تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة .
كل قصائد و أشعار الشاعر نزار قباني
رسالة حُبّ (71) - (80)
--------------------
(71)
يوم تعثرينَ على رَجُل..
يقدر أن يحوّل كلَّ ذرَة من ذرّاتكِ
إلى شِعْرْ..
ويجعل كلَ شَعْرة من شَعَراتكِ .. قصيدة
يوم تعثرين على رَجُل..
يقدر _ كما فعلتُ أنا _
أن يجعلك تغتسلينَ بالشِعرْ..
وتتكحّلين بالشِعرْ..
وتتمشّطين بالشِعرْ..
فسوفَ أتوسّلُ إليكِ..
أن تتبعيه بلا تردّد..
فليس المهمّ أن تكوني لي..
وليس المهمّ .. أن تكوني له
المهمّ..
أن تكوني للشعرْ..
هوايةً خطيرة..
وهي أن أتحدّثَ عنكِ إلى النساءْ..
لذةٌ كبيرةٌ .. أن أزرعَكِ في عيون النساءْ
في فضولهنّ..
في دهشتهنّ.
لذةٌ ما بعدها لذّة..
أن أُضرمَ النارَ في ثياب الجميلاتْ
وأتفرّج بفرح شيطاني..
على الحرائق المشتعلة فيهنّ..
عيونُ النساءْ..
هي المرايا المدهشة..
التي تطمئنني أن قصّة حبّنا غير مألوفة..
وأنكِ امرأة لا تكرّر..
سامحيني إذا فعلتُ هذا..
فأنا لا أطيقُ تعذيبَ الآخرينْ..
غير أنّي أردتُ رسْمَ صورتك
في أحداق النساء..
لأرى.. كيف تزدادُ اتساعا..
(73)
لا تشتكي من تطرّفي..
هي تلك الأيّام التي نسيتِ فيها تمدّنك
وانزرعتِ بلحمي .. كحربةٍ مسمومة..
أروعُ أيّامك..
_إذا كان لكِ أيَّامٌ قبلي_
هي الأيّام التي اختلط فيها رمادُك برمادي..
كما يختلطُ رمادُ لُفَافَتينْ..
في منفضةٍ واحدة..
(74)
لا أنا أستطيع أن أفعلَ شيئاً
ولا أنتِ تستطيعن أن تفعلي شيئاً
ماذا يستطيع أن يفعل الجرح
بعد دقائق . تضربُ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وينتهي عامٌ .. ويولدُ عامْ..
لا تهمّني السنوات التي تولد..
ولا السنواتُ التي تموت..
فأنتِ الزمنُ الوحيد..
لن أُقَبِّلك عندما تُطفأ الأنوارْ..
كما يفعل كلُّ الأغبياء..
ولن أرقصَ معكِ بشراسة
كما يفعل كلُّ المجانين..
ولن اخترعَ كلاماً سخيفاً
يحمل إليكِ أطيبَ تمنياتي بعامٍ جديدْ.
فالتمثيلُ ليس مهنتي..
إنّي أحبّكِ..
بعيداً عن كؤوس الويسكي..
وقُبَّعات الورقْ..
بعيداً عن موسيقى الجاز..
وانفجار البالونات الملوّنة..
أحبّك..
وأنا أنزفُ على الطاولة وحدي..
كما ينزف مصارع الثيرانْ..
أحبّكِ..
قبل أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وبعد أن تضربَ الساعةُ الثانيةَ عشرهْ..
وإنما حبيبة كلِّ الساعاتْ..
وكلِّ الأزمنة..
بعد دقائقْ..
سيرحل عامٌ كنتِ سيّدتَه ومليكتَهْ
فيا سيّدتي ومليكتي
لا أريد من الله ذهباً ولا قصوراً..
لا أريد منه ديباجاً ولا حريرا..
أريدُ منه فقط..
أن يُبقيكِ حبيبتي..
(76)
يوم تعرّفتُ عليكِ .. منذ عامينْ
كنتِ قطّةً تركية مدلّلهْ..
تتشمَّس..
وتتثاءب..
وتلحس فروتها..
كنتِ تموئين.. وتشربينَ الحليبَ المعقَّمْ..
وتلعبين بخيوط الصوفْ..
ومن بَصَمات أصابعي..
عندما تعرّفتُ عليكِ..
لم تكن لديكِ همومٌ عاطفية
كبقيَّة القِطَطْ..
ولم تكن لديكِ شهيّةُ المغامرة..
والتناسل ، في الأزقة الضيّقة
كملايين القِطَطِ الأخرى..
*
بعد عامينْ..
من المناقشات العصبيَّة
والغضَب ، والتشنّجاتْ..
تحوّلتِ من قطة سمينة ومترهّلة..
تتعاطى الحبوبَ المنوِّمة..
والماريجوانا..
إلى قطةٍ ترفض تاريخَها..
فكسرتِ زجاجةَ الحليب المعقَّمْ
ورميتِ كرةَ الصوف على الأرض..
ووثبتِ إلى حضني..
*
بعد عامين معي..
أصبحتِ قطةً غيرَ عاديَّهْ
أصبحتِ قطّتي..
(77)
كنتُ ساذجاً..
حين تصوّرتُ أنّني أستطيع أن أغتالكِ بالسفرْ..
وأقتلكِ..
تحت عَجلات القطارات التي تحملني..
صوتُكِ..
يتبعني على كلِّ الطائراتْ..
يخرج كالعصفور من قبّعات المضيفاتْ..
ينتظرني..
في مقاهي سان جرمان.. وسوهو..
كنتُ ساذجاً..
حين ظننتُ أنّي تركتكِ ورائي.
كلُّ حقيبة أفتحها..
أجدكِ فيها..
كلُّ قميصٍ ألبسه ، يحمل رائحتكِ...
كلُّ جريدةٍ صباحية أقرؤها..
تنشر صورتك..
كلُّ مسرحٍ أدخله..
أراكِ في المقعد المجاور لمقعدي..
كلّ زجاجة عطرٍ أشتريها..
هي لكِ..
فمتى .. متى أتخلّص منكِ
أيتها المسافرةُ في سفري..
والراحلةُ في رحيلي..
(78)
أعرف..
ونحن على رصيف المحطّة.
أنَّكِ تنتظرين رجلاً آخر..
وأعرفُ، وأنا أحمل حقائبك
أنكِ ستسافرين مع رجل آخر..
وأعرف .. أنني لم أكنْ..
سوى مروحةٍ صينية خفَّفتْ عنكِ حرارة الصيفْ
ورميتِها بعد الصيفْ..
أعرف أيضاً..
أن رسائل الحبّ التي كتبتُها لكِ..
لم تكن سوى مرايا..
ومع هذا ..
سأحملُ حقائبك..
وحقائبَ حبيبك..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
لأنّني .. أستحي أن أصفع امرأةً
تحمل في حقيبة يدها البيضاءْ..
أحلى أيّام حياتي..
(79)
كلَّما مرَّ صوتُكِ البنفسجيّ
من أسلاك الهاتف..
وصَبَّحَ عليّْ..
أتحوّلُ إلى غابة..
(80)
لنْ يكونَ ذهابُكِ مأساوياً
كما تتصوّرينْ..
فأنا كأشجار الصفصافْ
أموتُ دائماً..
وأنا واقفٌ على قدميّْ..
رسالة حُبّ (81) - (89)
------------------
(81)
بعد ما احترقتْ روما
واحترقتِ معها..
لا تنتظري منّي..
أن أكتبَ فيكِ قصيدةَ رثاءْ
فما تعودتُ..
أن أرثي العصافير الميِّتة..
أنتِ قاتلتِ على طريقة دون كيشوتْ..
وأنتِ مستلقية على سريرك..
هجمتِ على الطواحين..
وقاتلتِ الهواءْ..
فلم يسقط ظفرٌ واحدٌ..
من أظافرك المطليّة..
ولم تنقطع شعرةٌ واحدةٌ.. من شعرك الطويلْ..
ولم تسقط نقطةُ دمٍ واحدة..
على ثوبك الأبيضْ..
*
أيّ حربٍ.. تتحدّثين عنها؟
فأنتِ لم تدخلي معركةً واحدةً
مع رجل حقيقي..
لم تلمسي ذراعَهْ..
ولم تشُمّي رائحةَ صدرهْ..
ولم تغتسلي بعَرَقِهْ..
وإنّما..
كنتِ تخترعينَ رجالاً من الورقْ..
وفرساناً من الورقْ..
وخيولاً من الورقَ..
وتحبّين .. وتعشقين.. على الورقْ..
*
فيا أيتها الدونكشوتيّه الصغيرة..
إستيقظي من نومك،
واغسلي وجهك،
واشربي كُوبَ حليبك الصباحيّ..
وستعرفين بعدها..
أن كلَّ الرجال الذين عشقتهمْ..
كانوا من ورقْ..
(83)
هل لديكِ حلٌّ لقضيتنا؟
ولا تستطيع أن تغرقْ..
*
فلقد شربتُ من ملح البحر
ما فيه الكفاية..
وشَوَتِ الشموسُ جِلْدي
بما فيه الكفاية..
وأكلتِ الأسماكُ المتوحّشة من لحمي
ما فيه الكفاية..
*
أنا شخصياً..
ضجرتُ من السَفَر
وضجرتُ من الضَجَرْ
فهل لديك حلٌّ .. لهذا السيف
الذي يخترقنا .. ولا يقتلنا؟
هل لديك حلٌّ؟.
لهذا الأفيون الذي نتعاطاه..
ولا يخدّرنا..
*
أنا شخصياً..
أريد أن أستريحْ..
على أيّ حَجَرٍ.. أريد أن أستريحْ
على أيّ كَتِفٍ..
أريدُ أن أستريحْ..
فلقد تعبتُ من المراكب التي لا أشرعةَ لها.
ومن الأرصفة التي لا أرصفة لها.
فقدّمي حلولكِ يا سيّدتي!
وخذي توقيعي عليها قبل أن أراها..
واتركيني أنامْ..
(84)
جاءني صوتُكِ بعد الظهر..
متوهّجاً كسبيكة الذَهَبْ..
كان عندي امرأة..
من فوق أجساد جميع النساءْ..
أقفز إليكِ..
وأتركهنَّ في الظلّ..
وأذهب معكِ..
ومرعبٌ . وبَشِعْ..
فظيع.. أن أغازلكِ..
وأنا واقفٌ على نهديْنِ عارييْنْ..
ولكنني فعلتُها..
ولكنني فعلتُها..
لأتحدّاكِ بوفرة من أعرف من النساءْ
ولأتحرر من بَصَمات أصابعك على أيّامي..
*
ولكنني حين سمعتُ صوتك في الهاتف
يتوهّج كسبيكة الذهبْ..
نسيتُ نسائي، ومحظيّاتي على الأريكة
وتبعتُكِ..
فيا أيّتها المستعمرةُ دقائقَ عمري..
إرفعي يديكِ لحظةً.. عن شَهَواتي..
لأعرفَ..
كيف أستعملُ جَسَدي..
(85)
أحببتِني بالحساب. وأحببتُكِ بالشعرْ..
وضعتِ رأسي على مخدةٍ من الحَجَرْ..
ووضعتُ رأسكِ على مخدَّةٍ من القصائدْ
أعطيتِني سمكةً.. وأعطيتُك البحرْ..
أعطيتني قطرةً من زيت القنديلْ..
وطوّبتُ لكِ البيادرْ..
أخذتِني إلى المدن المسكونة بالزمهريرْ
وأخذتُك إلى المدن المسكونة بالدهشة..
*
كنتِ رصينةً كمعلّمة مدرسة..
وجليديةً كالآلات الحاسبة..
ورضيتِ أن أُطعم نهديكِ تيناً وزبيباً
لأنّهما لم يأكلا منذ قرون..
أعطيتني شفتيك، وأنتِ خائفة من الزُكامْ
وصافحتِني .. وأنت تلبسين قفازات الدانتيلْ..
أما أنا..
فقد تركتُ في فمكِ نصف فمي..
وتركتُ في راحتكِ .. نصفَ أصابعي...
(86)
إشربي فنجانَ قهوتك..
واستمعي بهدوء إلى كلماتي..
فربّما..
لن نشربَ القهوةَ معاً.. مرةً ثانية
ولن يُتاح لي أن أتكلّم مرةً ثانية.
*
لن أتحدّثَ عنكِ..
سطرانِ مكتوبانِ بالرصاص على هامشهْ..
ولكنني سأتحدّث ..
عمّا هو أكبرُ منكِ .. وأكبرُ منّي
وأنظفُ منكِ .. وأنظفُ منّي..
سأتحدث عن الحبّ..
عن هذه الفَرَاشة المدهشة..
التي حطّتْ على أكتافنا وطردناها..
عن هذه السمكة الذهبيّة..
عن هذه النجمة الزرقاءْ
التي مدّت إلينا يدها
ورفضناها..
*
ليست القضية أن تأخذي حقيبتكِ .. وتذهبي.
كلُّ النساء يأخذن حقائبهنَّ
في لحظات الغضب ويذهبنْ..
ليست القضية أن أطفىء لفافتي بعصبيَّة
في قماش المقعدْ..
كلُّ الرجال يحرقون قماشَ المقاعد عندما يغضبونْ
القضيَّة ليست بهذه البساطة..
وهي لا تتعلّق بكِ .. ولا تتعلّق بي
فنحنُ صِفْرانِ على شمال الحبّ..
وسطرانِ مكتوبانِ بالقلم الرصاص.. على هامشهْ.
القضية هي قضيّة هذه السمكة الذهبيّة..
التي رماها إلينا البحر ذاتَ يوم..
وسحقناها بين أصابعنا..
(87)
أنا متَّهمٌ بالشهريارية..
من أصدقائي..
ومن أعدائي..
متَّهم بالشهرياريّة.
وبأنني أجمعُ النساءْ..
كما أجمعُ طوابعَ البريد..
وعُلَبَ الكبريت الفارغة..
وأعلقهنّ بالدبابيس..
على جدران غرفتي..
وبالأوديبيَّة
وبكلِّ ما في كُتُب الطبّ النفسيّ من أمراض..
ليُثبتوا أنّهم مثقفون..
وأنّني منحرِفْ..
*
لا أحَدَ . يا حبيبتي
يريد أن يستمع إلى إفادتي..
فالقضاةُ معقّدون..
والشهود مرتشون..
وقرار إدانتي
يفهمُ طفولتي..
فأنا أنتمي إلى مدينةٍ لا تحبُّ الأطفالْ..
ولا تعترف بالبراءة..
ولم يسبق لها..
أن اشترت وردةً.. أو ديوانَ شعرْ..
أنا من مدينةٍ .. خشنة اليدينْ..
خشنة القلب..
خشنة العواطف
من كثرة ما ابتلعت من المسامير.. وقِطَعِ الزجاج.
أنا من مدينة جليديّة الأسوار
مات جميعُ أطفالها..
من البرد..
*
إنني لا أفكّر في الاعتذار لأحدْ..
وليس في نيّتي أن أوكّل محامياً
ينقذ رأسي من حبل المشنقة.
فلقد شُنِقتُ..
آلافَ المرّاتْ..
حتى تعوّدتْ رقبتي على الشنقْ..
وتعوّد جَسَدي..
على ركوب سيّارات الإسعاف..
*
ليس في نيّتي أن أعتذر لأحدْ..
ولا أريد حكماً بالبراءة..
من أحدْ..
ولكنّني .. أريد أن أقول لكِ..
لكِ وحدَكِ، يا حبيبتي
في جلسةٍ علنيّة..
وأمام جميع الذين يحاكمونني..
بتهمة حيازة أكثر من امرأة واحدة..
واحتكار العطور، والخواتم ، والأمشاط
في زّمّن الحربْ..
أريدُ أن أقول:
إنّني أحبّك وحدَكِ..
وأتكمَّش بكِ..
كما تتكمَّش قشرةُ الرمّانة بالرمّانة..
والدمعةُ بالعين..
والسكينُ بالجرحْ..
أريد أن أقولْ..
ولو لمرةٍ واحدة
إنني لستُ تلميذاً لشهريارْ
ولم أمارس أبداً هوايةَ القتل الجماعيّ
وتذويب النساء في حامض الكبريتْ.
ولكنني شاعرٌ..
يكتبُ بصوتٍ عالٍ..
ويعشق بصوتٍ عالٍ..
وطفلٌ أخضرُ العينين..
مشنوقٌ على بوّابة مدينةٍ..
لا تعرفُ الطفولة..
(88)
لماذا تخابرينَ .. يا سيّدتي؟
لماذا تعتدينَ عليَّ بهذه الطريقة المتحضِّرة؟
ما دام زمنُ الحنان . قد ماتْ.
وموسم البَيْلَسَان قد ماتْ.
لماذا .. تكلّفين صوتكِ..
أن يغتالني مرةً أخرى؟
إنّني رجلٌ ميّت.
والميّت لا يموت مرّتينْ.
صوتُكِ له أظافرْ..
ولحمي، مطرّز كالشرشف الدمشقيّ،
بالطَعَناتْ..
ممدوداً بيني وبينكِ .. حبلاً من الياسمينْ
وأصبح الآن حبلَ مشنقة..
كان هاتفكِ..
فراشَ حريرٍ أستلقي عليه..
صار صليباً من الشوك أنزف فوقه..
كنتُ أفرح بصوتك..
عندما يخرجُ من سمّاعة الهاتف..
كعصفور أخضرْ..
أشربُ قهوتي معهْ..
وأدخّن معهْ..
وأطير إلى كلّ الآفاق..
معهْ..
كان ينبوعاً، ومِظلّة، ومروحة..
يحمل لي الفرحَ، ورائحةَ البراري..
صار كنواقيس يوم الجمعة الحزينة
يغسلني بأمطار الفجيعة..
*
أوقفي هذه المذبحة يا سيّدتي
فشراييني كلُّها مقطوعة..
وأعصابي كلُّها مقطوعة..
ربّما ..
لا يزال صوتُكِ بنفسجياً
كما كان من قبل..
ولكنني _ مع الأسف _
لا أراه .. لا أراه..
لأنني مصاب بعمى الألوانْ..
(89)
هل وصلنا بحبّنا إلى نقطة اللارجوعْ؟
الرجوع لا يدخل في نطاق همومي.
الذهاب معكِ.. ونحوكِ.. وإليكِ..
هو أساسُ تفكيري.
الذهاب الذي لا يرجع
وليس لديه تذكرةُ عودة.
*
إنني أُحبّكِ..
ولا أطلب منكِ وثيقةَ تأمين
ضدَّ الموت عشقاً.
بل سأطلب منكِ _ على العكس_
أن تساعديني على الموت حرقاً
على الطريقة البوذيّة..
امرأةً مثلك..
تتشقّق قشرةُ الكون
وتصبح الأرضُ
علبة كبريت في يد طفل..
*
مجنونةٌ أنتِ .. إذا فكّرتِ
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
أنني أبحث لديكِ عن الطمأنينة..
أو أنني أفكّر في العودة إلى البرّ
مرةً أخرى.
فأنا نسيتُ تاريخي البريَّ كلَّهْ
نسيت الشوارعَ ، والأرصفةَ ، وأشجارَ السَروْ.
وكلَّ الأشياء التي لا تستطيع تغييرَ عناوينها..
إنني أُحبّكِ..
ولا أريدُ أقراصاً منوّمة لأشواقي..
ولا حبوباً لمقاومة الدُوارْ
إنّني بخير هكذا..
إنّني بخير هكذا..
فأنا أكون في أحسن حالاتي
عندما تهاجمني نوباتُ الهذيانْ..
فأنسى تاريخَ وجهي..
وأنسى مساحةَ جسدي
وأتلاشى.. تحت شمس نهديْكِ
كما تتلاشى مدينةٌ من الشمعْ..
رسالة حُبّ (90) - (95)
------------------
(90)
رسالتُكِ ، في صندوق بريدي ، فُلَّةٌ بيضاء
حمامةٌ أَليفة..
تنتظرني لتنامَ في جوف يدي
فشكراً لكِ يا سخيَّةَ اليدينْ..
شكراً على موسم الفُلّْ..
*
تسألين:
ماذا فعلتُ في غيابك؟
غيابُكِ لم يحدثْ.
ورحلتُكِ لم تتم.
ظللتِ أنت وحقائبك قاعدةً على رصيف فكري
ظلَّ جوازُ سفرك معي
وتذكرةُ الطائرة في جيبي..
*
ممنوعةٌ أنتِ من السَفَرْ..
إلا داخلَ الحدود الإقليمية لقلبي..
ممنوعةٌ أنتِ من السفرْ..
خارجَ خريطة عواطفي واهتمامي بك..
أنتِ طفلةٌ لا تعرف أن تسافر وحدَها..
أن تمشي على أرصفة مُدُن الحبّ.. وحدَها..
أن تنزل في فنادق الأحلام.. وحدَها.
تسافرينَ معي.. أو لا تسافرينْ..
تتناولينَ إفطارَ الصباح معي..
وتتكئين في الشوارع المزدحمة على كَتِفي.
أو تظلّين جائعة..
وضائعة..
رسالتُك في صندوق بريدي
جزيرةُ ياقوتْ..
وتسألين عن بيروتْ..
شوارعُ بيروت، ساحاتُها، مقاهيها، مطاعمُها،
مرفأها.. بواخرها.. كلُّها تصبُّ في عينيْكِ
ويوم تغمضين عينيكِ..
تختفي بيروتْ.
لم أكن أتصوّر من قبل..
أن امرأةً تقدر أن تعمِّرَ مدينة..
أن تخترعَ مدينة..
أن تعطي مدينةً ما..
شمسَها ، وبحرها ، وحضارتَها..
لماذا أتحدّث عن المدن والأوطانْ؟
أنتِ وطني..
وجهُكِ وطني..
صوتُكِ وطني..
تجويف يدك الصغيرة وطني..
وفي هذا الوطن ولدتُ..
وفي هذا الوطن..
أريدُ أن أموت...
*
رسالتُكِ في صندوق بريدي
شمسٌ إفريقيَّة..
وأنا أُحبّكِ
على مستوى الهمجيّة أُحبّك..
على مستوى النار والزلازل أُحبّكِ..
على مستوى الحمّى والجنون.. أُحبّكِ
فلا تسافري مرةً أخرى..
لأنّ الله _ منذ رحلتِ _ دخل في نوبة بكاء عصبية..
وأضربَ عن الطعام..
رسالتُكِ في صندوق بريدي..
ديكٌ مذبوحْ..
ذبحَ نفسَه.. وذبحني..
أحبّ أن يكون حبي لكِ على مستوى الذبحْ
على مستوى النزيف والإستشهادْ..
أُحبّ أن أمشي معكِ دائماً
على حَدِّ الخنجرْ..
وأن أتدحرجَ معكِ عشرةَ آلاف سنة
قبل أن نتهشَّم معاً على سطح الأرض.
تقرأين تعاليمَ ماو..
وكلَّ كُتُب الثورة الثقافية..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(91)
تلبسين ملابسَ الهيبيّينْ..
وتعلّقين على شعرك الزهورْ
وفي رقبتك الأجراسْ..
وتمشينَ في المسيرات الطويلة
ترفعين لافتات الحريّة
وتطالبين أن يحكم الطلاب العالم
وأن يكسروا جدرانَ العالم القديم..
وحين يهاجمك الحبّ..
كوحش أزرق الأنيابْ..
ترتعشين أمامه كفأرة مذعورة..
وترمين صورة ماو على الأرض
وترمين معها، كلَّ لافتات الحرية
التي رفعتِها .. أنت وزميلاتك..
وتلتجئين باكيةً..
إلى صدر جدّتك
وتتزوَّجين..
على طريقة جدّتك..
(92)
أشعر بالحاجة إلى النطق باسمك هذا اليوم..
لم أزرعه شمساً في رأس الورقة.. لم أتدفّأ به..
واليوم، وتشرين يهاجمني ويحاصر نوافذي، أشعر بحاجة إلى النطق به. بحاجة إلى أن أوقد ناراً صغيرة.. بحاجة إلى غطاء.. ومعطف.. وإليك.. يا غطائي المنسوج من زهر البرتقال، وطرابين الزعتر البريّ..
لم أعد قادراً على حبس اسمكِ في حلقي. لم أعد قادراً على حبسك في داخلي مدةً أطول. ماذا تفعل الوردةُ بعطرها؟
أين تذهب الحقول بسنابلها، والطاووس بذيله، والقنديل بزيته؟
أين أذهب بكِ؟ أين أُخفيكِ؟
والناس يرونك في إشارات يدي، في نبرة صوتي في إيقاع خطواتي..
من رائحة ثيابي يعرف الناس أنكِ حبيبتي، من رائحة جلدي يعرف الناس أنكِ كنتِ معي، من خَدَر ذراعي يعرف الناس أنكِ كنتِ نائمة عليها..
لن أستطيع إخفاءك بعد اليوم..
فمن أناقة خطي يعرف الناس أنني أكتب إليكِ..
من فرحة خطاي يعرفون أنني ذاهبٌ إلى موعدك..
من كثافة العشب على فمي يعرفون أني قبّلتكِ..
لا يمكننا.. لا يمكننا .. أن نستمر في ارتداء الملابس التنكريَّة.. بعد الآن..
فالدروبُ التي مشينا عليها لا يمكن أن تسكت..
والعصافيرُ المبلّلة التي وقفت على أكتافنا سوف تخبر العصافيرَ الأخرى..
كيف تريدينني أن أمحو أخبارنا من ذاكرة العصافير..
كيف يمكنني أن أُقنع العصافير.. أن لا تنشر مذكّراتها؟
(93)
هذه رسالة غير عاديّة، عن يوم غير عاديّ.
قليلة جداً هي الأيّام غير العاديّة في حياة الإنسان. الأيّام التي يخرج بها من قفص بشريّته .. ليصبح عصفوراً.
يوم.. أو نصف يوم.. ربّما.. في حياة الانسان كلّها، يخرج فيه من السيلول الضيق، ليمارس حرّيته، ليقول ما يشاء.. ويحرّك يديه كما يشاء، ويحبّ من يشاء في الوقت الذي يشاء..
فإذا كتبتُ لكِ عن هذا اليوم غير العاديّ، فلأنني أشعر أنني تحرّرت في هذا اليوم من دَبَقي ومن صمغي.. وخرجتُ من صندوق النفاق الإجتماعي، ومن مغارة التاريخ، لأمارس حريتي كما يمارسها أيّ عصفور شارد في البريّة.
*
البحر كتابٌ أزرقُ الغلاف.. أزرقُ الصفحات..
وأنتِ بثوب الإستحمام، تقرأين تحت الشمس.
الحشرات الصغيرة تزحف على جسدك الزنبقيّ لتشرب الضوء..
ظَهْرُكِ مكشوف.. وقدماكِ تلعبان بحرية وطفولة على العشب النابت أمام باب بيتنا البحريّ..
وأخيراً.. أصبح لنا بابٌ .. ومفتاحٌ.. ومنزلٌ بحريّ نلتجيء إليه..
ربّما لا تدركين معنى أن يكون للإنسان بيت، ومفتاح، وامرأة يحبّها..
ربّما لا تدركين أنني تلميذٌ هاربٌ من جميع مدارس الحبّ ومعلّميها..
هارب من ممارسة الحبّ بالإكراه، وممارسة الشوق بالإكراه، وممارسة الجنس بالإكراه..
وللمرة الأولى منذ عشرين سنة، أدخل معك منزلنا البحريّ فلا أشعر أن له سقفاً .. وجدراناً..
للمرة الأولى أدفن وجهي في صدر امرأةٍ أُحبُّها.. وأتمنى أن لا أستيقظ..
للمرة الأولى أقيم حواراً طويلاً مع جسد امرأةٍ أُحبّها.. ولا أفكر في الحصول على إجازة..
للمرة الأولى منذ عصور، أفكّر بتجديد إقامتي معك..
وحين يفكر رجل في تمديد إقامته مع امرأة .. فهذا يعني أنه دخل مرحلة الشعر.. أو مرحلة الهيستريا..
*
البحر شريطٌ من الحرير الأزرق على رأس تلميذة..
ونهداكِ يقفزان من الماء.. كسمكتين متوحّشتين..
وأنا أنكش في الرمل الساخن بحثاً عن لؤلؤة تشبه استدارة نهدَيْكِ..
نخلتُ كلَّ ذرّات الرمل، وفتحتُ مئات الأصداف، ولم أعثر على لؤلؤة بملاستهما..
إنتهى رملُ البحر كلُّه.. وانتهت قواقعي كلُّها.. ورجعتُ إلى صدرك نادماً ومعتذراً.. كطالبٍ راسبٍ في امتحاناته..
نتخبّط في الماء.. كطائرين بحرييّن لا وطن لهما.
قطراتُ الماء تكرج على الجسدين المتشابكينْ..
تتدحرج.. تشهق.. تغنّي.. ترقص.. تصرخ.. لا تعرف أيَّ الجسدَيْن تبلِّل..
قطراتُ الماء دوَّختها جغرافيةُ الجسدينْ المتداخلين..
لم تعد تعرف أين تسقط.. على أيّ أرض تتزحلق..
ضاعت جنسيّةُ الرخام. لم يعد للعنق اسم.. ولا للذراع اسم.. ولا للخصر اسم.. ضاعت أسماء الأسماء. الرخام كلّه معجون ببعضه.. براري الثلج كلها تشتعل.. وأنا.. وأنتِ.. مزروعان في زرقة الماء.. كسيفيْنِ من الذَهَب..
*
الحبُّ يجرفنا كصَدَفتيْن صغيرتيْن..
وأنا أتمسّك بشعرك بشراسة إنسان يغرق..
لم يكن بإمكاني أن أكون أكثر تحضّراً، فحين تلتصقين بي كسمكة زرقاء.. أكونُ سخيفاً وغبيّاً إذا لم أجرّك معي إلى الهاوية.. لنستقرّ في قعر البحر سفينتيْن لا يعرف أحدٌ مكانَهما...
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
ذهبتِ أنتِ . وظلّتْ رغوةُ البحر تزحف على جسدي..
ظلّت الشمس جرحاً من الياقوت على جبيني.
حاولتُ أن أستعيدَكِ ، وأستعيدَ البحر..
نجحتُ في استرداد البحر.. ولم أنجح في استردادك.. فما يأخذه البحر لا يردّه.
حاولتُ أن أركِّبَ يومنا البحريّ تركيباً ذهنيّاً..
وألصق عشرات التفاصيل الصغيرة ببعضها.. كقطع الفسيفساء.
تذكّرتُ كلَّ شيء.
قبَّعتكِ البيضاء، ونظّارة الشمس، وكتابك الفرنسيّ المطمور بالرمل.. حتى النملة الخضراء، التي كانت تتسلّق على ركبتك الشمعيّة.. لم أنْسَها.. حتى قطرات العَرَق التي كانت تتزحلق كحبّات اللؤلؤ.. على رقبتك لم أنسَها..
حتى قَدَمُكِ الحافية التي كانت تتقلّب على الرمل، كعصفورة عطشى.. لم أنْسَها..
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
لا زال ثوبُ استحمامك البرتقاليّ، مشتعلاً كشجرة الكرز في مخيّلتي..
لا زال الماء المتساقط من شعرك.. يبلّل دفاتري..
كلُّ سطر أكتبه .. يغرق في الماء.
كلُّ قصيدة أكتبها.. تغرق في الماء..
واتركي الشمس.. تُشرق ثانيةً، على جَسَدي
*
إنتهى يومُنا البحريّ..
وكتبَ البحرُ في دفتر مذكّراته:
"كانا رجلاً وامرأة..
وكنتُ بحراً حقيقياً.."
(94)
ساعة الكرملين تدقُّ في موسكو.. منتصف الليل..
وأنا عائد إلى فندقي من مسرح البُلْشوي حيث شاهدت باليه (بحيرة البجع)، تحفة تشايكوفسكي المذهلة.
خلال فترة العرض بحثتُ عن يدك أكثر من مرة.. عن يميني بحثت عنها.. وعن يساري بحثت عنها..
عندما أكون في حالة الفن، أو في حالة العشق.. أبحث عن يدك.. ألتجيء إليها، أكلّمها.. أضغط عليها.. أنزلق على لزوجتها.. أنام في جوفها..
ومن خلال أمطار الياسمين، خرجتِ أنتِ بَجَعةً بيضاء من بحيرة ذكرياتي.
ورجعتُ إلى فندقي في آخر الليل.. لألملم زَغَبَ القطن المتناثر على ثيابي..
(95)
الفودكا.. تمرُّ فوق لساني سيفاً من نار..
ومع كلّ قطرةٍ تمرين أنتِ.
حاولتُ هذه الليلة أن أجامل..
حاولتُ أن أكون روسياً..
يبتلع عَشَرات الحرائق.. ولا يحترقْ
لكنني فشلت..
لأنّني كنتُ أواجه ناريْنْ..
فتاةُ المطعم موسكوفيَّة. إسمُها ناتاشا..
وأُحبّ أن أسمّيكِ ، مثلها، ناتاشا..
وأحبّ أن تركضي معي
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
لأهربَ إليك..
وأحبّ أن تركضي معي
كحمامةٍ، على ثلوج الساحة الحمراء..
*
القدحُ الصغيرُ يشتعلُ كالحمرة
ووجهكِ ، يعوم كالوردة،
على سطح السائل اللؤلؤيّ..
يا ناتاشا.. يا حبيبتي
يشربُ الرجالُ الخمرةَ ليهربوا من حبيباتهم.
أما أنا فأشربُها..
لأهربَ إليك..
رسالة حُبّ (96) - (100)
--------------------
(96)
أكتب إليكِ من لينغراد. عاصمة القياصرة.
درجة الحرارة صفر. وأنا ألبسك على جسدي كنزةً من الحنان.. واتدفَّأ بكِ كما تتدفَّأ كنيسةٌ بشموعها..
يُريحني أن ألبسَكِ على جسدي، فأنتِ حَطَبي وفحمي في هذه القارَّة المرتعشة المفاصل.
قضيتُ اليوم كلَّه في متحف الهيرميتاج.
كلُّ متاحف العالم تبدو أكواخاً فقيرة من القشّ أمام هذا المتحف الخرافة، حتى اللوفر العظيم يغطِّي وجهه بيديه مختجلاً إذا ذُكر اسمُ الهيرميتاج.
ألفا غرفة تضمّ أروع وأثمن ما صنعته أصابع البشر، جمعها القياصرة قطعةً قطعةً من كلّ زاوية من زوايا الأرض.
كلُّ مصوّري العالم ونحّاتيه يتنفّسون في غرف الهيرميتاج ويتحدّثون مع الزوّار..
الهيرميتاج هو فندق كلّ عباقرة العالم.. فيه ينامون.. وفيه يرسمون .. وينحتون...
هنا وطن الفنّانين.. فلوحات رينوار، وماتيس، وفان غوخ ، وغويا، والغريكو، وروبنس، الموجودة هنا أعظم من آثارهم الموجودة في بلادهم الأصلية.
زرتُ الجناح الخاص بالامبراطورة كاترينا الثانية. رأيت ملابسها، وجواهرها، وأمشاطها، وخواتمها، وأثواب نومها المطرّزة بالذهب، ومعاطفها المشغولة بالحجارة الثمينة.
في لحظة من لحظات الحلم تصوَّرتك كاترين الثانية..
وأردتُ أن أُخرج جميع ما في الخزائن البللورية من عقود وأساور وأطرحها على قدميكِ.. يا قيصرةَ القياصرة..
في لحظة من لحظات الشرود، تصوّرت أن المتحف متحفك، والتيجان تيجانك، والوصيفات وصيفاتك..
وأنكِ تركبين العربة الملكيّة الموشّاة بالذهب وأحجار الياقوت والزمرّد.. وتنزلقين على ثلوج لينغراد.
هل تسمعين صوتي، وأنا أهتف مع الرعايا المتناثرين على أرصفة لينغراد (حفظ الله الملكة).
أنا واحدٌ من رعاياكِ يا قيصرة القياصرة.
أنا مواطنٌ يُحبّكِ..
على سواحل بحر الشمال تلتفّ ذراعي حول خصرك بحركة تلقائية..
على كلّ البحار أنت متمدّدة..
وعلى سطوح كلّ المراكب أنت مستلقية..
سمك منتشر في شراييني كبقعة حبر على ثوب أبيض..
ونهدك يطيعني كما تطيع التفاحة جاذبية الأرض..
إنفصالي عنكِ خرافة..
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
إنفصالي عنكِ خرافة..
(98)
فنحن نسقط إلى الأعلى، نتدحرج إلى ذروة الشمس، يمسح الواحدُ منا حدودَ الآخر.. يُلغيه..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
لستُ نادماً على أعوامي الضائِعةِ معكِ..
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
حين تكونين معي. يكون واحدٌ منّا فقط، ينتهي واحدٌ منّا. يصير صوتكِ امتداداً لفمي، وتصير ذراعي امتداداً طبيعياً لذراعك.. ويصير شعركِ الأسود امتداداً لأحزاني.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
فأنا لا أحترفُ الندامة.
ولستُ آسفاً ..
لأنني لعبتُ على حصانٍ خاسرْ..
إن المقامرة على النساء.. كالمقامرة على الخيولْ..
غيرُ مضمونة النتائج..
ولا تصدُقُ فيها النُبُوءاتْ..
فكلُّ رجل ينتقي فَرَساً..
وكلُّ امرأة تنتقي جواداً..
ولا يربح في نهاية الشوط..
سوى النساءْ..
*
إن تجاربي مع الخيل والنساء.. متشابهة..
أربحُ مرةً.. وأخسرُ مرّاتْ..
أنتصرُ مرةً.. وأُهزم مرّاتْ..
ورغم هذا أستمرُّ في اللعبة..
وأجدُ في ممارستها الكثير من الشعرْ..
فلا أجمل من السقوط المفاجئ..
تحت حوافر الخيلْ..
أو تحت حوافر الحُبّ..
(99)
إطمئني يا سيّدتي!
فما جئت لأشْتُمَكِ،
أو لأشنقَكِ على حبال غَضَبي
ولا جئتُ، لأراجع دفاتري القديمة معكِ
فأنا رجلٌ ..
لا يحتفظ بدفاتر حبّه القديمة..
ولا يعود إليها أبداً..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على زهور الحزن التي زرعتها في داخلي
فمنكِ تعلّمتُ أن أحبَّ الزهورَ السوداءْ..
وأشتريها..
وأوزّعها في زوايا غرفتي.
*
ليس في نيّتي،
أن أفضح انتهازيّتكِ..
أو أكشف الأوراق المغشوشة
التي كنتِ تلعبين بها.. خلال عامينْ..
لكنني جئتُ لأشكرك..
على مواسم الدمع..
وليالي الوجع الطويلة..
وعلى كلّ الأوراق الصفراء
التي نثرتِها على أرض حياتي..
فلولاكِ، لم أكتشفْ
لذّةَ الكتابة باللون الأصفرْ
ولذّةَ التفكير..
باللون الأصفرْ..
ولذّةَ العشق باللون الأصفرْ..
(100)
هذه هي رسالتي الأخيرة..
ولن يكون بعدها رسائلْ...
هذه.. آخرُ غيمةٍ رماديةٍ
تمطر عليكِ..
ولن تعرفي بعدها المطرْ..
هذا آخرُ النبيذ في إنائي..
وبعده..
لن يكون سُكْرٌ.. ولا نبيذْ..
هذه آخرُ رسائل الجنونْ..
وآخرُ رسائل الطفولة...
ولن تعرفي بعدي، نقاءَ الطفولة، وطرافة الجنونْ..
لقد عشقتُكِ..
كطفلٍ هاربٍ من المدرسة..
يخبئ في جيوبه العصافير..
ويخبّئ القصائدْ..
كنتُ معكِ..
طفلَ الهلوسة، والشرود، والتناقضاتْ..
كنتُ طفلَ الشعر، والكتابة العصبيّة
أما أنتِ..
فكنتِ امرأةً شرقيّةَ الشروشْ
تنتظر قدَرَها..
في خطوط فناجين القهوة..
وملاءات الخاطباتْ....
ما أتعسكِ يا سيّدتي..
فلن تكوني في الكُتُب الزرقاء.. بعد اليوم
ولن تكوني في ورق الرسائلْ،
وبكاء الشموعْ..
وحقيبة موزع البريدْ..
لن تكوني في عرائس السُكَّرْ..
وطيّارات الورق الملوّنة..
لن تكوني في وَجَع القصائدْ..
فلقد نفيتِ نفسكِ خارجَ حدائق طفولتي..
وأصبحتِ نثراً....
العصفور
------
لو حَمَيْناهُ من البَرْد قليلا..
وحَمَيْناهُ من العين قليلا..
لو غَسَلنا قَدَميْهِ بمياه الورد والآسِ قليلا..
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى ساحات باريسَ العظيمَهْ
وتصوَّرنا مَعَهْ..
مرةً في ساحة (الفاندومِ) أو في ساحة (الباستيلِ)
أو في الضفَّة اليسرى من السينْ..
آهٍ .. لو تَدَحْرَجْنا على الثلج مَعَهْ..
وهو بالقُبَّعة الزرقاءِ يجري..
ودموعي جدولٌ يجري مَعَهْ..
2
آهِ .. لو نحنُ أخذناهُ إلى عالم (ديزني)..
وركبنا في القطارات التي تمرُقُ من بين ملايين
الفَرَاشاتِ إلى قَوْس قُزَحْ..
آهِ .. لو نحن استجبنا لأمانيه الصغيراتِ..
وآهٍ.. لو أكلنا معه (البيتزا) بروما..
وتجوَّلنا بأحياء فلورنسا..
وتركناهُ ليرمي خبزَهُ لطيور (البُندقيَّهْ)..
فلماذا هربَ العصفورُ منّا يا شَقِيَّهْ؟
قد رَسَمْناهُ بأهداب الجفونْ
ونَحَتْناه بأحداق العُيُونْ
وانتظرناهُ قُروناً .. وقُرونْ
فلماذا هربَ العصفورُ منّا؟
دونَ أن يُلقي التحيَّهْ...
3
ربَّما.. لو أنتِ من جنَّتكِ الخضراء ، يا سيّدتي..
لم تطرُديهِ ..
ربَّما .. لو أنتِ ، يا سيِّدتي ، لم تقتُليهِ..
كانَ سلطانَ زمانِهْ..
ربَّما ... لو كانَ حيّاً
دخلَ الشمسَ على ظهر حصَانِهْ
ربَّما .. لو قال شِعْراً..
يقطُرُ السُكَّرُ من تحت لسانِهْ
ربَّما .. لو شاءَ يوماً أن يُغنّي..
يطلعُ الوردُ على قَوْس كَمَانِهْ..
ربَّما .. لو ظلَّ حيّاً..
حرَّكَ الأرضَ بأطرافِ بَنَانِهْ..
4
لا تَقُولي : (لا تُؤاخِذْني ) ..
فقد كانَ قضاءً وقَدَرْ..
هل يكونُ الجهلُ والسُخْفُ قضاءً وقَدَرْ؟
قَمَراً كانَ..
ومَنْ يقتُلُ ، يا سيّدتي ، ضوءَ القَمَرْ؟
وَتَراً كانَ..
ومَنْ يقطعُ من عُودٍ وَتَرْ؟
مَطَراً كانَ ..
ولنْ يأتي إلينا مرةً أُخرى المَطَرْ..
أنتِ لو أعطيتِهِ الفرصةَ يا سيِّدتي..
ربَّما كانَ المسيحَ المُنْتَظَرْ...
5
آهِ .. يا قاتلةَ الحُلْمِ الجميلِ المُبْتَكَرْ..
مؤسفٌ أن يقتلَ الإنسانُ حُلْما..
مؤسفٌ أن تكسري في الأُفْق نَجْما..
يا التي تبكي طَوَالَ الليل عصفورَ الأمَلْ
سَبَقَ السيفُ العَزَلْ..
لا تلوميني إذا ما يبسَ الدمعُ بعينيَّ
وصارَ القلبُ فَحْمَا..
فأنا كنتُ أباً..
مُدْهِشَ الأحلام.. لكنْ
أنتِ ، يا سيِدتي ، ما كُنْتِ أُمَا..
فاطمة في ساحة الكونكورد
--------------------
1
يُمْطِرُ عليَّ كُحْلُكِ الحجازيّْ
وأنا في وَسَط ساحة (الكونكوردْ)
فأَرْتَبكْ..
وترتبكُ معي باريسْ
تسقطُ حكومةٌ .. وتأتي حكومَهْ
وتطيرُ الجرائدُ الفرنسيّةُ من أكْشَاكِها
وتطيرُ الشراشفُ من فوق طاولات المقاهي..
وتطلبُ العصافيرُ اللجوءَ السياسيْ
إلى عَيْنَيْكِ العَربيَّتيْنْ...
2
أيَّتها العربيَّةُ الداخلةُ كالخنجر في صَبَاحات باريسْ
يا مَنْ ترتشفينَ القهوةَ بالحليبْ
وترتشفين معها كُرَيَّاتي الحمراءَ والبيضاءْ
ما كانَ في حسابي أن أُلاقيكِ في محطّة الحزنْ
وأن تلتقطيني بأهداب حنانِكْ
وأنا في ذَرْوَة البرد، والخَوْف، والإنْكِسَارْ
لكنَّ باريسَ قادرةٌ على كلِّ شيءْ
ونبيذُ بوردو الأحمر، هو الذي سَيُلغي الفُروقْ
بين صقيع أوروبا..
وشُموس العالم الثالثْ
بين حيائكِ الجميلْ...
وبين جُنُوني...
3
أيَّتها العربيَّةُ التي تتكسَّرُ على أرصفة (المونْمَارترْ)
فتافيتَ ياقُوتٍ..
وغابةَ سُيوفْ..
يا مَنْ يتصالحُ في عَيْنَيْها الضوءُ .. والعُتْمَهْ..
والماءُ .. والحرائقْ
ما كان في حسابي..
وأنا أتمشَّى بين (الفاندوم) .. و( المادلينْ)..
أن أدخلَ في جَدَليَّةِ اللون الأسودْ
وإشكَاليّة العُيُونِ الواسعَهْ
كخواتمِ الفضَّهْ...
ما كانَ في حسابي..
أن أدخلَ في تفاصيل التاريخ العَرَبيّْ
فلقد تخانقتُ مع تاريخي..
وجئتُ إلى باريسَ .. لأُلغيَ ذاكرتي
ولكنْ .. ما أن نزلتُ من الطائرَهْ..
حتى نَزَلَتْ ذاكرتي معي..
ونَزَلَ شَعْرُكِ الغَجَريُّ معي..
ونزلتْ أثوابُكِ .. ومعاطفُكِ..
وأدواتُ زينتكِ معي..
لتسدَّ مداخلَ الطُرُقاتْ
من مطار (شارل دوغول)
إلى كنيسة نوتردامْ...
4
يا فاطمةَ ساحة (الكونكوردْ)..
يا فاطمةَ الفاطِماتْ
أيُّها السيفُ المرصَّعُ بأجمل الآياتْ
أيُّها اللغةُ التي ألغَتْ جميعَ اللغَاتْ..
أُرحِّبُ بكِ في باريسْ..
وأرجو لكِ قامةً سعيدَهْ
فوق أعشاب صدري...
5
يا ذاتَ الشفتينِ المُمْتَلِئتيْنِ كحبَّتَيْ فاكِهَهْ..
كم هُوَ استفزازيٌّ نوعُ العطر الذي تضعينَهْ
وكم هُوَ رائعٌ إفطارُ الصباح معكِ..
وأنتِ تنقرينَ قطعةَ (الكرواسَانْ) كعصفورْ
وتنقرينَ فمي كعصفورْ
أيَّتُها السنجابةُ الآسيويَّهْ
التي تنطُّ من أعلى (برج إيفل) إلى صدري..
ولا تخشى الدُوارْ..
وتستحمُّ بنوافير (قصر فرساي)
ولا تخشى الغَرَقْ..
وتنامُ عاريةً على أعشاب حديقة (التويلري)..
ولا تخشى الفضيحَهْ..
6
أيَّتُها العربيّةُ التي ينقِّطُ العَسَلُ الأسودُ من عينيْها
نُقْطَةً .. نُقْطَهْ..
ويُنقِّطُ الشِعْرُ من شَفَتها السُفْلى
قصيدةً .. قصيدَه
ويرنُّ حَلَقُها الطويل صباحَ يوم الأَحَدْ
كناقُوسِ كنيسَهْ..
ما كانَ في حسابي..
أن أمرَّ معكِ ذاتَ يومٍ تحتَ قَوْس النصرْ
لنضعَ وردةً على قبر العاشق المجهولْ..
ولا كانَ في حسابي..
أن أرى صورتَكِ في متحف اللُوفر
مع أعمال رينوارْ..
وماتيسْ..
وسيزانْ..
وأن أرى أعمالي الشعريَّهْ
تباعُ في مكتبات الضفّةِ اليُسْرى
مع أعمال رامبو..
وفيرلينْ..
وجاك بريفير..
7
صَباحَ الخير..
أيّتها العصفورةُ القادمةُ من المياه الدافئَهْ
لتغتسلَ بأمطار باريسْ
وأمطار حنيني..
صباحَ الخير..
أيَّتُها السَمَكةُ التي تتكلَّمُ اللغةَ العربيَّهْ
وتتهجّى كَلِماتِ الحُبِّ باللغةِ الفَرَنسيَّهْ.
وتتهجَّاني بكُلِّ لُغَاتِ الأُنوثَهْ...
8
كُلَّما سافرتُ إلى باريسَ دونَ حَجْزٍ..
تصيرينَ فُنْدُقي...
9
صَباحَ الخير .. يا بُسْتَانَ الزَعْفَرانْ
صباحَ الخير .. يا سُجَّادةَ الكاشانْ
صباحَ الخير على أصابعكِ النائمة بين أصابعي..
وعلى معطف المطر الذي كنتِ تلبسينَه معي..
وعلى جرائد الصباح التي كنتِ تتصفَحينها معي..
صباحَ الخير..
على الكافيتريات التي ثَرثَرْنا فيها..
وعلى البُوتيكات التي رافقتُكِ إليها..
وعلى المرايا التي دخلناها معاً...
ثم سافرتِ..
وتركتِني حتى الآن .. مَرْسُوماً عليها...
10
الحب لا يقف على الضوء الأحمر
------------------------
" أنت في العشرين تستطيع أن تُحبّ..
وأنت في الثمانين تستطيع أن تُحبّ..
هناك دائماً مناسبة لاشتعال البرق.."
فرانسواز ساغان
- - -
إفتتاحيّة
هذا كتابي الأربعُونَ .. ولم أزَلْ
أحْبُو كتلميذٍ صغيرٍ .. في هَوَاكِ
هذا كتابي الأربَعُونَ..
ورغمَ كلِّ شَطَارتي .. ومَهَارتي
لم يرضَ عنّي ناهداكِ...
كلُّ اللغات قديمةٌ جداً..
وأَضْيَقُ من رُؤايَ ومن رُؤاكِ..
لا بدَّ من لغةٍ أُفَصِّلُها عليكِ .. حبيبتي..
لا بدَّ من لغةٍ تليقُ بمستواكِ
***
حَلَّقتُ آلافَ السنين.. وما وصلتُ إلى ذُرَاكِ
وجلبتُ تيجانَ الملوكِ..
وما حصلتُ على رضَاكِ..
وصعدتُ فوق الأبْجَديَّة كي أراكِ..
يا مَنْ تخيطُ قصائدي ثوباً لها..
هل ممكنٌ بين القصيدةِ .. والقصيدةِ ..
أنْ أراكِ؟؟...
القرار
------
إنّي عشِقْتُكِ .. واتَّخذْتُ قَرَاري
فلِمَنْ أُقدِّمُ _ يا تُرى _ أَعْذَاري
لا سلطةً في الحُبِّ .. تعلو سُلْطتي
فالرأيُ رأيي .. والخيارُ خِياري
هذي أحاسيسي .. فلا تتدخَّلي
أرجوكِ ، بين البَحْرِ والبَحَّارِ ..
ظلِّي على أرض الحياد .. فإنَّني
سأزيدُ إصراراً على إصرارِ
ماذا أَخافُ ؟ أنا الشرائعُ كلُّها
وأنا المحيطُ .. وأنتِ من أنهاري
وأنا النساءُ ، جَعَلْتُهُنَّ خواتماً
بأصابعي .. وكواكباً بِمَدَاري
خَلِّيكِ صامتةً .. ولا تتكلَّمي
فأنا أُديرُ مع النساء حواري
وأنا الذي أُعطي مراسيمَ الهوى
للواقفاتِ أمامَ باب مَزاري
وأنا أُرتِّبُ دولتي .. وخرائطي
وأنا الذي أختارُ لونَ بحاري
وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي
وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري
أنا في الهوى مُتَحكِّمٌ .. متسلِّطٌ
في كلِّ عِشْقِ نَكْهةُ اسْتِعمارِ
فاسْتَسْلِمي لإرادتي ومشيئتي
واسْتقبِلي بطفولةٍ أمطاري..
إنْ كانَ عندي ما أقولُ .. فإنَّني
سأقولُهُ للواحدِ القهَّارِ...
عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي
مراكبي ، وصديقَتَا أسْفَاري
إنْ كانَ لي وَطَنٌ .. فوجهُكِ موطني
أو كانَ لي دارٌ .. فحبُّكِ داري
مَنْ ذا يُحاسبني عليكِ .. وأنتِ لي
هِبَةُ السماء .. ونِعْمةُ الأقدارِ؟
مَنْ ذا يُحاسبني على ما في دمي
مِنْ لُؤلُؤٍ .. وزُمُرُّدٍ .. ومَحَارِ؟
أَيُناقِشُونَ الديكَ في ألوانِهِ ؟
وشقائقَ النُعْمانِ في نَوَّارِ؟
يا أنتِ .. يا سُلْطَانتي ، ومليكتي
يا كوكبي البحريَّ .. يا عَشْتَاري
إني أُحبُّكِ .. دونَ أيِّ تحفُّظٍ
وأعيشُ فيكِ ولادتي .. ودماري
إنّي اقْتَرَفْتُكِ .. عامداً مُتَعمِّداً
إنْ كنتِ عاراً .. يا لروعةِ عاري
ماذا أخافُ ؟ ومَنْ أخافُ ؟ أنا الذي
نامَ الزمانُ على صدى أوتاري
وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي
من قبل بَشَّارٍ .. ومن مِهْيَارِ
وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً
وجعلتُهُ ثَمَراً على الأشجارِ
سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ
_ من يومِهَا _ مقطوعةً أخباري..
***
يا غابةً تمشي على أقدامها
وتَرُشُّني يقُرُنْفُلٍ وبَهَارِ
شَفَتاكِ تشتعلانِ مثلَ فضيحةٍ
والناهدانِ بحالة استِنْفَارِ
وعَلاقتي بهما تَظَلُّ حميمةً
كَعَلاقةِ الثُوَّارِ بالثُوَّارِ..
فَتشَرَّفي بهوايَ كلَّ دقيقةٍ
وتباركي بجداولي وبِذَاري
أنا جيّدٌ جدّاً .. إذا أحْبَبْتِني
فتعلَّمي أن تفهمي أطواري..
مَنْ ذا يُقَاضيني ؟ وأنتِ قضيَّتي
ورفيقُ أحلامي ، وضوءُ نَهَاري
مَنْ ذا يهدِّدُني ؟ وأنتِ حَضَارتي
وثَقَافتي ، وكِتابتي ، ومَنَاري..
إنِّي اسْتَقَلْتُ من القبائل كُلِّها
وتركتُ خلفي خَيْمَتي وغُبَاري
هُمْ يرفُضُونَ طُفُولتي .. ونُبُوءَتي
وأنا رفضتُ مدائنَ الفُخَّارِ..
كلُّ القبائل لا تريدُ نساءَها
أن يكتشفْنَ الحبَّ في أشعاري..
كلُّ السلاطين الذين عرفتُهُمْ..
قَطَعوا يديَّ ، وصَادَرُوا أشعاري
لكنَّني قاتَلْتُهُمْ .. وقَتَلْتُهُمْ
ومررتُ بالتاريخ كالإعصارِ ..
أَسْقَطْتُ بالكلمَاتِ ألفَ جِدَارِ ..
أَصَغيرتي .. إنَّ السفينةَ أَبْحَرتْ
فَتَكَوَّمي كَحَمَامةٍ بجواري
ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى
فلقدْ عشِقْتُكِ .. واتَّخَذْتُ قراري..
معها .. في باريس
--------------
لا الشعرُ ، يُرضي طُمُوحاتي ، ولا الوَتَرُ
إنّي لعَيْنَيْكِ ، باسمِ الشِعْرِ ، أَعتذِرُ..
يا مَنْ تَدُوخُ على أقدامِكِ الصُوَرُ
يُروِّجُونَ كلاماً لا أُصَدِّقُهُ
كم صَعْبةٌ أنتِ .. تَصْويراً وتَهْجِيَةً
إذا لَمَسْتُكِ ، يبكي في يدي الحَجَرُ
ولا البصيرةُ ، تكفيني ، ولا البَصَرُ
نَهْداكِ .. كان بودِّي لو رَسَمْتُهُمَا
***
أيا غَمَامةَ مُوسيقى .. تُظلِّلُني
الحَرْفُ يبدأُ من عَيْنَيْكِ رحْلتَهُ
كلُّ اللُغاتِ بلا عينيكِ .. تَنْدثِرُ
إلى نبيذٍ ، بنار العِشْق يَخْتَمِرُ
ولم أُخَطِّطْ لهُ .. لكنَّهُ القَدَرُ..
هزائمي في الهوى تبدو مُعَطَّرَةً
تركتُ خَلْفيَ أمجادي .. وها أنذا
بطُولِ شَعْرِكِ _ حتى الخَصْرِ _ أفْتَخِرُ
وأنتِ .. أجملُ ما في حُبِّكِ الخَطَرُ
يا مَنْ أُحِبُّكِ .. حتى يستحيلَ فمي
جرائرُ الكُحْلِ في عينيكِ مُدْهِشَةٌ
ماذا سأفعلُ لو ناداني السفرُ؟؟
ولُؤلُؤُ البحر شفَّافٌ .. ومُبْتَكرُ
هل تذكرينَ بباريسَ تسكُّعَنَا ؟
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
تمشينَ أنتِ .. فيمشي خلْفكِ الشجرُ
خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ
وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ ..
صَديقَةَ المطعم الصِينيِّ .. مقعدُنا
ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ ، ينتظرُ
كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا
وباعةُ الورد ، والأكشَاكُ ، والمَطَرُ
حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا
ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ ..
***
نبيذُ بُوردو .. الذي أحسُوهُ يصرعُني
ودفءُ صوتِكِ .. لا يُبْقي ولا يَذَرُ
ما دُمْتِ لي .. فحدودُ الشمس مملكتي
والبرُّ ، والبحرُ ، والشُطْآنُ ، والجُزُرُ
ما دامَ حُبُّكِ يُعْطيني عباءتَهُ
فكيفَ لا أفتحُ الدنيا .. وأنتصِرُ ؟
سأركبُ البحرَ .. مَجنوناً ومُنْتَحراً..
والعاشقُ الفذُّ .. يحيا حين ينتحِرُ ...
من يوميات تلميذ راسب
-----------------
1
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ بالتحديد منّي ؟
إنَّني أنْفَقتُ في مدرسة الحُبّ حياتي
وطَوالَ الليل .. طالعتُ .. وذاكرتُ ..
وأنهيتُ جميعَ الواجباتِ..
كلُّ ما يمكنُ أن أفعلَهُ في مخدع الحُبِّ ،
فَعَلْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أحفرَهُ في خَشَب الوردِ ،
حَفَرْتُهْ ...
كلُّ ما يمكنُ أن أرسُمَهُ ..
من حُرُوفٍ .. ونقاطٍ .. ودوائرْْ ..
قد رَسَمْتُهُ ..
فلماذا امتلأَتْ كرَّاستي بالعَلاَمات الرديئَهْ ؟.
ولماذا تَسْتَهينينَ بتاريخي ..
وقُدْراتي .. وفنّي ..
أنا لا أفهمُ حتى الآنَ ، يا سيِّدتي
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟.
2
ما هُوَ المطلوبُ منّي؟
يشهدُ اللهُ بأنِّي ..
قد تَفرَّغْتُ لنهديْكِ تماما ..
وتَصَرَّفْتُ كفنّانٍ بدائيٍّ ..
فأنْهَكْتُ .. وأَوْجَعْتُ الرُخَاما
إنّني منذُ عصور الرِقِّ .. ما نِلْتُ إجازَهْ
فأنا أعمَلُ نَحَّاتاً بلا أَجْرٍ لدى نَهْدَيْكِ
مُذْ كنتُ غُلامَا ..
أحملُ الرملَ على ظَهْري ..
وأُلْقِيهِ ببحر اللانهايَهْ
أنا منذ السَنَة الألفَيْنِ قَبْلَ النهدِ ..
يا سيِّدتي أفعلُ هذا ...
فلماذا؟
تطلبينَ الآنَ أن أبدأَ يا سيّدتي منذُ البدايَهْ
ولماذا أُطْعَنُ اليومَ بإبْداعي ..
وتشكيلاتِ فنّي ؟
ليتني أعرفُ ماذا ...
يبتغي النَهْدَانِ منّي؟ ؟
3
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
كي أكونَ الرجُلَ الأوَّلَ ما بين رجالِكْ
وأكونَ الرائدَ الأوَّلَ ..
والمكتشفَ الأوَّلَ ..
والمستوطنَ الأوَّلَ ..
في شّعْرِكِ .. أو طَيَّاتِ شَالِكْ ..
ما هو المطلوبُ حتّى أدخلَ البحرَ ..
وأَستلقي على دفءِ رمالِكْ ؟
إنني نفَّذْتُ حتى الآنَ
آلافَ الحماقاتِ لإرضاء خيالِكْ
وأنا اسْتُشْهِدتُ آلافاً من المرَّاتِ
من أجل وصالِكْ ..
يا التي داخَتْ على أقدامِها
أقوى الممالِكْ ..
حَرِّريني ..
من جُنُوني .. وجَمالِكْ ..
4
ما هُوَ المطلوبُ منّي ؟
ما هُوَ المطلوبُ حتى قطَّتي تصفحَ عنّي ؟
إنَّني أطْْعَمْتُها ..
قمحاً ... ولَوْزاً ... وزَبيبا ..
وأنا قدَّمتُ للنهديْنِ ..
تُفَّاحاً ..
وخمراً ..
وحليباً ..
وأنا علّقتُ في رقْبَتِها ..
حَرَزَاً أزْرَقَ يحميها من العَيْنِ ،
وياقُوتاً عجيبا ..
ما الذي تطلبهُ القِطَّةُ ذاتُ الوَبَر الناعِم منّي ؟
وأنا أَجْلَسْتُها سُلْطَانةً في مقعدي ..
وأنا رافقتُها للبحر يومَ الأَحَدِ ...
وأنا حَمَّمْتُها كلَّ مساءٍ بيدي ..
فلماذا ؟
بعد كلِّ الحُبِّ .. والتكريمِ ..
قد عضَّتْ يدي ؟.
ولماذا هي تدعوني حبيباً ..
وأنا لستُ الحبيبا ..
ولماذا هيَ لا تمحُو ذُنُوبي ؟
أبداً .. واللهُ في عَليائهِ يمحُو الذُنُوبَا ..
5
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُعْلِنَ للعشق وَلاَئي
ما هُوَ المطلوبُ أن أفعلَ كي أُدْفَنَ بين الشُهَدَاءِ ؟
أَدْخَلُوني في سبيل العِشْق مُسْتَشفى المجاذيبِ ..
وحتَّى الآنَ يا سيِّدتي ما أَطْلَقُوني ..
شَنَقُوني _في سبيل الشِعْر_ مرَّاتٍ .. ومرَّاتٍ ..
ويبدُو أنَّهُمْ ما قَتَلُوني
حاولو أن يقلَعُوا الثورةَ من قلبي .. وأوراقي ..
ويبدُو أنَّهُمْ ..
في داخل الثورة يا سيِّدتي
قد زَرَعُوني ...
6
يا التي حُبِّي لها ..
يدخُلُ في باب الخُرَافاتِ ..
ويَسْتَنْزِفُ عُمْري .. ودمايا ..
لم يَعُدْ عندي هواياتٌ سوى
أن أجْمَعَ الكُحْلَ الحجازيَّ الذي بَعْثَرْتِ في كلِّ الزوايا ..
لم يعُدْ عندي اهتمامَاتٌ سوى ..
أَنْ أُطفيءَ النارَ التي أشْعَلَها نَهْدَاكِ في قلب المرايا ..
لم يعُدْ عندي جوابٌ مُقْنِعٌ ..
عندما تسألُني عنكِ دُمُوعي .. وَيَدَايا ..
7
إشْرَبي قهوتَكِ الآنَ .. وقُولي
ما هو المطلوبُ منِّي ؟
أنا منذُ السَنَةِ الألفَيْنِ قَبْلَ الثَغْرِ ..
فكَّرْتُ بثغرِكْ ..
أنا منذُ السنَة الألفَيْنِ قَبْلَ الخَيْل ..
أَجْري كحصانٍ حَوْلَ خَصْرِكْ ..
وإذا ما ذكروا النيلَ ..
تَباهَيْتُ أنا في طُول شَعْرِكْ
يا التي يأخُذُني قُفْطَانُها المشْغُولُ بالزَهْر ..
إلى أرض العَجَائبْ ..
يا التي تنتشرُ الشَامَاتُ في أطرافِها
مثلَ الكواكبْ ..
إنَّني أصرخُ كالمجنون من شِدَّة عِشْقي ..
فلماذا أنتِ ، يا سيِّدتي ، ضدَّ المواهبْ ؟
إنّني أرجُوكِ أن تبتسمي ..
إنني أرجُوكِ أن تَنْسَجمِي ..
أنتِ تدرينَ تماماً ..
أنَّ خِبْراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وَمَهاراتي جميعاً تحتَ أَمْرِكْ
وأصابيعي التي عَمَّرتُ أكواناً بها
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً ..
هيَ أيضاً تحت أَمْرِكْ ..
تصوير
-----
إضْطَجعي دقيقةً واحدةً..
كي أُكْمِلَ التصويرْ.
إضْطَجعي مثلَ كتابِ الشِعْر في السريرْ
أريدُ أن أُصَوِّرَ الغاباتِ في ألوانها
أريدُ أن أُصَوِّرَ الشاماتِ في اطمئنانِها
أريدُ أن أُفاجيءَ الحَلْمَةَ في مكانِها
والناهدَ الأحمقَ _ يا سيِّدتي _
قُبَيْلَ أن يطيرْ.
فساعديني..
_ إن تكرَّمْتِ _ لكَيْ أصالحَ الحريرْ
وساعديني..
_ إنْ تكرَّمْتِ_ لكي أفوزَ في صداقة الكَشْمِيرْ
لعلَّهُ يسمحُ لي بِرَسْمِ هذا الكوكبِ المُثيرْ..
ولْتَقْبلي تحيّتي..
مَقْرُونةً بالحُبِّ والتقديرْ.
من غير يَدَيْن
--------
لم أكُنْ مُنْتَظراً..
أنْ تَثْقُبيني مثلَ رُمْحٍ وَثَنِيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تدخلي في لُغتي .. وكَلامي..
وإشاراتِ يَدَيّْ
لم أكُنْ منتظِراً..
أن تُصبحي أنتِ الثقافَهْ..
لم أكُنْ منتظراً..
أن أخسرَ التاجَ.. وحَقِّي بالخِلافَهْ..
فلقد كنتُ قويَّاً .. وشهيراً
وجُنُودي يملأونَ البرَّ والبحرَ..
وراياتي تُغَطِّي المَشْرِقَينْ
لم أكنْ منتظراً أن يحدثَ الزَلْزَالُ..
أن ينْشَطِرَ البحرُ..
وأن تكسِرَني عيناكِ ، يوماً ، قِطْعَتَيْنْ..
***
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ قَبَّلتُكِ أن أنسى لَدَيْكِ الشَفَتَينْ
لم أكُنْ منتظراً..
حينَ عانقتُكِ.. أن أرجعَ من غيرِ يَدَيْنْ...
التقصير
------
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
أحلُمُ بالتغييرْ
وأَكتُبُ القصيدةَ الثورةَ.. والقصيدةَ الأزْمةَ..
والقصيدةَ الحريرْ...
منذُ ثلاثينَ سَنَهْ
وأكتبُ التاريخَ بالشكل الذي أَشاءْ..
وأجعلُ النقاطَ، والحروفَ ، والأسماءَ ، والأفعالَ،
تحت سُلْطَة النساءْ.
وأدَّعي بأنّني الأوّلُ في فَنِّ الهوى..
وأنَّني الأخيرْ..
***
وعندما دخلتُ .. يا سيِّدتي
إنْكَسَرتْ فوق يدي قارورةُ العبيرْ
وانْكَسَرَ التعبيرْ...
***
ولا أزالُ كلَّما سافرتُ في عينَيْكِ .. يا حبيبتي
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
وكلَّما راجعتُ أعمالي التي كتبتُها..
قُبَيْلَ أن أراكِ يا حبيبتي..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
أشعرُ بالتقصيرْ..
قصيدة سريالية
----------
1
لا أنتِ ، يا حبيبتي ، معقولةٌ
ولا أنا معقولْ..
هل من صفات الحُبِّ..
أن يُحَطِّمَ العاديَّ ، والمألوفَ ، والمعقولْ؟
هل من شروط الحُبِّ ..
أن نجهلَ ، يا حبيبتي ، أسماءَنا؟
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
أن لا نَرَى أمامَنا..
ولا نَرَى وراءَنا..
هل من شُرُوط الحُبِّ ، يا حبيبتي؟
بأنْ أُسَمَّى قاتلاً حينَ أنا المقتولْ..
2
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ
فَشَطِّبي _ حينَ أكونُ غاضباً
من كلماتي ، نِصْفَ ما أقُولْ..
وهذِّبي مشاعري..
وقَلِّمي أظَافري..
ولَمْلِمي جميعَ ما أرميهِ من شوكٍ ومن وُحُولْ
وصَدِّقيني دائماً..
حين أجيءُ حاملاً إليكِ يا حبيبتي
الأزهارَ .. والأقمارَ .. والفُصُولْ..
3
لا أنتِ يا حبيبتي معقولةٌ..
ولا أنا معقولْ..
ورغْمَ هذا..
يستمرُّ الرفْضُ والقَبُولْ
ورغْمَ هذا ..
يستمرُّ الضِحْكُ ، والصُرَاخُ ، والشُرُوقُ ، والأُفُولْ
فما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو أنتِ قد أعطيتني يَدَيْكِ
وسافرتْ يَدَايَ فوق الذَهَب المَشْغُولْ
وما الذي نخسرُ يا مليكتي؟
لو انْطَلَقْنَا مثلَ عُصْفُورَيْنِ في الحُقُولْ
وما الذي نخسرُ يا أميرتي؟
إذا طَبَعْتُ قُبْلةً في الأحمر الخَجُولْ..
وما الذي نخسرُ يا سبيكتي؟
إذا ارْتَفَعْنَا مثل صُوفيٍّ إلى مرتبة الفَنَاءِ والحُلُولْ
وما الذي نَخْسَرُ يا حبيبتي؟
لو نحنُ صلَّيْنا على الرَسُولْ..
من يوميّات رجل مجنون
-----------------
1
إذا ما صَرَختُ:
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
" أُحِبُّكِ جِدَّاً"
فلا تُسْكِتيني.
إذا ما أضعتُ اتزّاني
وطَوَّقتُ خَصْرَكِ فوق الرصيفِ،
فلا تَنْهَريني..
إذا ما ضَرَبتُ شبابيكَ نَهْدَيْكِ
كالبَرْقِ، ذات مَسَاءٍ
فلا تُطْفئيني..
إذا ما نَزَفْتُ كديكٍ جريحٍ على سَاعِدَيْكِ
فلا تُسْعِفيني..
إذا ما خرجتُ على كلِّ عُرْفٍ ، وكُلِّ نظامٍ
فلا تَقْمَعيني..
أنا الآن في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضيعين فُرْصَةَ عُمْركِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
2
إذا ما تدفَّقْتُ كالبحر فوقَ رِمَالكِ..
لا تُوقِفيني..
إذا ما طلبتُ اللجوءَ إلى كُحْل عَيْنَيْكِ يوماً،
فلا تطرُديني..
إذا ما انْكَسَرتُ فتافيتَ ضوءٍ على قَدَميْكِ،
فلا تَسْحقيني..
إذا ما ارْتَكَبْتُ جريمةَ حُبٍّ..
وضَيَّع لونُ البرونْزِ المُعَتَّقِ في كَتِفَيْكِ .. يقيني
إذا ما تصرّفتُ مثلَ غُلامٍ شَقيٍّ
وغَطَّسْتُ حَلْمَةَ نهداكِ بالخَمْرِ...
لا تَضْرِبيني.
أنا الآنَ في لَحَظات الجُنُونِ الكبيرِ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنُوني.
4
إذا ما كتبتُ على وَرَق الوردِ،
أَنِّي أُحِبُّكِ...
أرجوكِ أَنْ تقرأيني..
إذا ما رَقَدتُ كطفلٍ، بغاباتِ شَعْرِكِ،
لا تُوقظيني.
إذا ما حملتُ حليبَ العصافير .. مَهْرَاً
فلا تَرْفُضيني..
إذا ما بعثتُ بألفِ رسالةِ حُبٍّ
إليكِ...
فلا تُحْرِقيها .. ولا تُحْرِقيني..
5
إذا ما رأَوكِ معي، في مقاهي المدينة يوماً،
فلا تُنكريني..
فكُلُّ نِسَاء المدينة يعرفْنَ ضَعْفي أمامَ الجَمَالِ..
ويعرفنَ ما مصدرُ الشِعْرِ والياسمينِ..
فكيف التَخَفّي؟
وأنتِ مُصَوَّرَةٌ في مياه عُيوني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُون المُضيءِ
وسوفَ تُضِيعينَ فُرْصَةَ عُمْركِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني.
6
إذا ما النبيذُ الفَرَنْسيُّ ،
فَكَّ دبابيسَ شَعْرِكِ دونَ اعتذارِ
فحاصَرَني القمحُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني الليلُ من كُلِّ جانبْ
وحاصَرَني البحرُ من كُلِّ جانبْ
وأصبحتُ آكلُ مثلَ المجانينِ عُشْبَ البراري..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يميني..
وما عدتُ أعرفُ أينَ يساري؟
7
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى الفُروقَ القديمةَ بين بقائي وبين انتحاري
فأرجوكِ ، باسْمِ جميع المجاذيبِ ، أن تَفْهَميني
وأرجوكِ، حين يقولُ النبيذُ كلاماً عن الحُبِّ.
فوق التوقُّع .. أن تعذُريني.
أنا الآنَ في لحظات الجُنُونِ البَهيِّ
وسوفَ تُضيعينَ فُرْصَةَ عُمركِ
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنوني..
8
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألْغَى الوُجُوهَ ،
وألْغَى الخُطُوطَ،
وألْغَى الزوايا.
ولم يَبْقَ بين النساءِ سواكِ.
ولم يَبْقَ بين الرجال سوايا.
وما عدتُ أعرفُ أين تكونُ يَدَاكِ ..
وأينَ تكونُ يدايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُفرِّقُ بين النبيذِ،
وبين دِمَايا..
وما عدتُ أعرفُ كيف أُميِّز بين كلام يديْكِ
وبين كلام المرايا..
إذا ما تناثرتُ في آخر الليل مثلَ الشظايا
وحاصَرَني العشْقُ من كُلِّ جانبْْ
وحاصَرَني الكُحْلُ من كُلِّ جانبْ
وضَيَّعتُ إسْمي.
وعُنوانَ بيتي..
وضيَّعْتُ أسماءَ كُلِّ المراكِبْ
فأرجوكِ ، بعد التناثُرِ ، أن تَجْمَعيني.
وأرجوكِ ، بعدَ انْكِساريَ ، أن تُلْصِقيني
وأرجوكِ ، بعدَ مَمَاتيَ ، أن تَبْعَثيني
أنا الآن في لَحَظاتِ الجنونِ الكبيرِ
وسوف تُضِيعين فُرْصَةَ عُمْرِكِ
إنْ أنتِ لم تَسْتَغِلِّي جُنوني.
9
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ ،
شالَ الكيمونُو عن الجَسَد الآسيويِّ
فأطْلَعَ من عُتْمةِ النَهْد فَجْرَا
وأطْلَعَ منهُ مَحَاراً..
وأطْلَعَ منه نُحاساً، وشاياً وعاجاً
وأطْلَعَ أشياءَ أُخرى..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ،
ألغى اللُّغاتِ جميعاً.
وحوَل كُلَ الثقافات صِفْرَا..
وكُلَّ الحضاراتِ صِفْرَا
وحوَّل ثَغْرَكِ بُسْتَانَ وردٍ
وحوَّلَ ثَغْريَ خمسين ثَغْرا..
إذا ما النبيذُ الفرنسيُّ أعلنَ في آخر الليلِ ،
أنّكِ أحلى النساءْ..
وأرشقُهُنَّ قواماً وخَصْرَا
وأعْلَنَ أنَّ الجميلاتِ في الكون نَثْرٌ
ووَحْدَكِ أنتِ التي صِرْتِ شِعْرَا
فباسْم السُكَارى جميعاً
وباسْمِ الحَيَارى جميعاً
وباسْمِ الذينَ يُعانونَ من لعنة الحُبِّ ،
أرجوكِ لا تَلْعَنيني..
وباسْمِ الذين يعانونَ من ذَبْحةِ القلبِ،
أرجوكِ لا تَذْبحيني..
أنا الآنَ في لَحَظاتِ الجُنُونِ العظيمِ
وسوفَ تُضِيعين فُرْصَة عُمْرِكِ،
إنْ أنتِ لم تستغلِّي جُنُوني..
فاطمة في الريف البريطاني
--------------------
1
شهرُ ديسمبرَ رائعْ...
شهرُ ديسمبرَ في لندنَ ، هذا العامَ ، رائعْ
فبِهِ هاجَمَني الحُبُّ ..
وألقاني جريحاً كمصابيح الشَوَارعْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ بَنْطَالاً من الجلد نبيذيَّاً..
وتُوصيني بأَنْ أُمْسِكَها من يدِها كي لا أضيعْ
وهي تدري جيِّداً..
أنَّني من يوم ميلادي ، ببحر الحُبِّ ضَائعْ
فلماذا في (هارودزِ) نَسِيَتْني؟
ولماذا غضِبَتْ منّي .. لماذا أَغْضَبَتْني؟
وهي تدري أنَّني من دُونها..
لا أَقْطَعُ الشارعَ وحدي..
لا ولا أدخُلُ في المعطفِ وحدي..
لا ولا أشرَبُ فنجاناً من القهوة وحدي..
لا ولا أعرف أن أرجعَ للفُنْدُق وحدي..
فلماذا في (هارودزٍ) صَلَبَتْني؟
فوق أكداس هداياها .. لماذا صَلَبَتْني؟
وهي تدري أنني أعبُدُها
من رأسِها حتّى الأصابعْ..
شهرُ ديسمبرَ رائعْ.
2
شهرُ ديسمبرَ ، يبقى مَلِكاً بين الشُهُورْ
فهو أعطاني مفاتيحَ السماواتِ..
وأعطاني مفاتيحَ العُصُورْ..
ورماني كوكباً مُشْتَعِلاً
حول نَهْدَيْكِ يدُورْ..
سَقَطَتْ في لندنٍ ، كلُّ التواريخِ،
وغَابَتْ تحت جفنَيْكِ جبالٌ وبُحُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ، ألغاكِ .. وألغاني..
فنحنُ الآنَ ضوءٌ غيرُ مرئيٍّ..
وعطرٌ .. وبَخُورْ..
شهرُ ديسمبرَ .. مجنونٌ تَعلَّمْتِ به.
أن تَثُوري..
وتعلَّمتُ به كيف أثُورْ..
شهرُ ديسمبرَ ..
ألغى عُقْدَةَ الحُبِّ التي نحملُها
فإذا بي مثلَ عُصْفُورٍ طليقٍ..
وإذا بكِ ، يا فاطمةٌ ،
دونَ جُذُورْ..
3
لندنٌ .. باردةٌ جدّاً..
فيا فاطمةٌ..
إفْتَحي فوقي مِظَلاَّتِ الحَنَانْ
لندنٌ قاسيةٌ جدّاً..
وإنِّي خائفٌ جدّاً..
فرُدّي لي شعوري بالأمَانْ
خَبِّئيني تحت قفطانِكِ ، يا فاطمةٌ
مثلَ طفلٍ..
فلقد ضيَّعتُ أبعادي، وأبعادَ المكانْ
حاولي أن تُصْبحي أُمِّي .. كما أنتِ الحبيبَهْ
من زمانٍ .. لم أضَعْ رأسي على صدرٍ حَنُونٍ..
مِنْ زمانْ...
4
لندنٌ حُبِّي..
وفي بارْكَاتِها غَنَّيْتُ أحلى أُغْنِياتي
لندنٌ مَجْدي..
ففيها قد تَغَرْغَرْتُ بأُولى كَلِماتي..
لندنٌ حُزْني..
على كلِّ رصيفٍ دمْعةٌ من دَمَعَاتي
لندنٌ عاصمةُ القلبِ..
وفيها قد تلاقيتُ بسِتِّ المَلِكَاتِ..
لندنٌ،
تعرفُ وجهي جيّداً..
فأنا جُزْءٌ من اللون الرَمَاديِّ..
ومن أعْمِدَة النُورِ..
وأضْوَاءِ الميادينِ..
وصَوْتِ القُبَّراتِ..
منذُ أنْ جئتُ إليها عاشقاً
أصبحتْ لندنُ إحدى المُعْجزاتِ..
لندنٌ .. تأخذني كالطفل في أحضانِها..
وطَوَالَ الليل، تتلو من كتاب الذكرياتِ..
لندنٌ صاحبةُ الفَضْلِ .. فقد
علَّمَتْني العِشْقَ في كُلِّ اللُغَاتِ...
5
هذه فاطمةٌ..
تقتحمُ التاريخَ من كُلِّ الجِهَاتِ..
إنَّها تدخُلُ كالإبْرَةِ..
في كلِّ تفاصيل حياتي..
آهِ .. كم تعجبني فاطمةٌ..
عندما تجلسُ كالقِطَّةِ بين المُفْرَدَاتِ..
تأكُلُ الفَتْحَةَ .. والضَمَّةَ .. في شِعْري..
وتَبْتَلُّ بأمطار دَوَاتي..
مُبْحِرٌ في زَمَن الكُحْل..
ولا أدري لأينْ؟
مُبْحِرٌ فيكِ .. ولا أدري لأينْ؟
يا صباحَ الخير.. يا عُصْفُورتي
أنا في أحسن حالاتي..
فما أطيبَ القهوةَ في قُرْبكِ..
ما أرْشَقَ هاتَيْنِ اليَدَيْنْ..
ثم ما أروعَ أن يكتشفَ الإنسانُ
في ذاتِ صباحٍ لندنيٍّ..
في مكانٍ ما.. على ظهر الحبيبَهْ...
شامَتَينْ...
لم تكونا، عندما جئتِ مساءَ البارحَهْ..
مولودتْينْ...
فاتركيني.. أضفُرُ الشَعْرَ الذي
طالَ في لندنَ، من فَرْط حناني، بُوصَتَيْنْ..
واتركيني..
أُمْسكُ الشمسَ التي تغطُسُ بين الشفَتَينْ..
أتركيني ، أوقفُ التاريخَ يا فاطمةٌ
لحظةً .. أو لحظتَينْ..
أخذُوا كلَّ عناويني.. ولم يبقَ أمامي
غيرُ هذا الشارعِ الضَيِّقِ بين الناهِدَينْ...
7
لندنٌ تُمْطرني ثلجاً .. وأبقى باشتهائي بَدَويَّا..
لندنٌ تمنحني كلَّ الثقافات .. وأَبقى بجنوني عربيَّا..
لندنٌ تُمطرني عقلاً .. وأبقى فوضويَّا..
لندنٌ تجهل حتى الآنَ .. من أنتِ لديَّا
آهِ .. يا سَنْجابةَ الليل التي تدخُلُ في الأعماقِ
رُمْحاً وَثَنيَّا...
إنَّ تاريخَكِ قَبْلي كان تاريخاً غبيَّا
إنَّ عَصْري قَبْلَ أن يُرْسِلَكِ اللهُ إليَّا
كان عصراً حجريَّا..
فاشْرَبي شيئاً من الخمر معي..
إشْرَبي شيئاً من الحُلْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الوَهْم معي..
إشْرَبي شيئاً من الفَوْضَى معي..
إشْرَبي حتَّى تصيري امرأةً..
واتْرُكي الباقي عليَّا..
شهرُ ديسمبرَ يأتي
لابساً معطفَ شاعرْ
شهرُ ديسمبرَ يُهديني دموعاً .. وشُمُوعاً .. ودَفَاترْ..
هذه فاطمةٌ تلبسُ كيمُونو من الصينِ..
مُوَشَّى بالأزَاهرْ..
شايُ بَعْدَ الظهر مِنْ بين يَدَيْها
مهرجاناتٌ من اللون..
ومُوسيقى أساورْ..
لم تكُنْ فاطمةٌ مُشْرِقةَ الوجهِ
كما كانتْ (بمارلُو)..
لم تكُنْ صافيةَ العين كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكنْ معتزَّةَ النهدَيْن مِنْ قَبْلُ..
كما كانتْ (بمارلو)..
لم تكن ملفوفة الخَصْرِ..
كما كانتْ (بمارلُو)..
إنّني آمنتُ أنَّ الحُبَّ ساحرْ..
9
هذه فاطمةٌ..
تغسلُ نَهْدَيها النُحاسِيَّينِ بالماء.. كطائرْ
وأنا في الغرفة الخضراءِ أسْتَلقي سعيداً
تحت أشجار الكاكاوُ..
وهُتافاتِ المرايا والستائرْ..
فاشْرَبي شيئاً من الشِعْر معي..
فأنا _ دونَكِ يا سيّدتي_ لستُ بشاعرْ
إشربي حتى تصيري امرأةً..
إن حُبِّي لك مَجْنُونٌ .. ومَلْعُونٌ..
وَوَحْشِيُّ الأظافرْ..
وَرَق الأشجار في (مارلُو)..
نحاسيٌّ .. وورديٌّ .. وأصفَرْ..
ولقائي بكِ في الريف البريطانيِّ
حُلْمٌ لا يُفسَّرْ..
والعصافيرُ ترى ثغرَكِ في أحلامها
وردةً .. أو نجمةً .. أو قُرْصَ سُكَّرْ
وأنا معتقلٌ ما بين نهديْكِ ..
ولا أطلبُ يا سيّدتي- أن أتحرَّرْ..
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو)..
ليتَني أقدرُ أن أغرقَ في فَرْوكِ أكثَرْ...
ليتَني أقدرُ أن أبقى..
بهذا الفندق الضائعِ بين الغيم أكثَرْ.
ليتَني أقدرُ أن أدخلَ في جِلْدكِ..
في شَعْرِكِ..
في صوتكِ أكثَرْ..
آهِ .. يا أيَّتُها الأنثى التي لا تتكرَّرْ
هل عشقتُ امرأةً قَبْلَكِ.. يا فاطمةٌ؟
إنَّني لا أتذكَّرْ..
هل سأهوى امرأةً بَعْدَكِ .. يا فاطمةٌ
إنَّني لا أتصوَّرْ..
11
آهِ .. يا قِطَّةَ (مارلُو) الساحِرَهْ
علِّميني .. كيف تُلغى الذَاكِرَهْ
هل سألقاكِ (بمارلُو)؟.
بعد عامٍ ، ربَّما ، أو بعد شَهْرِ..
فتنامينَ على أعشاب صدري..
وتُفيقينَ على أعشاب صدري..
قبل (مارلُو) ليس لي عمرٌ .. فأنتِ الآن عُمْري..
بعدَ (مارلُو) سيقولُ الناسُ:
ما أجملَ عينيكِ .. وما أعظمَ شِعْري..
لم أُشاهِدْ ليلةَ القَدْر.. فهلْ
أنتِ ، يا فاطمةٌ ، ليلةُ قَدْري؟؟
12
أرْجِعيني مرةً أخرى إلى (مارلو)..
ففيها عِشْتُ عصري الذَهَبيَّا..
لم يرَ الريفُ البريطانيُّ من قبلكِ
عَيْنَيْنِ تَقُولانِ كلاماً عربيَّا..
قبلَ أن ألقاكِ في فندق (مارلو)
كنتُ إنساناً..
وأصبحتُ نبيَّا
أَرْجِعي لي غرفتي في ملتقى النهرِ،
وأحلامي..
ورُكْني الشاعريَّا..
قبل (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
بعدَ (مارلُو) لا يُساوي العمرُ شيَّا
إنَّ عيْنَيْكِ هُمَا ما كَتَبَ اللهُ عليَّا
فاتركيني نائماً بينهما..
واقْفِلي البابَ عليَّا..
مع فاطمة في قطار الجنون
-----------------
1
إبْحَثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تريدينَ السَلامَهْ..
كلُّ حُبٍّ حارقٍ..
هو _ يا سيِّدتي _ ضِدَّ السلامَهْ
كلُّ شِعْرٍ خارقٍ..
هو _ في تشكيلِهِ _ ضِدَّ السلامَهْ
فابحثي عن رَجُلٍ غيري..
إذا كنتِ تُحسِّينَ بأصوات الندامَهْ
إبحثي عن رَجُلٍ..
يمتلكُ القدرةَ والصبرَ .. لتثقيف حَمَامَهْ
فأنا من قَبْلُ .. ما حاولتُ تثقيفَ حَمَامَهْ...
إنَّ حُبِّي لكِ يا سيِّدتي
أشْبهُ في يوم القيامَهْ..
من تُرَى يقدرُ أن يهربَ من يوم القيامَهْ؟
فاقْبَلي ما قسمَ اللهُ عليكِ..
بإيمانٍ عميقٍ .. وابتسامَهْ..
واتْبَعيني ..
عندما أركبُ في الليل قطاراتِ الجُنُونْ..
طالما أنتِ معي..
لستُ مهتمّاً بما كانَ..
وما سوفَ يكُونْ...
2
آهِ .. يا سُنْبُلةَ القمح التي تخرج من وَسْط الدُمُوعْ
دَخَل السيفُ إلى القلب، ولا يمكننا الآنَ الرُجُوعْ
إنّنا الآنَ على بوَّابة العشق الخطيرَهْ..
وأنا أهواكِ حتى الذَبْحِ..
حتى الموتِ..
حتى القَشْعريرَهْ..
نحنُ مَشْهُورانِ جداً..
وجريئانِ على التاريخ جدّاً..
والإشاعاتُ كثيرَهْ..
هكذا يحدث دوماً في العلاقات الكبيرَهْ.
آهِ .. يا فاطمتي..
يا التي عِشْتُ وإيّاها ملايينَ الحماقاتِ الصغيرَهْ
إنّني أعرفُ معنى أن يكونَ المرءُ في حالة عشْقٍ
خلفَ أسوار الزمان العربيّْ
وأنا أعرفُ معنى أن يبوحَ المرءُ..
أو يهمسَ..
أو ينطقَ..
في هذا الزمان العربيّْ..
وأنا أعرفُ معنى أن تكوني امْرأتي..
رَغْمَ إرهابِ الزمان العربيّْ..
فأنا تطلبني الشُرْطةُ للتحقيق في ألوان عَيْنَيْكِ..
وفيما تحتَ قُمصَاني..
وفيما تحتَ وجداني..
وأسفاري .. وأفكاري .. وأشعاري الأخيرَهْ..
وأنا لو أمْسَكُوني..
أسرُقُ الكُحْلَ الذي يُمْطِرُ من عينيْكِ..
صَادَتْني بواريدُ العشيرَهْ..
فافْتَحي شَعْرَكِ عن آخرِهِ..
إنَّني مُضْطَهَدٌ مثلَ نبيٍّ..
ووحيدٌ كجزيرَهْ..
إفْتَحي شعرَكِ عن آخرِهِ..
وانْزَعي منه الدبابيسَ .. فهذي فرصةُ العمر الأخيرَهْ
3
آهِ .. يا أَيْقُونةَ العمر الجميلَهْ
يا التي تأخذني كلَّ صباحٍ من يدي
نحو ساحات الطفولَهْ..
وتُريني تحت جَفْنَيْها شُمُوعاً مُسْتَحيلَهْ..
وبلاداً مستحيلَهْ..
أيُّها الكنزُ الخرافيُّ الذي كان معي
في قطاراتِ الشمالِ..
إنَّ حِبْرَ الصين في عيْنَيْكِ _ يا سيِّدتي_
فوق احتمالي..
يا التي تمرُقُ من بين شراييني..
كعطر البرتُقالِ..
4
يا التي تشطُرُني نِصْفَيْنِ في الليل..
وعند الفجر، تُلقيني على رُكْبَتِها .. نِصْفَ هلالِ..
يا التي تحتلُّني شرقاً .. وغرباً..
ويميناً .. وشمالاً..
إسْتَمرّي في احتلالي..
أنا مشتاقٌ إلى أيام (وندرمير)..
مشتاقٌ لأنْ أمشي وإياكِ على الماءِ..
وأن أمشي على الغيمِ..
وأن أمشي على الوقتِ..
ومشتاقٌ لأنْ أبكي على صدركِ حتى آخرِ العمرِ..
وحتّى آخرِ الشِعْرِ..
ومشتاقٌ لحانات الضَواحي..
وكراسينا أمامَ النار..
مشتاقٌ إلى كلّ الذُرَى البيضاءِ..
حيثُ أختلط الكُحْلُ الحجازيُّ مع الثلج..
ومشتاقٌ إلى شيءٍ من الكونياكِ..
في بَرْد الليالي..
5
آهِ .. يا عصفورةَ الماء التي تجلس قربي..
في قطارات الشِمالِ..
إمْسِكيني من ذراعي جيّداً..
فالقراراتُ التي يصدرها السلطانُ لا تُشْغِلُ بالي..
ومِلفَّاتي لدى الشُرْطة لا تُشْغِلُ بالي..
وحدَهُ حبُّكِ يا سيّدتي- يُشْغِلُ بالي..
نحنُ قامرنا كثيرا..
وتطرَّفْنَا كثيرا..
وتجاوزنا إشاراتِ المُرُورْ..
فامْسِكيني من ذراعي جيداً..
لتدورَ الأرضُ..
فالأرضُ بلا حُبٍّ كبيرٍ .. لا تدُورْ..
أحبكِ.. أحبكِ.. وهذا توقيعي
---------------------
1
هل عندكِ شَكٌّ أنَّكِ أحلى امرأةٍ في الدُنيا؟.
وأَهَمَّ امرأةٍ في الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين عثرتُ عليكِ . .
ملكتُ مفاتيحَ الدُنيا ؟.
هل عندكِ شكّ أنّي حين لَمَستُ يَدَيْكِ
تغيَّر تكوينُ الدنيا ؟
هل عندكِ شكّ أن دخولَكِ في قلبي
هو أعظمُ يومٍ في التاريخ . .
وأجمل خَبَرٍ في الدُنيا ؟
2
هل عندكِ شكٌّ في مَنْ أنتْ ؟
يا مَنْ تحتلُّ بعَيْنَيْها أجزاءَ الوقتْ
يا امرأةً تكسُر ، حين تمرُّ ، جدارَ الصوتْ
لا أدري ماذا يحدثُ لي ؟
فكأنَّكِ أُنثايَ الأُولى
وكأنّي قَبْلَكِ ما أحْبَبْتْ
وكأنّي ما مارستُ الحُبَّ . . ولا قبَّلتُ ولا قُبِّلتْ
ميلادي أنتِ .. وقَبْلَكِ لا أتذكّرُ أنّي كُنتْ
وغطائي أنتِ .. وقَبْلَ حنانكِ لا أتذكّرُ أنّي عِشْتْ . .
وكأنّي أيّتها الملِكَهْ . .
من بطنكِ كالعُصْفُور خَرَجتْ . .
3
هل عندكِ شكٌّ أنّكِ جزءٌ من ذاتي
وبأنّي من عَيْنَيْكِ سرقتُ النارَ. .
وقمتُ بأخطر ثَوْرَاتي
أيّتها الوردةُ .. والياقُوتَةُ .. والرَيْحَانةُ ..
والسلطانةُ ..
والشَعْبِيَّةُ ..
والشَرْعيَّةُ بين جميع الملِكَاتِ . .
يا سَمَكَاً يَسْبَحُ في ماءِ حياتي
يا قَمَراً يطلع كلَّ مساءٍ من نافذة الكلِمَاتِ . .
يا أعظمَ فَتْحٍ بين جميع فُتُوحاتي
يا آخرَ وطنٍ أُولَدُ فيهِ . .
وأُدْفَنُ فيه ..
وأنْشُرُ فيه كِتَابَاتي . .
4
يا امْرأَةَ الدَهْشةِ .. يا امرأتي
لا أدري كيف رماني الموجُ على قَدَميْكْ
لا ادري كيف مَشَيْتِ إليَّ . .
وكيف مَشَيْتُ إليكْ . .
يا مَنْ تتزاحمُ كلُّ طُيُور البحرِ . .
لكي تَسْتوطنَ في نَهْدَيْكْ . .
كم كان كبيراً حظّي حين عثرتُ عليكْ . .
يا امرأةً تدخُلُ في تركيب الشِعرْ . .
دافئةٌ أنتِ كرمل البحرْ . .
رائعةٌ أنتِ كليلة قَدْرْ . .
من يوم طرقتِ البابَ عليَّ .. ابتدأ العُمرْ . .
كم صار جميلاً شِعْري . .
حين تثقّفَ بين يديكْ ..
كم صرتُ غنيّاً .. وقويّاً . .
لمّا أهداكِ اللهُ إليَّ . .
هل عندكِ شكّ أنّكِ قَبَسٌ من عَيْنَيّْ
ويداكِ هما استمرارٌ ضوئيٌّ ليَدَيّْ . .
هل عندكِ شكٌّ . .
أنَّ كلامَكِ يخرجُ من شَفَتيّْ ؟
هل عندكِ شكٌّ . .
أنّي فيكِ . . وأنَّكِ فيَّ ؟؟
6
يا ناراً تجتاحُ كياني
يا ثَمَراً يملأ أغصاني
يا جَسَداً يقطعُ مثلَ السيفِ ،
ويضربُ مثلَ البركانِ
يا نهداً .. يعبقُ مثلَ حقول التَبْغِ
ويركُضُ نحوي كحصانِ . .
قولي لي :
كيف سأُنقذُ نفسي من أمواج الطُوفَانِ ..
قُولي لي :
ماذا أفعلُ فيكِ ؟ أنا في حالة إدْمَانِ . .
قولي لي ما الحلُّ ؟ فأشواقي
وصلَتْ لحدود الهَذَيَانِ .. .
7
يا ذاتَ الأَنْف الإغْريقيِّ ..
وذاتَ الشَعْر الإسْبَاني
يا امْرأَةً لا تتكرَّرُ في آلاف الأزمانِ ..
يا امرأةً ترقصُ حافيةَ القَدَمَيْنِ بمدْخَلِ شِرْياني
من أينَ أتَيْتِ ؟ وكيفَ أتَيْتِ ؟
وكيف عَصَفْتِ بوجداني ؟
يا إحدى نِعَمِ الله عليَّ ..
وغَيْمَةَ حُبٍّ وحَنَانٍ . .
يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي . .
آهٍ .. كم ربّي أعطاني . .
حبيبتي تقرأ فنجانها
---------------
1
توقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءةِ الفنجانْ
حينَ تكونينَ معي..
لأنّني أرفضُ هذا العبثَ السخيفَ،
في مشاعر الإنسانْ.
فما الذي تبغينَ، يا سيّدتي ، أن تعرفي؟
وما الذي تبغينَ أن تكْتَشِفي؟.
أنتِ التي كنتِ على رمال صدري..
تطلبينَ الدفءَ والأَمَانْ..
وتصهلينَ في براري الحُبِّ كالحِصَانْ...
أَلَمْ تقولي ذاتَ يومٍ..
إنَّ حُبِّي لكِ من عجائب الزَمَانْ؟
أَلَمْ تَقُولي إنَّني ..
بَحْرٌ من الرقّةِ والحَنَانْ؟
فكيفَ تسألينَ ، يا سيِّدتي،
عنّي .. مُلُوكَ الجانْ؟
حين أكونُ حاضراً..
وكيفَ لا تصدِّقينَ ما أنا أقولُهُ؟
وتطلبينَ الرأيَ من صديقكِ الفنجانْ...
تَوقَّفي .. أرجوكِ .. عن قراءة الغُيُوبْ..
إنْ كانَ من بشارةٍ سعيدةٍ..
أو خَبَرٍ..
أو كان من حمامةٍ تحمل في منقارها مَكْتُوبْ.
فإنّني الشخصُ الذي سيُطْلِقُ الحَمَامَهْ..
وإنّني الشخصُ الذي سيكتُبُ المكْتُوبْ..
أو كان يا حبيبتي من سَفَرٍ..
فإنَّني أعرفُ من طفولتي .. خرائطَ الشمال والجنوبْ..
وأعرفُ المدائنَ التي تبيعُ للنساءِ أروعَ الطُيُوبْ..
وأعرفُ الشمسَ التي تنامُ تحت شَرْشَفِ المحبُوبْ..
وأعرفُ المطاعمَ الصُغْرى التي تشتبكُ الأيدي بها..
وتهمسُ القلوبُ للقلوبْ..
وأعرفُ الخمرَ التي تفتحُ يا حبيبتي نوافذَ الغُرُوب
وأعرفُ الفنادقَ الصغرى التي تعفو عن الذُنُوبْ
فكيفَ يا سيّدتي؟
لا تقبلينَ دعوتي
إلى بلادٍ هَرَبتْ من مُعْجَم البُلْدَانْ..
قصائدُ الشِعْر بها..
تنبتُ كالعُشْبِ على الحيطانْ..
وبَحْرُها..
يخرجُ منه القمحُ .. والنساءُ .. والمَرْجَانْ..
فكيفَ يا سيّدتي..
تركتنِي .. منْكَسِرَ القلب على الإيوانْ
وكيف يا أميرةَ الزمانْ؟.
سافرتِ في فنجانْ...
3
فإنّي لستُ مُهتمّاً بكَشْفِ الفَالْ..
ولستُ مهتمّاً بأن أُقيمَ أحلامي على رمالْ
ولا أرى معنى لكلّ هذه الرسومِ ، والخطوطِ ، والظلالْ..
ما دام حُبّي لكِ يا حبيبتي..
يضربني كالبَرْقِ والزَلْزَالْ..
فما الذي يفيدُكِ الإسْرَافُ في الخيالْ؟
ما دام حبّي كلَّ لحظةٍ سنابلاً من ذَهَبٍ..
وأنهراً من عَسَلٍ.. وعِطْرَ بُرتُقالْ..
فما الذي يفيدُكِ السؤالْ؟
عن كلِّ ما يأتيكِ من أطفالْ..
وكيف ، يا سيّدتي ، يفكّرُ الرجالْ..
***
توقّفي فوراً..
فإنِّي أرفضُ التزييفَ في مشاعر الإنسانْ
توقَّفي .. توقَّفي ..
من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...
توقَّفي .. توقَّفي ..
من قبل أن أُحَطِّمَ الفنجانْ...
إلى ممثّلة فاشلة
------------
1
في طَبْعكِ التمثيلْ
في طَبْعكِ التمثيلْ
ثيابُكِ الغريبةُ الصارخةُ الألوانْ..
وصوتُكِ المُفْرِطُ في الحنانْ..
وشَعْرُكِ الضائعُ في الزمان والمكانْ..
والحَلَقُ المغامرُ الطويلْ
جميعُها .. جميعُها..
من عُدَّةِ التمثيلْ..
2
سيّدتي:
إيّاكِ أن تستعملي قصائدي
في غَرَض التجميلْ
فإنَّني أكرهُ كلَّ امرأةٍ
تستعملُ الرجالَ للتجميلْ
لستُ أنا .. لستُ أنا..
الشخص الذي تُعلِّقينَ في الخِزَانَهْ
ولا طُموحي أن أُسمَّى شاعرَ السُلْطَانَهْ
أو أن أكونَ قِطَّةً تُرْكيةً
تنامُ طولَ الليل تحت شَعْركِ الطويلْ
فالدورُ مستحيلْ
لأنَّني أرفضُ كلَّ امْرَأةٍ..
تُحِبُّني .. في غَرَض التجميلْ..
3
لا تسْحَبيني من يدي..
إلى مشاويركِ مثلَ الحَمَل الوديعْ.
لا تحسبيني عاشقاً من جُمْلة العُشَّاق في القطيعْ.
ما عدتُ أستطيعُ أن أحتملَ الإذلالَ يا سيِّدتي،
والريحَ .. والصقيعْ..
ما عدتُ أستطيعْ..
نصيحتي إليكِ .. أن لا تَصْبغي الشفاهَ من دمائي
نصيحتي إليكِ .. أن لا تقفزي من فوق كبريائي
نصيحتي إليكِ .. أن لا تعرضي
رسائلي التي كتبتُها إليكِ كالإمَاءِ..
فإنَّني آخرُ مَنْ يُعْرَضَ كالخيول في مجالس النساءِ..
4
نصيحةٌ برئيةٌ إليكِ .. يا عزيزتي
لا تحسبيني وَصْلَةً شِعْريّةً أكونُ فيها نَجْمَ حَفْلاتِكْ.
أو تحسبيني بطلاً من وَرَقِ يموتُ في إحدى رواياتِكْ
أو تُشْعليني شَمْعةً لتضْمَني نجاحَ سَهْراتِكْ..
أو تلبسيني معطفاً لتعرفي رأيَ صديقاتِكْ..
أو تجعليني عادةً يوميَّةً من بين عاداتِكْ..
5
نصيحةٌ أخيرةٌ إليكِ .. يا عزيزتي
لا تسْتَغِلّي الشِعْرَ حتى تُشْبِعي إحدى هواياتِكْ
فلنْ أكونَ راقصاَ مُحْترفاً...
يسعى إلى إرضاء نَزْواتِكْ
وها أنا أقدِّمُ استقالتي
من كُلِ جنَّاتِكْ...