تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة .
كل قصائد و أشعار الشاعر نزار قباني
إلى أجيرة
--------
بِدَراهمي!
لا بالحديثِ الناعمِ
حَطَّمتُ عزَّتَكِ المنيعَةَ كُلَّها .. بِدَراهمي
وبما حَمَلْتُ من النَفَائسِ، والحريرِ الحالِمِ
فَأطَعْتِني..
وتَبِعْتِني..
كالقِطَّة العمياءِ مؤمنة بكلِّ مزاعمي..
فإذا بصَدْرِكِ ذلك المغْرُورِ ضمْنَ غَنَائمي
أينَ اعتدادُكِ؟
أنتِ أطوَعُ في يدي من خَاتَمي..
قد كان ثغرُكِ مَرَّةً..
رَبِّي.. فأصبح خادمي
آمنتُ بالحُسْن الأجيرِ.. وطأْتُهُ بدراهمي..
ورَكَلْتُهُ..
وذَلَلْتُهُ..
بدُمىً، بأطواقٍ كَوَهْم الوَاهمِ..
ذَهَبٌ .. وديباجٌ .. وأحجارٌ تَشُعُّ فقاومي!!
أيُّ المواضع منكِ .. لم تَهْطُلْ عليهِ غَمَائِمي
خَيْراتُ صدركِ كُلُّها ..
من بَعضِ .. بَعْضِ مواسمي..
بدراهمي!
بإناءِ طيبٍ فاغمِ
ومشيتِ كالفأرِ الجَبَان إلى المصير الحاسمِ
ولَهَوْتُ فيكِ.. فما انتخَتْ شفتاكِ تحت جرائمي
والأرْنَبَانِ الأبيضانِ.. على الرُخَامِ الهاجِمِ
جَبُنا .. فما شَعَرا بظُلْم الظَالمِ..
وأنا أصبُّ عليهما..
ناري.. ونارَ شتائمي..
رُدِّي.. فلستُ أُطيقُ حُسْناً..
لا يَرُدُّ شَتَائِمي..
*
مسكينةٌ..
لم يَبْقَ شيءٌ منكِ... منذُ اسْتَعْبَدَتْكِ دَرَاهمي!!
إلى نَهْدَيْن مَغروُرَيْن
--------------
عندي المَزيدُ من الغُرُورِ .. فلا تَبيعيني غُرُورَا
إنْ كنتُ أرضى أن أُحِبَّكِ..
فاشْكُري المولى كثيرا..
منْ حُسن حَظِّكِ..
أَنْ غَدَوْتِ حبيبتي.. زَمَناً قصير
فأنا نفختُ النارَ فيكِ..
وكُنتِ قَبْلي زَمْهَريرا..
وأنا الذي أَنْقَذْتُ نَهْدَكِ من تَسَكُّعِهِ..
لأجعَلَهُ أميرا..
وأدَرْتُهُ.. لولا يدايَ .. أكان نهدُكِ مُسْتديرا؟
وأنا الذي حَرَّضتُ حَلْمَتَكِ الجبانةَ كي تَثُورا
وأنا الذي ..
في أرضكِ العَذْراءِ.. ألقيتُ البُذُورا
فتفجَّرتْ.. ذَهَباً، وأطفالاً، ويَاقُوتاً مُثيرا
*
مِنْ حُسْنِ حَظِّكِ.. أن تُحِبِّيني
ولو كذِباً وزُورا..
فأنا بأشعاري فَتَحتُ أمامكِ البَابَ الكبيرا
وأنا دَلَلْتُ على أُنوثتِكِ .. المراكبَ والطُيُورا
وجَعَلْتُ منكِ مليكةً
ومَنَحْتُكِ التاجَ المُرصَّعَ ، والسريرا
حَسْبي غُرُوراً أنَّني علَّمتُ نَهْدَيكِ الغُرُورا
فَلْتَشْكُري المولى كثيرا..
أنِّي عَشِقْتُكِ ذاتَ يومٍ..
اشْكُري المولى كثيرا..
نَهْدَاكِ
-------
سَمْرَاءُ.. صبِّي نهدَكِ الأسمرَ في دُنْيَا فَمِي
نَهْدَاكِ نَبعَا لذَّةٍ حمراءَ تُشعِلُ لي دمي
مُتمردانِ على السماء، على القميص المُنْعَمِ
صَنَمانِ عاجيَّانِ... قد ماجا ببحرٍ مُضْرَمٍ
صَنَمانِ.. إنِّي أَعْبُدُ الأصنامَ رَغْمَ تَأثُّمي
فُكِّي الغِلالةَ.. واحْسِري عن نَهْدِكِ المُنْصَرمِ
لا تكبتي النارَ الحبيسةَ، وارتعاشَ الأعظُمِ
نارُ الهوى، في حَلْمَتيكِ، أكُولةٌ كجهنَمِ
خَمْريَّتانِ.. احْمَرَّتا بلظى الدمِ المُتَهَجِّمِ..
مَحْرُوقَتَانِ.. بشهوةٍ تبكي، وصَبْرٍ مُلْجَمِ
*
نَهْداكِ وحشيَّان.. والمصباحُ مَشْدوهُ الفمِ
والضوءُ مُنْعكسٌ على مَجرى الحليبِ المُعتِمِ
وأنا أمُدُّ يدي.. وأسْرُقُ من حُقُول الأنْجُمِ
والحَلْمَةُ الحمقاءُ.. ترصُدُني بظِفْرٍ مُجْرِمٍ
وتَغُطُّ إصْبَعَها وتغمسُها بحبرٍ من دمي..
يا صلبَةَ النَهْدَيْنِ.. يأبى الوهمُ أن تَتَوهَّمي
نَهْداكِ أجملُ لوحَتَينِ على جدارِ المَرْسَمِ..
كُرَتَانِ من زَغَب الحرير، من الصَبَاح الأكرمِ
فتقدَّمي، يا قِطَّتي الصُغْرَى، إليَّ تقدَّمي..
وتحرَّري ممَّا عليكِ.. وحَطِّمي.. وتَحَطَّمي..
*
مَغْرُورةََ النَهْدَينِ.. خَلِّي كبرياءَكِ وانْعَمي
بأصابعي ، بزوابعي ، برُعُونتي ، بتَهَجُّمي
فغداً شبابُكِ ينْطَفي مثلَ الشُعَاع المُضْرَمِ
وغداً سيذوي النَهْدُ والشَفَتَانِ منكِ.. فأقدِمي
وتَفَكَّري بمصير نهدكِ.. بعدَ موتِ المَوْسِمِ
لا تَفْزعي.. فاللَّثمُ للشُعَرَاء غيرُ مُحَرَّمِ
فُكِّي أسيرَيْ صدركِ الطِفْلَيْنِ.. لا.. لا تظلمي
نَهْداكِ ما خلِقا للثمِ الثوبِ.. لَكنْ.. للفمِ
مَجنونةٌ مَنْ تحجبُ النهدين.. أو هي تحتمي
مَجنونةٌ.. من مَرَّ عهدُ شبابِها لم تُلْثَمِ..
*
.. وجَذَبْتُ منها الجسمَ، لم تَنْفُرْ ولم تتكَلَّمِ
مخمورةٌ.. مالتْ عليَّ بقدِّها المُتَهَدِّمِ
وَمَضَتْ تُعلِّلُني بهذا الطافرِ المُتَكَوِّمِ
وتقولُ في سُكْرٍ ، مُعَرْبِدَةً ، بأرشق مبسمِ
"يا شاعري.. لم أَلقَ في العشرينَ مَنْ لم يُفْطَمِ.."
البغي
------
1
نازفَ الشريانِ ، مُحمرَّ الفتيلهْ
في زقاقٍ ضَوَّأتْ أوكارُهُ
كلُّ بيتٍ فيه، مأساةٌ طويلَهْ
غرَفٌ .. ضيِّقَةٌ .. موبوءةٌ
وعناوينُ لـِ (ماري) و (جميلَهْ)
وبمقهى الحيِّ.. حاكٍ هَرِمٌ
راح يَجْتَرُّ أغانيهِ الذليلَهْ
وعَجوزٌ خلفَ نرجيلتها
عُمْرُها أقدمُ من عُمْر الرذيلَه
إنَّها آمِرَةُ البيتِ هنا..
تَشْتُمُ الكسلى، وتَسترضي العَجولَهْ
وأمامَ الباب.. صُعلوكُ هَوَىً
تافهُ الهيئة، مسلوبُ الفضيلهْ
يعرضُ اللحمَ على قاضِمِه..
مثلما يعرضُ سَمْسَارٌ خيولَهْ
"هذهِ.. جاءتْ حديثاً.. سيِّدي
ناهدٌ ما زالَ في طور الطُفُولهْ..
أو إذا شئتَ.. فرافِقْ هذهِ
إنَّها أشهى من الخمر الأصيلَهْ.."
أيُّ رِقٍّ .. مثلَ أُنثى ترتمي
تحت شاريها، بأوراقٍ ضئيلَهْ
قيمةُ الإنسان ، ما أحقَرَها
زَعَموهُ غايةً.. وهْوَ وسيلَهْ..
لو تَرَى الرُدْهَةَ فيها اضْطَجَعَتْ
كلُّ بنتٍ كانفتاح الزَهَرَهْ
نَهْدُها منتظرٌ جَزَّارَهُ
صابرٌ حتى يُلاقي قَدَرَهْ
هذه المُذْهَبةُ السِنِّ.. هنا
ترقُبُ البابَ بعينٍ حَذِرهْ
حَسرَتْ عن رُكبَةٍ شاحبةٍ
لونُها لون الحياة المُنكرَهْ
مَنْ سيأتي؟ مَنْ سيأتي معها؟
أيُّ صُعْلوكٍ، حقيرٍ، نَكِرَهْ؟
وهناكَ.. انْفَرَدَتْ واحدةٌ
عطرُها أرخَصُ من أنْ أذْكُرَهْ..
حَاجِبٌ بُولِغَ في تخطيطِهِ
وطَلاءٌ كجدار المقبَرهْ..
وفَمٌ .. مُتَّسِعٌ.. مُتَّسِعٌ
كغلافِ التينةِ المُعْتَصَرَهْ
الفُضُوليُّونَ من خلف الكُوَى
أعيُنٌُ ، جائعةٌ مُسْتعرهْ
وشِجارٌ دائرٌ في منزِلٍ
وسكارى.. ونكاتٌ قَذِره..
من رآهُنَّ.. قواريرَ الهوى
كنعاجٍ بانتظار المجْزَرَه
كم صبايا، مثلَ ألوان الضُحى
أفْسَدَتْهُنَّ عَجُوزٌ خَطِرَهْ
3
كوباءٍ.. كبعيرٍ نَتِنِ
مثلَ مَيْتٍ خارجٍ من كَفَنِ..
حُفَرٌ في وجهها مُرْعبةٌ
تَرَكَتْها عَجَلاتُ الزَمَنِ..
نَهْدُها حَبَّةُ تينٍ.. نَشِفَتْ
رَحِمَ اللهُ زمانَ اللَّبنِ..
فالعصافيرُ التي كانت هنا
تتغذَّى بالشذَا والسوسَنْ
كلُّها طارَتْ بعيداً.. عندما
لم يَعُدْْ في الأرضِ غيرُ الدِمَنِ
إنها الخمسونَ.. ماذا بعدَها؟
غيرُ أمطارِ الشتاء المُحزِنِ
إنَّها الخَمسُونَ.. ماذا ظَلَّ لي؟
غيرُ هذا الوَحْلِ، هذا العَفَنِ
غيرُ هذي الكأس أستهلكُها
غيرُ هذا التَبْغ يَسْتهلِكُني
غيرُ تاريخٍ مُدَمَّىً .. حيثُما
سِرتُ، ألقى ظلَّهُ يتبعُني
غيرُ أقدامِ الخطايا.. رجعتْ
تُحْرِقُ الغرفة بي.. تُحرقُني
غيرُ رَبٍّ.. كنتُ لا أعرفُه
وأراهُ الآنَ.. لا يعرِفُني..
4
يا لصوصَ اللحم.. يا تجَّارَهُ
هكذا لحمُ السَبَايا يُؤكَلُ
أنتمُ الذِئبُ.. ونحنُ الحَمَلُ
تَفْعَلُ الحُبَّ، ولا تَنْفَعِلُ..
أُنْبُشُوا في جُثَثٍ فاسِدةٍ
سارقُ الأكفانِ لا يَختَجِلُ
وارقُصُوا فوق نُهُودٍ صُلِبَتْ
ماتَ فيها النورُ.. مات المُخْمَلُ
من أنا؟ إحدى خطاياكمْ أنا
نَعْجَةٌ في دمكمْ تغتسلُ
أشْتهي الأسرةَ والطفلَ .. وأنْ
يحتويني، مثلَ غيري، مَنْزِلُ
ارْجموني.. سَدِّدوا أحجاركُمْ
كُلَّكُمْ يومَ سقُوطي بَطَلُ
يا قُضاتي، يا رُماتي، إنَّكمْ
إنَّكم أجبنُ منْ أن تَعْدِلوا..
لَن تُخيفوني ففي شُرعَتِكُمْ
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
يُنْصَرُ الباغي، ويُرمى الأعْزَلُ
تُسْأَلُ الأُنثى إذا تَزْني.. وكم
مُجْرمٍ دامي الزِنَا.. لا يُسْأَلُ
وسريرٌ واحدٌ.. ضَمَّهُمَا
تَسْقُطُ البِنْتُ، ويُحْمَى الرَجُلُ..
أبي
---
أماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي.
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
جريدتُه. تَبْغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي بَعْدُ لم يّذْهَبِ
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُوُر على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ..
*
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
*
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..
إلى قِدّيسَة
------
ماذا إذَنْ تَتَوقَّعينْ؟
يا بِضْعَةَ امْرأةٍ.. أجيبي.. ما الذي تَتَوقَّعينْ؟
أَأَظلُّ أَصطَادُ الذُبابَ هُنا؟ وأنتِ تُدَخِّنين
أَجتْرُّ كالحشَّاش أحلامي..
وأنتِ تدَخِّنينْ..
وأنا أمامَ سريرك الزَاهي كقِطّ مُسْتَكين..
ماتتْ مخالبُهُ، وعزَّتُهُ، وهَدَّتْهُ السِنينْ
*
أنا لَنْ أكونَ تأكَّدي- القطَّ الذي تتصورينْ..
قِطَّاً من الخَشَب المُجوَّفِ.. لا يُحرِّكُهُ الحنينْ
يغفو على الكُرسيِّ إذ تَتَجردينْ
ويَرُدُّ عَيْنَيْهِ.. إذا انْحَسَرَتْ قِبَابُ الياسَمينْ..
*
تلكَ النهايةُ ليس تدهِشُني..
فمالكِ تدهشينْ؟
هذا أنا.. هذا الذي عندي..
فماذا تأمُرينْ؟
أعصابيَ احْتَرَقَتْ.. وأنتِ على سريركِ تقرأين..
أَأَصُومُ عن شَفَتَيْكِ؟
فوقَ رُجُولتي ما تطلبينْ..
ما حِكْمَتي؟
ما طيبتي؟
هذا طعامُ الميِّتينْ..
مُتَصوِّفٌ! من قالَ؟ إنِّي آخرُ المتصوِّفينْ
أنا لستُ يا قدِّيستي الرَبَّ الذي تَتَصورينْ
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
بطَهَارتي..
بِنَذَالتي..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ
فيهِ مزايا الأنبياء، وفيهِ كُفْرُ الكافرينْ
وَوَداعةُ الأطفالِ فيهِ..
وقَسْوَةُ المُتَوحِّشينْ..
رَجُلٌ أنا كالآخرينْ..
رَجُلٌ يُحِبُّ إذا أحَبَّ- بكُلِّ عُنْفِ الأربعينْ
لو كنتِ يوماً تَفْهَمينْ
ما الأربَعُونَ.. وما الذي يَعْنيهِ حُبُّ الأربعينْ
يا بضْعَةَ امْرأةٍ.. لو أنَّكِ تفهمينْ..
كُونْشِرتُو البيانو
-------------
1
في ذلك الليلِ الذي يثقبُهُ صوتُ المَطَرْ
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
حينَ يكون المرءُ بالكونياكِ مغسولاً
وبالأحزان مغسولاً
وبالمجهول مسكوناً
وحين المرءُ لا يرضى بأن يبقى حَجَرْ..
فلماذا؟
تستشيرينَ الفناجينَ، لماذا؟
تطرحينَ الأسئلَهْ..
ولماذا؟
جئتِ صوبَ البحر،
إن كنتِ تخافينَ السَفَرْ..
2
ما بينَ تشرينَ، وتشرينَ،
كهذا السُكَّرِ الدافقِ من قلب الثَمَرْ...
فاتْرُكي أمركِ للهِ.. ونامي
إن نهدَيْكِ يجيئانِ إلى الدنيا قضاءً وقَدَرْ..
ويموتانِ قضاءً وقَدَرْ..
3
سوفَ يأتي الحبُّ في موعدِهِ..
فالبسي قُفْطَانَكِ المصريَّ..
أذكُرُ الآنَ حقولَ القطن في الدِلْتَا..
فاجلسي حيثُ تُحِبّينَ..
فكونشرتُو البيانُو
سوفَ يُلغي الوقتَ..
يُلْغِيكِ..
ويُلْغِيني
ويُلْغي العُقَدَ الأولى التي نحملها منذُ الولادَهْ
سيجيءُ الحبُّ في موعدهِ..
ويجيءُ الجنسُ في موعدِهِ..
إنَّ كونشرتو البيانو
يمسحُ الأشياءَ بالكافور والزيتِ،
يذيبُ الثلجَ عن وجه البحيراتِ..
ويأتي بالفراشاتِ الغريباتِ،
ويأتي بالحقولْ..
فاتركي الأمرَ طبيعياً.. وسَهْلاً..
إنَّ كونشرتو البيانو
يتولّى هو إيجادَ الحُلُولْ..
سيجيءُ الحبُّ في موعده..
والبيانو..
سينادينا إلى غرفته المائيَّةِ الشكلِ،
ولا أعلمُ ما سوفَ يقولْ..
4
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ
إن تشايكوفسكي..
يمرُّ الآنَ كالعصفور من ساحاتِ بطرسبرغَ،
ينساب كحُلْمٍ أخضرٍ من حيِّ مونبارناسَ،
يمرُّ الآنَ من ذاكرة الورد،
يلمُّ الورقَ الأصفرَ من غابات أوربا..
يُصلِّي في أياصُوفْيا..
ويبكي في رحاب النجفِ الأشرفِ،
ما بين المرايا.. والقبابِ الذهبيَّهْْ..
5
كلُّ شيءٍ ممكنٌ..
في ذلك الليل الذي يثقبُهُ صوتُ المطَرْ..
فالبسي قُفْطَانَكِ الكُرديَّ..
لا أدري لماذا..
أذكرُ الموصلَ أيّامَ الربيعْ
وحقولَ القَصَبِ المائيِّ في الأهوارِ،
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
تحضر الآنَ إلى بالي بساتينُ الرصافَهْ
و (الشناشيلُ) التي تملأ شطَّ الأعظميَّهْ
والكتاباتُ التي يكتبها اللهُ.. بوردٍ وذهَبْ..
عند لَحْظَاتِ الغروبْْ
فوقَ شَعْر النخل في شطِّ العربْ..
6
يا صباحَ الفُلِّ.. هل أنتِ بخيرٍ؟..
إنَّ كونشرتو البيانو
أشعلَ النارَ لنا.. ثمَّ ذَهَبْ..
البرتقالة
-------
1
يُقشِّرُني الحبُّ كالبُرْتُقَالةِ..
يفتحُ في الليل صدري،
ويتركُ فيهِ:
نبيذاً، وقمحاً، وقنديلَ زيتْ
ولا أتذكَّرُ أنّي انْذَبَحتُ
ولا أتذكَّرتُ أني نَزَفْتُ
ولا أتذكّرُ أنّي رأيتْ..
2
يبعثرني الحبُّ مثلَ السحابةِ،
يُلغي مكانَ الولادةِ،
يُلغي سنينَ الدراسةِ،
ييُلغي الإقامةَ، يُلغي الدِيانةَ،
يُلغي الزواجَ، الطلاقَ ، الشهودَ ، المحاكمَ..
يسحبُ منِّي جوازَ السَفَرْ..
ويغسلُ كلَّ غُبار القبيلةِِ عنِّي
ويجعلني..
من رعايا القَمَرْ..
3
يُغيِّرُ حُبُّكِ طقسَ المدينةِ، ليلَ المدينةِ،
تغدو الشوارعُ عيداً من الضوء تحت رَذّاذ المَطَرْ
وتغدو الميادينُ أكثرَ سحرا
ويغدو حمامُ الكنائس يكتبُ شِعْرا
ويغدو الهوى في مقاهي الرصيف
أشدَّ حماساً، وأطولَ عمرا..
وتضحكُ أكشاكُ بيع الجرائدِ حين تراكِ..
تجيئينَ بالمعطفِ الشَتَويِّ إلى الموعد المنتظَرْ..
فهل صدفةٌ أن يكونَ زمانُكِ
مرتبطاً بزمانِ المَطَرْ؟..
4
يُعلِّمني الحبُّ ما لستُ أعلمُ،
يكشفُ لي الغيبَ، يجترحُ المعجزاتْ
ويفتَحُ بابي ويدخُلُ..
مثلَ دخول القصيدة،
مثلَ دخول الصلاةْ..
وينثرني كعبير المانوليا بكلِّ الجهاتْ
ويشرحُ لي كيف تجري الجداولُ،
كيف تموجُ السنابلُ،
كيف تُغنِّي البلابلُ والقُبَّراتْ
ويأخُذ مني الكلامَ القديمَ،
ويكتُبُني بجميع اللُّغَاتْ..
5
يقاسمني الحبُّ نصفَ سريري..
ونصفَ طعامي،
ونصفَ نبيذي،
ويسرق منِّي الموانئَ والبحرَ،
يسرقُ منِّي السفينَهْ
وينقُرُ كالديكِ وجهَ الشراشفِ،
يصرخُ فوق قباب المساجدِ..
يصرخُ فوقَ سطوح الكنائسِ..
يوقظُ كلَّ نساءِ المدينَهْْ..
يعلّمني الحبُّ كيف تكونُ القصائدُ مائيَّةَ اللونِ،
كيف تكون الكتابةُ بالياسمينْ..
وكيف تكون قراءةُ عينيكِ..
عَزْفاً جميلاً على المانْدُولينْ
ويأخذني من يدي.. ويُريني بلاداً
نهودُ جميلاتها من نحاسٍ..
وأجسادُهُنَّ مزارعُ بُنٍّ..
وأعيُنُهُنَّ غناءُ فلامنكو حزينْ
وحينَ أقولُ: تعبتُ
يمدُّ عباءتَهُ تحت رأسي
ويقرأ لي ما تيسَّرَ من سورةِ الصابرينْ
7
يفاجئني الحبُّ مثلَ النُبُوءة حين أنامْ
ويرسمُ فوق جبيني
هلالاً مضيئاً، وزوجَ حَمَامْ
يقولُ: تكلَّمْ!!
فتجري دموعي، ولا أستطيعُ الكلامْ
يقولُ: تألَّمْ!!
أُجيبُ: وهل ظلَّ في الصدر غيرُ العظامْ
يقولُ: تعلَّمْ!!
أجاوبُ: يا سيِّدي وشفيعي
أنا منذُ خمسينَ عاماً
أحاولُ تصريف فعل الغرامْ
ولكنني في دروسي جميعاً رسبتُ
فلا في الحروب ربحتُ..
ولا في السلامْ..
حين أحبك
--------
يتغيَّرُ حينَ أُحِبُّكِ شكلُ الكرة الأرضيَّهْ..
تتلاقى طُرق العالم فوق يديْكِ.. وفوقَ يَدَيَّهْ
يتغيَّرُ ترتيبُ الأفلاكْ
تتكاثرُ في البحر الأسماكْ
ويسافرُ قَمَرٌ في دورتي الدَمَوِيَّهْ
يتغيَّرُ شَكْلي:
أُصبحُ شَجَراً.. أُصبحُ مَطَراً..
أُصبِحُ أسودَ، داخلَ عينٍ إسبانيَّهْ..
***
تتكوَّنُ حينَ أُحبّكِ- أَوديَةٌ وجبالْ
تزدادُ ولاداتُ الأطفالْ
تتشكَّلُ جُزرٌ في عينيكِ خرافيَّهْ..
ويشاهدُ أهلُ الأرضِ كواكبَ لم تخطُرْ في بالْ
ويَزيدُ الرزق، يزيدُ العشقُ، تزيدُ الكُتُبُ الشِعريَّهْ..
ويكونُ اللهُ سعيداً في حجْرَتِهِ القَمَريَّهْ..
تتحضَّرُ حينَ أُحبّكِ- آلافُ الكَلماتْ
تتشكَّلُ لغةٌ أخرى..
مُدُنٌ أُخرى..
أُمَمٌ أُخرى..
تُسرِعُ أنفاسُ الساعاتْ
ترتاحُ حروفُ العَطْف.. وتَحْبَلُ تاءاتُ التأنيثِ..
وينبتُ قمحٌ ما بين الصَفَحَاتْ
وتجيءُ طيورٌ من عينيكِ.. وتحملُ أخباراً عسليَّهْ
وتجيءُ قوافلُ من نهديكِ.. وتحملُ أعشاباً هنديَّهْ
يتساقطُ ثَمَرُ المانغو.. تشتعلُ الغاباتْ
وتَدُقُّ طُبُولٌ نُوبِيَّهْ..
***
يمتلئُ البحرُ الأبيضُ - حينَ أُحِبُّكِ- أزهاراً حمراءْ
وتلوحُ بلادٌ فوق الماءْ
وتغيبُ بلادٌ تحت الماءْ
يتغيَّرُ جلدي..
تخرجُ منهُ ثلاثُ حماماتٍ بيضاءْ
وثلاثُ ورودٍ جُوريَّهْ
تكتشفُ الشمسُ أنوثَتَها..
تَضَعُ الأقراطَ الذهبيَّهْ
ويهاجرُ كلُّ النحل إلى سُرَّتكِ المنسيَّهْ
وبشارع ما بين النهدينْ..
تتجمَّعُ كلُّ المَدَنِيَّهّْ..
يستوطنُ حزنٌ عبَّاسيٌّ في عينيكِ..
وتبكي مُدُنٌ شِيعيَّهْ
وتلوحُ مآذنُ من ذَهَبٍ
وتُضيءُ كُشُوفٌ صوفيَّهْ
وأنا الأشواقُ تُحوِّلني
نَقْشاً.. وزخارفَ كُوفيَّهْ
أتمشّى تحت جسور الشَعْر الأسودِ،
أَقرأُ أشعاري الليليَّهْ
أَتَخَيَّلُ جُزُراً دافئةً
ومراكبَ صيدٍ وهميَّهْ
تحمل لي تبغاً ومحاراً.. من جُزُر الهند الشرقيَّهْ..
***
يتخلَّصُ نهدُكِ - حينَ أُحِبُّكِ من عُقْدَتِهِ النفسيَّهْ
يتحوَّلُ برقاً. رعداً. سيفاً. عاصفةً رمليَّهْ..
تَتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ كلُّ المُدُنِ العربيَّهْ
تتظاهر ضدَّ عصور القَهرِ،
وضدَّ عصور الثأر،
وضدَّ الأنظمة القبليَّهْ..
وأنا أتَظَاهرُ - حينَ أُحِبُّكِ ضدَّ القبح،
وضدَّ ملوكِ الملحِ،
وضدَّ مؤسَّسة الصحراءْ..
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
ولسوفَ أَظَلَّ أُحِبُّكِ حتى يأتي زَمَنُ الماءْ...
قِراءةٌ في نَهدَين إفريقيَّينْ
-----------------
أعطيني وقتاً..
كي أستقبلَ هذا الحبَّ الآتي من غير استئذانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتذكَرَ هذا الوجهَ الطالعَ من شَجَر النسيانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتجنَّبَ هذا الحبَّ الواقفَ في نِصْفِ الشِرْيَانْ
أعطيني وقتاً..
حتَّى أعرفَ ما اسِْمُكِ..
حتَّى أعرفَ ما اسْمِي..
حتَّى أعرفَ أين ولدتُ،
وأينَ أموتُ،
وكيف سأُبْعَثُ عُصفوراً بين الأجفان
أعطيني وقتاً..
حتى أدرسَ حالَ الريحِ،
وحالَ الموجِ،
وأدرسَ خارطةَ الخلجانْ..
***
يا امرأةً تسكُنُ في الآتي..
يا حَبَّ الفُلْفُلِ والرُمَّانْ..
أعطيني وطناً يُنسيني كلَّ الأوطانْ
أعطيني وقتاً..
كي أتفادى هذا الوجهَ الأندلسيَّ، وهذا الصوتَ الأندلسيَّ،
وهذا الموتَ الأندلسيَّ..
وهذا الحزنَ القادمَ من كلّ مكانْ..
أعطيني وقتاً يا سيِّدتي
كي أتنبَّأ بالطوفانْ..
***
يا امرأةً..
كانوا كتبوها في كُتُب السِّحْرْ
من قَبْلِكِ كان العالمُ نثراً..
ثم أتيتِ فكان الشِّعْرْ
أعطيني وقتاً..
كي أستوعبَ هذا النهدَ الراكضَ نحوي مثلَ المهْرْ..
كرويٌّ نهدُكِ مثل النقطة فوق السطرْ..
بدويٌّ.. مثل حبوبِ الهالِ،
ومثلَ القهوة فوق الجمرْ..
وقديمٌ مثل نحاس الشامِ..
قديمٌ مثل معابد مصرْ..
وأنا مهتمٌ بالتاريخِ،
وعصرٍ يُخرجُني من هذا العصرْ
وأنا بدويٌّ.. أَخزنُ في رئتيَّ الريحَ،
وأخزنُ في شفتيَّ الشمسَ،
وأخزن في أعصابي الثأرْْ..
فانكسِري فوق سرير الحُبِّ، انكسري
مثل دواة الحبرْ..
وانتشري.. كالعطر الهنديّ
فإنّي اللحمُ.. وأنتِ الظِفْرْ..
***
أَعطيني الفرصةَ..
كي ألتقطَ السَمَكَ السابحَ تحت مياه الخصرْ..
قَدَماكِ على وَبَرِ السُجَّادةِ.. حالةُ شِعْرْ
ويداكِ.. على البطن المتحمّسِ للأطفالِ،
قصيدةُ شِعْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أكتشف الحدَّ الفاصلَ بين يقين الحُبّ..
وبين الكُفْرْ..
أعطيني الفرصةَ..
حتى أَقْنَعَ أنيِّ قد شاهدتُ النجمَ
وكَلَّمني سيِّدُنا الخُضْرْ..
***
يا امرأةً.. يسقُطُ من فخذيْها البَلَحُ الأشقرُ..
مثلَ النخلة في الصحراءْ..
يتكلَّمُ نهدُكِ سبعَ لُغَاتٍ..
وأنا أحترفُ الإصغاءْ..
أعطيني الفرصةَ..
كي أتجنّبَ هذا الحبَّ العاصفَ،
هذا الحبَّ الجارفَ..
هذا الحبَّ الشَتَويَّ الأجواءْ
أعطيني الفرصةَ حتى أقنعَ، حتى أؤمنَ، حتى أكفرَ..
حتى أدخلَ في لحم الأشياءْ..
أعطيني الفرصةَ.. حتى أمشيَ فوقَ الماءْ..
***
أعطيني الفرصةَ..
كي أتَهَيّأَ قبل نزول البحرْ..
فكثيفٌ ملحُ البحر العالقُ بين السُرَّةِ.. والنهدينْ
وكثيفٌ سَمَكُ القرش القادمُ.. لا أدري من أينْ؟
أعطيني الفرصةَ كي أتنفَّسَ..
إن حشيشَ البحر خرافيٌّ تحت الإبطينْ
أعطيني الفرصةَ..
حتى أقرأ حظّي في عينيكِ المغلقتينْ..
فأنا سيِّدتي لم أتعوّدْ..
أن أتقمَّصَ في رَجُلَيْنْ..
***
يا ذاتَ الوجه الإفريقيِّ، المأساوِيِّ، السِنْجاني..
يا امرأةً تدخل في تركيب النار، وفي تركيب الأعشابِ..
أعطيني الفرصةَ كي أتهيَّأَ..
كي أتأقلَمَ..
كي أتعوَّدَ..
كي أتأكَّد من ماهيّة إعجابي..
أعطيني عشرَ دقائقَ.. خمس دقائقَ..
حتى يهدأَ زَبَدُ الجنسِ، وتهدأَ حربُ الأعصابِ..
***
أعطيني الفرصةَ كي أرتاحَ..
وعند الفجر، سأُعطيكِ جوابي..
أُحبّك.. أُحبّك.. والبقية تأتي
--------------------
حديثُكِ سُجَّادةٌ فارسيَّهْ..
وعيناكِ عُصفوتانِ دمشقيّتانِ..
تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ..
وقلبي يسافرُ مثل الحمامة فوقَ مياه يديكِ،
ويأخُذُ قَيْلُولةً تحت ظلِّ السِّوارْ..
وإنِّي أُحبُّكِ..
لكنْ أخافْ التورُّطَ فيكِ،
أخافُ التوحُّدَ فيكِ،
أخافُ التقمُّصَ فيكِ،
فقد علَّمتْني التجاربُ أن أتجنَّب عشقَ النساءِ،
وموجَ البحارْ..
أنا لا أناقش حبَّكِ.. فهو نهاري
ولستُ أناقشُ شمسَ النهارْ
أنا لا أناقش حبَّكِ..
فهو يقرِّرُ في أيِّ يوم سيأتي.. وفي أيَّ يومٍ سيذهبُ..
وهو يحدّدُ وقتَ الحوارِ، وشكلَ الحوارْ..
***
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ،
أنتِ خرافيَّةُ الحسن هذا الصباحَ،
وصوتُكِ نَقْشٌ جميلٌ على ثوب مراكشيَّهْ
وعِقْدُكِ يلعبُ كالطفل تحت المرايا..
ويرتشفُ الماءَ من شفة المزهريَّهْْ
دعيني أصبُّ لكِ الشايَ، هل قلتُ إنِّي أُحبُّكِ؟
هل قلتُ إنِّي سعيدٌ لأنكِ جئتِ..
وأنَّ حضورَكِ يُسْعِدُ مثلَ حضور القصيدَهْ
ومثلَ حضور المراكبِ، والذكرياتِ البعيدَهْْ..
***
دعيني أُترجمُ بعضَ كلام المقاعدِ وهي تُرحِّبُ فيكِ..
دعيني، أعبِّرُ عمّا يدورُ ببال الفناجينِ،
وهي تفكّرُ في شفتيكِ..
وبالِ الملاعقِ، والسُكَّريَّهْ..
دعيني أُضيفُكِ حرفاً جديداً..
على أحرُفِ الأبجديَّهْ..
دعيني أُناقضُ نفسي قليلاً
وأجمعُ في الحبّ بين الحضارة والبربريَّهْ..
***
- أأعجبكِ الشايُ؟
- هل ترغبينَ ببعض الحليبِ؟
- وهل تكتفينَ كما كنتِ دوماً- بقطعةِ سُكَّرْ؟
- وأمّا أنا فأفضّلُ وجهكِ من غير سُكَّرْ..
.................................................. .............
.................................................. .............
.................................................. .............
أُكرّرُ للمرَّة الألفِ أنّي أُحبُّكِ..
كيف تريدينني أن أفسِّرَ ما لا يُفَسَّرْ؟
وكيف تريدينني أن أقيسَ مساحةَ حزني؟
وحزنيَ كالطفل.. يزدادُ في كلِّ يوم جمالاً ويكبرْ..
دعيني أقولُ بكلِّ اللغات التي تعرفينَ والتي لا تعرفينَ..
أُحبُّكِ أنتِ..
دعيني أفتّشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليكِ..
وعن كلماتٍ.. تغطّي مساحةَ نهديكِ..
بالماء، والعُشْب، والياسمينْ
دعيني أفكّرُ عنكِ..
وأشتاقُ عنكِ..
وأبكي، وأضحكُ عنكِ..
وأُلغي المسافةَ بين الخيال وبين اليقينْ..
***
دعيني أنادي عليكِ، بكلِّ حروف النداء..
لعلّي إذا ما تَغَرْغَرْتُ باسْمِكِ، من شفتي تُولدينْ
دعيني أؤسّسُ دولةَ عشقٍ..
تكونينَ أنتِ المليكةَ فيها..
وأصبحُ فيها أنا أعظمَ العاشقينْ..
دعيني أقودُ انقلاباً..
يوطّدُ سلطةَ عينيكِ بين الشعوبِ،
دعيني.. أغيّرُ بالحبِّ وجهَ الحضارةِ..
أنتِ الحضارةُ.. أنتِ التراث الذي يتشكّلُ في باطن الأرض
منذ ألوف السنينْ..
***
أُحبُّكِ..
كيفَ تريديني أن أبرهنَ أنّ حضوركِ في الكون،
مثل حضور المياهِ،
ومثل حضور الشَجَرْ
وأنّكِ زهرةُ دوَّار شمسٍ..
وبستانُ نَخْلٍ..
وأُغنيةٌ أبحرتْ من وَتَرْ..
دعيني أقولُك بالصمتِ..
حين تضيقُ العبارةُ عمّا أُعاني..
وحين يصيرُ الكلامُ مؤامرةً أتورّط فيها.
وتغدو القصيدةُ آنيةً من حَجَرْ..
***
دعيني..
أقولُكِ ما بين نفسي وبيني..
وما بينَ أهداب عيني، وعيني..
دعيني..
أقولكِ بالرمزِ، إن كنتِ لا تثقينَ بضوء القمرْ..
دعيني أقولُكِ بالبَرْقِ،
أو برَذَاذ المَطَرْ..
دعيني أُقدّمُ للبحر عنوانَ عينيكِ..
إن تقبلي دعوتي للسَفَرْ..
لماذا أُحبُّكِ؟
إنَّ السفينةَ في البحر، لا تتذكَّرُ كيف أحاط بها الماءُ..
لا تتذكَرُ كيف اعتراها الدُوارْ..
لماذا أُحبّكِ؟
إنَّ الرصاصةَ في اللحم لا تتساءلُ من أينَ جاءتْ..
وليست تُقدِّمُ أيَّ اعتذارْ..
***
لماذا أُحبُّكِ.. لا تسأليني..
فليسَ لديَّ الخيارُ.. وليس لديكِ الخيارْ..
تناقضات ن.ق الرائعة
----------------
1
وما بين حُبٍّ وحُبٍّ.. أُحبُّكِ أنتِ..
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني..
وواحدةٍ سوف تأتي..
أُفتِّشُ عنكِ هنا.. وهناكْ..
كأنَّ الزمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ..
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ..
فكيف أُفسِّرُ هذا الشعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ..
وكيف تمرّينَ بالبالِ، مثل الحمامةِ..
حينَ أكونُ بحَضْرة أحلى النساءْ؟.
2
وما بينَ وعديْنِ.. وامرأتينِ..
وبينَ قطارٍ يجيء وآخرَ يمضي..
هنالكَ خمسُ دقائقَ..
أدعوك ِ فيها لفنجان شايٍ قُبيلَ السَفَرْ..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها أطمئنُّ عليكِ قليلا..
وأشكو إليكِ همومي قليلا..
وأشتُمُ فيها الزمانَ قليلا..
هنالكَ خمسُ دقائقْ..
بها تقلبينَ حياتي قليلا..
فماذا تسمّينَ هذا التشتُّتَ..
هذا التمزُّقَ..
هذا العذابَ الطويلا الطويلا..
وكيف تكونُ الخيانةُ حلاًّ؟
وكيف يكونُ النفاقُ جميلا؟...
3
وبين كلام الهوي في جميع اللّغاتْ
هناكَ كلامٌ يقالُ لأجلكِ أنتِ..
وشِعْرٌ.. سيربطه الدارسونَ بعصركِ أنتِ..
وما بين وقتِ النبيذ ووقتِ الكتابة.. يوجد وقتٌ
يكونُ به البحرُ ممتلئاً بالسنابلْ
وما بين نُقْطَة حِبْرٍ..
ونُقْطَة حِبْرٍ..
هنالكَ وقتٌ..
ننامُ معاً فيه، بين الفواصلْ..
4
وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاءْ
هنالكَ فَصْلُ أُسَمِّيهِ فصلَ البكاءْ
تكون به النفسُ أقربَ من أيِّ وقتٍ مضى للسماءْ..
وفي اللحظات التي تتشابهُ فيها جميعُ النساءْ
كما تتشابهُ كلُّ الحروف على الآلة الكاتبهْ
وتصبحُ فيها ممارسةُ الجنسِ..
ضرباً سريعاً على الآلة الكاتبَهْ
وفي اللحظاتِ التي لا مواقفَ فيها..
ولا عشقَ، لا كرهَ، لا برقَ، لا رعدَ، لا شعرَ، لا نثرَ،
لا شيءَ فيها..
أُسافرْ خلفكِ، أدخلُ كلَّ المطاراتِ، أسألُ كلَّ الفنادق
عنكِ، فقد يتصادفُ أنَّكِ فيها...
5
وفي لحظاتِ القنوطِ، الهبوطِ، السقوطِ، الفراغ، الخِواءْ.
وفي لحظات انتحار الأماني، وموتِ الرجاءْ
وفي لحظات التناقضِ،
حين تصير الحبيباتُ، والحبُّ ضدّي..
وتصبحُ فيها القصائدُ ضدّي..
وتصبحُ حتى النهودُ التي بايعتْني على العرش- ضدّي
وفي اللحظات التي أتسكَّعُ فيها على طُرُق الحزن وحدي..
أُفكِّر فيكِ لبضع ثوانٍ..
فتغدو حياتي حديقةَ وردِ..
6
وفي اللحظاتِ القليلةِ..
حين يفاجئني الشعرُ دونَ انتظارْ
وتصبحُ فيها الدقائقُ حُبْلى بألفِ انفجارْ
وتصبحُ فيها الكتابةُ فِعْلَ انتحارْ..
تطيرينَ مثل الفراشة بين الدفاتر والإصْبَعَيْنْْ
فكيف أقاتلُ خمسينَ عاماً على جبهتينْ؟
وكيفَ أبعثر لحمي على قارَّتين؟
وكيفَ أُجَاملُ غيركِ؟
كيفَ أجالسُ غيركِ؟
كيفَ أُضاجعُ غيركِ؟ كيفْ..
وأنتِ مسافرةٌ في عُرُوق اليدينْ...
7
وبين الجميلات من كل جنْسٍ ولونِ.
وبين مئات الوجوه التي أقنعتْني .. وما أقنعتْني
وما بين جرحٍ أُفتّشُ عنهُ، وجرحٍ يُفتّشُ عنِّي..
أفكّرُ في عصرك الذهبيِّ..
وعصرِ المانوليا، وعصرِ الشموع، وعصرِ البَخُورْ
وأحلم في عصرِكِ الكانَ أعظمَ كلّ العصورْ
فماذا تسمّينَ هذا الشعور؟
وكيفَ أفسِّرُ هذا الحُضُورَ الغيابَ، وهذا الغيابَ الحُضُورْ
وكيفَ أكونُ هنا.. وأكونً هناكْ؟
وكيف يريدونني أن أراهُمْ..
وليس على الأرض أنثى سواكْ
8
أُحبُّكِ.. حين أكونُ حبيبَ سواكِ..
وأشربُ نَخْبَكِ حين تصاحبني امرأةٌ للعشاءْ
ويعثر دوماً لساني..
فأهتُفُ باسمكِ حين أنادي عليها..
وأُشغِلُ نفسي خلال الطعامْ..
بدرس التشابه بين خطوط يديْكِ..
وبينَ خطوط يديها..
وأشعرُ أني أقومُ بِدَوْر المهرِجِ...
حين أُركّزُ شالَ الحرير على كتِفَيْها..
وأشعرُ أني أخونُ الحقيقةَ..
حين أقارنُ بين حنيني إليكِ، وبين حنيني إليها..
فماذا تسمّينَ هذا؟
ازدواجاً.. سقوطاً.. هروباً.. شذوذاً.. جنوناً..
وكيف أكونُ لديكِ؟
وأزعُمُ أنّي لديها..
دعوة إلى حفلة قتل
---------------
ما لعينيكِ على الأرض بديلْ
كلُّ حبٍّ غيرُ حبِّي لكِ، حبٌّ مستحيلْ
فلماذا أنتِ، يا سيدتي، باردةٌ؟
حين لا يفصلني عنكِ سوى
هضبتيْ رملٍ.. وبُسْتَانَيْ نخيلْ
ولماذا؟
تلمسينَ الخيلَ إن كنتِ تخافين الصهيلْ؟
طالما فتّشتُ عن تجربةٍ تقتلني
وأخيراً... جئتِ يا موتي الجميلْ..
فاقتليني.. نائماً أو صاحياً
أقتليني.. ضاحكاً أو باكياً
أقتليني.. كاسياً أو عارياً..
فلقد يجعلني القَتْلُ وليَّاً مثل كلِّ الأولياءْ
ولقد يجعلني سنبلةً خضراءَ.. أو جدولَ ماءْ..
وحماماً...
وهديلْ..
***
اقتليني الآنَ...
فالليلُ مُمِلٌّ.. وطويلْ..
اقتليني دونما شرطٍ.. فما من فارقٍ..
عندما تبتدئُ اللعبةُ يا سيِّدتي..
بين من يَقْتُلُ.. أو بين القتيلْ...
وصفةٌ عربيةٌ لمداواة العشق
------------------
تصوَّرتُ حُبَّكِ..
طَفْحَاً على سطح جلْدِي..
أداويهِ بالماء.. أو بالكُحُولْ
وبرَّرتُهُ باختلافِ المناخْ..
وعلَّلتُه بانقلاب الفُصٌولْ..
وكنتُ إذا سألوني، أقولْْ:
هواجسُ نَفْسٍ..
وضَرْبَةُ شمسٍ..
وخَدْشٌ صغيرٌ على الوجهِ.. سوف يزولْ...
سَيُحيي المراعي.. ويَرْوي الحقولْ..
ولكنَّهُ اجتاحَ برَّ حياتي..
فأغرَقَ كلَّ القرى..
وأتلفَ كلَّ السُهُولْ..
وجرَّ سريري..
وجدرانَ بيتي..
وخَلَّفني فوق أرض الذُهُولْ..
***
تصوَّرتُ في البدءِ..
أنَّ هواكِ يمرُّ مرورَ الغمامَه
وأنَّكِ شطُّ الأمانْْ
وبرُّ السلامَهْ..
وقدَّرتُ أن القضيّةَ بيني وبينكِ..
سوفَ تهونُ ككُلِّ القضايا..
وأنّكِ سوف تذوبينَ مثلَ الكتابة فوق المرايا..
وأنَّ مرورَ الزمانْ..
سيقطعُ كلَّ جُذور الحنانْ
ويغمُرُ بالثلج كلَّ الزوايا
***
تصوَّرتُ أنَّ حماسي لعينيكِ كان انفعالاً..
كأيِّ انفعالْ..
وأنَّ كلامي عن الحُبِّ، كان كأيِّ كلامٍ يُقَالْ
واكتَشفتُ الآنَ.. أنيَ كنتُ قصيرَ الخيالْ
فما كان حُبُّكِ طَفْحاً يُداوى بماء البنفسج واليانسُونْ
ولا كان خَدْشاً طفيفاً يُعالَجُ بالعشب أو بالدُهُونْ..
ولا كان نوبةَ بَرْدٍ..
سترحلُ عند رحيل رياح الشمالْ..
ولكنَّهُ كان سيفاً ينامُ بلحمي..
وجَيْشَ احتلالْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
وأوَّلَ مرحلةٍ في طريق الجُنونْ..
تكذيبٌ رسمي لسيدة ثرثارة
-----------------
لماذا تقولينَ للناس إنِّي حَبيبُكِ؟...
في حينَ لا أتذكَّرُ أنِّي..
وتروينَ أشياءَ مرّتْ بظنّكِ أنتِ،
لكنَّها لم تمُرَّ بظنّي؟
لماذا تقولينَ ما لا يُقالْ؟
وتبنينَ كلَّ قصورِكِ فوق الرمالْ
وَتَسْتَمْتِعينَ بنَسْج أقاصيصَ فاقتْ حدودَ الخيالْ
لماذا تقولينَ: إنِّي خدعتُكِ..
إنّي ابتَزَزْتُكِ..
إنّي اغتصبتُكِ..
في حين لا أتذكَّرُ أنِّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنِّي..
***
لماذا تَغِشِّينَ في وَرَق الحُبِّ؟.
تحترفينَ الفضيحةَ،
تحترفينَ الإشاعةَ،
تحترفينَ التجنّي..
لماذا تقولينَ:
إنَّ بقايا الأظافرِ فوق ذراعيْكِ مِنِّي...
وإنَّ النزيفَ الخفيفَ بزاوية الثغر مِنِّي...
وإنَّ شظايا الزُجاج المكسَّرِ ما بين نهديكِ.. مِنِّي..
لماذا تقولينَ هذي الحماقاتِ؟
في حين لا أتذكَّرُ أنّي رأيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي اشتهيتُكِ..
لا أتذكَّرُ أنّي..
فهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
تُرى من قبيل التمنّي..
***
لماذا تُسيئينَ فَهْمَ حناني؟
وتخترعينَ كلاماً عن الحُبِّ ما مرَّ فوق لساني
وتخترعينَ بلاداً إليها ذَهَبْنَا..
وتخترعينَ فنادقَ فيها نَزَلْنَا..
وتخترعينَ بحاراً..
وتخترعينَ مَوَاني
وتخترعينَ لنفسكِ ثوباً
من الورد، والنار، والأُرجوانِ..
لماذا ، على اللهِ سيِّدتي، تكذبينْ؟
وهل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى من قبيل التمنّي..
لماذا تقولينَ؟
إنَّ ثلاثةَ أرباع شعري..
عن الحُبِّ، كانتْ إليكِ..
وإني اقتبستُ حروفَ الكتابةِ من شَفَتَيْكِ..
وإنّي تربَّيْتُ مثلَ خَرُوفٍ صغيرٍ على ركبتيْكِ..
لماذا تجيدينَ فنَّ الروايةِ؟
تختلقينَ الزمانَ..
المكانَ..
الوجوهَ..
الحوارَ..
الثيابَ..
المَشَاهِدَ...
في حين لا أتذكَّرُ وَجْهَكِ بين حُطَام الوجوهِ،
وبين حُطَام السنينْ..
ولا أتذكَّرُ أنِّي قرأتُكِ.. في كُتُب الورد والياسمينْ
فهل تكتُبينَ السيناريو الذي تشتهينْ؟
لكي تطمئِّني..
هل تفعلينَ الذي تفعلينْ؟
ترى، من قبيل التمنّي...
***
لماذا تقولينَ بين الصديقاتِ والأصدقاءْ؟
بأنّي اختطفتُكِ...
_ رغمَ احتجاج رجالِ القبيلةِ،
رغمَ نباح الكلابِ، وسُخْطِ السماءْ _
لماذا تُعانينَ من عُقْدَة النَقْص؟
تختلقينَ الأكاذيبَ..
تنتحرينَ بقطرة ماءْ..
وتستعملينَ ذكاءكِ حتى الغباءْ..
لماذا تُحبّينَ تمثيلَ دور الضحيّةِ؟
في حين ليسَ هناكَ دليلٌ..
وليسَ هناكَ شهودٌ...
وليسَ هناكَ دماءْ...
لماذا تقولينَ:
إنّكِ منِّي حَمَلْتِ.. وأَجْهَضْتِ..
في حين لا أتذكّرُ أنّي تشرَّفتُ يوماً بهذا اللقاءْ
ولا أتذكَّرُ من أنتِ.. بين زحام النساءْ
ولا ربَطَ الجنْسُ بيني وبينكِ..
لا في الصباحِ.. ولا في المساءْ
ولا في الربيعِ.. ولا في الشتاءْ
فكيف إذن تزعُمينْ
بأنِّي .. وأنيِّ.. وأنِّي..
وهل كان حَمْلُكِ منِّي
تُرى من قَبيل التمنّي؟...
يوميّات مريض ممنوع من الكتابة
----------------------
1
ممنوعةٌ أنتِ من الدخول، يا حبيبتي ، عَلَيَّهْ..
ممنوعةٌ أن تلمسي الشراشفَ البيضاءَ، أو أصابعي الثلجيَّهْ
ممنوعةٌ أن تجلسي.. أو تهمسي.. أو تتركي يديكِ في يَديَّهْ
ممنوعةٌ أن تحملي من بيتنا في الشامْ..
سرْباً من الحَمَامْ
أو فُلَّةً.. أو وردةً جُوريَّهْ..
ممنوعةٌ أن تحملي لي دُمْيَةً أحضُنُها..
أو تقرأي لي قصّةَ الأقزام، والأميرةِ الحسناء، والجنيَّهْ.
ففي جناح مرضى القلب يا حبيبتي..
يصادرونَ الحبَّ، والأشواقَ ، والرسائلَ السريَّهْ..
2
لا تَشْهَقي .. إذا قرأتِ الخَبَرَ المثيرَ في الجرائد اليوميَّهْ
قد يشعرُ الحصانُ بالإرهاق يا حبيبتي
حينَ يدقُّ الحافرَ الأوّلَ في دمشقْ
والحافرَ الآخرَ في المجموعة الشمسيَّهْ..
3
تَمَاسَكي.. في هذه الساعات يا حبيبتي
فعندما يقرّرُ الشاعرُ أن يثقبَ بالحروفِ..
جِلْدَ الكُرَة الأرضيَّهْ.
وأن يكونَ قلبُهُ تُفّاحةً
يقضُمُهَا الأطفالُ في الأزِقّة الشعبيَّهْ..
وعندما يحاول الشاعرُ أن يجعل من أشعارِهِ
أرغِفَةً.. يأكُلُها الجياعُ للخبز وللحُريَّهْ
فلن يكونَ الموتُ أمراً طارئاً..
لأنَّ من يكتبُ يا حبيبتي..
يحملُ في أوراقه ذبْحَتَهُ القلبيَّهْ..
4
أرجوكِ أن تبتسمي.. أرجوكِ أن تبتسمي..
يا نَخْلَةَ العراق، يا عصفورةَ الرصافة الليليَّهْ
فَذّبْحةُ الشاعر ليستْ أبداً قضيَّةً شخصيَّهْ
أليسَ يكفي أنني تركتُ للأطفال بعدي لغةً
وأنني تركتُ للعُشّاق أبجديَّهْ..
5
أغطِيتي بيضاءْ..
والوقتُ، والساعاتُ، والأيَّامُ كلُّهَا بيضاءْ
وأوجُهُ الممرضات حولي كُتُبٌ أوراقُهَا بيضاءْ
فهل من الممكن يا حبيبتي؟
أن تضعي شيئاً من الأحمر فوق الشفة الملساءْ
فمنذ شهرٍ وأنا.. أحلُمُ كالأطفال أن تزورَني
فَرَاشةٌ كبيرةٌ حمراءْ..
6
أَطلب أقلاماً فلا يعطونني أقلامْ...
أطلبُ أيَّامي التي ليس لها أيَّامْ
أسألُهمْ برشامةً تُدخلني في عالم الأحلامْ
حتى حبوبُ النوم قد تعوَّدتْ مثلي على الصحو.. فلا تنامْ..
7
إن جِئتني زائرةً..
فحاولي أن تلبسي العقودَ، والخواتمَ الغريبةَ الأحجارْ
وحاولي أن تلبسي الغابات والأشجارْ..
وحاولي أن تلبسي قبّعةً مفرحةً كمعرض الأزهارْ
فإنّني سئمتُ من دوائر الكِلْسِ.. ومن دوائر الحَوَّارْ..
8
ما يفعلُ المشتاقُ يا حبيبتي في هذه الزنزانة الفرديَّه
وبيننا الأبوابُ ، والحُرَّاسُ، والأوامرُ العُرْفيَّهْ..
وبيننا أكثرُ من عشرين ألفَ سنةٍ ضوئِيَّهْ..
ما يفعلهُ المشتاقُ للحُبِّ، وللعزف على الأنامل العاجيَّهْ
والقلب لا يزالُ في الإقامة الجبريَّهْ..
9
لا تَشْعُري بالذنْبِ يا صغيرتي.. لا تشْعُري بالذَنْبْ..
فإنَّ كلَّ امرأةٍ أحببتُها..
قد أورثَتْني ذبحةً في القلب..
10
وصيَّةُ الطبيب لي:
أن لا أقولَ الشعرَ عاماً كاملاً..
ولا أرى عينيكِ عاماً كاملاً..
ولا أرى تحوُّلاتِ البحر في العين البنفسجيَّه
الله.. كم تُضْحِكُني الوصيَّهْ..
100 رسالة حُبّ (1)-(10)
--------------------
(1)
لا يُشبهُ الكلامْ
وأخترع لغةً لكِ وحدكِ
أفصّلها على مقاييس جسدك
ومساحةِ حبّي.
*
أريدُ أن أسافرَ من أوراق القاموس
وأطلبَ إجازةً من فمي.
فلقد تعبتُ من استدارة فمي
أريدُ فماً آخر..
يستطيع أن يتحوّل متى أرادْ
إلى شجرة كَرَز
أو علبة كبريت
أريد فماً جديداً
تخرج منه الكلماتْ
كما تخرج الحوريّات من زَبَد البحر
وكما تخرج الصيصَانُ البيضاء
من قبَّعة الساحر..
*
خذُوا جميعَ الكتب
التي قرأتُها في طفولتي
خذُوا جميع كراريسي المدرسيّة
خذوا الطباشيرَ..
والأقلامَ..
والألواحَ السوداءْ..
وعلّموني كلمةً جديدة
أُعلّقها كالحَلَقْ
في أُذُن حبيبتي
*
أريدُ أصابعَ أخرى..
لأكتبَ بطريقةٍ أخرى
فأنا أكرهُ الأصابعَ التي لا تطول .. ولا تقصر
كما أكرهُ الأشجار التي لا تموت .. ولا تكبر
أريد أصابعَ جديدة..
عاليةً كصوراي المراكبْ
وطويلةً ، كأعناق الزرافاتْ
حتى أفصّل لحبيبتي
قميصاً من الشِعرْ..
لم تلبسه قبلي.
أريدُ أن أصنع لكِ أبجديّة
غيرَ كلّ الأبجدياتْ.
فيها شيء من إيقاع المطرْ
وشيء من غبار القمرْ
وشيء من حزن الغيوم الرماديّة
وشيء من توجّع أوراق الصفصاف
تحت عَرَبات أيلول.
*
أريد أن أهديكِ كنوزاً من الكلماتْ
لم تُهْدَ لامرأةٍ قبلك..
ولنْ تُهْدَى لامرأةٍ بعدكْ.
يا امرأةً..
ليس قَبْلَها قَبْلْ
وليس بَعْدَها بَعْدَ
*
أريدُ أن أعلَّم نهديْكِ الكسوليْنْ
كيف يُهجِّيان اسمي..
وكيف يقرءان مكاتيبي
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
(2)
(2)
أريدُ .. أن أجعلكِ اللغة..
نهارَ دخلتِ عليَّ
نهارَ دخلتِ عليَّ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
في صبيحة يومٍ من أيام آذارْ
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
كقصيدةٍ جميلةٍ .. تمشي على قَدَمَيْها
دخلت الشمسُ معك..
دخلت الشمسُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
ودخل الربيعُ معك..
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
كان على مكتبي أوراقٌ.. فأورقَتْ
وكان أمامي فنجانُ قهوة
وكان أمامي فنجانُ قهوة
فشربني قبل أن أشربه
فشربني قبل أن أشربه
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
وكان على جداري لوحةٌ زيتية
لخيول تركض..
لخيول تركض..
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
فتركتْني الخيولُ حين رأتكِ
وركضتْ نحوك..
وركضتْ نحوك..
*
*
نهارَ زُرتني..
نهارَ زُرتني..
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
في صبيحة ذلك اليوم من آذارْ
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
حدثتْ قشعريرةٌ في جسد الأرض
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
وسقَطَ في مكان ما.. من العالم
نيزكٌ مشتعلْ..
نيزكٌ مشتعلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
حسبه الأطفال فطيرةً محشوةً بالعسلْ..
وحسبتهُ النساء..
وحسبتهُ النساء..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
سواراً مرصَّعاً بالماسْ..
وحسبه الرجال..
وحسبه الرجال..
من علامات ليلة القدْرْ..
من علامات ليلة القدْرْ..
*
*
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وحين نزعتِ معطفكِ الربيعيّ
وجلستِ أمامي..
وجلستِ أمامي..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
فراشةً تحمل في أحقابها ثيابَ الصيف..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
تأكّدتُ أن الأطفال كانوا على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والنساء كُنَّ على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
والرجال كانوا على حقّ..
وأنّكِ..
وأنّكِ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
شهيّةٌ كالعسلْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
وصافيةٌ كالماسْ..
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
ومذهلةٌ كليلة القدرْ...
(3)
(3)
عندما قلتُ لكِ :
عندما قلتُ لكِ :
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
أنني أقود انقلاباً على شريعة القبيلة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
وأقرع أجراسَ الفضيحة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
كنتُ أريد أن أستلم السلطة
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
لأجعلَ غابات العالم أكثرَ ورقاً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وبحارَ العالم أكثرَ زرقةً
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
وأطفالَ العالم أكثرَ براءة.
كنتُ أريد..
كنتُ أريد..
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
أن أُنهي عصرَ البربريَّة
وأقتلَ آخر الخلفاء
وأقتلَ آخر الخلفاء
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
كان في نيّتي _عندما أحببتكِ_
أن أكسر أبوابَ الحريم
أن أكسر أبوابَ الحريم
وأنقذَ أثداءَ النساء..
وأنقذَ أثداءَ النساء..
من أسنان الرجال..
من أسنان الرجال..
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
وأجعلَ حَلَمَاتهنّ
ترقصُ في الهواء مبتهجة
ترقصُ في الهواء مبتهجة
كحبّات الزعرور الأحمر..
كحبّات الزعرور الأحمر..
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ".
"أُحبّكِ".
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنني أخترع أبجديةً جديدة
أنني أخترع أبجديةً جديدة
لمدينةٍ لا تقرأ..
لمدينةٍ لا تقرأ..
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأنشد أشعاري في قاعة فارغة
وأقدّم النبيذ
وأقدّم النبيذ
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
لمن لا يعرفون نعمة السُكْرْ.
*
*
عندما قلتُ لكِ:
عندما قلتُ لكِ:
"أُحبّكِ"
"أُحبّكِ"
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
كنتُ أعرف.. أن المتوحّشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
بالرماح المسمومة.. وأقواس النشّاب.
وأنّ صُوَري..
وأنّ صُوَري..
ستُلصَق على كلّ الحيطان
ستُلصَق على كلّ الحيطان
وأنَّ بَصَماتي..
وأنَّ بَصَماتي..
ستوزَّع على كلَّ المخافر
ستوزَّع على كلَّ المخافر
وأن جائزةً كبرى..
وأن جائزةً كبرى..
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ستُعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
ليُعلّقَ على بوّابة المدينة
كبرتقالةٍ فلسطينية..
كبرتقالةٍ فلسطينية..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
عندما كتبتُ اسمكِ على دفاتر الورد..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
أنّ كلَّ الأُميّين سيقفون ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ آلِ عثمان.. ضدّي
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلَّ الدراويش .. والطرابيش .. ضدّي.
وكلّ العاطلين بالوراثة
وكلّ العاطلين بالوراثة
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
عن ممارسة الحبّ .. ضدّي
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
وكلَّ المرضى بوَرَم الجنس..
ضدّي..
ضدّي..
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
عندما قرّرتُ أن أقتلَ آخر الخلفاءْ
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
وأُعلنَ قيامَ دولةٍ للحبّ..
تكونين أنتِ مليكتَها..
تكونين أنتِ مليكتَها..
كنتُ أعرف..
كنتُ أعرف..
أنَّ العصافير وحدَها..
أنَّ العصافير وحدَها..
ستعلنُ الثورةَ معي..
ستعلنُ الثورةَ معي..
(4)
(4)
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
حين وزَّع اللهُ النساءَ على الرجالْ
وأعطاني إيَّاكِ..
وأعطاني إيَّاكِ..
شعرتُ..
شعرتُ..
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
أنّه انحاز بصورة مكشوفة إليّْ
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
وخالفَ كلَّ الكتب السماويّة التي ألَّفها
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
فأعطاني النبيذ ، وأعطاهم الحنطة
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
ألبسني الحرير، وألبسهم القطن
أهدى إليَّ الوردة
أهدى إليَّ الوردة
وأهداهم الغصن..
وأهداهم الغصن..
*
*
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
حين عَرَّفني اللهُ عليكِ..
وذهب إلى بيته
وذهب إلى بيته
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
فكَّرتُ .. أن أكتب له رسالة
على ورقٍ أزرقْ
على ورقٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأضعها في مُغلّفٍ أزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
وأغسلها بالدمع الأزرقْ
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
أبدؤها بعبارة: يا صديقي
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
كنتُ أريد أن أشكرَهُ
لأنّه اختاركِ لي..
لأنّه اختاركِ لي..
فاللهُ _ كما قالوا لي _
فاللهُ _ كما قالوا لي _
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
لا يستلم إلا رسائلَ الحب
ولا يجاوب إلا عليها..
ولا يجاوب إلا عليها..
*
*
حين استلمتُ مكافأتي
حين استلمتُ مكافأتي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
ورجعتُ أحملك على راحة يدي
كزهرة مانوليا
كزهرة مانوليا
بستُ يدَ الله..
بستُ يدَ الله..
وبستُ القمر والكواكب
وبستُ القمر والكواكب
واحداً .. واحداً
واحداً .. واحداً
وبستُ الجبال .. والأودية
وبستُ الجبال .. والأودية
وأجنحة الطواحين
وأجنحة الطواحين
بستُ الغيومَ الكبيرة
بستُ الغيومَ الكبيرة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
والغيومَ التي لا تزال تذهب إلى المدرسة
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
بستُ الجُزُرَ المرسومة على الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
والجُزُرَ التي لا تزال بذاكرة الخرائط
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
بستُ الأمشاط التي ستتمشّطين بها
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
والمرايا .. التي سترتسمين عليها..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
وكلَّ الحمائم البيضاء..
التي ستحمل على أجنحتها
التي ستحمل على أجنحتها
جهازَ عرسك..
جهازَ عرسك..
(5)
(5)
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
لم أكُنْ يوماً ملِكاً
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
ولم أنحدر من سلالات الملوكْ
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
غير أن الإحساسَ بأنّكِ لي..
يعطيني الشعورَ
يعطيني الشعورَ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
بأنني أبسط سلطتي على القارات الخمسْ
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأسيطر على نزوات المطر، وعَرَبات الريح
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأمتلك آلافَ الفدادين فوق الشمس..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وأحكم شعوباً .. لم يحكمها أحدٌ قبلي..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
وألعب بكواكب المجموعة الشمسية..
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
كما يلعب طفلٌ بأصداف البحر...
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
لم أكنْ يوماً مَلِكاً
ولا أريدُ أن أكونه
ولا أريدُ أن أكونه
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي
غيرَ أن مُجرَّدَ إحساسي
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
بأنّكِ تنامين في جوف يدي..
كلؤلؤة كبيرة..
كلؤلؤة كبيرة..
في جوف يدي..
في جوف يدي..
يجعلني أتوهَّم..
يجعلني أتوهَّم..
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
بأنّني قيصر من قياصرة روسيا
أو أنّني..
أو أنّني..
كسرى أنو شروانْ..
كسرى أنو شروانْ..
(6)
(6)
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ؟
لماذا أنتِ وحدك؟
لماذا أنتِ وحدك؟
من دون جميع النساء
من دون جميع النساء
تغيِّرين هندسةَ حياتي
تغيِّرين هندسةَ حياتي
وإيقاعَ أيّامي
وإيقاعَ أيّامي
وتتسلّلين حافيةً..
وتتسلّلين حافيةً..
إلى عالم شؤوني الصغيرة
إلى عالم شؤوني الصغيرة
وتُقفلين وراءكِ الباب..
وتُقفلين وراءكِ الباب..
ولا أعترض..
ولا أعترض..
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
أُحبّكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأنتقيكِ أنتِ بالذاتْ
وأسمح لكِ..
وأسمح لكِ..
بأن تجلسي فوق أهدابي
بأن تجلسي فوق أهدابي
تُغنّين،
تُغنّين،
وتُدخّنين،
وتُدخّنين،
وتلعبين الورق..
وتلعبين الورق..
ولا أعترض.
ولا أعترض.
*
*
لماذا ؟
لماذا ؟
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
تشطبينَ كلَّ الأزمنة
وتوقفين حركةَ العصور
وتوقفين حركةَ العصور
وتغتالين في داخلي
وتغتالين في داخلي
جميعَ نساء العشيرة
جميعَ نساء العشيرة
واحدة .. واحدة..
واحدة .. واحدة..
ولا أعترض
ولا أعترض
*
*
لماذا؟
لماذا؟
أعطيكِ، من دون جميع النساء
أعطيكِ، من دون جميع النساء
مفاتيحَ مُدُني
مفاتيحَ مُدُني
التي لم تفتح أبوابَها..
التي لم تفتح أبوابَها..
لأيّ طاغية
لأيّ طاغية
ولم ترفع راياتها البيضاء..
ولم ترفع راياتها البيضاء..
لأيّة امرأة..
لأيّة امرأة..
وأطلب من جنودي
وأطلب من جنودي
أن يستقبلوك بالأناشيد
أن يستقبلوك بالأناشيد
والمناديل..
والمناديل..
وأكاليل الغار..
وأكاليل الغار..
وأبايعكِ..
وأبايعكِ..
أمامَ جميع المواطنين
أمامَ جميع المواطنين
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس
وعلى أنغام الموسيقى، ورنين الأجراس
أميرةً مدى الحياة..
أميرةً مدى الحياة..
(7)
(7)
علّمتُ أطفالَ العالم
علّمتُ أطفالَ العالم
كيف يهجّون اسمكِ..
كيف يهجّون اسمكِ..
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
فتحولت شفاهُهُم إلى أشجار توتْ.
أصبحتِ يا حبيبتي..
أصبحتِ يا حبيبتي..
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
في كُتُب القراءة ، وأكياس الحلوى.
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
خبأتُكِ في كلمات الأنبياء
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
ونبيذ الرهبان.. ومناديل الوداع
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
رسمتكِ على نوافذ الكنائس
ومرايا الحُلُم..
ومرايا الحُلُم..
وخشب المراكب المسافرة..
وخشب المراكب المسافرة..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
أعطيتُ أسماكَ البحر..
عنوانَ عينيكِ
عنوانَ عينيكِ
فنسيتْ عناوينها القديمة
فنسيتْ عناوينها القديمة
أخبرتُ تجّار الشرق..
أخبرتُ تجّار الشرق..
عن كنوز جسدك..
عن كنوز جسدك..
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
فصارت القوافل الذاهبةُ إلى الهند
لا تشتري العاج
لا تشتري العاج
إلا من أسواق نهديك..
إلا من أسواق نهديك..
أوصيتُ الريحَ
أوصيتُ الريحَ
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
أن تمشّط خصلات شعرك الفاحم
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
فاعتذرتْ.. بأنَّ وقتها قصيرْ..
وشعركِ طويلْ..
وشعركِ طويلْ..
(8)
(8)
من أنتِ يا امرأة؟
من أنتِ يا امرأة؟
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الداخلة كالخنجر في تاريخي
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
أيّتها الطيّبة كعيون الأرانب
والناعمة كوَبَر الخوخة
والناعمة كوَبَر الخوخة
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
أيتها النقيّة، كأطواق الياسمين
والبريئة كمرايل الأطفال..
والبريئة كمرايل الأطفال..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أيتها المفترسة كالكلمة..
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من أوراق دفاتري
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من شراشف سريري..
أُخرجي من فناجين القهوة
أُخرجي من فناجين القهوة
وملاعق السُكَّرْ..
وملاعق السُكَّرْ..
أُخرجي من أزرار قمصاني
أُخرجي من أزرار قمصاني
وخيوط مناديلي..
وخيوط مناديلي..
أخرجي من فرشاة أسناني
أخرجي من فرشاة أسناني
ورغوة الصابون على وجهي
ورغوة الصابون على وجهي
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
أخرجي من كلّ أشيائي الصغيرة
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
حتى أستطيع أن أذهب إلى العمل...
(9)
(9)
إني أُحبّكِ..
إني أُحبّكِ..
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا ألعبُ معكِ لعبةَ الحبّ
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
ولا أتخاصم معكِ كالأطفال على أسماكِ البحر
سمكة حمراء لكِ..
سمكة حمراء لكِ..
وسمكة زرقاء لي..
وسمكة زرقاء لي..
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
خذي كلَّ السمك الأحمر والأزرقْ
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
خذي البحرَ ، والمراكبَ ، والمسافرين.
وظلّي حبيبتي..
وظلّي حبيبتي..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
إنني أضع جميع ممتلكاتي أمامك..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ولا أفكر في حساب الربح والخسارة..
ربّما ..
ربّما ..
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
لم يكن عندي أرصدة في البنوك
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
ولا آبار بترول أتغرغر بها..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
وتستحمّ فيها عشيقاتي..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ربّما .. لم تكن عندي ثروة آغاخان..
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
ولا جزيرةٌ في عرض البحر كأوناسيس
فأنا لستُ سوى شاعر..
فأنا لستُ سوى شاعر..
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
كلُّ ثروتي.. موجودةٌ في دفاتري
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
وفي عينيكِ الجميلتينْ..
(10)
(10)
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
رماني حبُّكِ على أرض الدهشة
هاجمني..
هاجمني..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
كرائحة امرأةٍ تدخل إلى مصعدْ..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
وأنا أجلس في المقهى مع قصيدة
نسيتُ القصيدة..
نسيتُ القصيدة..
فاجأني..
فاجأني..
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
وأنا أقرأُ خطوطَ يدي
نسيتُ يدي..
نسيتُ يدي..
داهمني كديكٍ متوحّش
داهمني كديكٍ متوحّش
لا يرى.. ولا يسمع
لا يرى.. ولا يسمع
إختلط ريشُه بريشي
إختلط ريشُه بريشي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
إختلطتْ صيحاتُه بصيحاتي
فاجأني..
فاجأني..
وأنا قاعدٌ على حقائبي
وأنا قاعدٌ على حقائبي
أنتظر قطارَ الأيام..
أنتظر قطارَ الأيام..
نسيتُ القطارْ..
نسيتُ القطارْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
ونسيتُ الأيّامْ..
وسافرتُ معكِ..
وسافرتُ معكِ..
إلى أرض الدهشة..
إلى أرض الدهشة..
رسالة حُبّ (21)-(28)
----------------
(21)
وَعَدتُكِ..
أن أبقى محتفظاً بوقاري
كلّما ذكروا اسمكِ أمامي
أرجوكِ . أن تحرّريني من وعدي القديم.
لأنّني كلّما سمعتُهم..
يتلفّظون باسمك..
أبذُلُ جهدَ الأنبياء..
حتى لا أصرخ..
(22)
أتغرغرُ بذكرياتك الصغيرة الملوَّنة
كما يتغرغر عصفورٌ بأغنية..
كما تتغرغر نافورةُ بيتٍ أندلسي
بمياهها الزرقاءْ...
(23)
فكّرتُ أن أستولدكِ طفلاً..
يأتي.. وفي فمه قصيدة.
فكّرتُ أن استولدكِ قصيدة..
فكّرتُ..
في ليالي الشتاء الطويلة
أن أعتدي على جميع الشرائع
وأزرعَ في رحمك عصفوراً..
يحفظ سلالةَ العصافير..
فكّرتُ ..
في ساعات الهّذَيان واحتراق الأعصابْ..
أن أستنبت في أحشائكِ
غابةَ أطفال..
يحفظون تقاليدَ الأُسرة
في كتابة الشعر
ومغازلةِ النساءْ..
(24)
من أيّ جنسٍ أنتِ يا امرأة؟
من قبَّعة أيّ ساحرٍ خرجتِ؟
مَنْ يدّعي أنه سرق مكتوباً واحداً
من مكاتيب حبّك .. يكذبْ
مَنْ يدّعي أنه سرق إسوارةَ ذهبٍ صغيرة
من خزانتك يكذبْ..
مَنْ يدّعي أنّه سرق مشطاً واحداً
من أمشاط العاج التي تتمشّطين بها..
يكذبْ..
مَنْ يدّعي..
أنه اصطاد سمكةً واحدة..
من بحار عينيك.. يكذبْ.
من يدّعي أنه اكتشف..
نوعَ العطر الذي تستعملينه
وعنوانَ الرجل الذي تكاتبينه..
يكذبْ..
من يدّعي .. أنه اصطحبكِ
إلى أيّ فندق من فنادق العالم
أو دعاكِ إلى أيّ مسرح من مسارح المدينة
أو اشترى لكَِ طوقاً من الياسمين..
يكذبْ .. يكذبْ .. يكذبْ ..
فأنتِ متحفٌ مُغْلَقْ..
يومَ السبت، ويوم الأحدْ..
يومَ الثلاثاء ، ويوم الأربعاءْ
وفي كلّ أيّام الأسبوع
متحفٌ مغلقْ..
في وُجُوه جميع الرجالْ
طَوَالَ أيّام السنة...
(25)
رسائلي إليكِ..
تتخطّاني.. وتتخطّاكِ..
لأن الضوءَ أهمُّ من المصباحْ
والقصيدةَ أهمُّ من الدفترْ
والقبلةَ أهمُّ من الشفة..
رسائلي إليكِ..
أهمُّ منكِ .. وأهمُّ منّي
إنّها الوثائق الوحيدة..
التي سيكتشفُ فيها الناس
جمالكِ..
وجُنوني..
(26)
لن أكونَ آخر رجلٍ في حياتكِ.
ولكنني آخرُ قصيدة
مكتوبةٍ بماء الذهبْ
تُعلَق على جدار نهديْكِ
وآخرُ نبيّ
أقنع الناسَ بوجود جنّة ثانية
وراء أهداب عينيكِ.
(27)
بيني وبينك..
اثنتان وعشرون سنةً من العُمْرْ..
وبين فمي وفمك..
حين يلتصقان..
تنسحق السَنَوات..
وينكسر زجاجُ العمرْ..
(28)
في أيّام الصيف..
أَتمدّد على رمال الشاطئ
وأمارس هوايةَ التفكير بكِ..
لو أنّني أقول للبحر..
ما أشعر به نحوكِ
لترك شواطئَه..
وأصدافَه..
وأسماكَه..
وتبعني...
رسالة حُبّ (29)-(50)
-----------------
(29)
عندما أسمعُ الرجال..
يتحدّثون عنكِ بحماسة
وأسمع النساء..
يتحدّثن عنكِ بعصبيَّة..
أعرفُ..
كم أنتِ جميلة..
(30)
كنتُ أعرفُ دائماً..
أنّكِ فُلّة..
ولكنّني عندما رأيتُكِ بثياب البحر.
أدركتُ ..
أنّك شجرةُ فُلّْ..
(31)
صداقةُ يَدَيْنَا..
أقوى من صداقتي معك..
وأصفى .. وأعمقْ..
فحين كنَّا نختصمُ .. ونغضبْ..
ونرفعُ قبضاتنا في الهواءْ..
كانت يدانا تلتصقان.. وتتعانقان..
وتتغامزان.. على غبائنا...
(32)
طالت أظافرُ حبّنا كثيراً..
علينا..
أن نقصَّ له أظافرَهْ
وإلا ذبحكِ..
وذبحني..
(33)
كلّما قبَلتُكِ..
بعد طول افتراق..
أشعر أنني..
أضعُ رسالةَ حبٍّ مستعجلة
في علبة بريد حمراء..
(34)
رسائلي إليكِ..
ليستْ مقاعد من القطيفة
تستريحين عليها..
إنّني لا أكتب إليكِ .. كي تستريحي
إنني أكتب إليكِ..
كي تحتضري معي..
وتموتي معي..
(35)
يندفع حبِّي نحوكِ..
كحصانٍ أبيض..
يرفضُ سرجَه وفارسَه
لو كنتِ يا سيّدتي
تعرفينَ أشواقَ الخيول
لملأتِ فمي..
لوزاً .. وكرزاً..
وفستقاً أخضر..
(36)
عندما تذهبين إلى الجَبَل
تصبحُ بيروت قارةً غيرَ مسكونة..
تصبحُ أرملة..
أنا ضدَّ الاصطياف كلّه
ضد كلّ ما يأخذك
بعيداً عن صدري..
(37)
كلُّ رجل سيُقبِّلُكِ بعدي..
سيكتشف فوق فمك
عريشةً صغيرةً من العنب
زرعتُها أنا...
(38)
إبتعدي قليلاً عن حدقتيْ عينيّ
حتى أُميِّزَ بين الألوان
إنهضي عن أصابعي الخمسة
حتى أعرف حجمَ الكون..
وأقتنع..
أن الأرض كُرويَّة..
(39)
كان المطرُ ينزل علينا معاً..
فتنمو ألوفُ الحشائش
على معطفينا.
بعد رحيلك..
صار المطر يسقط عليَّ وحدي..
فلا ينبت شيء..
على معطفي..
(40)
أتكوَّم..
على رمال نهديكِ.. مُتْعبَاً
كطفلٍ لم ينم منذ يوم ولادته
(41)
آهِ.. لو تتحرّرينَ يوماً..
من غريزة الأرانب..
وتعرفين..
أنني لستُ صيّادَكِ
لكنني حبيبُكِ..
(42)
خطر لي ذاتَ يوم..
أن أخطفكِ على طريقة الشراكسة..
وأتزوّجَكِ..
تحت طَلَقات الرصاصْ..
والتماع الخناجرْ..
لكنّكِ قتلت حصاني
وهو يَلحس الشمعَ عن أصابع قدميك
وقتلتِ معه..
أجملَ لحظة شعر.. في حياتك.
(43)
عندما تزورينني..
بثوبٍ جديدْ..
أشعر بما يشعر به البستانيّ
حين تُزهر لديه شجرة..
(44)
عيناكِ..
حفلةُ ألعاب ناريّة
أتفرّج عليها مرةً .. كلَّ سنة.
وأظلّ طَوَالَ العام..
أُطفيء الحرائق المشتعلة..
في جلدي..
وفي ثيابي..
(45)
أريد أن أركب معكِ
ولو لمرةٍ واحدة..
قطارَ الجنون..
قطاراً ينسى أرصفتَه،
وقضبانَهُ ، وأسماءَ مسافريه..
أريد أن تلبسي..
ولو لمرة واحدة...
معطفَ المطر..
وتقابليني في محطّة الجنون..
(46)
شكراً .. على الدفاتر الملوّنة
التي أهديتها إليّ.
لا شيء يفتح شهيتي في الدنيا
أكثر من ورق الدفاتر الملوّنة
أنا كالثور الإسباني..
يطيب لي أن أموت..
على أية ورقة ملوّنة
ترتعش أمامي..
فهل كنتِ تعرفين يوم أهديتني دفاترك
نَزَواتي الإسبانية؟
(47)
كلّما سافرتِ..
طالبني عطرُكِ بكِ
كما يطالب الطفل بعودة أمّه..
تصوّري..
حتّى العطور..
حتّى العطورْْ..
تعرفُ الغربةَ..
وتعرف النفيْ..
(48)
هل فكّرتِ يوماً .. إلى أينْ؟
المراكبُ تعرف إلى أينْ..
والأسماكُ تعرف إلى أينْ..
وأسرابُ السنونو تعرف إلى أينْ..
إلا نحن..
نحن نتخبَّط في الماء ولا نغرفْ..
ونلبس ثيابَ السفر ولا نسافرْ
ونكتب المكاتيبَ ، ولا نرسلها..
ونحجز تذكرتينْ..
على كلّ الطائرات المسافرة..
ونبقى في المطار.
أنتِ ، وأنا ، أجبنُ مسافريْنْ
عرفَهما العصرْ..
(49)
مزّقتُ ، يومَ عرفتُكِ ،
كلَّ خرائطي .. ونُبُوءاتي.
وصرتُ كالخيول العربية
أشمُّ رائحةَ أَمطاركِ ، قبل أن تبلّلني
وأسمعُ إيقاعَ صوتك
قبل أن تتكلَّمي..
وأفكُّ ضفائرَك .. بيدي
قبل أن تضفريها..
(50)
إغلقي جميعَ كُتُبي
واقرأي خطوطَ يدي
أو خطوطَ وجهي..
إنني أتطلّع إليك بانبهار طفل
أمامَ شجرةِ عيد الميلادْ..
رسالة حُبّ (51)-(60)
----------------
(61)
قُضيَ الأمرُ.. وأصبحتِ حبيبتي
قُضيَ الأمر..
ودخلتِ في طيّات لحمي.. كالظفر الطويلْ..
كالزِرِّ في العُرْوَة..
كالحَلَق في أُذُن امرأةٍ إسبانية..
*
لن تستطيعي بعد اليوم..
أن تحتجّي..
بأنّي مَلِكٌ غيرُ ديمُقراطي
فأنا في شؤون الحُبِّ.. أصنعُ دساتيري
وأحكم وحدي.
هل تستشير الورقةُ الشجرةَ قبل أن تطلع؟
هل يستشير الجنينُ أمَّه قبل أن ينزل؟
هل يستشير النهدُ الغلالة..
قبل أن يتكوَّر؟
*
كوني إذَنْ حبيبتي
واسكتي..
ولا تناقشيني في شرعيّة حبّي لكِ
لأن حبّي لكِ شريعةٌ
أنا أكتُبها..
وأنا أنفّذها..
أما أنتِ..
فمهمّتك أن تنامي كزهرة مارغريت
بين ذراعيّ
وتتركيني أحكمُ..
مهمّتك يا حبيبتي
أنْ تظلي حبيبتي..
(62)
أنتِ امرأةٌ مستريحة..
مستريحةٌ ككلّ المقاعد التي لا طموح لها..
وككلّ الجرائد المتروكة في الحدائق العامة.
الحبّ لديك.. حصانٌ
لا يتقدّم.. ولا يتقهقر
ساعي بريد .. يجيء أو لا يجيء
أيّامك كلُها..
مرسومةٌ في خطوط فناجين القهوة..
ووَرَق اللعِبْ..
ووَدَع المنجّماتْ..
مستريحةٌ أنتِ.. كأرجُلِ الطاولة..
نهدُكِ الأيمنُ، لا يعرف شيئاً ، عن نهدك الأيسرْ
وشفتُك العليا..
لا تدري، بشفتك السفلى..
*
أردتُ أن أنقل الثورة..
إلى مرتفعات نهديك.. ففشلتْ.
أردتُ أن أعلّمكِ الغضبَ، والكفرَ ، والحرّية
ففشلتْ..
الغضبُ لا يعرفه إلا الغاضبون
والكفرُ لا يعرفه إلا الكافرون..
والحرية سيفٌ..
لا يقطع إلا في يد الأحرار
أما أنتِ..
فمستريحةٌ إلى درجة الفجيعة
تراهنينَ على الخيول الراكضة
ولا تمتطينها..
وتلعبين بالرجال..
ولا تحترمين قواعدَ اللُّعْبَة..
أنتِ لا تعرفينَ قشعريرةَ المغامرة
والصدام مع المجهول ، واللامنتظَرْ
أنتِ تنتظرينَ المنتظَرْ..
كما ينتظر الكتابُ من يقرؤه..
والمقعدُ من يجلس عليه..
والإصبعُ خاتمَ الخطبة..
تنتظرين رجلاً..
يُقشِّر لكِ اللوزَ والفستق
ويسقيكِ لبَنَ العصافيرْ
ويعطيكِ مفاتيحَ مدينةٍ
لم تحاربي من أجلها..
ولا تستحقّين شرفَ الدخول إليها..
(63)
يخطُرُ لي أحياناً..
أن أجلدكِ في إحدى الساحات العامة..
حتى تنشر الجرائد..
صورتي وصورتك في صفحاتها الأولى
وحتى يعرفَ الذين لا يعرفونْ..
أنّكِ حبيبتي.
*
لقد ضجرتُ .. من ممارسة الحبّ خلف الكواليس
ومن تمثيل دور العشَّاق الكلاسيكيين..
أريد أن أعتلي خشبةَ المسرحْ..
وأمزّق السيناريو..
وأعلن أمام الجمهور..
أنني عاشق على مستوى العصرْ
وأنكِ حبيبتي
رغمَ أنفِ العصرْ..
*
أريدُ..
أن تعترف الصحافةُ بي
كواحدٍ .. من أكبر فوضوييّ التاريخ
فهذه هي فرصتي الوحيدة..
لأظهرَ معكِ في صورةٍ واحدة
وليعرفَ الذين يقرأون صفحةَ الجرائم العاطفية
أنّك حبيبتي..
(64)
لا أستطيع أن أخرج من حدود بشريتي
وأعاملكِ على طريقة المجاذيب..
والأولياءْ..
إنني أهين أنوثتَكِ
إذا استبقيتُكِ عندي
كزهرةٍ من الورق..
*
ماذا تقول أنوثتك عني؟
إذا عاملتكِ..
كحقل لا يرغب أحدٌ في امتلاكه..
أو كأرضٍ محايدة..
لا يدخلها المحاربون..
ماذا يقول نهداكِ عني؟
إذا تركتهما يثرثران خلف ظهري..
ونمتْ..
ماذا تقول شفتاكِ عني..
إذا تركتُهما تأكلان بعضهما..
وذهبتْ..
*
ليس بوسعي
أن أنظرَ إليكِ
كما تنظر الأبقار الكسلى..
إلى خطوط سكّة الحديدْ..
ليس بوسعي أن أظلّ واقفاً
تحت جُنون مطرك الاستوائيّ..
بلا مظلّة..
(65)
عندما تكونينَ برفقتي
أحبُّ أن أتجاوز جميعَ إشارات المرور الحمراءْ
أُحسُّ بشهوة طفولية
لارتكاب ملايين المخالفات..
وملايين الحماقات..
*
عندما تكون يدُكِ مطمورةً في يدي
أُحبُّ أن أكسر جميعَ ألواح الزجاج
التي ركّبوها حول الحُبّ..
وجميعَ البلاغات الرسمية
التي أصدرتها الحكومة
لمصادرة الحُبّ..
وأشعرُ، بنشوةٍ لا حدود لها
حين تصطدم نثاراتُ الزجاج المكسور..
بعجلات سيّارتي..
(66)
أنتِ لا تستحقّين البحرَ أيتها البيروتيّة..
ولا تستحقّين بيروتْْ
فمنذ عرفتك..
وأنتِ تقتربين من البحر..
كراهبة خائفة من الخطيئة..
تريدُ ماءً بلا بَلَل
وبحراً بلا غَرَق..
وعبثاً .. حاولتُ أن أقنعك
أن تخلعي نظَّارتكِ السوداءْ..
وجواربَكِ السميكة
وساعةَ يدِك..
وتنزلقي في الماء كسمكة جميلة..
ولكنّني فشلت.
وعبثاً حاولتُ أن أشرح لكِ
أن الدُوَارَ جزءٌ من البحر
وأن العشقَ فيه شيء من الموت
وأن الحُبَّ والبحر..
لا يقبلان أنصافَ الحلولْ..
ولكنني يئستُ من تحويلك إلى سمكة مغامرة..
فقد كانت كلُّ شروشك بريّة
وكلُّ أفكارك بريّة..
لذلك أبكي عليكِ يا صديقتي
وتبكي معي بيروت..
(67)
كان عندي قبلّكِ .. قبيلةٌ من النساءْ
أنتقي منها ما أريدْ..
وأعتق ما أريدْ..
كانت خيمتي..
بستاناً من الكُحْل والأساورْ
وضميري مقبرةً للأثداء المطعونة
كنتُ أتصرّف بنذالة ثريّ شرقي..
وأمارسُ الحبَّ..
بعقلية رئيس عصابة..
وحين ضربني حبُّكِ.. على غير انتظارْ
شبَّت النيرانُ في خيمتي
وسقطتْ جميعُ أظافري
وأطلقتُ سراحَ محظيّاتي
واكتشفتُ وجهَ الله..
(68)
مرّتْ شهورٌ..
وأنا لا أعرف رقم هاتفكْْ
أنتِ تفرضين حصاراً..
حتى على رقم هاتفكْ..
تمنعين الكلامَ أن يتكلّمْ..
ترفضين صداقةَ صوتي..
وزيارةَ كلماتي لكِ..
*
إذا كنتُ لا أستطيع أن أزورَكِ
فاسمحي لصوتي..
أن يدخلَ غرفةَ جلوسك
وينامَ على السجّادة الفارسيّة..
أنا ممنوع..
من دخول مملكتك الصغيرة..
فلا أعرف في أيِّ ركن تجلسينْ
وأيَّ المجلات تقرأينْ..
لا أعرف لونَ غطاء سريرك..
ولا لونَ ستائرك..
لا أعرف شيئاً عن عالمك الخرافيّّ
ولكنَّني أخترعه..
أضع الأبيضَ .. على الأحمرْ
والأزرقَ .. على الأصفرْ
حتى أصبحَ عندي ثروةٌ من اللوحاتْ
لا يمتلك مثلَها متحفُ اللوفر..
ولكنْْ..
إلى متى أظلّ أخترعك
كما يخترع الصوفيُّ ربَّهْ..
إلى متى؟
أظلُّ أصنعكِ من خلاصة الأزهارْ
كما يفعل بائع العطور..
إلى متى أظلّ أجمعكِ..
قطعةً .. قطعة
من حقول التوليب في هولندا..
وكروم العنب في فرنسا
وهفيفِ المراوح في إسبانيا..
(69)
حين رقصتِ معي..
في تلك الليلة..
حدث شيء غريبْ.
شعرتُ .. أن نجمةً متوهّجة
تركت غرفتها في السماء
والتجأت إلى صدري..
شعرتُ ، كما لو أنّ غابةً كاملة
تنبتُ تحت ثيابي..
شعرتُ..
كما لو أن طفلةً في عامها الثالث
تقرأ .. وتكتب فُروضَها المدرسيّه
على قماش قميصي..
*
ليس من عادتي أن أرقص..
ولكنني .. في تلك الليلة
لم أكن أرقص فحسب..
ولكنني ..
كنتُ الرقصْ..
(70)
عاد المطرُ ، يا حبيبةَ المطرْ..
كالمجنون أخرج إلى الشرفة لأستقبلَهْ
وكالمجنون ، أتركه يبلّل وجهي..
وثيابي..
ويحوّلني إلى إسفنجة بحريّة..
*
المطر..
يعني عودةَ الضباب ، والقراميد المبلّلة
والمواعيد المبلّلة..
يعني عودتَكِ .. وعودةَ الشعر.
أيلول .. يعني عودة يديْنا إلى الالتصاقْ
فطوال أشهر الصيف..
كانت يدُكِ مسافرة..
أيلول..
يعني عودةَ فمك، وشَعْرك
ومعاطفك، وقفّازاتك
وعطركِ الهنديّ الذي يخترقني كالسيفْ.
*
المطر.. يتساقط كأغنية متوحّشة
ومَطَركِ..
يتساقط في داخلي
كقرع الطبول الإفريقية
يتساقط ..
كسهام الهنود الحُمْرْ..
حبّي لكِ على صوت المطرْ..
يأخذ شكلاً آخر..
يصير سنجاباً..
يصير مهراً عربياً..
يصير بَجَعةً تسبح في ضوء القمرْ..
كلما اشتدَّ صوتُ المطرْ..
وصارت السماء ستارةً من القطيفة الرمادية..
أخرجُ كخَرُوفٍ إلى المراعي
أبحث عن الحشائش الطازجة
وعن رائحتك..
التي هاجرتْ مع الصيف..