قصه سأَعيشُ ولَو باَحلامي

{Dark~ Lord}

قلب الأسد

إنضم
Feb 5, 2011
المشاركات
6,451
مستوى التفاعل
71
المطرح
بين أوراق الياسمين
رسايل :

مازالت جرائمك تتكرر في حقي وأخرها

قصه سأَعيشُ ولَو باَحلامي





ألقت بِجَسدها الصّغير على السرير واستلقت على ظَهرها , وضَعت يدها خَلفَ رأسها .



رَفعت بَصرها إلى الأعلى . وتَنفست بِعمقٍ شَديد , لِتنسكِبَ على وَجنتيها دمعتينِ يملؤهما

الشَوقُ والحنين.

كانت تُتمتِمُ مع نفسِها , وبَراءةُ الطفولة ما زالتْ تَملأ تمتماتها .

أَمسكت بهاتفها المَحمول , أرسَلت إليها بِضعَ كلماتٍ تُعبر فيها عن شَوقها لها , وعَن فقدانها

لحَنانٍ ينبعثُ منها .

تَحولت إِلى جانبها الأَيمن , وانسَلت بهدوِء تَحتَ الغِطاء, وهِيَ تحلُمُ بأنّ ماما تنامُ الآنَ بقربِها .



***

أَقبَل الصّباح لتَستَيقِظ أَحلام على هَديلِ حمامةٍ تَقفُ بالقُربِ منَ النافذة .

فَنهضت مِن فراشها لتفتَح النافِذة , وَتكِئ على حَافَتها تتَأمل الحَمامة .

أَخذت أحلام تتساءل : ما بال الحمامة يا ترى ..!

هَل تَفتَقدُ أُمها مثلي ..!

تَنفس أحلام بِعمق وَهزت كَتفيها وقالت : رُبما من يَدري .!

تَركَتِ النافذة واتَجهت إلى الحَمام لِتغتَسل وَ تستَعد للذَهابِ إلى المَدرسة .

ارتَدت زيها المَدرسي , ثُم وقَفت أَمامَ المرآة تُعيدُ تَصفيفَ وتَرتيب شعرها .

وبَعدَ أَنِ انتَهت مِنه , حَدقت في المرآةِ لتمعنَ النظرَ في ملامِح وَجهِها .

أَحقا أشبهُ ماما كَما يَقولُ الناس ؟

لقَد بدأت ملامِحُ أمي تَختفي عَن ناظري مِن طَولِ الغياب .

أُمي لقد طالَ غيابكِ عنا .

قالتها بَعدَ أن تَنهدت بِشدةٍ وهِيَ تبتَعدُ عن المرآة .

انَحنت قليلاً بالقربِ من مَكتَبها لِتأخُذَ حَقيبَتها , وَتسرع في النُزول , فَجدتها بانتِظارها في

الأسفل .

***

جَلس أحلام على مائدةِ الإفطار وَهيَ شارِدةُ الذهن .

أَحستِ الجَدةُ بشرودِ ذهنها فأخذة تُسائلها :

ما بالُكِ يا أحلام هَكذا على غَيرِ عادتِك ,أّهناكّ ما يُشغلُ بالك أو يُقلقكِ ؟

- جَدتي , مَتى سَتعودُ أمي ! هل سَيطُول غيابُها عنّا ؟


- حَبيبَتي أنت (قالتها وَهي تَحتضنها ) سَتعودُ عما قَريبٍ بإذنِ الله .

- أَشعُر بأنَكِ تُخفينَ عني شَيئًا أَليسَ كذلك ؟


بَدأت أماراتُ التَوترِ تَظهرُ على الجَدّة فأَسرَعت لتُخفي الأمرَ وتقول : هيا حبيبتي , الحافلةُ

عندَ البابِ بانتِظارك

نَهضت أحلام لِتَرتديَ عباءتها , وَودعت جدتها , لتَخرجَ من البابِ بخُطواتٍ متَثاقلة , وبعَينينِ

تَرقُبُ عودةَ " ماما " .

***

دَخَلت أَحلام إلى المَدرسة .

تَلفت حَولها لِتحاكيَ نفسها : ها أنا ذا أَكبرُ يوماً بعدَ يوم ولم ترني ماما منذُ مُدةٍ طويلة .

عَادَ إليها شَريطُ الذكرياتِ الذي عايشته معَ والدتها , حِينما كانت تَركُض هنا وهناك , وتأتي

مُسرعةً لتلقي بِجَسدها الصَغير في أحضانها .

ويَومَ أَن كانت مُتعبة , فَتسهَرُ أمّها اللّيالي من أَجلِ راحَتها .


أحلام .. أحلام ..

قَطعَ على تَفكيرها يَد صديقتها وهي تَربتُ على كَتفها .

أَدارت أَحلام برأسها وقالت : سارة !

أهلا وَسهلا .

- صَباحُ الخير يا أَحلام , ما بالك ..!

يَبدو بأنك لم تَسمعي ندائي , نَاديتُكِ مرارا دُونَ أن أجَدَ ردةَ فعلٍ منك .

مآ بالُكِ عَزيزَتي ؟

- آآآآه آسفة (قالتها وهي تَضعُ يدها على فَمها ) ثم أخذت نَفساً عميقا , لِتعاودَ

الحديث : كُنتُ أفَكرُ بأمي , اشتَقتُ لها كَثيراً , لا أدري إلى مَتى سَيطولُ غيابها عَنا .

- لا تَقلقي سَتعودُ قريباً بإذنِ الله , لكن ...

ما سَبُ غيابِ أمكِ طَوالَ هذهِ الفترة .

قَطعَ تَساؤلها صَوتُ الجَرس , يُعلنُ عن بدئ الحصّةِ الأولى .

أَسرعتا في الدُخولِ إلى الفَصل , فالدَرسُ سيبدأُ بعدَ قليل .

كانَت أحلام تَغوصُ في أحلامها , وَسارة تُوقظها بَينَ الفينةِ والأخرى , لِتعاودَ الانتباهَ للدرس .

انتَهتِ الحصّة وتَوالت بَعدها الحِص , إلى أَن حانَ موعد الراحة .

***



جَلست أحلام وسارة على أَحدِ المقاعدِ في فِناء المدرسةِ الواسع .

وّأخذتا تَتَحدثان مع بعضهما البَعض إلى أن قالت سارة :

أحلام !

لَم تُغبريني عَن سَبِ غيابِ أُمك , فجَرسُ الحِصةِ لم يترك لنا وَقتاً للحديث !

تَنهدتْ أحلام بشدة , وأغمضت عينيها , وتَنفست بِعمقٍ شَديد وَقالت :

الحِكايةُ طويلةٌ يا سارة .

بدأت عندما كنتُ في العاشرةِ من عُمري بَعدَ وفاتِ أبي بسنةٍ واحدة .

في أَحدِ أيام الخَريف , طَرقَ رجل بابَ بيتنا طالباً يدَ أمي , قائلاً لنا بأنهُ سيوفّي لنا شيئاً من

كَرمِ أبي عَليه , بأَن يرعانا وَيوفرَ لنا السّعادة ويُحققَ مَطالبنا .

وافَقت أمي لِطلبه بَعدَ أن انخَدعنا جَميعا بكَلامه .

كانتِ السنةَ الأولى لنا معهُ كالجنّة , يُغدقُ علينا ممّا أعطاهُ الله من الخَيراتِ والنعم .

لكن ....

صمت أحلام هُنيهَةً من الزمن , لتستأنفَ الحديث :

لكن شيئاً فشيئاً بداَ يتغَيرُ علينا , حتى أَخذ أمي بَعيداً عنا ومَنعها من رُؤيتنا .

رَغمَ انهُ لا يزالُ ينفقُ على أمي ويُغدقُ عَلينَا من نَعيمه .

لكن ما فائدة ذلك , بَعد أَن حرمَها من رؤية فلذتِ كبدها .

وحَرمنا نَحنُ من حنانها .

أَتعلمين يا سارة !

أربع سنينَ مضت دُونَ أن أرى فيها وَجهَ أمي .

وها أنا ذا قاربتُ أن أدخل ربيعي السادس عشر دونَ أن أَراها .

حتى محادثتها لنا بالهاتف لا تَكونُ إلا بينَ فتراتٍ متباعدة .

حاولت أمي الطلاقَ منه مِراراً لكن دونَ جدوى

لكني اليَوم رأيتُ شيئاً غريباً في وَجهِ جدتي , وكأنها تُخفي عني شيئاً .

ماذا تَتَوقعينَ أن يَكون يا سَارة !

بظنك هل َتعودُ ماما إلينا ؟!

***

أَغلقت أُمُ أمل صَفحات الكتاب , بعدَ أن انتهَت من سَردِ الحكايةِ على ابنَتها .

أَلقَت أمل بجَسدها في حضنِ أمها , ورَفعت بَصرها إلى السّماء تُتمتمُ بِدعواتٍ ترجُو فيها من

الإلهِ أن يَحفظَ لها والدتها , وتَحمدهُ على نِعمهِ التي لا تُحصى .

إذ أنها تَستَطيعُ ضمها وَتقبيلها وأَخذ دفء الحَنانِ منها .

صَحيحٌ أنّ أمل لم تَرَ وجهَ أمها , لكنّ عيشها في هذا النَعيم يُهونُ عليها ذلكَ الفقد .

فَرغمَ العمى , سَيبقى للحَياةِ طعمها الخاص .

فلا شَيءَ مستَحيل .

يُمكنها أن تَحلم , تَتَخَيل , أن تَرى ضِياءَ الحقِ , وَتسمعَ صوتَ تَغاريدِ العصافِير في كُلّ صباح .

أن تَعملَ وتصنعَ ما تَشاء !

فلن يَكونَ العمى عائقاً لها عنِ المَسير .

سَتنطَلق في هَذهِ الأرض , ولن تدعَ لليأسِ طَريقاً لهُ إلى قلبها .

سَتثبتُ للعالم , أنها لا تَختلفُ عنهم بِشيء .

فَبرغمَ العمى , تستَطيعُ العيشَ ولو بأحلامها .

تحياتي لكم

 
أعلى