس رقيقاً ، ولا يغلق بابه دون ذوي الحاجات ، فإن فعل فقد حلت عليه العقوبة.
ـ قال عكرمة بن خالد وغيره : إن حفصة وعبد الله وغيرهما كلموا عمر فقالوا : لو أكلت طعاماً طيباً كان أقوى لك على الحق ، فقال ك أكلكم على هذا الرأي ؟ قالوا : نعم . قال : قد علمت نصحكم ، ولكني تركت صاحبي على جادة فإن تركت جادتهما لم أدركهما في المنزل.
قال: وأصاب الناس سنة فما أكل عامئذ سمناً ولا سميناً.
ـ قال ابن مليكة: كلم عتبة بن فرقد عمر في طعامه فقال: ويحك آكل طيباتي في حياتي الدنيا وأستمتع بها؟.
ـ قال قتادة: كان عمر يلبس وهو خليفة جبة من صوف مرقوعة بعضها بأدم ، ويطوف في الأسواق على عاتقه الدرة يؤدب بها الناس ، ويمر بالنكث والنوى فيلتقطه ويلقيه في منازل الناس ينتفعون به.
ـ قال سفيان بن عيينة : قال عمر بن الخطاب : أحب الناس إلي من رفع إلى عيوبي.
ـ أخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال عمر: هان شيء أصلح به قوماً أن أبدلهم أميراً مكان أمير.

فرضي الله عنه وأرضاه ، ونفعنا الله بسيرته ومآثره !! ورزقنا حبه وحب سائر الصحابة ، وحشرنا معهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
 

المرفقات

  • i-mt-a2.jpg
    i-mt-a2.jpg
    12.7 KB · المشاهدات: 9

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

2. صور من حياة السلف

صور من حياة السلف
إن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم حازوا السبق والكمال البشريوهذا أمر قدري ، فما كان الله ليرضى لصفوة الأنبياء إلا صفوة الناس فهم الذين صنعهمرسول الله صلى الله عليه وسلم على عينه ، ورباهم فأحسن تربيتهم ، فكانوا ـ وربي ـ قدوةيقتدى بها ، وأسوة يتأسى بها حيث زكاهم الله وعدلهم ..
فالعلماءمجمعون على أنجهالة الصحابي لا تضر فتغني صفته عن اسمه ، ثم إن الله شهد لهم بالجنة جملة حيث قال" وكلا وعد الله الحسنى كما زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمالهم وباركها " لوأنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " وإن الله تعالى ربط هدايتناباتباع هذا الجيل القرآني الفريد فقال : " فإن ءامنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"..
لذلك سيكون موضوع هذه الورقة هو الإبحار في هذا البحر الزاخر لعلنا نستخرج بشباكنادررا تلمع وتضيء في العلم , والصدق , والتضحية , والبذل وللتنويع لن نكتفي بواحد وإن كانت فيه الكفاية وإنما ننوع ذلك ، فنذكر من ابن عباس حرصه وصبره على تعلم العلم، ومن ابن جحش صدقه مع الله ، ومن عاصم بن ثابت حفظه لما أمر الله به ، ومن ثمامة بنأثال توظيف المال لخدمة الإسلام ..
عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة وترجمان قرآنها، حدث عنه مجاهد فقال :" كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه " وقال ليث بن سليملطاووس : لزمت هذا الغلام يعني ابن عباس وتركت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم ، فقال : إني رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تدارءوافي شيء صاروا إلى ابن عباس ، وأخرج الحاكم عن أبي وائل قال : " حججت أنا وصاحب لي وابنعباس على الحج ، فجعل يقرأ سورة النور ويفسرها ، فقال صاحبي : يا سبحان الله ماذا يخرج منرأس هذا الرجل ؟ لو سمعت هذا الترك لأسلمت ، وأخرج بن سعد عن ابن عباس قال : دخلت على عمربن الخطاب رضي الله عنه يوما فسألني عن مسألة كتب إليه بها يعلى بن أمية من اليمنوأجبته فيها فقال عمر أشهد أنك تنطق عن بيت نبوة .
كان بن عباس قمة في طلب العلمفلزم النبي صلى الله عليه وسلم حتى حظي منه بدعاء " اللهم فقه في الدين وعلمهالتأويل" أقبل على التعلم من الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لماتوفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار : هلم فلنسال أصحاب النبي صلىالله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير فقال : وا عجبا لك يا بن عباس !!أترى الناس يحتاجونإليك وفيهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من ترى ؟ فترك ذلك وأقبلت على المسالة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه ، فتسفي الريحعلى وجهي التراب فيخرج فيراني فيقول : يا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاءبك ؟ ألا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول : أنا أحق أن آتيك ، فأساله عن الحديث ، قال : فبقي الرجل حتىرآني وقد اجتمع الناس علي فقال : كان هذا الفتى أعقل مني وصدق القائل :
بلغت لعشر مضتمن سنيك ما يبلغ الرجل الأشيب
فهمك فيها جسام الأمور وهــــم لداتك أن يلعب
دعاء مستجاب وهمة عالية :
نالابن عباس دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"وقال هو عن نفسه : ضمني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال : " اللهم علمه الحكمة"وكان لهذا الدعاء أثر بالغ في نشأة ابن عباس فهو لا شك شحذ الهمة ، وخفف الرجل ، وكانيقتصر المسافة الطويلة من أجل حديث سمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قويالذاكرة .
ترجم ابن عباس هذه الاستجابة فقال لمن سأله أنى أصبت هذا العلم ؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول ، ولأن العلم بالسؤال والتحري فقد جمع ابن عباس الخصلتين فقالعن نفسه : إن كنت لأسأل عن المسالة الواحدة ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يفحص الإجابة ويناقشها بعقل جريء .
علم ابن عباسأن العلم للعمل فجمع بينهما ، فيقولعنه أبن أبي مليكة : صحبت ابن عباس من مكة للمدينة فكان إذا نزل قام شطر الليل فسألهأيوب ، كيف كانت قراءته ؟ قال قرأ " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد"فجعل يرتل ويكثر في ذلك النشيج ، ولما سقط الماء في عينيه جاءه الذين ينقبون أييخرجون الماء من العيون فقالوا : نسيل ماءهما لكنك تمكث عن الصلاة خمسة أيام أي قائما، فقال : لا والله !! ولا ركعة واحدة " إني حدثت أنه من ترك صلاة واحدة متعمدا لقي اللهوهو عليه غضبان .
ومن حبر هذه الأمة إلى قائد أول سرية في الإسلام عبد الله بن جحشحيث صدق الله فصدقه الله ، روى إسحاق بن سعد بن أبي وقاص أن عبد الله بن جحش قال لهيوم أحد : ألا ندعو الله ؟ فخلوا في ناحية فدعا عبد الله بن جحش فقال : " يا رب إذالقيت العدو غدا فلقني رجلا شديدا بأسه وحربه أقاتله فيك ويقاتلني ثم يأخذني فيجدعأنفي وأذني ، فإذا لقيتك غدا ، قلت : يا عبد الله لم جدع أنفك وأذنك ؟ فأقول فيك وفي رسولكفتقول صدقت ".
قال سعد : ولقد لقيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلق في خيط ، وقبل ذلككان عبد الله بن جحش هو أول من وخز بشوكة الإسلام ، حيث اختاره رسول الله صلى اللهعليه وسلم أميرا لأول سرية من سراياه التي انتشرت مبلغة دين الله لمن آمن به ، ومنكلةبمن أعرض وأبى فقتلوا وأسروا وغنموا ، وكان ترتيب هذه السرية بين بدر الأولى وبدرالكبرى ، فحين تربى القوم وصلبت أعوادهم استعدوا كامل الاستعداد ، لذلك خرجوا على حيثالمجهول بما فيهم الأمير عبد الله بن جحش ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ودعهم وسلمللأمير كتابا وأوصاه " لا تفك هذا الكتاب إلا بعد يومين من المسير نحو جهة كذا"وبعد أن وصل القوم على المكان المحدد (نخلة بين مكة والطائف ) وبعد الفترة المحددة فتحعبد الله الكتاب وقرأه وقال معلقا : سمعا وطاعة . تعرضت سرية عبد الله لعير عمرو بنالحضرمي فقتلت رجلا وأسرت اثنين ، وغنمت العير وعادت سالمة غانمة .
ويتحرج القومويرفع الله الحرج :
كانت الواقعة في اليوم الأخير من رجب الفرد ، فتحدث الناس أن القومانتهكوا الشهر الحرم فقتلوا واسروا وغنموا ، وتحرج القوم حتى أنزل الله فيهم قرآنايرفع الحرج ، ويتلى على يوم القيامة " ويسألونك عن الشهر الحرام قتال فيهإلى.......والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله " الآية
خر عبد الله بنجحش شهيدا في سبيل الله بعدما سن القتل والأسر والغنيمة في سبيل الله .
عاصم بنثابت ، حفظ الله حيا فحفظه الله ميتا ، وهو من أبطال أحد ، حكم السيف في رقاب العدو ، ولنتجد فيه رمية ولا طعنة من خلف ، كان ممن قتل أخوين لأمهما سلافة بنت سعيد بن سهيل، كانت تقول : لئن قدرت عليه لأشربن في قحفه الخمر، فلما استشهد جاءت تطلبه فمنعته الدبر، فلما حالت بينهم وبينه قالت دعوه حتى يذهب عنه فنأخذه ، فلما ذهبوا أرسل الله مطرافذهب به السيل على حيث شاء الله ، فأصبح القوم يبحثون عنه ، وكان عاصم قد جعل لله عهداألا يمسه مشرك وألا يمس مشركا تنجسا ، فكان عمر بن الخطاب يقول حين بلغه خبره : حفظ اللهالعبد المؤمن عاصم خروجه في الله ودعاؤه لله فأجاب الله دعاءه : " اللهم إني منعت دينكأول النهار فامنع جسدي آخر النهار ، وفي هذا يقول الشاعر :
وعناية الرحمن تعصم عاصمـامن أن ينال براحة أو إصبع
بالسيل بعد الدبر من أعدائه في مصرع أكرم به من مصـرع
وأخيرا نحط راحلنا مع راحلة من تلك الرواحل ثمامة بن أثال ، حيث توظيف المكانة فيخدمة الإسلام ، كانت قريش تعيش على الرحلات التجارية ، وكان سوق اليمامة من أسواقهاالتي لا تعيش دونها ، وكان ثمامة سيد القوم ، لذلك لما دخل مكة ملبيا أسرعت إليه قريش فيخفة الطير وأحلام السباع يردون قتله ، فلما اقتربوا منه وعرفوه قال بعضهم لبعض : ويحكمأتعلمون من هذا ؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة ، والله إن أصبتموه بسوء ليقطعن قومهعنا الميرة حتى نموت جوعا .
ثمامة الضغط والحصار حتى الإسلام :
بعدما عرفت قريش ثمامةوأغمدوا سيوفهم وأقبلوا إليه بأساليب التشكيك والتشويه أصبأت يا ثمامة ؟ قال لهم: ما صبأت ، وإنما اتبعت خير دين ، ثم قال : لهم أقسم برب هذا البيت إنه لا يصل إليكم بعدعودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا محمدا صلى الله عليهوسلم عن آخركم ، ظل هذا الحصار ممتدا حتى ضاع القوم وجاعوا ، واستشفعوا بالنبي صلى اللهعليه وسلم فوجدوه أخا كريما وابن أخ كريم ..
والله أكبر ولله الحمد
المصدر : موقع المنار
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

3. فتح مصر

كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية ، استولى عليها الروم سنة 40 قبل الميلاد ، فجعلوها تمدهم بما يحتاجون إليه من الغلال ، وأغلقت أمام سكان مصر الأصليين أبواب المناصب العالية ، وزادت عليهم الضرائب زيادة كبيرة شملت كل إنسان في مصر حتى وصل الظلم إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود الروم المارين والمستقرين بمصر كلهم ، حتى تمنى المصريون الخلاص من الروم .

ولما وصل عمربن الخطاب إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ قال له عمرو بن العاص : ائذن لي في المسير إلى مصر ؛ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم .

وتردد عمر في الأمر خوفاً على المسلمين أن يصيبهم الإرهاق من كثرة الحروب المتواصلة وقد فرغوا قريباً من فتوحات الشام ، وخشية من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وينشروا دينهم في البلاد المفتوحة ، لكن عَمراً هون الأمر على الخليفة ، فقال له عمر حينذ : إني مرسل إليك كتاباً وأمرتك فيه بالانصراف عن مصر ، فإن أدركك قبل أن تدخلها أو شيئاً من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره .

وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها ، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين ، فلم يتسلمه من حامله ، حتى شارف العريش ، فأخذ الكتاب ، وقرأه على أصحابه ، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر ، ولكن عَمْراً الآن في أرض مصر ، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله .

اخترق الجيش سيناء سنة : 18هـ ، ففتح العريش من غير مقاومة تذكر ؛ لأن حصونها لم تكن من المتانة لتصمد في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً، ولعدم وجود حامية رومية بها . ثم غادر عمرو العريش ، سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته الى مصر .

ولم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر المحرم 19للهجرة ، وسار عمرو بعد ذلك حتى وصل بلبيس فوجدها محصنة ، وفيها أرطبون الروم ، وقد فرّ من فلسطين قبيل تسليم بيت المقدس ، وخلال شهر من الحصار والاشتباكات فتحت المدينة ، وكان بها ابنة المقوقس أرمانوسة ، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة .

وطلب عمرو المدد من أمير المؤمنين ، فأرسل أربعة آلآف مجاهد ، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلآف ، على كل ألف رجل منهم مقام الألف .. ) .

وصل هذا المدد بقيادة الزبير إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ، ولكن تيودور قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد ، ولكن عمراً تنبه للأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل الأحمر وانقض على الروم ، فاختل نظامهم ، واضطرب تيودور فتراجع لينظم قواته ، فقابله الكمين الذي كان بقرب النيل ، فأصبح تيودور وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات ، فحلت به الهزيمة ، فركب بعضهم في النيل وفر إلى حيث لايرى ، وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن .

لم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون ،فإن فتح فتحت مصركلها ، ولكن الحصار طال وتأخر الفتح سنتين ، وما ذاك إلا بسبب : قلة عدد المسلمين (8004 رجل ) ، ومتانة أسوار حصن بابليون ، وتجمع الآلآف من جند الروم به ، وقلة معدات الحصار مع الجند المسلمين ، مع فيضان النيل .

وطلب المقوقس من عمرو رجالاً يتحادث معهم من المسلمين فأرسل إليه وفداً بقيادة عبادة بن الصامت ، وأبقى عمرو رسل المقوقس عنده يومين وليلتين حتى يطلعوا على أحوال جند المسلمين فيخبروا بذلك من وراءهم ، ثم ردهم عارضاً عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال .

أما الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى ، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين . فوضع سلما ً إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ، ومعه السيف ، وقد عصب رأسه بعمامة صفراء علامة حب الموت أوالنصر .

وقفز الزبير داخل الحصن ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم ، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة ، وأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد ، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا ، واستطاع الزبير أن يفتح الباب ، واقتحم المسلمون الحصن ، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر .

ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، فأجابه عمرو إلى ذلك .

وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة ؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا .
ذات الصواري ، للدكتور شوقي أبو خليل

 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

4. فتح دمشق

قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة . نزهة الفضلاء 1 / 51أ
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

5. وسطية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع غير المسلمين

وسطية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التعامل مع غير المسلمين
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق

لقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه مثالا فريدا من بين كل الذين وصلوا لسدة الحكم ليس في عصره فقط ، وإنما في كل العصور والأزمان التي مرت بها البشرية ، وقد تنبأ له النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بتلك المنزلة التي سيصل إليها بقوله : " فلم أر عبقريا من الناس يفري فريه " ( رواه مسلم في صحيحه)..

وقد ظهرت تلك العبقرية عنده رضي الله عنه في توسطه واعتداله الكامل في كل أمور حكمه ، فلم يجنح أو يميل يمنة أو يسرة .. نعم لم يجنح يمنة قيد أنملة فيحابي حتى ابنه الذي ترك يوما ماشيته ترعى في الكلأ الذي كان محميا لأموال الصدقات فأنبه وحال بينه وبين ذلك ، ولم يجنح يسرة قيد أنملة فيعاقب الرجل الذي قتل أخاه ضرار بن الخطاب ثم تاب وأسلم قبل أن يقدر عليه ، ولم يفعل سوى أن قال لهذا الرجل : والله لأحبك أبدا ، فرد عليه بجفاء الأعراب الذي نشأ عليه وقال : أبغضك إياي يمنعني حقا من حقوقي ؟! فقال عمر : لا ، فأجابه : إنه ليس محتاجا لحبه ، وإنما يبكي على الحب النساء .

ومن يتابع سيرته رضي الله عنه سيجد أن تلك المعاملة القائمة على التوسط والاعتدال شملت كل الناس ، ولكني سأقصر حديثي في هذه السطور المعدودة على توسطه واعتداله مع غير المسلمين من أبناء رعيته ، وأخصها بالذكر لأني لاحظت شططا من الحديث عنها ، ورأيت من بالغ في نظرته لهؤلاء تحت المؤثرات النفسية فجعل منهم (أي غير المسلمين في المجتمعات المسلمة ) أعداء على السواء ، لا فرق بينهم وبين الأعداء الذين يحاربون أمتنا ويسيلون دماءها ليل نهار ، ورأيت من بالغ تحت تأثير من الفكر الانهزامي الذي حل بأمتنا الإسلامية فادّعى لهم من الامتيازات ما لا يقره لهم أي شرع بشري أو إلهي ؛ حتى صار يطالب من أجلهم المسلمين بالانخلاع عن ثوابت دينهم إرضاء لهؤلاء تحت مسمى " الوطنية "وغيرها من المسميات التي لا يُدرى مغزاها ..
pic01%5B1%5D.jpg


وكلا الفريقين (المتنطع في حكمه ، والداعي للتنازل عن ثوابت دينه ) غير رشيد ، والأول مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " ( المائدة : 8) والثاني مردود عليه بقول الله سبحانه وتعالى : " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " ( البقرة : 120 ) .

ولذلك كانت سياسة الفاروق عمر رضي الله عنه معهم قائمة على منحهم الحقوق كاملة في تدينهم، فيتعبدون بالدين الذي يختارونه ؛ لكن دون تناول الإسلام بسوء ولو على سبيل التعريض ، ومنحهم من حقوق الرعية في أمور المعاش ما يتساوون فيه تماما مع سائر المسلمين ، كما لم يسمح لأحد من المسلمين مهما علت درجته في الإمارة أن يسيء لأحد منهم ..

وكان يبعث لأهل كل الأمصار التي فتحت في عصره رسالة مفادها أيها الناس: " إني بعثت عمالي هؤلاء ولاة بالحق عليكم، ولم أستعملهم ليصيبوا من أبشاركم ، ولا من دمائكم، ولا من أموالكم ، فمن كانت له مظلمة عند أحد منهم فليأت إلينا " فاستجاب الناس لذلك ، وقصة المصري الذي شكا من تطاول ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه عليه فأنصفه مشهورة عند العامة والخاصة .

ولم يكتف بذلك وينتظر حتى يأتي إليه الناس بشكواهم ، وإنما هَمّ بأن يذهب ليتلقاها منهم بنفسه ، وقال : لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني ، أما عمالهم فلا يرفعونها إلي، وأما هم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام فأقيم شهرين، وبالجزيرة ( الفراتية ) شهرين، وبمصر شهرين، وبالبحرين شهرين، وبالكوفة شهرين، وبالبصرة شهرين " لولا أن أبا لؤلؤة المجوسي الذي سمح له عمر من قبل أن يتكسب بحرفته في المدينة ـ رغم كونه غير مسلم ـ عاجله فقتله غدرا وهو يؤم الناس في صلاة الصبح .
ولم يرض عمر بمنع الإيذاء عن غير المسلمين من أبناء رعيته فقط ، وإنما اقتضت وسطيته واعتداله معهم أن يوجب لفقرائهم مصدر الرزق كما وجب على أثريائهم دفع ضريبة الجزية ، فقد مر رضي الله عنه يوما بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة ، فقال : ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن ، فأخذ بيده ، وذهب به إلى منزله ، وأمر له بعطاء من ماله الخاص ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال :" انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والفقراء هم المسلمون ، وهذا من المساكين من أهل الكتاب " وعمم ذلك في أنحاء الدولة الإسلامية ..
ولما أحس عرب تغلب من النصارى أن مُسمّى الجزية فيه نقصان لكبريائهم وطلبوا دفع مثل الصدقة ( الزكاة ) مضاعفة أقرهم على ذلك ، ولم يتشدد عليهم ورضي منهم بضعف الصدقة لأن المسلم يدفع صدقته ويجاهد ويدافع عن حمى الوطن ، ويوفر الأمن لسكانه على اختلاف أديانهم ، أما هؤلاء فلم يجبروا على الخدمة في الجيش ، فمن العدل أن يدفعوا بدل الإعفاء من تلك الخدمة .
وكذلك لما نزح بعض عرب الشام من النصارى أثناء الفتح إلى بلاد الروم ، وكانوا من قبل يعينونهم على المسلمين ، ويقاتلون في صفهم أرسل رضي الله عنه إلى ملك الروم يأمره بأن يعيدهم إلى موطنهم بالشام مرة أخرى فعاشوا بأموالهم وأولادهم منعمين .
ولكن هذه المعاملة الحسنة معهم لم يتبعها أي تنازل يمس ثوابت الإسلام أو أن يخالف فيهم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما اقتدت سياسة العدل والوسط أن يوفي إلى غير المسلمين حقهم ، ويجري عليهم حكم الله فيهم ، فقد بعث بعد توليه الخلافة يعلي بن أمية إلى اليمن وأمره بإجلاء غير المسلمين من أهل نجران، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه بذلك ، حيث قال : " لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ " (موطأ مالك ) ولوصية أبي بكر رحمه الله بذلك في مرضه، وقال: ائتهم ولا تفتنهم عن دينهم، ثم أجلهم ؛ من أقام منهم على دينه، وأقرر المسلم ، وامسح أرض كل من تجلى منهم ، ثم خيرهم أي البلدان لينزلوا فيها ، وأعلمهم أنا نجليهم بأمر الله ورسوله ؛ ألا يترك بجزيرة العرب دينان ؛ فليخرجوا ؛ من أقام على دينه منهم ؛ ثم نعطيهم أرضاً كأرضهم، إقراراً لهم بالحق على أنفسنا، ووفاء بذمتهم فيما أمر الله من ذلك ، بدلاً بينهم وبين جيرانهم من أهل اليمن وغيرهم فيما صار لجيرانهم بالريف (تاريخ الطبري ج 2 / ص 228) .
فعل ذلك بأهل نجران في حين أنه رفض أن يصلي بإحدى كنائس بيت المقدس لما حضرته الصلاة ؛ حفاظا على حقوقهم ، وقال لهم : خشيت أن يغالبكم عليها المسلمون من بعدي ، وهذه من وسطيته واعتداله ؛ تلك الوسطية المعتمدة على كتاب الله وسنة رسوله ..
ولذلك أقول : إن ما نراه الآن من السماح لغير المسلمين من اليهود والنصارى الذين هاجروا للعمل بدول الخليج ببناء الكنائس ليس من الوسطية والاعتدال في شيء ، ولا يدخل تحت مفهوم السماحة التي يدعيها الناس في شيء ، وإنما السماحة في أن توفي إليهم حقوقهم المادية غير منقوصة ، ولا يساء إلى آدميتهم ، ولا تزدرى جنسياتهم ، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأن نبين لهم أن هذا أمر الله ورسوله كما قال عمر ليعلي بن أمية رضي الله عنهما ..
وأخيرا أذكر أن سياسة التوسط والاعتدال عند عمر الفاروق رضي الله عنه مع غير المسلمين لم يكن معناها أن يتسامح مع أحد منهم في التطاول على الإسلام وشرعه بقول أو فعل ، أو يتسبب في إيذاء مسلم أو مسلمة ، فقد جاء إليه وهو في طريقه إلى القدس الشريف رجل نبطيّ يهودي مضروب مشجّج يشكو له أحد المسلمين ، فلما شاهد ما به من آثار الضرب غضب غضباً شديداً، وقال لصهيب الرومي وكان يرافقه : انظر من فعل به ذلك فأتني به، فانطلق صهيب فإذا الذي ضربه هو الصحابي عوف بن مالك الأشجعيّ ، فقال له صهيب : إن أمير المؤمنين قد غضب غضباً شديداً، فلو أتيت معاذ بن جبل ( وكان قاضيا ) فمشي معك إلى أمير المؤمنين ، فإني أخاف عليك بادرته ، فجاء معه معاذ ..

وكان عمر قد أقبل على صلاته بعد بعث صهيب فلّما انصرف من الصّلاة قال: أين صهيب؟ قال: أنا هذا ، ... يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك، فاسمع منه ولا تعجل عليه... فخرج عمر إلى عوف فقال له : مالك ولهذا ؟ فقال عوف : يا أمير المؤمنين، رأيته يسوق لامرأة مسلمة ( خارج العمران ) فنخس الحمار ليصرعها ، فلم تصرع؛ فدفعها فخرّت عن الحمار، فغشيها ففعلت به ما ترى...

واقتدت سياسة عمر رضي الله عنه ألا يسمع له ويصدقه دون بينة ، وإنما قال : ائتني بالمرأة لتصدّقك ، فأتى عوف المرأة ، فذكر الذي قاله عمر ، فقال أبوها وزوجها : ما أردت بهذا ؟ فضحتنا ، فقالت المرأة : والله لأذهبنّ معه إلى أمير المؤمنين...

فلّما عزمت على ذلك قال أبوها وزوجها : نحن نبلّغ عنك أمير المؤمنين ، فأتياه فصدّقا عوف بن مالك بما قال ، فقال عمر لليهوديّ : والله ما على هذا عاهدناكم ، فأمر به فصلب، ثم قال: يا أيّها النّاس، فوا بذمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن فعل هذا فلا ذمّة له.

هذه سياسة التوسط والاعتدال عند عمر رضي الله عنه ، ولو لم يفعل ذلك لَلِحق بالمسلمين على أيدي غيرهم من الإيذاءات ما لا يحصى ، وصفحات التاريخ مليئة بما لا وقت لذكره من تجاوزات الذميين بعد أن تخلى الأمراء والحكام عن سياسته رضي الله عنه ... فاعتبروا يا أولي الألباب !!.
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

6. قصة هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهراً إلى المدينة النبوية

قصة مشهورة على الألسن وفي الكتب والقصص و في الخطب والمحاضرات و بين العامة والخاصة وقد تجد من طلبة العلم من يستشهد بها ، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه جهراً إلى المدينة النبوية.
أخرج ابن عساكر في تاريخه (44/51-52) وابن السمان في الموافقة ، انظر : شرح المواهب (1/319) و سيرة الصالحي (3/315) وابن الأثير في أسد الغابة (4/152) ، عن علي رضي الله عنه أنه قال : ( ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً ، إلا عمر بن الخطاب ، فإنه لم هم بالهجرة تقلد سيفه و تنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً واختصر عَنزته ، ومضى قبل الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف بالبيت سبعاً متمكناً ، ثم أتى المقام فصلى متمكناً ، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم : شاهت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس الأنوف ، من أراد أن تثكله أمه و يوتم ولده و يرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي ، قال علي : فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين ، علمهم وأرشدهم ومضى لوجهه ) . قلت : هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها و سيأتي - ، فهي لا تسلم من الكلام على سندها ، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها ، فكيف و فيها ثلاثة مجاهيل ؟! قال الشيخ الألباني رحمه الله في رده على البوطي في سيرته : ( جزمه بأن عمر رضي الله عنه هاجر علانية اعتماداً منه على رواية علي المذكورة ، و جزمه بأن علياً رواها ليس صواباً ؛ لأن السند بها لا يصح و صاحب أسد الغابة لم يجزم أولاً بنسبتها إليه رضي الله عنه ، و هو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته ، و لينظر فيه من كان من أهل العلم ، و قد وجدت مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني : حدثنا عبد الله بن القاسم الأملي ( كذا الأصل ولعله الأيلي ) عن أبيه ، بإسناده إلى علي ، و هؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) دفاع عن الحديث النبوي والسيرة ( ص 42- 43) . قلت : و نحن لا ننكر شجاعة عمر و هيبته رضي الله عنه ، و قد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : ( ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ) ، و لكن العبرة بما صح و حسن سنده . و القصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق قال حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبدا لله عن أبيه عمر رضي الله عنهما قال : ( اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا و عياش بن أبي ربيعة و هشام بن العاصي بن وائل السهمي التناضب موضع فوق سرف على مرحلة من مكة من أضاة بني غفار أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين فوق سَرِف ، و قلنا : أينا لم يصبح عندها فقد حبس فليمض صاحباه ، فأصبحت أنا و عياش عند التناضب ، و حبس عنا هشام ، و فتن فافتتن .. .. وعندما نزلت الآية { قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً .. الآية } كتبها عمر و أرسل بها إلى هشام بن العاصي بمكة ، فوجد صعوبة في فهمها ، فدعا الله أن يفهمه إياها ، فألقى الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله ، فلحث برسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) . انظر : ابن هشام (2/129-131) بإسناد حسن ، و صححه ابن حجر في الإصابة (3/602) ، و قد أشار إلى صحتها الهيثمي في المجمع (6/61 ) . قلت : و دلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت سرية ، فليس فيها أي إشارة إلى إعلان الهجرة ، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار وهي على عشرة أميال من مكة ليؤكد إسرارهم بهجرتهم . و فوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب سراً ، حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق السابقة وزاد فيها قول عمر : ( و كنا نخرج سراً فقلنا .. ) . وقلت أيضاً : والتأكيد على صحة الرواية الثانية أولى من التكلف في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً كهذه التي بين أيدينا - ، وانظر إلى تكلف السباعي رحمه الله والبوطي مثلاً في استخراج العبر منها . السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80 ) و فقه السيرة للبوطي ( ص 135-136 (
 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

attachment.php



1. معركة ذات الصواري

لما ولي معاوية بن أبي سفيان الشام ألح على عمر الفاروق في غزو البحر ، وكتب له معاوية : ( إن قرية من قرى حمص ليسمعُ بنباح كلابهم ، وصياح دجاجاتهم ) . فاحتار عمر وكتب إلى عمرو بن العاص واليه على مصر : ( صف لي البحر وراكبه ؛ فإن نفسي تنازعني عليه ) . فكتب عمرو : ( إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلقٌ صغير ، ليس إلا السماء والماء ، إن ركد خرق القلوب ، وإن تحرك أزاغ العقول ، يزداد فيه اليقين بالنجاة قلة ، والشك كثرة ، هم فيه كدود على عود ، إن مال غرق ، وإن نجا برق ) .

قرأ عمر الكتاب ثم كتب إلى معاوية : ( والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً ، وبالله لمسلمٌ واحدُ أحب إلي مما حوت الروم ) .

ولما ولي عثمان الخلافة كتب إليه معاوية يستأذنه في غزو البحر، وذلك بعد أن بدأ معاوية باستكمال الاستعدادت ، فوافق عثمان على طلبه ، وكتب إليه : ( لا تنتخب الناس ، ولا تقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ) .

فبنى معاوية أسطولاً إسلامياً ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي فاستطاع فتح قبرص .

وولى عثمان عبد الله بن سعد بن أبي السرح ولاية مصر فبدأ بغزو جنوب ليبيا ، ثم غزا بلاد النوبة ، بالإضافة إلى أن معاوية سيطر على الشواطىء في بلاد الشام وآسيا الصغرى ، فلما رأى الروم خسائرهم المتوالية في البر جمع قسطنطين بن هرقل أسطولاً رومياً به ألف سفينة لضرب المسلمين ، فأرسل معاوية - بعد إذن عثمان - مراكب الشام بقيادة بُسر بن أرطاة ، واجتمع مع بن أبي سرح في مراكب مصر ، ومجموعها مائتا سفينة فقط ، وكانت المعركة التي يترجح أنها وقعت على شواطىء الاسكندرية ، سنة 32 للهجرة .

والتقى الجيشان في عرض البحر ، وطلب المسلمون من الروم : إن أحببتم ننزل إلى الساحل فنقتتل ، حتى يكتب لأحدنا النصر ، وإن شئتم فالبحر ، فأبى الروم إلا الماء ، وبات الفريقان تلك الليلة في عرض البحر ، وقام المسلمون الليل يصلون ويدعون ويذكرون ، وبات الروم يضربون النواقيس .

ولما صلى المسلمون الفجر أمر عبد الله جنده أن يقتربوا من سفن أعدائهم فاقتربوا حتى لامسوها ، ونزل الفدائيون إلى الماء وربطوا السفن العربية بسفن الروم بحبال متينة ، وبدأ الروم القتال ، وصار قاسياً ، وسالت الدماء حتى احمرت صفحة المياه ، وترامت الجثث في الماء ، وضربت الأمواج السفن حتى ألجأتها إلى الساحل ، وقتل من المسلمين الكثير ، وقتل من الروم ما لا يحصى ، وصمد المسلمون ، فكتب الله لهم النصر بما صبروا ، واندحر الروم ، وكاد قسطنطين أن يقع أسيراً في أيدي المسلمين ، لكنه فر مدبراً والجراحات في جسمه حتى وصل جزيرة صقلية ، فسأله أهلها عن أمره ، فأخبرهم فقتلوه حنقاً عليه.

والصواري جمع صار ، وهي الخشبة المعترضة وسط السفينة ، وسميت المعركة كذلك لكثرة صواري المراكب واجتماعتها ، أو لكثرة ساريات السفن التي التحمت في القتال في ذلك اليوم (1200 سفينة عربية ورومية ) .
ذات الصواري ، للدكتور شوقي أبو خليل

 

المرفقات

  • i-mt-a3.jpg
    i-mt-a3.jpg
    12.8 KB · المشاهدات: 9

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

2. من فضائل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه

من فضائل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه
لم يترك الشيطان صاحبَ فضيلة إلا وسعى لانتقاصه وتشويه صورته بين الناس ، وذلك ما حصل مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضوان الله عليه ، هذا الرجل التقي الحيي العطوف الرءوف اللين ، الذي ما وُجهت إليه إساءة إلا وعفا وصفا ، حتى وهو خليفة يتولى أعلى سلطة في الدولة ، ناله من السفهاء والجهلاء ما لم ينل أحدا من الحكام ـ مع قدرته على البطش بهم ، حيث كانت جيوشه تجول شرقا وغربا ، فاتحة ما استعصي على السابقين ـ لدرجة أنه قُُتل على يد شراذم الأرض بعد أن رفض أن يسمح لأحد من الصحابة أو أبنائهم الذين حضروا للزود عنه بقتال المعتدين عليه؛ خشية من إراقة أي دماء بالمدينة الطاهرة التي تحوي رفات سيد البشر ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لدرجة أن المرء وهو يتفكر في سيرته يقول : إن الرجل ليس له عيب سوى المبالغة في اللين والرحمة والتساهل مع من أساء إليه ، وتلك لعمري مزية لا تتوفر إلا لقليل من البشر .
وكان يقول وهو في تلك الحالة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهداً فأنا صابر عليه.
وهذه بعض فضائله نقدمها للأخوة القراء ولنا أولا ؛ لنعرف للرجل قدره فنزداد له حبا ، فحب الصحابة واجب علينا ، فكيف بذي النورين ؟!! ..
ـ الفضيلة الأولى : أنه تزوج ببنتين من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال العلماء : ولا يعرف أحد تزوج ببنتي نبي غيره ، ولذلك سمي ذا النورين ، وقد قال علي رضي الله عنه : ذاك امرؤ يُدعى في الملأ الأعلى ذا النورين ، كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه. .
ـ الفضيلة الثانية : أنه من السابقين الأولين ، وأول المهاجرين ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد الستة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ، وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن ، بل قال ابن عباد: لم يجمع القرآن من الخلفاء إلا هو والمأمون).
الفضيلة الثالثة : أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعين حديثاً ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " نضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ " . فكيف بمن بلّغ عنه هذا العدد الوفير ؟!! .
وقد كان رضي الله عنه كما شُهد له متقنا في تحديثه ، فقد أخرج ابن سعد عن عبد الرحمن بن حاطب قال : ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث أتم حديثاً ولا أحسن من عثمان بن عفان.
الفضيلة الرابعة : أن أمه أروى بنت كريز بن ربيعة كانت عمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبذلك نال فضل القربة إلى رسول الله كما نال فضل الصهر والصحبة .
الفضيلة الخامسة : أنه كما قال ابن إسحاق : أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة ، كما كان ممن تحمل وصبر على الإيمان ، فقد أخرج ابن سعد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطاً ، وقال : ترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أدعك أبداً حتى تدع ما أنت عليه ، فقال عثمان : والله لا أدعه أبداً ولا أفارقه ، فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه.
الفضيلة السابعة : أنه أول من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله ، ولذا قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط " .
الفضيلة الثامنة : أن رسول الله شهد له أنه كان أشبه الناس بإبراهيم عليه ، كما جاء عن عائشة رضي الله عنها ، حيث قالت: لما زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته أم كلثوم قال لها: " إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد " وجاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم " وهذا الشبه بالطبع كان في حسن الخلق والتقرب إلى الله .
الفضيلة التاسعة : أن رسول الله أشاد بحيائه ، فقد أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ثيابه حين دخل عثمان وقال : " ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة " .
الفضيلة العاشرة : أن رسول الله بشره بالجنة في أكثر من مرة ، من ذلك ما ذكره البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي أن عثمان حين حوصر أشرف على الناس فقال : أنشدكم بالله ! ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ! ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزتهم ؟ ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة ؟ فحفرتها ، فصدقوه بما قال.
وما ذكره الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب أنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش فقال عثمان : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول :" ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء " .
الفضيلة الحادية عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خصه بالسفارة إلى قريش يوم الحديبية ، ولما حضرت بيعة الرضوان جعل صلى الله عليه وسلم نفسه نائبا في البيعة عن عثمان ، فقد أخرج الترمذي عن أنس أنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن عثمان بن عفان في حاجة الله وحاجة رسوله ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيراً من أيديهم لأنفسهم.
الفضيلة الثانية عشر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد له أنه يُقتل مظلوما ، فقد أخرج الترمذي عن ابن عمر أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال : يُقتل فيها هذا مظلوماً لعثمان .
وأخرج الترمذي أيضا والحاكم وصححه وابن ماجة عن مرة بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فتنة يقربها ، فمر رجل مقنع في ثوب فقال: هذا يومئذ على الهدى ، فقمت إليه ، فإذا هو عثمان بن عفان ، فأقبلت إليه بوجهي فقلت هذا قال ( أي رسول الله ) : نعم.
وأكد رسول الله أن من سيخرجون عليه ليسوا مسلمين وإن تظاهروا بالإسلام ، فقد أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا عثمان ! إنه لعل الله يقمصك قميصاً ، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني " .
الفضيلة الثالثة عشر: أنه قام بتوسعة المسجد بعد أن اشترى المنازل المحيطة به وضمها إليه ، كما زاد في مسجد المدينة ووسعه وبناه بالحجارة المنقوشة.
الفضيلة الرابعة عشر : أن المسلمين لم يعرفوا الغزو بحرا إلا في عهده ، بعد أن أقيم أول أسطول إٍسلامي للمسلمين في مصر والشام ، وفتحت في عهده بعض جزر البحر المتوسط التي كانت تتحكم في تجارة البحر ، وقد دعا رسول الله لأول جيش يركب البحر ، وبالطبع شمل الدعاء من أرسل هذا الجيش ؛ لأنه صاحب الفضل في إرساله .
الفضيلة الخامسة عشر : أن الأموال قد كثرت في عصره بسبب الفتوحات الإسلامية الشاسعة ، مثل قبرص وإصطخر وفسا ، وبلاد كثيرة من أرض خراسان وطوس وسرخس ومرو وبيهق ، والحبشة حتى اتخذ للمال الخزائن ، وأدر الأرزاق ، وصار يأمر للرجل بمائة ألف بدرة ( صرة ) في كل بدرة أربعة آلاف أوقية.
ونكتفي بتلك الفضائل خشية الإطالة ، سألين الله سبحانه وتعالى أن يجزيه وسائر الصحابة عن الإسلام خير الجزاء ، وأن يوسع له في نزله ، وأن يزرقنا حبه وحب سائر الصحابة ، وأن يرزقنا الاقتداء به ، اللهم آمين !!



المصادر :
ـ القرآن الكريم
ـ صحيح البخاري
ـ معجم الطبراني
ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة ( مادة عثمان )
ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي .
ـ سلسة العلامتين ابن باز والألباني

 

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

3. الفتوحَات في عَهدِ الخليفة عثمان رضي الله عنه

مقدمة عن فتوحاته :
لقد كان عهد عثمان رضي الله عنه مليئاً بالفتوحات، وهي تتمة لما كان أيام الخليفة السابق له وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولقد استمرت هذه الفتوحات في البر والبحر مدة عشرة أعوام إلا أن ما حدث في العامين التاليين لها من فتنة، قد جعلها تنسى , فطغت الفتنة حتى حسب الناس أن عهد عثمان لم يكن سوى فتنة واختلافات نشأت منذ بيعته , ودامت بقية حياته ، وانتهت باستشهاده..
كان أمير الشام معاوية بن أبي سفيان قد قام بغزو الروم , ووصل إلى عمورية قريباً من أنقرة اليوم، وكان معه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، وأبو أيواب الأنصاري خالد بن زيد، وأبو ذر الغفاري ، وشداد بن أوس...
وفتح المسلمون مناطق واسعة رغم قلة عدد جندهم بالنسبة إلى تلك الأراضي الشاسعة، وبالنسبة إلى أعداد أعدائهم الكبيرة ، وهذا ما جعلهم لا يتركون في المناطق التي يصالحونها إلا الجند القليل، ولا يبقون في البقاع التي يفتحونها إلا العدد الضئيل، وبخاصةٍ أنه كانت هناك جبهات مفتوحة، وثغور يجب حمايتها، ومراكز يجب الدفاع عنها والتجمع فيها للإمدادات في الأوقات اللازمة ..
كل هذا جعل عدد المسلمين قليلاً في البلاد المفتوحة حديثاً، وجعل أهلها يشحون في دفع الجزية، ويظنون أن بمقدورهم هزيمة المسلمين وقتالهم، وأن ما حدث معهم في المرة الأولى لم يكن سوى أخطاء ارتكبوها وقد عرفوها فيما بعد، ثم يتحسرون على عزهم الزائل وأيام مجدهم الخالية ، لذا كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على المسلمين ونقض عهودهم معهم - هكذا النفس البشرية - ومن هنا كان نقض العهد كثيراً. .
وقد انتهز الفرس والروم في المناطق التي دخلها المسلمون وفاة خليفتهم عمر بن الخطاب، ونقضوا العهد، وظنوا أن أمر المسلمين قد ضعف، ولكنهم فوجئوا بأن قوة المسلمين على ما هي عليه لم تختلف أيام عمر عن أيام عثمان الخليفة الجديد، وقد أدب المسلمون خصومهم مرة ثانية.
الجبهة الغربية :
نقضت الإسكندرية عهدها عام 25 هـ، فسار إليها أمير مصر عمرو بن العاص، وقاتل أهلها وأجبرهم على الخضوع، والعودة إلى عهدهم.
وكان عمر بن الخطاب قد منع عمرو بن العاص من الانسياح في إفريقية بعدما فتح طرابلس، إلا أن عثمان بن عفان قد سمح بذلك، وأرسل عبدالله بن سعد بن أبي سرح على رأس قوة فاجتاز طرابلس، واستولى على سفن للروم كانت راسية هناك على الشاطىء , ثم واصل سيره في إفريقية والتقى بجيوشٍ للبيزنطيين عام 27 هـ في موقع يقال له (سبيطلة) في جنوب غربي القيروان التي لم تكن قد أسست بعد، وقد قَتَل عبد الله بن الزبير، وكان مع الغزاة في تلك الموقعة القائد البيزنطي (جرجير)، وكان ذا أثر فعّال في الانتصار الذي أحرزه المسلمون على الروم، إلا أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح قد اضطر إلى عقد معاهدة للصلح مع البيزنطيين مقابل جزية سنوية يدفعونها على أن يخلي إفريقية، وكان ذلك الاضطرار بسبب سيره إلى مصر لمواجهة النوبة الذين هددوا مصر من ناحية الجنوب...
وفي أيام عمر بن الخطاب ألح أمير الشام معاوية بن أبي سفيان على الخليفة عمر في غزو البحر وقرى الروم من حمص وقال : إن قرية من قرى حمص ليسمع أهلها نباح كلابهم وصياح دجاجهم، حتى كاد ذلك يأخذ بقلب عمر، فكتب عمر إلى عمرو بن العاص : صف لي البحر وراكبه، فإن نفسي تنازعني إليه، فكتب إليه عمر : إني رأيت خلقاً كبيراً يركبه خلق صغير، إن ركن خرق القلوب، وإن تحرك أزاغ العقول، يزداد فيه اليقين قلةً، والشك كثرةً، هم فيه كدودٍ على عودٍ، إن مال غرق، وإن نجا برق ,فلما قرأه عمر كتب إلى معاوية : "لا والذي بعث محمداً بالحق لا أحمل فيه مسلماً أبداً".
فلما ولى عثمان لم يزل به معاوية حتى عزم على ذلك ، وقال : لا تنتخب الناس، ولا تُقرع بينهم، خيّرهم، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه، ففعل، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الجاسي(1) حليف بني فزارة...
غزا معاوية قبرص وصالح أهلها على سبعة آلاف دينار يؤدونها إلى المسلمين كل سنة , وذلك عام 28 هـ، وساعد أهل مصر في تلك الغزوة بإمرة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فلما وصل إلى قبرص كان معاوية على الناس جميعاً، وكان بين الغزاة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت، والمقداد بن عمرو، وشداد بن أوس، وأبو ذر الغفاري، وكانت مع عبادة بن الصامت زوجه أم حرام.
وغزا حبيب بن مسلمة بعض أرض سورية التي كانت لا تزال بيد الروم وذلك عام 28هـ.
معركة ذات الصواري :
وفي عام 31 هـ جرت معركة بحرية حاسمة بين المسلمين والروم بالقرب من شواطئ كيليكيا، وهي التي تعرف بذات الصواري، وعرفت بذلك لأن صواري السفن ربطت بعضها مع بعض المسلمة والرومية، وذلك بعد أن أمن بعضهم بعضاً , واختار الروم قتال البحر، وكان قائد المسلمين أمير مصر عبد الله بن أبي سرح، وقائد الروم الإمبراطور نفسه قسطنطين الثاني الذي كان يقود أكثر من خمسمائة سفينة، ومع ذلك فقد فرّ من المعركة، وهزم الروم شرّ هزيمة.
وكانت صواري السفن من أشجار السرو والصنوبر , وهذا ما يدل على أهمية الأشجار والغابات لكلا الطرفين، وجبال تلك الشواطئ كانت مليئة بهذه الأنواع من الأشجار.
وفي عام 33 هـ غزا أمير الشام معاوية بن أبي سفيان حصن المرأة من أرض الروم قرب ثغر ملاطية.
ونقضت إفريقية العهد عام 33 هـ فسار إليها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح ففتحها ثانية ، وأجبر أهلها على الخضوع والعودة إلى دفع الجزية بعدما منعوها.
الجبهة الشرقية :
غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينيا، وكان أهلهما قد منعوا ما صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر بن الخطاب، وكان على مقدمة الوليد سلمان بن ربيعة الباهلي، واضطر سكان المنطقتين إلى المصالحة من جديد , وأمد أهل الكوفة أهل الشام بثمانية آلاف رجل بإمرة سلمان بن ربيعة الباهلي، وذلك عندما كان حبيب بن مسلمة بن خالد الفهري يغزو أرمينيا من الغرب، فاجتمع له عدد كبير من جند الروم , الأمر الذي أخافه وطلب المدد فأنجده الوليد بن عقبة بسلمان بن ربيعة الباهلي.
attachment.php

وسار أمير خراسان عمير بن عثمان بن سعد غازياً حتى وصل إلى فرغانة وذلك عام 29هـ، كما سار في العام نفسه أمير سجستان عبد الله بن عمير الليثي فوصل إلى كابل، وانطلق أمير كرمان عبيد الله بن معمر التميمي فوصل إلى نهر السند.
وانتفض أهل اصطخر فسار إليهم عبد الله عامر بن كريز أمير البصرة، وعلى مقدمته عثمان بن أبي العاص.
وسار أمير الكوفة سعيد بن العاص يريد خراسان ومعه الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، إلا أن أمير البصرة عبد الله بن عامر قد سبقه نحو خراسان الأمر الذي جعل سعيداً يسير إلى قومس وهي لا تزال على الصلح الذي أعطته لحذيفة بن اليمان بعد معركة نهاوند، ومن قومس سار إلى جرجان فصالحه أهلها على مائتي ألف، وسار نحو الشمال حتى وصل إلى الصحراء ، ولكن أهل جرجان لم يلبثوا أن كفروا واستمروا في قطع الطريق حتى تولى أمر خراسان قتيبة بن مسلم الباهلي.
وسار عبد الله بن عامر إلى فارس بعد أن انتفضت، فافتتحها وهرب يزدجرد إلى كرمان، فأرسل في أثره مجاشع بن مسعود السلمي , ففر يزدجرد إلى خراسان، وطلب المال من مور فمنعه، ثم التجأ إلى رجل على شاطئ نهر مورغاب يعمل في نقر أحجار الرحى فقتله.
ووصل عبد الله بن عامر إلى خراسان، وكانت قد انتفضت، وكان الأحنف بن قيس على مقدمته، ففتح طوس، وأبيورد، ونسا، وبلغ سرخس، وصالح أهل مرو، وأعاد فتح خراسان.
وفي عام 32 هـ كتب عثمان إلى أمير الكوفة سعيد بن العاص أن أرسل سلمان بن ربيعة الباهلي للغزو في منطقة الباب، فسار سلمان إليها، وكان عبد الرحمن بن ربيعة الباهلي يخوض معركة ضد خصومه، فاستشهد فيها , وتفرق المسلمون هناك، فمنهم من سار إلى جيلان وجرجان , ومنهم أبو هريرة , وسلمان الفارسي، ومنهم من سار نحو سلمان بن ربيعة الباهلي فحماه، وكان على الحرب مع سلمان حذيفة بن اليمان، وطلب عثمان من أهل الشام في أرمينيا بإمرة حبيب بن مسلمة أن ينجدوا سلمان بن ربيعة الباهلي في منطقة الباب ففعلوا.
وعادت خراسان فانتفضت من جديد فبعث عبد الله بن عامر الأحنف بن قيس إلى مرو الروذ فصالح أهلها، واجتمع عليه أهل (الطالقان) و (فارياب) و (الجوزجان) و (طخارستان) فانتصر عليهم بإذن الله، وصالح أهل (بلخ) وأرسل الأقرع بن حابس إلى (الجوزجان) ففتحها , ثم عاد الأحنف إلى خراسان مرة ثالثة في عام 33 هـ .
وهكذا فقد كانت الفتوحات أيام سيدنا عثمان بن عفان واسعة إذ أضافت بلاداً جديدة في أفريقية وأرمينيا , وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد في فارس وخراسان وباب الأبواب , وضمت إلى ذلك فتوحات جديدة من بلاد السند وكابل وفرغانة .

الهامش :
(1)غزا عبد الله بن قيس خمسين غزاة من بين شاتية وصائفة في البحر، ولم يغرق فيه أحد ولم ينكب، وكان يدعو الله أن يرزقه العافية في جنده، وألا يبتليه بمصاب أحد منهم، حتى إذا أراد الله أن يصيبه وحده ، خرج في قارب طليعة، فانتهى إلى المرقى من أرض الروم، وكان هناك ناس يسألون فتصدق عليهم ، فرجعت امرأة من الذين كانوا يسألون إلى القرية، وقالت : هل لكم في عبد الله بن قيس ؟ قالوا : وأين هو ؟ قالت : في المرقى، قالوا : ومن أين تعرفين عبد الله بن قيس ؟ قالت : كان كالتاجر، فلما سألته أعطاني كالملك، فعرفت أنه عبد الله بن قيس.
فثاروا إليه، فتجمعوا عليه وقاتلوه حتى أصيب وحده، وأفلت الملاّح حتى رجع إلى أصحابه، فتسلم الإمرة بعده سفيان بن عوف الأزدي.
المصدر : مجلة أقلام الثقافية

 

المرفقات

  • _40269021_south203[1].jpg
    _40269021_south203[1].jpg
    8.2 KB · المشاهدات: 9

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

4. فتح قبرص

كتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والي الشام إلى الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه يستأذنه في غزو البحر أكثر من مرة ، فأجابه عثمان إلى ذلك ، وكتب إليه : لا تنتخب الناس ولاتقرع بينهم ، خيرهم ، فمن اختار الغزو طائعاً فاحمله وأعنه ، ففعل معاوية ، واستعمل على البحر عبد الله بن قيس الفزاري .

واتجه الأسطول الإسلامي عام 28 للهجرة نحو قبرص وهي الجزيرة الهامة لموقعها في البحر المتوسط ، فهي المحطة البحرية الاستراتيجية للتجارة والملاحة ، كما أن موقعها مهم لحماية فتوح المسلمين في بلاد الشام وإفريقية .

اتجه الأسطول الإسلامي من سواحل بلاد الشام بقيادة عبد الله بن قيس إلى قبرص وسار إليها أيضاً أسطول إسلامي آخر من مصر بقيادة عبد الله بن سعد فانتزعها المسلمون عام 28هـ من البيزنطيين وامبراطورهم آنذاك قنسطانس الثاني .
وقد صالح أهل قبرص المسلمين على :

1- ألا يقوموا بغزو المسلمين .
2- وعليهم أن يؤذنوا المسلمين بمسير عدوهم من الروم .
3- مع جزية قدرها سبعة آلاف دينار كل سنة .
4- وأن يختار المسلمون بطريق قبرص .

قال جبير بن نفير : ولما فتحت قبرص وأخذ منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي ، فقلت : ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل الكفر وأهله ، قال : فضرب منكبي بيده ، وقال : ثكلتك أمك ياجبير ، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره ، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك ، إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ماترى ، فسلط الله عليهم السباء ، وإذا سلط الله السباء على قوم فليس له فيهم حاجة .

وفي هذه الغزوة توفيت أم حرام بنت ملحان الأنصارية تحقيقاً لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أنه نام رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها ، فاستيقظ وهو يضحك ، وقال : عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة ، قالت أم حرام : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال صلى الله عليه وسلم : إنك منهم ، ثم نام فاستيقظ وهو يضحك ، فقالت أم حرام : يارسول الله ما يضحكك ؟ فقال : عرض عليّ ناس من أمتي يركبون ظهر البحر الأخضر كالملوك على الأسرة ، قالت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، قال صلى الله عليه وسلم : أنت من الأولين . وقد صحبها زوجها عبادة بن الصامت رضي الله عنه في غزو قبرص ، فلما جاز البحر بها ركبت دابة فصرعتها فقتلتها ، ودفنت هناك ، وقبرها يزار حتى يومنا هذا .

نتائج فتح قبرص :

1- تهديم جدار الوهم عند المسلمين بركوب البحر وبدء الصراع بين المسلمين والروم فيه .
2- تأمين حدود بلاد الشام ومصر بجعل قبرص قاعدة إنذار متقدمة .
3- وجّه الأسطول البيزنطي ثقله إلى غرب البحر المتوسط حيث كانت الفتوحات الإسلامية لا تزال بعيدة عن الوصول هناك .
4- تطوير الأعمال البحرية بتنسيق تام مع الأعمال البرية ، فكانت الجزر هي هامش الحيطة البحري للدفاع عن الأقاليم التي يفتحها المسلمون في المغرب الإسلامي .

تكررت الغزوات على قبرص في الأعوام : 130 ، 158 ، 184 ، 190 هـ ، وقبيل البدء بالحركة الصليبية وجه ملك القسطنطينية ( نقفور ) أسطولاً إلى قبرص عام 965م ، فاحتلها فأصبحت سنداً بالغ الأهمية للصليبيين ، وبعد استرجاع بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي اتجه ريتشارد قلب الأسد إلى قبرص وجعلها قاعدة له عام 1191م ، وفي عام 1198م أصبحت مملكة ، وأصبح ملكها موجهاً للمغول للقضاء على المسلمين ، وأصبحت عام 1248م قاعدة للملك لويس التاسع عند غزوة مصر .

وفي عام 1263 وحّد ملك قبرص ( هيو ) قبرص وعكا التي كانت ما تزال بيد الصليبيين ، فأصبح مسؤولاً عن حماية عكا آخر معاقل الصليبيين في الشرق .
وفي عام 1291م حرر المسلمون عكا ، وأضحت قبرص بعدها مركز تهديد للشواطئ الإسلامية ؛ لذلك كان الملك الأشرف خليل محرر عكا ينادي دوماً : قبرص .. قبرص .. قبرص ، غير أن تهديدات المغول أعاقته عن تنفيذ أهدافه .

ولما أخذ العثمانيون على عاتقهم حماية العالم الإسلامي فتحوا قبرص عام 1573م ، ثم احتلها البريطانيون عام 1878م ، ثم أصبحت مستقلة عام 1945م .
 
التعديل الأخير:

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

attachment.php



1.
من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
بقلم / د / أحمد عبد الحميد عبد الحق

خواننا الزوار الكرام وأخواتنا الكريمات ! بدأنا من قبل سلسلة فضائل الخلفاء الراشدين ، فقدمنا لكم فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا ، وها نحن نختم السلسة ببيان فضائل علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وربيبه وصهره ، شرف لم يجتمع لغيره من الصحابة ، وما أجمله من شرف !...
داعين الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم حبهم ، والاقتداء بهم ، والسير على نهجهم ، وأن يحشرنا في زمرتهم مع النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم)



الفضيلة الأولى : أنه أول من أسلم من الفتيان ، فقد ورد عن زيد بن أرقم أنه قال :" كان أول من أسلم علي بن أبي طالب " ( أخرجه أحمد والترمذي وصححه ) وعن ابن عباس قال : "كان علي أول من أسلم بعد خديجة " .
الفضيلة الثانية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بحبه ، فعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله افترض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي " .
الفضيلة الثالثة : أنه كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد عن عائشة أنها سئلت : أي الناس أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فاطمة ، فقيل : من الرجال : قالت : زوجها، إن كان ما علمت صواماً قواماً.( أخرجه الترمذي ، وقال حسن غريب ).
وفي رواية أخرى : ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ولا امرأة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته" تقصد فاطمة رضي الله عنها .
وعن مجمّع بن جارية قال: دخلت مع أبي على عائشة ـ رضي الله عنها ـ فسألتها عن مسراها يوم الجمل فقالت : كانت قدراً من الله، وسألتها عن علي فقالت : سألت عن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنة أحب الناس كان إليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة: " أنكحتك أحب أهل بيتي إلي " ( المستدرك على الصحيحين للحاكم ) .
الفضيلة الرابعة : أنه نال فضل القيام بأداء الأمانات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته ، قال ابن إسحاق: " وأقام علي بمكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم .." ..
الفضيلة الخامسة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعله منه بمنزلة هارون من موسى ـ عليهما السلام ـ فقد ورد أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلفه في غزوة تبوك ، فقال يا رسول الله : تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " ( أخرجه أحمد ومسلم وأبو حاتم ) .
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ وقد سمع رجلا يسب علياً فقال: " إني لأظنك من المنافقين ؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي :" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. (أخرجه ابن السمان ).
وليس في هذا ما يشير إلى أنه كان يشترك معه في النبوة كما حاول المدلسون أن يقنعوا به السذج من الناس ، وإنما معناه أن في استخلافه على أهل المدينة بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل مثل ما لهارون ـ عليه السلام ـ يوم خلفه موسى في بني إسرائيل وذهب لملاقاة ربه .
الفضيلة السادسة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل حبه رضي الله عنه دليلا على حب الله ورسوله ، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أشهد أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ".
وعن عروة بن الزبير أن رجلا وقع في علي بن أبي طالب بمحضر من عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال له عمر: أتعرف صاحب هذا القبر؟ هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب؛ وعلي بن أبي طالب بن عبد المطلب، لا تذكر عليا إلا بخير ، فإنك إن تنقصه آذيت صاحبه هذا في قبره صلى الله عليه وسلم. ( أخرجه أحمد في مناقب الصحابة ).
الفضيلة السابعة : أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بمؤاخاته بعد الهجرة ، فقد ورد عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخاً ، فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس وتركتني؟ قال: ولمَ تراني تركتك؟ إنما تركتك لنفسي، أنت أخي وأنا أخوك فإني أذاكرك ، قل أنا عبد الله وأخو رسوله ، لا يدعيها بعدي إلا كذاب. ( أخرجه أحمد في المناقب ) .
الفضيلة الثامنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصه بتبليغ مقدمة سورة " براءة " بعد نزولها إلى الناس في موسم الحج ، فقد ورد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر على الحج، ثم أرسل عليا بـ "براءة " وأمره أن يقرأها على الناس في مواقف الحج.
وهذا رغم ما فيه من فضل ، وثقة في أمانة علي رضي الله عنه في التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه ليس فيه ما يدل على ما يرفعه إلى مرتبة الرسالة ، أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخصه بما لا يخص به أحدا من الصحابة ، فقد ورد عن أبي الطفيل عامر بن وائلة أنه قال : كنت عند علي فأتاه رجل فقال له : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليك؟ فغضب علي ثم قال : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسر إلي شيئا يكتمه على الناس، غير أنه قد حدثني بكلمات أربع ، فقال الرجل : ما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: لعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من ادعى لغير أبيه ، ولعن الله من آوى محدثا ، ولعن الله من غير منار الأرض. ( أخرجه مسلم ).
كما أكد ذلك رضي الله عنه في أكثر من موطن من ذاك قوله:" إني لست نبياً ولا يوحي إلي، ولكن أعمل بكتاب وسنة نبيه ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم" (أخرجه أحمد في المناقب).
الفضيلة التاسعة :أنه كان يحب الله ويحبه الله سبحانه وتعالى ، فقد ورد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال : كان علي رضي الله عنه تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر ، وكان به رمد فقال : أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج علي فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ أَوْ قَالَ لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ فَقَالُوا هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ ( البخاري ).
الفضيلة العاشرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم أدخله في أهل بيته عند دعائه لهم ، فقد جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال:" اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". (أخرجه الترمذي، وقال حسن صحيح ).
الفضيلة الحادية عشرة : أنه كان مرجع الأمة في القضايا الفقهية الشائكة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزارة علمه ، فقد ورد عن أبي طبيان أنه قال: شهدت عمر بن الخطاب أتي بامرأة ( مجنونة ) قد زنت فأمر برجمها، فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال لهم : ما بال هذه؟ قالوا: زنت فأمر عمر برجمها: فانتزعها علي من أيديهم فردهم ، فرجعوا إلى عمر فقالوا: ردنا علي ، فقال عمر : ما فعل هذا إلا لشيء، فأرسل إليه فجاء فقال: ما لك رددت هذه؟ قال : أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يكبر ، وعن المبتلي حتى يعقل ، قال: بلى ، فقال : فهذه مبتلاة بني فلان ، فلعله أتاها وهو بها ، فقال له عمر: لا أدري ، قال: وأنا لا أدري؛ فترك رجمها.
وعن مسروق أن عمر أتي بامرأة قد تزوجت في عدتها ففرق بينهما ، وجعل مهرها في بيت المال، وقال : لا يجتمعان أبداً ، فبلغ عليا فقال : إن كانا جهلا فلها المهر بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب ، فخطب عمر وقال: ردوا الجهالات إلى السنة ، فرجع إلى قول علي.
وقد شاوره أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه في قتال أهل الردة بعد أن شاور الصحابة فاختلفوا عليه فقال له : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال : أقول لك إن تركت شيئاً مما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فأنت على خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال الصديق : أما إن قلت ذاك لأقاتلنهم وإن منعوني عقالا . ( أخرجه ابن السمان ) .
ولا عجب فقد كان يقول : " سلوني والله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل ". (أخرجه أبو عمر ).
الفضيلة الثانية عشرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة في أكثر من موطن ، من ذلك ما جاء عن زيد بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : "أنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إخواناً على سرر متقابلين " ( أخرجه أحمد في المناقب ).
وعن ابن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " يا علي يدك في يدي تدخل معي يوم القيامة حيث أدخل " . (أخرجه الحافظ الدمشقي في الأربعين الطوال ).
الفضيلة الثالثة عشرة : أنه صلى إلى القبلتين وهاجر، وشهد بدراً والحديبية وبيعة الرضوان والمشاهد كلها غير تبوك ، وكل فضيلة من تلك الفضائل تكفي لإدخاله الجنة إن شاء الله ..
الفضيلة الرابعة عشرة : أنه ظل محافظا على زهده الذي تركه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتغير ولم يتبدل به الحال ؛ حتى بعد أن آلت إليه الخلافة ، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يوما : " يا علي.. كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا المال حبا جما واتخذوا دين الله دغلا ومالوا دولا؟ " فقال له : أتركهم وما اختاروا وأختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأصبر على مصيبات الدنيا وبلواها حتى ألحق بكم إن شاء الله تعالى . ( أخرجه الحافظ الثقفي في الأربعين ) .
وأكدت الأيام صدق سريرته ، فقد جاء إليه خازن بيت المال يوما وهو خليفة للمسلمين فقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء فقال : الله أكبر، ثم قام متوكئا عليه حتى أتى على بيت المال ، وأمر فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت المال للمسلمين، وهو يقول: يا صفراء يا بيضاء غري غيري، هاء وهاء؛ حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم، ثم أمر بنضحه ( أي بيت المال ) وصل فيه ركعتين. (أخرجه أحمد في المناقب ) .
وعن أبي سعيد الأزدي قال: رأيت عليا في السوق وهو يقول: من عنده قميص صالح بثلاثة دراهم؟ فقال رجل: عندي ،فجاء به فأعجبه فأعطاه ثم لبسه ، فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر به فقطع ما فضل عن أصابعه.
ولما عاتب رجل في لباسه قال له : ومالك واللبوس؟ إن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي به المسلم.
وعن علي بن ربيعة قال: كان لعلي امرأتان، فكان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم، وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم.
وعن عبد الله بن الزبير قال: دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى فقرب إلينا خزيرة ( طعام به قطع لحم صغيرة ) فقلت: أصلحك الله لو قربت إلينا من هذا البط ، فإن الله قد أكثر الخير، فقال: يا ابن الزبير سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل لخليفة من مال الله إلا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين أيدي الناس " .( أخرجه أحمد ).
الفضيلة الخامسة عشرة : أنه كان أسوة في تواضعه ، فرغم الشرف الذي ناله بقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورغم مكانته عند خلفاء رسول الله ، وأنه آلت إليه الخلافة في نهاية حياته إلا أن التواضع كان سمة ملازمة له ، فقد جاء عن أبي صالح بياع الأكسية عن جده أنه قال: رأيت عليا اشتري تمراً بدرهم فحمله في ملحفته ، فقيل: يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟ فقال: أبو العيال أحق بحمله. (أخرجه البغوي في معجمه ).
وكان يمشي في الأسواق فيمسك الشسوع بيده فيناول الرجل الشسع ( الجلد )، ويرشد الضال ، ويعين الحمال على الحمولة ، وهو يقرأ الآية " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ". ( أخرجه أحمد في المناقب ).
وعن أبي مطر البصري أنه شهد عليا أتي أصحاب التمر وجارية تبكي عند التمار، فقال: ما شأنك؟ قال: باعني تمراً بدرهم فرده مولاي، فأبى أن يقبله، فقال: يا صاحب التمر خذ تمرك وأعطها درهمها، فإنها خادم وليس لها أمر، فدفع عليا، فقال المسلمون: تدري من دفعت؟ قال : لا. قالوا: أمير المؤمنين ، فصب تمرها وأعطاها درهمها، وقال : أحب أن ترضى عني فقال: ما أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم ! . ( أخرجه أحمد في المناقب ).
الفضيلة السادسة عشر : أنه كان شديد الورع في تعامله مع مال المسلمين ، فعن هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على علي بن أبي طالب في الخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال: ما أرزؤكم من مالكم، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي أو قال: من المدينة.
الفضيلة السادسة عشرة : أنه كان حريصا على العدل حتى مع من هم أشد الناس له عداوة ، فعندما ضربه ابن ملجم ـ عليه لعنة الله ـ وأيقن أن ميت من ضربته جمع من حضر من أهله ثم قال لهم : يا بني عبد المطلب؛ لا تخوضوا دماء المسلمين خوضا، تقولون قتل أمير المؤمنين. ألا لا تقتلنّ بي إلا قاتلي ؛ انظروا إذا أنامت من ضربته هذه فاضربوه ضربة، ولا تمثلوا به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور " .
وهذه الفضائل وتلك المنزلة التي وصل رضي الله عنه إليها جعلت بعض الناس يبالغون في نظرتهم إليهم ، وقد تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال له : " فِيكَ مَثَلٌ مِنْ عِيسَى أَبْغَضَتْهُ الْيَهُودُ حَتَّى بَهَتُوا أُمَّهُ وَأَحَبَّتْهُ النَّصَارَى حَتَّى أَنْزَلُوهُ بِالْمَنْزِلَةِ الَّتِي لَيْسَ بِهِ " . ( مسند أحمد )
وتنبأ رضي الله عنه بذلك فقال : يهلك فيّ رجلان: محب مفرط بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني . ( أخرجه أحمد في المسند ).
ولو رضي هؤلاء لعلي ما رضيه لنفسه لكفاهم ، ولو حولوا حبهم له إلى اقتداء به وبأبنائه الصالحين لكان خيرا ، ولكن أفرطوا وبالغوا فكان عاقبة أمرهم خسرا ، سلمنا الله جميعا وهدانا إلى سواء السبيل .
 

المرفقات

  • i-mt-a4.jpg
    i-mt-a4.jpg
    13 KB · المشاهدات: 7

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

2. بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة

بيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر بالخلافة

وما دار بينه وبين فاطمة من خلاف

بقلم / د / فهمي عبد الجليل

تتفق الروايات التاريخية على أن علي بن أبي طالب لم يحضر مجلس السقيفة الذي دار الحوار فيه بين المهاجرين والأنصار حول من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسيير شئون الأمة ؛ وذلك لأن علياً كان مشغولا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفر من بني هاشم ـ ومعهم الزبير بن العوام ـ إلى مثواه .

لكن عليا والزبير رضي الله عنهما عندما علما بأمر البيعة لأبي بكر بعد اتفاق المهاجرين والأنصار على ذلك بادورا إلى الذهاب أبي بكر والبيعة له ، كما تذكر الروايات الصحيحة ، وعاتب علي بن أبي طالب أبا بكر عتابا رقيقا ؛ لأنه لم يستدع إلى مجلس السقيفة ؛ ليشارك في الحوار الذي دار بين كبار الصحابة ، ولم يحضر البيعة الأولى أو البيعة الخاصة التي تمت في السقيفة .

وشارك فيها كل من حضر هذه البيعة من كبار الصحابة وغيرهم ، فقال لأبي بكر : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بالصلاة ، وأنك ثاني اثنين في الغار ، وكان لنا حق ولم نستشر ، والله يغفر لك (البلاذرى : أنساب الأشراف 2/263).

وتذكر رواية موسى بن عقبة الذي ترجح روايته رواية غيره من مؤرخي السيرة أن عليا والزبير بايعا أبا بكر قبل أن يفرغا من غسل رسول الله ، وأنهما خرجا إلى المسجد والمسلمون يبايعون أبا بكر ، فبايعا له بعد عتاب لترك مشورتهما (تاريخ الخلفاء للسيوطي :ص 56 والمستدرك للحاكم 3 /66)

وقد سئل الصحابي الجليل سعيد بن زيد وهو أحد المبشرين بالجنة هل خالف أحد على أبي بكر ؟ فقال : لا ، إلا مرتد أو من كان يريد أن يرتد ، ثم سئل مرة أخرى: هل قعد عن بيعة أبي بكر أحد من المهاجرين ؟ فقال : لا ، تتابع المهاجرون على بيعته من غبر أن يدعوهم (تاريخ الطبري :3/207)

وقد توهم بعض من كتبوا عن موقف على بن أبي طالب من البيعة لأبي بكر من القدامى والمحدثين أن هناك تناقضا بين هذه الروايات التاريخية وبين ما ذكره البخاري في صحيحه ، وما ذكره مسلم أيضا مسندا إلى عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك (وهي الأرض التي غنمها الرسول من اليهود ؛ وجعلها الله للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، حسبما بينت الآية الواردة في سورة الحشر.

فقال لها أبو بكر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا نورث ، ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال" وإني والله لا أغير شيئاً من صنعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ....ولأعملن فيها بما عمل رسول الله ..

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته ، فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها ليلا ، ولم يؤذن بها أبا بكر، وصلى عليها ، وكان لعلى من الناس وجه في حياة فاطمة فلما توفيت استنكر على وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا معك أحد كراهية لمحضر عمر .

ودخل عليهم أبو بكر فتشهد علي فقال : إنا عرفنا فضلك ، وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا في الأمر ، وكنا نرى لقرابتنا عن رسول الله نصيبا ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه إلا صنعته .

فقال على لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلى أبو بكر الظهر رقى إلى المنبر فتشهد وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة ، وعذره الذي اعتذر به ، ثم استغفر ، وتشهد علي فعظم حق أبي بكر ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسته على أبي بكر ، ولا إنكار للذي فضله الله به ، ولكنا نرى لنا في هذا الأمر نصيبا فاستبد علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فسر بذلك المسلمون ، وقالوا : أحسنت (صحيح البخاري 5/77 ، 78 ط دار الشعب بالقاهرة).

وهؤلاء الذين رءوا أن هناك تناقضا بين رواية البخاري والروايات التاريخية الصحيحة تعجلوا في فهم حديث البخاري ، وخلطوا بين موقفين مختلفين لعلى بن أبي طالب .

الموقف الأول الذي بايع فيه لأبي بكر وعاتبه على أنه لم يستدع لحضور البيعة الأولى .

الموقف الثاني الذي اتخذه علي بعد أن بايع لأبي بكر تعاطفا منه مع زوجه فاطمة ، واقتناعا بحقها وحق بني هاشم في حيازة أرض الفيء , وإدارتها كما كان يديرها رسول الله ، ويوزع غلتها على بني هاشم ، ثم على الفقراء ..

وهذا ما طالبت به فاطمة ومعها زوجها ، ومعها غيرهما من بني هاشم ، ولم تكن فاطمة ولا زوجها تطلب حيازة هذه الأرض على أنها ميراث رسول الله ، فهي لا تستطيع أن تخالف حديثا صح عن رسول الله ، حتى ولو لم تكن قد سمعته أو حفظته من قبل ، وإنما كان هدفها أن تبقى هذه الأراضي تحت يدها وأيدي بني هاشم ؛ لينفقوا من غلتها على أنفسهم ، ثم على الفقراء من المسلمين وأبناء السبيل حسبما ورد من كتاب الله ، ولعل فاطمة ومعها آخرون من بني هاشم كانوا يخشون أن تضيع حقوقهم في هذه الأراضي عندما يتولى الأمر وال يجحد هذا الحق .

وأرجح أن السبب الذي منع أبا بكر من الاستجابة لهذه الرغبة الخشية من أن يأتي جيل من الأبناء والأحفاد يعد هذه الأرض ملكا موروثا ، فيستأثرون بغلتها دون أصحاب الحق فيها من الفقراء وأبناء السبيل .

فجوهر الخلاف بين أبي بكر وفاطمة لم يكن بسبب رغبة فاطمة في توريث هذه الأرض ، ولكن كان بسبب رغبتها في حيازتها وإدارتها , وتوزيع غلتها كما كان يوزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وهذا الخلاف المحدود لم يحدث في اليوم الأول من انتقال رسول الله إلى الرفيق الأعلى ، ولا في الأيام الأولى من خلافة أبي بكر ، وإنما حدث بعد أن تمت البيعة الخاصة والعامة لأبي بكر ، وتلك البيعة التي شارك فيها كل الصحابة ، وكل المهاجرين ، ومنهم على بن أبي طالب.

ورواية البخاري لم تذكر أن عليا امتنع عن البيعة لأبي بكر مع من بايع من الصحابة ، وإنما ذكرت ما كان من الخلاف حول أرض الفيء بين فاطمة وأبي بكر ، وأن هذا الخلاف ظل قائما لستة أشهر بعد وفاة رسول الله ، ثم ذكرت أن عليا لم يكن يبايع تلك الأشهر ، وصيغة الفعل المضارع تفيد التجدد والحدوث ، كما يقول علماء البلاغة .

أي أن عليا لم يكن يجدد البيعة لأبي بكر ، بالمشاركة في قراراته والمؤازرة له في أعماله ، ولا تعني كلمة يبايع بالضرورة البيعة المعهودة بالخلافة ، وهي هنا تفيد معنى آخر في قاموس العصر ، ودلالته اللفظية ، وهو المسامحة وإظهار الود والتأييد .

وقد أخرج البخاري في صحيحه حديث من تخلفوا في غزوة تبوك من الصحابة ، وأخذوا يعتذرون للنبي ويحلفون له ، فقبل منهم وبايعهم واستغفر لهم (صحيح البخاري ص6/5) وقد وردت الكلمة في وراية مسلم بصيغة الماضي " ولم يكن بايع تلك الأشهر "ولكن رواية البخاري أرجح عند المحدثين.

ومن يمعن النظر في وراية البخاري ومسلم يجد أن العتاب الذي جرى بين أبي بكر وعلي لم يكن بسبب الخلافة والبيعة ، وإنما كان حول حق بنى هاشم في إدارة أرض الفيء التي هي حق لرسول الله ولقرابته من بني هاشم ، ثم للفقراء من المسلمين ..

يقول علي : كنا نرى لقرابتنا من رسول الله نصيبا ، وقال له أبو بكر : والله لقرابة رسول الله أحب إلي أن أصل من قرابتي .. وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها إلا الخير.

والجفوة التي حدثت بين أبي بكر وعلي لم تكن بسبب أن عليا يرى أن له حقا في الخلافة كما قيل ، فالخلافة ليست أنصبة حتى يكون لعلى نصيب فيها ، وقد ثبت أنه بايع مبكرا كما بايع سائر الصحابة ، وإنما كان الخلاف حول إدارة أرض الفيء ، وكانت فاطمة وعلي والعباس يرون أن تكون هذه الأراضي تحت إشراف رجل من بني هاشم يديرها ، ويقسم غلتها بين أصحاب الحق فيها ، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ، لكن أبا بكر رأى في هذا تغيرا لسنة رسول الله التي سار عليها ، وربما خشي أن يعد بعض بني هاشم هذه الأراضي ميراثا ؛ فيستأثروا بغلتها ، ويسقطوا حق الفقراء فيها.

وظل هذا المطلب الهاشمي قائما حتى خلافة عمر فذهب إليه علي والعباس يطليان منه أن يدفع إليهما أرض الفيء ، وقد استجاب أمير المؤمنين عمر لطلبهما بشكل محدد ، فدفع إليهما أرض الفيء بالمدينة ، واستبقى أرض فدك وخيبر ، وقال : هما صدقة رسول الله لحقوقه ونوائبه (يقصد ما كان النبي يقدمه لمن يفد إليه بالمدينة ، وما يحتاجه من نفقة تلزمه بصفته مسئولا عن الدول الإسلامية ) وشرط عمر عليهما أن يعملا في أرض الفيء بالمدينة بما كان يعمل رسول الله ـ أي يقسمان غلتها بين بني هاشم ـ (صحيح مسلم 3، حديث رقم 1382)

وبعد فترة من هذا التصرف الذي أرضى به عمر عليا والعباس ، وحافظ فيه أيضا على الحقوق العامة للمسلمين بتسليمها جزءا من أرض الفيء ، وترك الجزء الأكبر للحقوق العامة حضر إليه علي والعباس يشكوان إليه ما حدث بينهما من نزاع حول تقسيم غلة هذه الأرض ، استنكر عمر عليهما ذلك الصنع ، وقال : جئتماني لأقضي بينكما ؟ لا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك ، حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي.
 
أعلى