"يا خيل الله": فيلم يبحث في جذور الجماعات الاسلامية المتطرفة

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
يربط الكثير من الباحثين واقع الفقر والتهميش والجهل وغياب التعليم بولادة التعصب والتطرف بشتى اشكاله وبشكل خاص التطرف الديني.
فواقع الفقر والحرمان في الاحياء العشوائية وأحزمة الفقر التي تحيط بالعديد من العواصم والمدن العربية الكبرى تمثل حاضنة أساسية وبيئة خصبة لنمو الحركات المتطرفة التي تغذيها عوامل التهميش والحرمان والبطالة وغياب التعليم لتنعكس في صورة يأس اجتماعي وربما نزعة للثأر من المجتمع او الدولة المسؤولة عن مثل هذا التهميش.​
وفي هذا المناخ الغاضب تجد الحركات الدينية المتطرفة البيئة الخصبة لنموها، مستثمرة هذا المناخ الغاضب ومالئة الفراغ بأديولوجية هروبية، فتصبح الحلول في الآخرة بديلا عن واقع القهر والتهميش اليومي، وتستثمر طاقة الغضب واليأس لتغذية مشروعها العدمي ونزعة الانتقام من المجتمعات الحديثة بعد ان خلصت الى تكفيرها في أدبياتها وفقهها الديني.​
وفي هذا الاتجاه يصب فيلم المخرج المثير للجدل نبيل عيوش "يا خيل الله" الذي اختار أن يجسد تلك الخلاصة دراميا عبر الغوص في سير منفذي تفجيرات الدار البيضاء عام ٢٠٠٣ التي قتل فيها ٤٣ شخصا وجرح العشرات."نجوم سيدي مومن"
يستند عيوش في فيلمه على رواية كتبها الفنان التشكيلي المغربي ماحي بنيبين تحت عنوان "نجوم سيدي مومن" والسيناريو الذي كتبه جمال بلماحي نقلا عن هذه الرواية.​
وحصل الفيلم على تمويل فرنسي وبلجيكي لانتاجه، إذ اشتركت في انتاجه شركات: "لو فيلم دو نوفو موند" و"علي ان برودكشن" و"ستون انجيلز" و "واي سي اليغاتور" و "أرتميس برودكشن".​
يحاول عيوش عبر فيلمه البحث عن بذور التطرف في بيئة التهميش والفقر والحرمان في احياء الفقر او الصفيح على هامش المدن الكبرى، وهي الدار البيضاء هنا وحي سيدي مومن الذي خرج منه منفذو التفجيرات والهجمات الانتحارية فيها عام ٢٠٠٣.​
ويصر المخرج على انه لا ينشغل بالتفجيرات ذاتها قدر انشغاله بمحاولة فهم سيرة هؤلاء ودوافعهم وتقديمها دون أحكام مسبقة عليها. وهو هدف مستحيل التنفيذ في ظل كم الأحكام المسبقة التي تمتلئ بها الأذهان ووسائل الاعلام في تعاملها مع مثل هذه القضية الحساسة.​
ويعود المخرج الى عام ١٩٩٤ ليبدأ بمتابعة حياة صبيين ونشأتهما في أزقة الفقر في حي سيدي مومن القريب من الدار البيضاء، فياشين الاخ الأصغر "عبد الحكيم رشيد"، الذي يحلم ان يكون لاعبا شهيرا، يكن احتراما كبيرا لأخيه حميد "عبد الله رشيد" الذي يكبره قليلا، ويتسم بشخصية مؤثرة بعد أن انضجت حياة الشوارع رجولته فتولى إعالة عائلته وحماية اخيه الأصغر في اجواء العنف والقهر المتبادل في تلك البيئة الفقيرة.​
ويؤدي اعتقال حميد بعد انخراطه في توزيع المخدرات وعصابات الحي إلى اضطهاد أخيه ياشين من قبل احد أشقياء الحي ومنعه من عمله في بيع البرتقال والليمون.مثلية جنسية
ويساعده صديقه الحميم نبيل (حمزة صديق) في أن يجد عملا معه لدى مصلح للسيارات والدراجات النارية في الحي، بيد أنه يتعرض الى محاولة تحرش جنسي من هذا الميكانيكي تنتهي بقيام الصديقين بقتله٠​
يركز عيوش هنا كما في أفلامه السابقة على علاقات المثلية الجنسية، كما هي الحال في هذا المشهد مع الميكانيكي او في مشهد الاغتصاب للصبي اثناء لهو مجموعة الصبيان وسكرهم على هامش احد اعراس الحي.​
ويخرج حميد من السجن ملتحيا وقد تغيرت شخصيته كليا بعد وقوعه تحت تأثير احدى الجماعات السلفية، ونرى أن هذا الخروج يتزامن مع احداث سبتمبر/ايلول وتدمير برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، اذ يظهر في احد مشاهد الفيلم مُناد في الحي يدعو الى نصرة بن لادن والقاعدة.​
ويركز عيوش على كيفية قيام الجماعة بملء الفراغ في الحي وكيف تسيطر على شبابه عبر مد يد العون لهم وتوفير مناخ تضامن هم بأمس الحاجة اليه، فتتسلل عبر حميد الى اعضاء فريق كرة القدم في الحي، وتوفر الحماية لياشين ونبيل بعد قتلهما الميكانيكي وتساعدهما في إخفاء ملامح الجريمة.​
ليبدأ عملهم مع هذه الجماعة المتطرفة التي تختارهم لتنفيذ تفجيرات الدار البيضاء.​
وينجح عيوش في مشهد الذروة في استثمار السرد الذي قدمه للحظات الفاصلة في تطور شخصياته، فنرى حميد الذي كان جريئا في صباه يتردد ويتراجع عن التنفيذ بينما يصبح ياشين الذي كان ضعيفا وتعرض لكل عوامل الاضطهاد السابقة قائدا للمجموعة ومتحمسا لتنفيذ أوامر الجماعة بشكل أعمى حالما بعالم اخر يتمتع فيه بالحور العين وبكل ما حرم منه في حياته، مندفعا لإثبات تفوقه على من كان يسمونه بالضعف بأقصى صور العدمية والعنف.​
ويستخدم عيوش هنا الحديث الذي ينسب الى النبي محمد "يا خيل الله اركبي" الذي عادة ما يستخدمه فقهاء الحركات الجهادية للحث على الشهادة وما يرونه من مكافأة للشهداء في اليوم الاخر، حيث يستعير منه عنوان فيلمه الرئيسي بدلا من عنوان الرواية التي استند اليها.بين عالمين
على الصعيد الفني، واصل عيوش نهجه في العمل مع ممثلين غير محترفين وهم اناس عاديون من الأحياء الفقيرة ذاتها اختارهم ليمثلوا أدوارا قريبة من حياتهم.​
كما حرص على التصوير في منطقة قريبة من حي سيدي مومن أعاد فيها بناء اجواء حي الصفيح ذاته، اذ لم يستطع ان يصور في الحي نفسه لانه قد تغير بظهور بناء عصري ومبان عالية فيه، حسب تصريحات للمخرج.​
ويمكن تقسيم الفيلم بصريا الى قسمين، ففي القسم الاول الذي قدم صورة بانورامية عن حياة صبيان الحي نرى حركة كاميرا سريعة ولقطات عامة مصورة في إنارة مفتوحة وإضاءة طبيعية للشوارع أو المساحات المفتوحة حيث يلعب الصبيان الكرة او يتشاجرون. ولعل مشاهد البداية وتصوير أطفال الشوارع تذكرنا بفيلم المخرج فرناندو ميريليس الشهير "مدينة الرب".​
وفي القسم الثاني الذي رافق ظهور الجماعة المتطرفة نرى حركة كاميرا بطيئة في أماكن مغلقة وإنارة معتمة في الغالب.​
وقد نجحت كاميرا مدير التصوير هشام علوي في تجسيد هذا التناقض الحاد المستند الى إحساس الشخصيات وحركتها بين العالمين. فنجح في تقديم كادراته السينمائية وتصميم إنارتها بما يعكس هذا الواقع النفسي للشخصيات بين انفتاح وانغلاق. كما برع في تقديم عدد من المشاهد التمهيدية لاحداثه السردية، كما هي الحال مع الترافلنغ الذي كرره لحي الصفيح من الاعلى وحركة كاميرته فوقه وفوق أزقتها وصولا الى موقع الحدث.​
كما قدم المونتير داميان كييو مونتاجا ناجحا امتاز بسلاسة الربط وسهولة الانتقال بين المشاهد او حدة القطع في مشاهد اخرى، ولعل انجح النماذج لعمله ذاك المونتاج المتوازي بين مشهد اغتصاب الصبي والرقص في العرس، او في لحظة الذروة في التفجيرات في النهاية.مخرج مثير للجدل
لقد ظل نبيل عيوش (١٩٦٩) مخرجا مثيرا للجدل في سياق السينما المغربية، ويمثل استقطابا حادا في المغرب يكاد يعكس ذاك الاستقطاب بين طرفي جنسيته الفرنسية وهويته المغربية.​
وقد تبدو هذه الازدواجية مصدر هجوم بعض الكتاب المغاربة على اعماله التي يتهمونها بتشويه صورة مجتمعهم والتركيز على ثيمات حسية تنسجم مع منظور استشراقي مهيمن في الغرب، يعطي لأفلامه القبول هناك ويوفر لها التمويل اللازم. كما هي الحال مع تركيزه على ثيمة المثلية الجنسية في عدد من أفلامه.​
عد فيلمه الروائي الأول "مكتوب" عام ١٩٩٧ أحد انجح افلامه ونال عنه عددا من الجوائز منها جائزة افضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (مناصفة). ويتناول الفيلم قصة حقيقية عن ضابط كان يغتصب ضحاياه من النساء ويقوم بتصويرهن في أشرطة فيديو.​
وفي عام ٢٠٠٠ قدم فيلمه الثاني "علي زاوا" عن حياة أطفال الشوارع في الدار البيضاء معتمدا الاسلوب ذاته في اختيار أناس عاديين وليس ممثلين محترفين لتجسيد ادوار فيلمه، كما صور مشاهد منه في حي سيدي مومن ذاته، وقد استفاد من تجربته في هذا الفيلم في تنفيذ فيلمه الأخير "يا خيل الله".​
في عام ٢٠٠٢ اثار فيلمه "لحظة ظلام" انتقادات كبيرة للمشاهد الجنسية فيه والمثلية الجنسية، ولم يعرض الفيلم في الصالات المغربية بعد رفض المخرج حذف هذه المشاهد من فيلمه. ويتناول حيرة شرطي شاب يحقق في جريمة مخدرات بين صديقته المتحولة جنسيا والمشتبه الرئيسي فيه بهذه القضية.​
وقدم عام ٢٠٠٨ فيلمه "ماذا تريد لولا" عن العلاقة بين الشرق والغرب عبر حكاية فتاة أمريكية تهوى الرقص الشرقي وشاب مصري مثلي في نيويورك وشخص اخر تتعرف عليه عبره. وقد صور الفيلم وهو من انتاج فرنسي في مصر والمغرب والولايات المتحدة.​
كما اخرج فيلما وثائقيا عام ٢٠١١ تحت عنوان "أرضي" تضمن مقابلات أجراها في الاراضي الفلسطينية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وله ايضا عدد من الأفلام القصيرة في مطلع التسعينيات قبل اخراج فيلمه الروائي الاول عام ١٩٩٧.
 
أعلى