فسحة لنتذكر (طريق الحرير): السوق الحلبي التاريخي

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
[h=3]يقول كيفن روشبي الذي يتذكر سوق المدينة الحلبي الذي دمرته النيران في بداية هذا الأسبوع وهو موقع تراثي عالمي تحت حماية اليونسكو "تركز تغطية الحرب في سوريا حالياً على الخسائر الإنسانية, لكن هناك خسائر حضارية أيضا."

على بعد عدة أميال من حلب نرى الهضاب التي روض عليها الإنسان لأول مرة الأعشاب البرية . كل القمح الذي نأكله يأتي من تلك النبااتات والمزارعين الأوائل. لقد كان لاستقرار هؤلاء الصيادين أثراً بناءً على الأمكنة فأنشؤوا البلدات ثم الأسواق. كانت حلب واحدا من هذه الأمكنة وقام سوقها على أولى الطرق التجارية العظيمة وبذلك أصبحت جزءا من المحرك الاقتصادي الذي جعل المنتجات الجديدة المذهلة متاحة لعدد أكبر من الناس. امتلأت المخازن بالصابون والحرير والبهارات والمعادن الثمينة والسيراميك والأقمشة خاصة الملونة وذات الطراز الشفاف المفضلة لدى سكان حارم. كل ذلك النشاط التجاري المركز في منطقة محددة وفي سوق شرقية رائعة تم بناؤه في الغالب في فترة عنفوان الدولة العثمانية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. كانت المدينة قرص عسل من المفاجئات والنكهات, وفعل ثناء على الجوانب الأفضل في المجتمع الإنساني, ولكنها الآن أصبحت صفعة قوية في الاتجاه المعاكس: الحرب.

إن المعاناة الإنسانية أكثر أهمية وضغطاً بالطبع, ولكني أيضا أتفجع وأرثي خسارة مكان كان يحتضن داخله بسهولة مطلقة كل ما كان مضيئاً وحيوياً ومؤنساً وودوداً؛ كل ما لا تمثله الحرب. لم تكن السوق فريدة من نوعها على الصعيد المعماري, كان يميزها التقليد والتراث والاختلاف المدهش. بعد أن جعل شكسبير منها خلاصة الوفرة بخمسمائة عام مازلت تستطيع أن تشتري تقريبا كل شيء هنا في حلب, بإمكانك أن تأكل وتشرب مجموعة هائلة من الأطباق, وأن تستحم في حمام النحاسين الأثري.

كانت هناك ثمانية أميال من الطرق تربط سلسلة من الخانات والفنادق أقام في أحدها القنصل البريطاني في القرن العشرين, عندما تجولت فيها من خلال بوابة قرب القلعة اكتشفت أن هناك شيئا واحدا لا يمكن أن تجده هناك وهو الرغبة في المغادرة, كان ذلك مسليا ومذهلا للغاية, حتى أصحاب الدكاكين بدوا راغبين في إجراء محادثات قصيرة على كوب من الشاي الأحمر:
- دعني أخبرك شيئا عن الوشاحات؛ عليك أن تشتري واحدا من شعر الظباء للمرأة التي تريد وواحدا من الحرير لخليلتك.

- وماذا عن الزوجات؟
- أكمل مستهجناً سؤالي وممازحاً : "لدينا قماش البوليستر, يأتي مع أوراق الطلاق"
كان من الواضح أن هذا المكان لم يكن أبداً عصياً على التغيير, كما أنه لم يكن متحفاً وليس أيضا توليفة موسيقية محفوظة للسياح. أحد الباعة أخبرني أن دكانه لم يكن للعائلة منذ وقت طويل: " لقد حصلنا عليه عندما رحل اليهود."
-عام 1948؟
-لا, عام 1908.

بحثت في هذا لاحقا واكتشفت أن الكثير من اليهود الذين أتوا إلى حلب من إسبانيا في القرن الخامس عشر قد غادروا إلى أميركا في بداية القرن العشرين ليتجنبوا التجنيد الإلزامي في الجيش العثماني, ثم أتت جاليات أخرى أضاعت طريقها في أماكن أخرى. الكثير من مسيحيي حلب قدموا من مدن تركية مثل أورفة عام 1923 جالبين معهم مجموعات لا تقدر بثمن من الوثائق القديمة والتي أصبحت مهددة الآن أيضاً. وفوق ذلك ترى الكنائس والجوامع التي تتعبد فيها صفوف مذهلة من الطوائف والأديان تطوق السوق في تناغم واضح.

في المدن التجارية الكبيرة ذات التنوع الشعبي يتعلم الناس عادة كيف يتعايشون ويثقون ببعضهم البعض. إنهم الغرباء فقط من يجلبون الخطر والشك. في الحقيقة تعرضت حلب للتدمير وطرد سكانها وتُركت آثار مدينة عدة مرات, وعندما زارها تيمورلنك عام 1400 ترك كومة من الرؤوس المقطوعة خارجها تقارب العشرين ألف كما ذكرت التقارير. وفي السابق ارتكب البيزنطيين أسوأ مالديهم في كما فعل المغول أكثر من مرة. ولكن السياسة كانت عاملاً رئيسياً وراء تفوق المدينة كسوق.

ببطء وعناد قطعت حلب عن منطقتها الداخلية , توقف طريق الحرير وتم حفر قناة السويس ووضع الأتراك أيديهم على المقاطعات الشمالية مع موانئ الشرق. مكائد القوى العظمى حولت المدينة التجارية الحيوية إلى مكان معزول ومنقسم على نفسه. من وجهة نظر أخرى فإن ذلك الانحدار ساعد في الحفاظ على الطبيعة القروسطية للمكان التي اختفت الآن. عندما تنهض سوريا من الفوضى ربما تطفو فكرةالإحياء وإعادة الإعمارولكن أي محاولة مستقبلية لذلك سوف تكون دائما كالخلق من جديد آخذين بعين الاعتبار الدولار الذي سيقدمه السائح , ذلك سوف يكون أفضل من لاشيء بالطبع, ولكن لا يمكن إخفاء حقيقة ضياع واحد من أهم كنوز العالم ومحوه.[/h]
 
أعلى