Gabriel
بيلساني مجند
- إنضم
- Jul 15, 2010
- المشاركات
- 1,320
- مستوى التفاعل
- 67
- المطرح
- مرة هون ومرة هنيك حسب
مريم
أرسلتها أمها لتشتري خبزا من آخر الشارع. ما كانت الأم لترسل مريم ذات الأعوام السبع لتشتري الخبز في ظل هذه الأوضاع الصعبة لولا أن الفتاة أصرت وتوسلت لأمها مرارا كي تذهب إلى المخبز. كانت الأم تخاف على مريم خوفها على نفسها, بل أكثر من ذلك, إلا أنها قدرت وبعمق موقف الصغيرة التي لم تخرج من البيت منذ عشرة أيام كان خلالها القصف والتدمير من قبل طائرات ودبابات وبارجات العدو.قالت الأم لنفسها إن الأوضاع قد هدأت حدتها نوعا ما في الشارع منذ أن قصفت مدرسة مريم الابتدائية القريبة من المنزل, والذي أودى بحياة فاطمة صديقة مريم الأولى والذي ترك في نفس مريم أثرا بالغا, وكذلك بعد أن قصف المسجد الذي كانت تحفظ فيه مريم كتاب الله. لم يعد هناك ما يقصف في الجوار. ربما تخفف مريم عن نفسها قليلا عندما تخرج من البيت. هذا ما دفع الأم للموافقة على خروج مريم لشراء الخبز خصوصا وأن الدقيق قد نفد من البيت منذ أيام وأن الأم غير قادرة على النهوض من الفراش بعد أن أعياها المرض الشديد؛ فلم يعد دواؤها متوفرا في أي مكان في غزة كلها, فالمعابر مغلقة والأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم. أمسكت مريم بالشواقل السبع ثمن ربطة الخبز وشقت طريقها في الشارع الحزين. لم يكن هنالك إلا القليل ممن يذهبون لشراء الخبز أو العائدين بربطة خبز إلى بيوتهم حيث تنظر إليهم مريم وتمني نفسها أن تحظى بالخبز مثلهم وأن تعود بسلام إلى أمها المريضة. لقد شارفت على الوصول إلى المخبز ولكنها شعرت بالإحباط حين رأت تلك الطوابير الطويلة من الناس الذين اصطفوا لشراء الخبز, إلا أنها وجدت نفسها مضطرة للوقوف في طابور النساء الطويل. وأمامها كاد طابور الرجال ألا ينتهي, لقد تراص الناس بالمئات لشراء الخبز.
وفي البيت, جلست الأم المريضة على فراشها تدعو أن تعود مريم بسلام, وتشعر بتأنيب الضمير, تعتقد أنها كانت يجب ألا تسمح لمريم بمغادرة البيت. إنها لن تطيق مأساة أخرى، يكفي ما فعله العدو بزوجها الذي استشهد في السجن. لقد عذبوه حتى الموت.
وبينما الأم جالسة تدعو الله قفز قلبها من صدرها حين سمعت دوي الانفجار العنيف الذي هز أرجاء البيت. لم يكن انفجارا ككل مرة, فعرفت أنه استهدف بيتها أو في الجوار القريب. فتحت عينيها فوجدت بيتها قد أصبح حطاما وسوي بالأرض, وقد تناثرت الدماء والأشلاء في كل مكان. وحينها فقط أدركت أنها دماؤها وأشلاؤها. ولكنها كانت مندهشة لعدم شعورها بالألم, فكل شيء قد تم بسرعة, وها هي تصعد ببطء إلى السماء مودعة غزة المنكوبة.
وعلى الأرض وصلت سيارات الإسعاف إلى المكان, وبدأ المسعفون بلم أشلاء الأم المتناثرة. وهناك... على عتبة البيت المدمر كانت ترقد أشلاء جسد صغير؛ جزء من يد ممسكة بكيس خبز... وبقايا شفة مبتسمة.
أ. ابراهيم شلايل
أرسلتها أمها لتشتري خبزا من آخر الشارع. ما كانت الأم لترسل مريم ذات الأعوام السبع لتشتري الخبز في ظل هذه الأوضاع الصعبة لولا أن الفتاة أصرت وتوسلت لأمها مرارا كي تذهب إلى المخبز. كانت الأم تخاف على مريم خوفها على نفسها, بل أكثر من ذلك, إلا أنها قدرت وبعمق موقف الصغيرة التي لم تخرج من البيت منذ عشرة أيام كان خلالها القصف والتدمير من قبل طائرات ودبابات وبارجات العدو.قالت الأم لنفسها إن الأوضاع قد هدأت حدتها نوعا ما في الشارع منذ أن قصفت مدرسة مريم الابتدائية القريبة من المنزل, والذي أودى بحياة فاطمة صديقة مريم الأولى والذي ترك في نفس مريم أثرا بالغا, وكذلك بعد أن قصف المسجد الذي كانت تحفظ فيه مريم كتاب الله. لم يعد هناك ما يقصف في الجوار. ربما تخفف مريم عن نفسها قليلا عندما تخرج من البيت. هذا ما دفع الأم للموافقة على خروج مريم لشراء الخبز خصوصا وأن الدقيق قد نفد من البيت منذ أيام وأن الأم غير قادرة على النهوض من الفراش بعد أن أعياها المرض الشديد؛ فلم يعد دواؤها متوفرا في أي مكان في غزة كلها, فالمعابر مغلقة والأزمة الإنسانية تتفاقم يوما بعد يوم. أمسكت مريم بالشواقل السبع ثمن ربطة الخبز وشقت طريقها في الشارع الحزين. لم يكن هنالك إلا القليل ممن يذهبون لشراء الخبز أو العائدين بربطة خبز إلى بيوتهم حيث تنظر إليهم مريم وتمني نفسها أن تحظى بالخبز مثلهم وأن تعود بسلام إلى أمها المريضة. لقد شارفت على الوصول إلى المخبز ولكنها شعرت بالإحباط حين رأت تلك الطوابير الطويلة من الناس الذين اصطفوا لشراء الخبز, إلا أنها وجدت نفسها مضطرة للوقوف في طابور النساء الطويل. وأمامها كاد طابور الرجال ألا ينتهي, لقد تراص الناس بالمئات لشراء الخبز.
وفي البيت, جلست الأم المريضة على فراشها تدعو أن تعود مريم بسلام, وتشعر بتأنيب الضمير, تعتقد أنها كانت يجب ألا تسمح لمريم بمغادرة البيت. إنها لن تطيق مأساة أخرى، يكفي ما فعله العدو بزوجها الذي استشهد في السجن. لقد عذبوه حتى الموت.
وبينما الأم جالسة تدعو الله قفز قلبها من صدرها حين سمعت دوي الانفجار العنيف الذي هز أرجاء البيت. لم يكن انفجارا ككل مرة, فعرفت أنه استهدف بيتها أو في الجوار القريب. فتحت عينيها فوجدت بيتها قد أصبح حطاما وسوي بالأرض, وقد تناثرت الدماء والأشلاء في كل مكان. وحينها فقط أدركت أنها دماؤها وأشلاؤها. ولكنها كانت مندهشة لعدم شعورها بالألم, فكل شيء قد تم بسرعة, وها هي تصعد ببطء إلى السماء مودعة غزة المنكوبة.
وعلى الأرض وصلت سيارات الإسعاف إلى المكان, وبدأ المسعفون بلم أشلاء الأم المتناثرة. وهناك... على عتبة البيت المدمر كانت ترقد أشلاء جسد صغير؛ جزء من يد ممسكة بكيس خبز... وبقايا شفة مبتسمة.
أ. ابراهيم شلايل