ماذا وراء عـودة هـوليوود لـ ((الأكشن))؟

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
نظر الكثيرون إلى موجة أفلام «الأكشن» التي ظهرت في فترة الثمانينيات، على أنها محاولة لاستعادة أمجاد عصر «الويسترن» في هوليوود القديمة، مع إضافة مزيج من الأجواء العصرية، والفنون القتالية، وما توصلت إليه السينما من تقنيات جديدة في التصوير والمونتاج. واعتبرت شعبية «أرنولد» و«فان دام» و«سلفستر ستالوني»، و«تشاك نورس» و«ستيفن سيجال» آنذاك بمثابة رد فعل عنيفة، ضد تراجع النفوذ السياسي للولايات المتحدة الأمريكية في فترة السبعينيات. واليوم يجدد أبطال الأكشن نشاطهم، لتظهر بوادر مرحلة سينمائية أخرى، يلعب فيها عنصر الأكشن دور البطولة. فماذا وراء إحياء تلك الصورة الذكورية لرجال بعضلات كبيرة متعرقة؟ هل هو تعويض لتراجع تأثير الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى؟ أو استجابة متأخرة لحرب بوش ضد الإرهاب؟ أم أن الأمر لا يتعدى رغبات الجمهور السينمائي الباحث دوماً عن جرعات من الأدرينالين، تقدمها له تلك النوعية من الأفلام؟
هنالك أسباب تجارية وأيديولوجية أيضاً، لانتشار موجة أفلام الأكشن في الثمانينيات. وأحد هذه الأسباب أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت لا تزال تعاني من تبعات خسارة حرب فييتنام، وفضيحة ووتر جيت، وأزمة الرهائن الإيرانيين في عهد الرئيس كارتر. وأراد الجمهور آنذاك أن يشاهد ملامح قاسية، وأبطالاً يأكلون اللحوم الحمراء، وينتقمون لشرف بلادهم، الذي أهدر في فترة السبعينيات، وإنْ كان ذلك الانتقام رمزياً. وكانت تلك بالفعل النظرية التي تبناها بطل الكاراتيه «تشاك نوريس»، الذي فقد شقيقه في حرب فييتنام، عندما قال في لقاء صحافي معه: «أعتقد أن الناس قد اكتفوا من النهايات المؤلمة، ويريدون مشاهدة نهايات سعيدة» وأكد «نوريس» الذي كان من أشد المعجبين بالرئيس الأمريكي «ريغان»، بأن عهده يبدو إيجابياً، مع تنامي الشعور الوطني لدى الشعب الأمريكي. وربما كان أسلوب «نوريس» السينمائي مختلفاً بعض الشيء عن زملائه «شوارزنجر» و«فان دام» و«لوندجرين»، فالإنجليزية لم تكن لغتهم الأصلية، ولم يكن لديهم دراية كافية بخطوط الأداء الكلاسيكي. ومع ذلك فقد كرسوا فكرة الانتصار في نهاية الأمر.
وعندما بلغت شعبية تشاك نوريس أوجها، من خلال أفلامه «تائه في الأكشن» Missing in Action، و«قوة الدلتا» Delta Force، كان سلفستر ستالوني يوطد علاقته بالجمهور بفيلميه الشهيرين «رامبو» Rambo، و«روكي» Rocky. ومن خلال الفيلم الأخير، قدم ستالوني نمطاً جديداً من الأفلام السينمائية، حيث تلعب القوة البدنية دور البطولة، ويذهب الناس إلى دور العرض لمشاهدتها. وفتح فيلم «روكي» الباب أمام البطولة الجسدية لنجوم مثل «أرنولد شوارزنجر وفان دام، ودولف لندجرين، وستيفن سيجال».
وعلى صعيد آخر، لعبت أفلام الأكشن في فترة الثمانينيات دوراً اقتصادياً فاعلاً. ففي عصر الفيديو، كانت تلك النوعية من الأفلام غير مكلفة، ولكنها في المقابل تدر أرباحاً طائلة. ولم يتطلب الأمر آنذاك أكثر من بوستر، وعنوان جذاب، وبطل بعضلات مفتولة، ونظرة ثاقبة. وهذا ما فعله المخرج الفنلندي ريني هارلن (مخرج فيلم Die Hard2)، عندما لاحظ كم هو سهل التسويق لفيلم أكشن في الولايات المتحدة الأمريكية، فقام مع صديق له بكتابة نص لفيلم أكشن بعنوان «القوة الوحشية» Wild Force، وطبعوا بوستراً خاصاً به، عليه اسم تشاك نوريس، وسرعان ما حقق الفيلم مبيعات كبيرة حول العالم، ولم يكن صناعه قد باشروا بعد بالتصوير!
وبشكل تدريجي، تحولت عجلة أفلام الأكشن، لتخرج من دائرة الاهتمام، لصالح نوع سينمائي آخر. فبعد أن انهار سوق الفيديو، فقد نجوم الأكشن شعبيتهم، ولم تكن هوليوود آنذاك مستعدة لتقديم جيل جديد من النجوم الشباب، باستطاعتهم استكمال مسيرة أبطال الأكشن. فما كان من صناع السينما سوى أن استبدلوا العضلات المفتولة، والنظرة الثاقبة، بنوع جديد من الحركة، يستدعي مقومات التكنولوجيا وآخر ما توصلت إليه التقنيات السينمائية. لتصور عوالم جديدة من الأكشن، يمكن لأي نجم سينمائي مهما بلغت مقوماته الجسدية أن يلعب دور البطل الخارق فيها. وعلى هذه الشاكلة ظهرت أفلام «ماتركس» Matrix، و»رجال اكس» X-Men. حيث وظفت السينما إمكانياتها المتقدمة في رسم ملامح البطولة الفردية، وفنون القتال الخارقة، التي يعجز الشخص العادي عن مجاراتها. ومن جانبهم رضخ بعض أبطال زمن الأكشن للمنظومة السينمائية الجديدة، فقدم أرنولد شوارزنجر سلسلة «المدمر» Terminator. ولجأ فان دام إلى المحاكاة الساخرة للذات، عندما قدم فيلم «جي سي في دي» JCVD، حيث عرض إصداراً جديداً لشخصيته، من خلال قصة نجم سينمائي فاشل، في خضم معركة قضائية مع زوجته على حضانة طفله. كإشارة واضحة إلى الحال التي وصل إليها نجوم الأكشن بعد انهيار إمبراطوريتهم السينمائية.
وبعد تجربة فان دام، حاول سلفستر ستالوني أن يسبح ضد التيار، بإعادة تقديم أبطال الأكشن القدامى في فيلم سينمائي بعنوان «المستهلكون» The Expendables، وكسائر أفلام الأكشن، ينجح البطل بطريقة أو أخرى في إيجاد وسيلة للفوز. وهذا بالفعل ما حققه ستالوني وفريقه على أرض الواقع. فمع أن الفيلم من طراز الأكشن القديم، إلا أن الجمهور استقبله بإيرادات غير متوقعة.
ومن جانبهم، يرى المحللون السينمائيون، أن تجربة ستالوني، ليست مجرد حنين إلى زمن الثمانينيات، بل إنه اقتناع من الاستوديوهات الكبرى، بأن الأمر يستحق التجربة، وإنه لا يزال هنالك مكاسب جيدة، من وراء هذه النوعية من الأفلام. وهذا ما أكده زيجي كامازا، موزع فيلم «المستهلكون» في المملكة المتحدة، الذي دعي إلى إزالة الغبار عن أفلام الأكشن، التي لا تحتاج أكثر من نجم لامع، وبعض المتفجرات، والقليل من الأكشن، حتى تحقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر. فأفلام مثل «المستهلكون» و»كانون»، لها قيمة إنتاجية كبيرة، وهي لم تعد خاضعة لأحكام سوق الفيديو كالسابق. حتى أن ميزانياتها الكبيرة، تضعها ضمن قائمة (البلوك بوستر) أو أفلام الإيرادات الضخمة.
وربما استقبل الجمهور الأمريكي هذا الإحياء المبهر للطراز القديم باشتياق، فهو بلا شك يحتاج لجرعات مفرطة من الأدرينالين، في ظل مشاعر اليأس والإحباط، التي أصابته في السنوات التي تلت أحداث سبتمبر الدامية. ولكن من أجل تقديم المزيد من الأكشن، فإن السينما الأمريكية تحتاج اليوم إلى مجندين جدد، وجيل شاب من الملاكمين وأبطال كمال الأجسام، ليخرجوا من عباءة أرنولد وسلفستر وفان دام، بعد أن ظهرت عليهم ملامح التقدم في السن.


 
أعلى