عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
محارم ورقية لدموع أمريكية
أشفقت على المدعو جورج ميتشل لكثرة لفّه ودورانه في الشرق الأوسط , قد أصاب الرجل الدوار من كثرة ألأسفار , ومن حرور الليل وسَموم النهار , كل ذلك ليحاول تقريب وجهة من وجهات النظر الفلسطينية, لوجهة نظر إسرائيل . هل يفلح ميتشل حيث فشل غيره ؟
الفشل لم يكن يوما حليف ميتشل , لأنه لم يأت من أجلنا , بل من أجل إسرائيل ولكن بالأخص من أجل المصلحة الإستراتيجية الأمريكية , لضمان استمرارية عملية السلام , ولكي يبقى طاقم الإحياء رقيبا قريبا لضمان إبقاء عملية المفاوضات حيّة ولو شكليا , لكي تتفرّغ الإدارة الأمريكية لقضايا أخرى تقع بأعلى سلّم الأولويات , كإيران والعراق وأفغانستان .
إن الضغط من كافور الأمريكي على الفلسطينيين , ممثلين بكافور السلطة , للعودة للمفاوضات المباشرة والجلوس حول طاولة المفاوضات , هو الضمانة لعدم حدوث الفراغ التي قد تُسرِّب من خلاله دول وجماعات نفوذها , محاولة توجيه الأمور في منطقتنا , بما يتعارض مع التوجهات السياسية والمصالح الإستراتيجية الأمريكية .
ما سمعناه وقرأناه من حتمية فشل ميتشل , ينمّ ويشير لتفكير سياسي ساذج أو مخادع وربما يكون مراوغ , إنه تفكير انهزامي , مِنْ عقل سياسي هروبي , وهذا ما أدّى وسبّب تراكمات الهزائم العربية المتتالية المتلاحقة على كافة المستويات , حتى تلك الهزائم والنكسات والنكبات التي لا يقرّها هذا العقل الغير عاقل ويرفض الاعتراف بأنها هزائم وانكسارات .
إن الواقع لا يتشكل بالإرادة وبتمنّي الناس , بل بما يمارسونه , بالرغم من أن الإرادة والتخطيط وحتى الحلم لهم أهميّة كبيرة في السلوك البشري , ولكن هذه الأمور منفردة لا تغيّر ولا تبدّل الواقع بدون ملازمة ممارسة عقلانية واقعية معها , أو ما يمكن وضعه تحت عنوان :علاقة الفكر بالممارسة .
إن العقل السياسي العربي , في العالم العربي , حسب اعتقادي , لم يستطع التحرر بالشكل والقدر الكافي من الشعارات والمساجلات الطوباوية أو غيرها , كذلك فإنه ما زال يرزح تحت وطأة الأيديولوجيات المشبّعة بتوهيمات فلسفية تاريخية . إن العقل المسيّر من النُخَب المنتجة , تريد تغيير الواقع حسب مشيئته وتطلعاته ( أي العقل ) أو بقدرة وإرادة إلهية , دون بذل الجهد أو أي محاولة , تتناسب مع طرحه لشعارات وأحلام وتطلعات , حتى وإن كانت تلك الشعارات والأحلام والتطلعات مشروعة . فلنستيقظ من الحلم الذي يقول بأن الواقع عبد لنا وأنه يسير وفق إرادتنا ويقف جاهزا رهن إشارتنا , لا بد أن نعلم أن هناك إرادة تقاسمنا العالم , ومصالحه تتضارب مع مصالحنا , وهي للأمانة إرادة عقلانية تقرن وتربط الممارسة بالشعارات والفكر .
لا شك أن النخب والساسة العرب يعلمون ويعقلون حقيقة الواقع والعويصات التي تحجز وجه تطلعات الشعوب العربية للحرية والتقدّم والازدهار على كافة المستويات, ومما لا شك فيه أيضا , بأنهم يعلمون ويفقهون حقيقة ميزان القوى , وتشابك المصالح في خضمّ الصراع مع العدو إسرائيل , ومما لا شك فيه كذلك , بأن القادة العرب غير قادرين على تغيير أو حتى تحسين الواقع , الذي أراه مريرا , والأمر المؤكد , أنهم لو كانوا قادرين , فهم غير راغبين بذلك كي لا تتضرر مصالحهم ومكاسبهم الشخصية , وللقادة العرب على اختلافهم , نقطة تشابه مميزة يشتركون بها , أنهم غير عقلانيين وشجعان , بحيث يصارحون شعوبهم بحقيقة الأمر, لذلك ترى الشعوب العربية جارية وراء الشعارات الكبرى والأماني الوهمية , كالقول بأن إسرائيل وصلت لنهايتها , وأن المجاهدين في العراق وأفغانستان قد انتصروا على أمريكا , وأن الحرب على غزة وحرب لبنان الثانية كانت نصرا ساحقا على إسرائيل . الواقع يجري باتجاه آخر , فهو يتشكّل حسب ما يريد ويرغب به أعداؤنا , ليس لأنهم على الصواب والحق , بل لامتلاكهم القدرة والإرادة والقوة على الفعل العقلاني , حيث أنهم يحوّلون بهذه الأدوات الباطل حقا . ليس هذا فحسب , بل أن الأحكام التي يُصدرها الحكّام العرب بناءا على مواقف وسياسات الدول المجاورة والبعيدة , والتي أعطيناها موطأ أقدام كثيرة في بلادنا , تحرّف المفاهيم والأفكار والوقائع عن حقيقتها بصياغة جديدة ليرضى بها الشعب الذي طالما تغذى على الشعارات والأحلام ليبقى حيّا , فإن مفاهيم عامة شاملة في الخطاب السياسي للحكّام العرب من عدل وظلم , تمييز ومساواة , إنصاف واضطهاد خير وشرّ وانتصار وانكسار إلى آخر القائمة الطويلة , لا يستمدها الحكّام وولاة الأمور من الواقع أو منابع المتعارف عليه في السياسات الدولية والمجتمعات في باقي الدول , ولا من المبادئ الإسلامية , بل تُصاغ بما يتوافق مع الرغبة والرضى لدى الحكّام , وعقلهم السياسي العربي المتأصل في جماجمهم ونفوسهم , والمنقطع عن الواقع .
يتجلى الفشل الذريع لهذا العقل السياسي ونتائجه على أرض الواقع , هو ما يحدث ويتبلور في أرض فلسطين , فلقد وصل نفاق هذا العقل السياسي العربي لدى الحكّام والقادة بثّهم إيمانا وقناعة بالشعارات البراقة حول المقاومة والممانعة , أو المفاوضات والمباحثات السلمية تحت شرط ألّا شروط - بينما ينسلّ اليهود على الأرض الفلسطينية مترا يتلوه متر , وبيتا يتلوه بيت , أما منظومة الدول العربية ترزح تحت ضغوطات المشيئة الأمريكية , بحجة الحرب على الإرهاب , وأعجب ما في الأمر , أن هذا الإرهاب الذي تراه أمريكا وإسرائيل بالمرقاب هو على الدوام إرهاب إسلامي أو إرهاب عربي , أما الإرهاب الجلي الواضح للعيان والذي وصلت أنّات ضحايا إجرامه عنان السماء , لا يراه أحد , وإن رأَوه فهو مُبَرر بالدفاع عن النفس بشهادة الحكّام وولاة الأمر العرب .
هذا العقل والموقف السياسي , انهزامي تضليلي متخاذل , يضبّب رؤية الواقع ويُخفي الحقيقة , تعيق الشعوب لاشتقاق الوسائل النضالية العقلانية , و من هنا يأتي التعامل مع نهج التسوية ومع جورج ميتشل ضمن السياسة التضليلية الواعية أو غير الواعية من قِبل الحكّام ونَخب من المثقفين .
بسبب هذا التردّي في الموقف العربي , والضعف المزري , زد على ذلك حالة الانقسام والانفصام الفلسطينية , تستمر إدارة كافور البيت الأبيض بحماية مسلسل السلام , ويستمر ميتشل بزياراته للمنطقة , ويحق للبعض القول بأن زيارات ميتشل قد باءت بالفشل , ولكن من المنظور الأمريكي فإنها لم تفشل ولا يمكن لها أن تفشل , لأن زيارات ميتشل للمنطقة لم تأت لإعادة الحق لأصحابه وإلى نصابه, ولا لإنصاف المظلوم , بل لحماية إسرائيل ومصالحها الإستراتيجية , ولضبط الصراع وإبقائه تحت السيطرة , لكي تتفرغ لجبهات في دول أخرى .
كل من عينيه برأسه يرى بأن أمريكا تضرب عرض الحكّام والشعوب العربية , بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقّعة , لذلك فإن الحديث عن توتر العلاقات بين الدولتين المحتلتين أمريكا وإسرائيل , حظي بتهويل وتحويل لوهم جديد تراهن عليه الشعوب العربية .
إن الجولات المكوكية لأي مبعوث للمنطقة , بغض النظر عن اسمه , إنما تخدم إسرائيل وواشنطن والأنظمة العربية ذات العقل السياسي العربي وبعض من أصحاب النفوذ في السلطة الفلسطينية . والمتضرر الأكبر من هذا النهج المستشري هو الشعب الفلسطيني . بالحضور الدائم لهذا المبعوث , يستمر الاستيطان في كل مكان ويستمر تهويد القدس ويستمر هدم البيوت وطرد السكان الأصليين , إنما يضفي على الممارسات الصهيونية شرعية أمريكية وأوروبية والأنظمة العربية , هذه الزيارات وتلك المناظرات عن السلام , وإقامة مآدب الغذاء والعشاء للوافدين من تلك البلدان , حملت هما , وولدت وهما , وأسمته سلام , ووضعته في ملجأ الأيتام الفلسطيني , لعل وعسى أن يكون رئيسا للدولة الفلسطينية القادمة من واشنطن وتل أبيب .
عمر رزوق
أبوسنان - عكا
أبوسنان - عكا