أيلول
نبض السعادة من رحم الألم


- إنضم
- May 31, 2009
- المشاركات
- 3,932
- مستوى التفاعل
- 109
- المطرح
- أرض الله الواسعة
الأوهام حولك في كل مكان
و الحل الوحيد أمامك هو أن تكون سيد هذه الأوهام
و أن تصنعها بيدك
دنيانا غريبة .. و حياتنا مصنوعة من الوهم
الواقع حولنا جامد ميت عديم المعنى .. و نحن الذين نعطيه المعنى و القيمة والأهمية
نجعله ينبض بالحياة
الكراسي و الأشجار و الحيوانات و الفواكه .. تظل أشياء لا معنى لها حتى نحبها ، و نشتهيها و نطلبها و نجري وراءها .. فتنبض بالأهمية و الحياة
المرأة تظل كمية مهملة .. تظل غير موجودة في حياتنا تماماً .. حتى نحبها فتوجد
وتصبح شيئاً مُهماً .. يسعدنا و يشقينا نحن الذين نعطيها القيمة و الأهمية ثم نحبها ..
و في الحقيقة نحب الوهم الذي خلقناه منها و لا نحبها في ذاتها
و نحن الذين نسبغ الخطر على الأشياء ثم نخاف منها و نجزع
و في الحقيقة نفزع من الخطورة التي أسبغناها عليها .. و ليس منها لذاتها
لا شيء له قيمة فى ذاته
كل شيء زائل و نحن الذين نعطيه قيمته و أهميته .. ثم نتألم و نتعذب من أجل هذه الأهمية المزعومة
نفنى في حب الأشخاص .. و الأشخاص الذين نفنى فيهم .. زائلون فانون بطبيعتهم
و هذا أمر مضحك .. و لكنه لا يضحكنا ..و إنما يبكينا و يعذبنا .. لأن غرضنا يلتبس علينا .. فنحب الأشخاص .. على حين أننا في الحقيقة نحب المعاني التي تصورناها في هؤلاء الأشخاص
و نحن مساكين .. لأننا لا نجد فى الحياة شيئاً خالصاً صافياً
لا نجد معاني خاصة صافية .. المعاني دائماً مزروعة في أشخاص
و الأوهام مزروعة في الحقائق .. و التصور مزروع في الواقع
و نحن أنفسنا .. مزروعين في أجسادنا
نحن نسيج غريب من الوهم والحقيقة .. من الواقع والتصور .. من الوجود و الفناء ..
نحن الوهم الأكبر .. و العذاب الأكبر
و الفنان أكثرنا عذاباً ..لأن الأوهام مادة حياته
و الخيالات .. و الأفكار .. و الأنغام .. هي متعته و مهنته و لقمته .. فهو يأكل
من أعصابه و أحلامه ، الراحة تقتله .. و الاستقرار يقتله .. و الواقع يقتله ..
و الاطمئنان يقتله
و الفضيلة بشكلها المألوف تقتله
الفضيلة عنده تنمو من الشك .. و كل القيم و الأفكار و المبادئ تنمو من الشك
و تتطور وتأخد أشكالاً جديدة باستمرار ، و عليه دائماً أن يسبح في دوامة الشك .. ليبتكر و يجدد و يخلق .. و يرتفع فوق المألوف
لي صديق فنان مرهف الأعصاب .. يعيش دائماً فىي شك .. و قلق و أرق .. و ملل و خوف .. و حب .. عيناه زائغتان يسكنهما فزع غريب هادئ .. و قلبه تعتصره هواجس عنيفة .. و حياته صراع لا ينتهي مع هذه الأشباح التي لا ذيل لها و لا رأس
يحاول أن يتغلب عليها بالشاى و القهوة و السجائر و الخمر و الأقراص المسكنة
و الإغراق في الكتب و الإغراق في السهرات .. و الإغراق في الناس و الضحك .. و الصياح
و أحياناً ينجح و يفلت من هذا الحصار الداخلي الغريب و يخرج إلى الدنيا
يلهو و يقفز و يرقص كالطفل
و أحياناً يفشل .. فتجره الأشباح إلى ظلامها و يزوغ بصره و يبدو كالغريق
الذي يغوص شيئاً فشيئاً في لجةٍ عميقة
مشكلته أنه لا ينام .. يقضي ليالي بطولها مؤرقاً لا يذوق طعم النوم
يصرخ و يتوسل أن أعطيه أقراصاً منومة
و من عادتي أن أعطيه أقراصاً من النشا .. أقول له إنها أقراص شديدة المفعول
و هي نفس الطريقة التي يستعملونها في عيادات الأمراض النفسية
و يبتلع الأقراص المزيفة و بعد دقائق تثقل أجفانه و بعد دقائق أخرى يزحف النوم إلى عينيه
و يروح فى سباتٍ عميق .. ليس بمفعول الأقراص .. و لكن بمفعول الوهم
إن مرضه وهم .. و دواءه وهم .. و هو نفسه وهم .. و كلنا أوهام
أوهام .. تعسة .. كبيرة
من كتـــــاب / الأحــــــلام لــ مصطفى محمود