محمد قطب.. معالم وظلال

الصارم المسلول

بيلساني نشيط

إنضم
Apr 8, 2014
المشاركات
59
مستوى التفاعل
0
المطرح
دمشق
تحفل سيرة المفكر الإسلامي محمد قطب الذي رحل عن دنيانا قبل خمسة أيام بمعالم فكرية غزيرة تنقل من يطالعها بين التاريخ والسياسة وتقلباتها، والثورات وطبيعتها، والأفكار والتغييرات، ومواقف الأفراد والأمم منها.

ما بين هجرته للسعودية قبل نحو خمسين عاما ووفاته فيها قبل أيام، رحلة طويلة للمفكر الإسلامي محمد قطب، لا تقاس فقط بعدد السنين والحساب ولكن بمتغيرات تاريخية مفصلية لا تقتصر فقط على بلده مصر الذي اضطر إلى الهجرة منه أو السعودية التي فتحت ذراعيها مرحبة به وبغيره من كوادر وقيادات جماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة، فأسهموا في مسيرة التنمية بالمملكة مدرسين ومهندسين وأطباء وقضاة وغيرهم وتبوؤا مراكز مرموقة وكانوا محل تقدير وتكريم.​
ولا تقتصر على الرجل فقط ورحلته الفكرية بل تشمل أجيالا امتد ببعضها العمر ليشهد تاريخا يعيد نفسه، ومواقف بدلتها رمال التحالفات الإقليمية والدولية والحسابات السياسية المتحركة، جعلت ما كان مسموحا ممنوعا، والمرحب به عبئا ومحظورا.واقع جديد بأسماء وأولويات جديدة، سجل محمد قطب جانبا من قواعده وقوانينه في بعض كتبه مثل "التطور والثبات في حياة البشرية" و"دراسات في النفس الإنسانية" و"واقعنا المعاصر" ولم يفته أن يذكر بـ "كيف نكتب التاريخ" منبها لـ"جاهلية القرن العشرين" الذي يقدم فيه قراءة للحداثة الغربية وامتدادها في المجال الإسلامي، ناعتا إياها بأنها جاهلية ثانية، تماثل من حيث الانحراف والفساد الجاهلية العربية قبل البعثة النبوية.
ثورات
على وقع الثورات ولد وعلى وقعها شبّ وعاش وعلى وقعها أيضا مات، محمد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، لكن الثورة التي واكبت مولده في قرية موشا بمحافظة أسيوط يوم 26 أبريل/نيسان 1919 وهي التي تحمل اسم ذلك العام تختلف في طبيعتها التي نادت برحيل الاحتلال الأجنبي الجاثم على صدر الوطن، عن تلك الثورات الشعبية التي شهدتها مصر وبقية دول الربيع مطالبة برحيل الأنظمة الدكتاتورية التي جثمت عقودا على صدور شعوبها.​
في ظلال الشقيق
بعد وفاة الوالد، قررت الأم أن تبعث بأولادها إلى القاهرة لتلقي تعليمهم هناك، فانتقل محمد مع شقيقه الأكبر سيد الذي يكبره 12 عاما، وشقيقتيه أمينة وحميدة، فأتم محمد المرحلتين الابتدائية والثانوية، ثم التحق بالجامعة حيث درس الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة التي تخرج فيها عام 1940، ثم تابع دراسته بمعهد المعلمين فحصل على دبلوم التربية وعلم النفس.​
عمل محمد قطب بالتدريس لمدة أربع سنوات، وبإدارة الترجمة بوزارة المعارف لمدة خمس سنوات، ثم بالتدريس مرة أخرى لعامين، ثم مشرفا على مشروع "الألف كتاب" بوزارة التعليم.​
وهو يَعُد ثلاثة أشخاص ساهموا في بناء فكره وهم شقيقه سيد والأديب عباس محمود العقاد، وخاله أحمد حسين الموشي الذي عرف بمواهبه الأدبية والقلمية، إذ كان شاعرا أديبا، واشتغل بالصحافة والسياسة.لكنه يفرد شقيقه سيد بمكانة خاصة مؤكدا أنه هو الذي أشرف على تعليمه وتوجيهه وتثقيفه، و"كانت صلة سيد بي من حيث التربية يتمثل فيها العطف والحسم في آن، فلا هو اللين المفسد، ولا الشدة المنفرة، كما أنه كان يشجعني على القراءة في مختلف المجالات، وكان هو نفسه نهما إلى القراءة، فساعدني هذا التوجيه على حب المطالعة منذ عهد الطفولة".

وعن الأبوة الفكرية، يقول "لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهني للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية جعل يشركني في مجالات تفكيره، ويتيح لي فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات، ولذلك امتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب.
محنة السجن
بدأت محنة آل قطب أولا مع النظام الملكي بمصر مباشرة بعد عودة الشقيق الأكبر سيد من الولايات المتحدة التي قضى فيها عامي (1949-1950) وبمجرد عودته انخرط في معارك صحفية وسياسية كانت دوما تعرضه للاعتقال، وما إن نجحت "حركة الضباط المباركة" التي سُميت لاحقا ثورة يوليو/تموز 1952 بالإطاحة بالنظام الملكي حتي أدارت ظهرها لجماعة الإخوان المسلمين التي سبق وتحالفت معها، فكان مصير عدد من قادتها ومنهم سيد قطب السجن ثم الإعدام.
ذاق محمد قطب مرارة السجن عام 1954مع شقيقه حيث ألحق كل من الأخوين بمكان في السجن الحربي بعيد عن الآخر، وحيل بينهما حتى لا يعرف أحدهما شيئا عن الآخر، وهو ما عبر عنه محمد قائلا "كانت فتنة السجن الحربي بالغة الأثر في نفسي، إذ كانت أول تجربة من نوعها، وكانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لي القول إنها غيرت نفسي تغييرا كاملا".​
وأفرج عنه بعد فترة غير طويلة، في حين حكم على سيد بالسجن 15 سنة، وهي الفترة التي تمكن خلالها من كتابة "في ظلال القرآن". ويعلق محمد على خروجه من السجن، قائلا "خرجت يوم أفرج عني لأحمل عبء الأسرة التي كانت من مسؤوليات أخي وحده كما عودنا، ومضيت أخوض تجارب الحياة العملية خلال أكداس من العسر على مدى عشر سنوات" فقد أفرج عن سيد بعفو صحي في مايو/ أيار 1964.

وعلق محمد قطب على الإفراج قائلا "تلقيت ذلك الإفراج بكثير من القلق، إذ كنت أحس في قرارة نفسي أنهم لم يخلوا سبيله إلا وهم يدبرون له أمرا أشد سوءا من السجن، وقد كان ما توقعت" فما إن انقضى على مغادرة سيد للسجن الحربي عام واحد حتى اضطربت الأمور مرة أخرى، وشرع عبد الناصر في الاعتقالات 1965، فأعيد سيد إلى السجن مرة أخرى وأعيد أيضا شقيقه.​
وعلى عكس المرة الأولى، طال المقام بمحمد حتى قضى بالسجن ست سنوات، من 30 يوليو/تموز 1965 إلى 17 أكتوبر/تشرين أول 1971، بينما أعدم سيد وستة آخرون من قادة الإخوان، وتم تنفيذ الحكم سريعا فجر الاثنين 29 أغسطس/آب 1966.

وخلال هذه الأحداث، تعرض آل قطب لحملة ضارية من التنكيل، فقتل "في هذه المجزرة" -وفق ما أطلق عليها محمد قطب- واحد من أبناء أخته "أثناء التعذيب دون إعلان" واعتقلت شقيقاته الثلاث، و"منهن الكبرى أم ذلك الشهيد، وعذبت الشقيقة الصغرى ثم حكم عليها بالسجن عشر سنوات".​
الهجرة
قصد محمد قطب أوائل السبعينيات إلى السعودية، عمل مدرسا بكلية الشريعة في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، ثم جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وأشرف على العديد من الرسائل الجامعية التي رسخت العلاقة بين مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين القضايا الفكرية المعاصرة.ومن أبرز تلك الرسائل "العلمانية.. نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة" للدكتور سفر الحوالي، و"الولاء والبراء" للشيخ محمد بن سعيد القحطاني، و"أهمية الجهاد" لعلي بن نفيع العلياني، كما شارك في إعداد مناهج العقيدة والتوحيد للمراحل التعليمية المختلفة في المملكة، وحاز قطب على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1988.
معالم فكرية
رغم قسوة التجربة التي مر بها آل قطب في مصر، فإن محمد قطب ظل يؤكد في كتاباته فيما بعد على "خطر الصدام مع الأنظمة السياسية الحاكمة في العالم العربي قبل القدرة عليه، وقبل أن يفهم الناس المحكومون بهذه الأنظمة معنى كلمة التوحيد وضرورة الحكم بما أنزل الله".​
وتستوقف المبحر في محيط الرجل الفكري وكتاباته الغزيرة معالم أكثر من أن تحصى وجميعها جدير بالتوقف، ففي كتابه "مذاهب فكرية معاصرة" يقول إن" ارتباط الفن بالدين لا يضيق مجالاته كما يفهم البعض، ولا يحوله إلى مواعظ دينية كما يفهم البعض الآخر وإنما يوسع مجالاته فى الحقيقة ويعمقها، ولكنه ينظفها فقط ويطهرها من الأرجاس".

وفي كتابه "منهج التربية الإسلامية " تجد محمد قطب يقول إن القرآن يوجه القلوب والعقول ألا تستعجل النتائج. فهي لابد آتية حسب السنة الماضية التي لا تتبدل، وأعمار الأفراد ليست هي المقياس، والجولة العارضة ليست هي الجولة الأخيرة، قد ينتصر الباطل فترة من الوقت ويزدهر ويتمكن ويعلو في الأرض. ولكن هذا ليس نهاية القول ولا نهاية المطاف".ويعتبر ذلك "جزءا من سنة الله المتشعبة الجوانب. قد يكون لأن الناس ضعفوا واستكانوا ولم يطلبوا التغيير، وقد يكون لأنهم استطابوا الظلم. وقد يكون فتنة للذين ظلموا، وقد يكون الله يريد أن يمحص المؤمنين ليحملوا العبء على سلامة وتمكن واستعداد، وقد يكون.. ولكن السُنة دائمًا واحدة لا تتبدل، ماضية لا تتخلف ولا تنحرف عن السبيل".​
 
أعلى